بسم الله الرحمن الرحيم
{ إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ * فَصَل لِرَبكَ وَٱنْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ }
فوائد من تفسير «سورة الكوثر» لشيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله:
قال رحمه الله:
«سورة الكوثر» ما أجلها من سورة! وأغزر فوائدها على اختصارها، وحقيقة معناها تُعلم من آخرها،
وفيها جزاء من شنأ بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ورده لأجل هواه، أو متبوعه، أو شيخه، أو أميره، أو كبيره. كمن شنأ آيات الصفات وأحاديث الصفات وتأولها على غير مراد الله ورسوله منها، أو حملها على ما يوافق مذهبه، ومذهب طائفته، أو تمنى أن لا تكون آيات الصفات أنزلت، ولا أحاديث الصفات قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أقوى علامات شناءته لها:
1- كراهته لها : أنه إذا سمعها حين يستدل بها أهل السنة على ما دلت عليه من الحق اشمأز من ذلك، وحاد ونفر عن ذلك، لما في قلبه من البغض لها والنفرة عنها فأي شانىء للرسول أعظم من هذا.
2- وكذلك أهل السماع الذين يرقصون على سماع الغنا والقصائد والدفوف والشبابات إذا سمعوا القرآن يتلى ويقرأ في مجالسهم استطالوا ذلك واستثقلوه، فأي شنآن أعظم من هذا، وقس على هذا سائر الطوائف في هذا الباب.
3- وكذا من أثر كلام الناس وعلومهم على القرآن والسنة، فلولا أنه شانىء لما جاء به الرسول ما فعل ذلك، حتى إن بعضهم لينسى القرآن بعد أن حفظه، ويشتغل بقول فلان وفلان.
وقوله: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلاَْبْتَرُ } [الكوثر: 3] أي مبغضك، والأبتر المقطوع النسل، الذي لا يولد له خير ولا عمل صالح فلا يتولد عنه خير، ولا عمل صالح.
قال أبـي بكر بن عياش: أهل السنة يموتون، ويحيـى ذكرهم، وأهل البدعة يموتون ويموت ذكرهم؛ لأن أهل السنة أحيوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فكان لهم نصيب من قوله: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح: 4] وأهل البدعة شنؤا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان لهم نصيب من قوله: {إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } [الكوثر:3].
فالحذر الحذر أيها الرجل من أن تكره شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. أو ترده لأجل هواك، أو انتصاراً لمذهبك، أو لشيخك، أو لأجل اشتغالك بالشهوات، أو بالدنيا، فإن الله لم يوجب على أحد طاعة أحد إلا طاعة رسوله، والأخذ بما جاء به، بحيث لو خالف العبد جميع الخلق، واتبع الرسول ما سأله الله عن مخالفة أحد فإن من يطيع أو يطاع إنما يطاع تبعاً للرسول، وإلا لو أمر بخلاف ما أمر به الرسول ما أطيع. فاعلم ذلك واسمع، وأطع واتبع، ولا تبتدع. تكن أبتر مردوداً عليك عملك، بل لا خير في عمل أبتر من الاتباع ولا خير في عامله والله أعلم.أنتهى من مجموع الفتاوى (16/528) بتصرف غير مخل
وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين