صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام

بقلم فضيلة الدكتور محمد يسري إبراهيمالحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإنه لا يستطيع منصف أن يتجاهل حقائق الأرقام حول صناعة الإعلام، ففي آخر إحصائية رسمية مسجلة بنهاية عام 2010م، بلغ عدد الهيئات العربية التي تبث أو تعيد بث قنوات فضائية على شبكاتها 470 هيئة منها 26 هيئة حكومية، و444 هيئة خاصة، وهي تبث أو تعيد بث 733 قناة متعددة الأهداف ومختلفة الأصناف والأطياف، مستعملة في ذلك سبعة عشر قمرًا صناعيًّا [1].

والجمهور المصري من عام 2001م تبلغ نسبة متابعته للقنوات الفضائية بشكل إجمالي 99.5% منهم 50.2% بصفة منتظمة وأن هذه الشريحة في ازدياد منذ ذلك العام إلى أن وصلت إلى 75%، هذا العام 2011م [2].
كما أن نسبة المشتركين العرب في موقع (face book) بلغ قبل الثورات العربية مباشرة وبنهاية ديسمبر 2010م، نحو 21.3 مليون مشترك، وتضاعف هذا العدد بنهاية عام 2011م[3].

والدعاة إلى الله في هذا الزمان يجب أن تتغير نظرتهم إلى الإعلام، إذ الدعوة إلى الله تعالى إعلام بشرعه، ودلالة على دينه وهديه، وقد قال أحد كبار العلماء في العصر الحديث وهو الشيخ ابن باز رحمه الله: «أنجح الطرق في هذا العصر وأنفعها استعمال وسائل الإعلام لأنها ناجحة، وهي سلاح ذو حدين» [4].

والإعلام في الإسلام عبادة جليلة محكومة في غايتها ووسيلتها بأحكام الشريعة المعظمة ومقاصدها المكرمة، شعاره النطق بالكلمة الطيبة، ورعاية قضايا الأمة المسلمة، فهو خيِّر في صناعته، خيِّر في أهدافه ومراميه، خيِّر في غاياته ومساعيه.
والفضل ما شهدت به الأعداء ولقد أعدت جامعة «تل أبيب» دراسة موسعة عن الفضائيات الإسلامية ونشرت منها مقتطفات مجلة «لوبون» الفرنسية، ونقلها موقع الاتحاد الإسلامي للمنظمات الطلابية في إبريل 2007م، جاء فيها «إن الفضائيات الإسلامية تأتي في مقدمة الأسباب التي تؤدي إلى التدين عند الشباب المسلم، حيث أكدت تلك الدراسة أنه بسبب هذه الفضائيات أصبح أكثر من 85% من الفتيات المصريات يرتدين الحجاب، و60% من الشباب يحملون في حقائبهم القرآن الكريم!! وهذا خلاف ما كانوا عليه قبل عشر سنوات!! وهذا ما يهدد أمن إسرائيل!!».

لقد تخطى الإعلام دور المؤثر على الرأي العام ليتحول إلى صانع مهم له، وأصبح أخطر الأدوات التي تشكل الخريطة الفكرية والثقافية على حد سواء مع الخريطة السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تسود العالم [5].
ومن يملك الآلة الإعلامية المناسبة في عالم اليوم هو من يفرض على الناس كيف يفكرون وماذا يختارون، وذلك عن طريق كل وسائل الإبهار والخداع البصري والسمعي وغيرها.

ولقد عانى الدعاة إلى الله في الفترة الأخيرة من الإعلام في العالم بأسره وداخل البلاد العربية معاناة شديدة، حيث عمل الإعلام الممول غربيًّا ومن أصحاب المصالح على تشويه صورة الدعاة الإسلاميين لدى المجتمع بأسره، واستعملت في هذا السبيل كل وسائل الخداع والتضليل، وأثر ذلك على الحياة السياسية بحيث ساهم في إسقاط مرشحين سياسيين وتشويه وجه الأحزاب الإسلامية، ونبذ التوجه السلفي بتهم الإقصاء والعنف والظلامية وغيرها من الإفك المفترى.

وفي نفس الوقت دارت الآلة الإعلامية التغريبية لتروِّج بطريقةٍ دعائيةٍ هجومية للتيارات السياسية الليبرالية واليسارية على حد سواء، حتى غدت البرامج الانتخابية التي تتبناها تلك الأحزاب من رسم محترفي وسائل الإعلام [6].
والدعاة إلى الله يتعين عليهم أن يكون بيانهم الإعلامي حاضرًا في القضايا التي تجدُّ وإلا تلقى الناس عن غيرهم، فالإسراع في بيان الرأي يفيد كثيرًا في التأثير على الناس[7].
كما يجب أن يتحول الدعاة من دائرة رد الفعل إلى الفعل، ذلك أن صاحب الكلمة الأولى إعلاميًّا هو صاحب الكلمة العليا والمؤثرة غالبًا.

وكما أن الفضائيات ووسائل الإعلام الإلكترونية وسيلة فعالة في صياغة الرأي العام فهي أيضًا خيار معرفي وبديل دعوي يقوم على عولمة الثقافة الإسلامية وإشاعة الفكرة والممارسة الإيمانية، وليس يبعد التأمل في دور الفضائيات الإسلامية المعاصرة في تحريك الشعب المسلم إيمانيًّا وعمليًّا نحو التغيير الإيجابي الذي يعم بلادًا عربية كثيرة في عالمنا اليوم.

وبالجملة فإنه بقدر تملُّك الإسلام ودعاته لناصية الإعلام وأخذه بمجامع المبادرات الإعلامية يكون حضوره فاعلًا، ومشاركته المجتمعية مقبولة ومتقبلة، ولا بد للإعلام الإسلامي اليوم أن يخرج إلى آفاق مجتمعية واسعة في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، كما هو في المجالات الدينية أو التعليمية.

وتبقى تحديات مهمة في هذا الصدد الإعلامي منها: القدرة على تقديم إعلام احترافي جذاب ومنضبط في نفس الوقت، والخروج إلى فضاء الأمة بدلًا من التقوقع في بوتقة الجماعة أو الحزب، وتقوية جانب التخطيط الارتيادي للأعمال والمؤسسات الإعلامية الإسلامية، وتفعيل هذه المؤسسات لاستعادة المبادرة والريادة الحضارية للأمة الإسلامية.

وفق الله الدعاة إلى حسن الاستفادة من هذه الوسائل النافعة، وتقبل منا ومنهم، والحمد لله رب العالمين
ـــــــــــــــ
[1] الموقع الرسمي لاتحاد الإذاعات العربية، «www.asbu.net».
[2] دور الفضائيات العربية في تشكيل معارف الجمهور، د. هويدا مصطفى، بحث من سلسلة بحوث ودراسات إذاعية تونس، (2008م).
[3] صحيفة الشرق الأوسط، 8/2/2011م.
[4] فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز، جمع د. محمد الشويعر، (2/452).
[5] الإعلام الإسلامي، محاذير وتنبيهات، بحث مقدم إلى مؤتمر السلفيون آفاق المستقبل ومجلة البيان، د. مصعب الطيب با بكر، (ص79)، وبحوث المؤتمر.
[6] السيطرة الصامتة، لنورينا هيرتس، عالم المعرفة 2006م، (ص127).
[7] وسائل الإعلام وأثرها في وحدة الأمة، محمد موفق الغلاييني، دار المنارة، 1985م، (ص100).