تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: مقالات عن الضاد

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,673

    Lightbulb مقالات عن الضاد

    الخصائص الكتابية لصوت الضاد و صوت الظاء
    كبير بن عيسى

    الرسم
    :

    أفادت الدِّراسات المُقارِنة لخطوط النقوش المختلفة على مَرِّ الزَّمان أنَّ الآراميين أخذوا خَطَّهم عن الفينيقيين، وقاموا بتطويره وتعديل صُوَرِ حروفه ونشروه في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ومن الآراميين اقتبسه العرب خَطًّا؛ عددُ حروفه اثنان وعشرون حرفًا، يَفتَقِرُ إلى الإعجام وإلى الحركات؛ فقاموا بتطوير حروفه، كما فعلوا مع الألف والواو والكاف والميم والعين والفاء، بينما أخذت الدال والراء والسين والشين والراء والتاء أشكالا جديدة، وأُهمِلت حروف أخرى[1]، حتى استقلَّت العربية بحروفها. وعن الأنباط وَرِث العرب وَصلَ الحروف وفصلها [2]، يقول إميل يعقوب: "ومن الحروف ما لا يَتصَل بها ما بعدها، وتقبل الاتصال بما قبلها ما لم يكن من جنسها، وهي حروف الانفصال، ويجمعها قولك: زُر ذا وُدٍّ. وما عدا هذه الحروف تُسمَّى حروف الاتصال" [3]، ومنها الضاد والظاء؛ فتُكتَبان في خط النسخ مفردتين هكذا: ض وظ في مثل: خاض وقرظ، ومتصلتين بما قبلها هكذا: ـض، ـظ، في مثل: يقبض وحظ، ومتصلتين بما بعدها هكذا: ضـ وظـ في مثل: ضد، وظل، ومتصلتين بما قبلها وما بعدها هكذا: ـضـ وـظـ في مثل: يضرب، وعظيم. النَّقط: كانت بعض حروف الخط الآرامي تُمثِّل أكثر من صوتٍ، فلجأت الأمم التي اقتبستها إلى رموز كتابية أخرى للتَّفريق بين المُشتَرِك من الأصوات في حرف واحدٍ فاستعمل السُّريان في كتاباتهم الإعجام النقط إضافةً إلى الشَّكل، كما نَقَط العبرانيون بعضًا من حروفهم، كالذال والخاء والظاء [4]. وعلى المنوال ذاته سار العرب، فنَقَطوا ما تشابه من حروفهم؛ وعن ضوابط النَّقط العربي يقول القسطلاني: "القياس يقتضي أنَّ لكُلِّ حَرفٍ شَكلاً، لكن شرَّكوا فيها [5]، فرجعت الأشكال إلى سبعة عشر شكلاً، وانقسمت إلى: عديم النظير [6]، وما له نَظيرٌ واحد [7] أو مُتعدِّدٌ [8] فاحتاجت إلى تمييز، والنَّقط أقلها، فالمُتوَحِّد مُستغنٍ عن النَّقط بِنصِّه، والذي له نظير يُمَيَّزُ بنُقطةٍ فوق، والمُتعدِّد يُمَيَّزُ بعددٍ النُّقَط إلى أقلِّ الجمع، وربما اختلف الاصطلاح؛ كنَقط القاف واحدة، والفاء من أسفل، وذلك في الخط المغربي. فالمنقوط يسمى مُعجَما، أي مُزال العُجمة، وكذلك المُهمَل أيضًا؛ لأنَّ تَرك العَلامة في المُنحصِر عَلامةٌ" [9]. فكان أَن نُقط الصَّاد لِيَدُلَّ على الضاد ض، ونُقطت الطاء لِتَدُلَّ على الظاء ظ. وأقدم دليلٍ مادي على الاستخدام المُبكِّر للإعجام هو: بَردِيَّة ترجع إلى أواخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 22 هـ/642م، تَضُمُّ كافَّة الحروف العربية بأشكالها المختلفة، وقد نُقِط من حروفها: الزاي والذال، والخاء، والنون والشين [10]. وكذلك يظهر التَّنقيطُ واضحًا في كتابة سَدِّ مُعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، المؤرَّخة سنة ثمان وخمسين للهجرة [11]. فالإعجام إذن؛ كان معروفًا ومُستعملاً زمنَ الخلفاء الراشدين في الكتابات الرَّسميَّة واليوميَّة، خلافًا للمُتداوَل من كونه استُحدِث زَمنَ الأُمويين. من معاني الضاد والظاء في كلام العرب: لم تُوظَّف الضاد ولا الظاء في العربيَّة إلا ضمن حروف المباني، وهذه الحروف يجوز فيها التذكير والتأنيث؛ فالتَّذكير على تأويل حرف أو صوت، والتَّأنيث على تأويل "كلمة" [12]. يُقال: ضَوَّدتُ ضادًا حسنَةً وحَسَنًا، وجَمْعُهُ على التَّذكيرِ أَضوادٌ، وعلى التَّأْنيثِ ضاداتٌ. أما الظاء؛ فيُقال: ظَيَّيْتُ ظاءً حَسَنَةً وحَسَناً، وجَمْعُهُ على التَّذكيرِ: أَظْواءٌ، وعلى التَّأْنيثِ: ظاءاتٌ، وكلمة مُظيَّأَةٌ: فيها ظاءٌ [13]. والعُلماء القُدامى لم يَكتفوابالتعرُّ ف على الحروف المفردة، بل راحوا يبحثون عن دلالات أسمائها؛ ومن ثَمَّ تضمينها منظومات شعريَّة ليَسهُل حِفظها، كما فعل أبو عبدالله الهروي الأندلسي في نونيته [14]. وبمراجعة ما خلَّفوه؛ نقف على معانٍ عدَّة لكلمة الضاد وكلمة الظاء، على حَدٍّ سواء.

    1- من معاني كلمة الضاد:جاءت كلمة الضاد في اللغة على معانٍ؛ منها: الهُدهُد الضَّعيف؛ قال الشَّاعِر:

    كأَنِّيَ ضادٌ يوم فارقت مالكًا =أَنُوءُ إِذا رُمْتُ القيامَ فأَكسَلُ [15]

    والضَّوادِي: الكَلامُ القَبيحُ، وما يُتَعَلَّلُ به من الكَلامِ [16]؛ قال أميةُ بن أبي الصَّلْتِ:

    ومَا لِيَ لا أُحَيِّيهِ وعِنْدِي =قَلائضُ يَطَّلِعْن منَ النِّجادِ
    إليَّ وإنَّه للناسِ نَهْيٌ =ولا يُعْتَلُّ بالكَلِمِ الضَّوَادي

    قال ابن سيده: "ولا يُحَقَّقُ له فِعْلٌ، وهذه الكلمة لم يَحْكِها إلاَّ ابنُ دُرُسْتَوَيْه، ولا أَصْلَ لها في اللُّغِة" [17]. كذا قال ! وقد حكاها ابن الأَعرابي أيضًا [18]، وفسَّرها.


    2- من معاني كلمة الظاء:جاءت كلمة الظاء في اللغة على معانٍ؛ منها: صَوْتُ التَّيْسِ ونَبِيبُه؛ يقول أحد الشعراء:
    يَصوعُ عَنوقَها أحوَى زَنيم =له ظاءٌ كما صَخِبَ الغَريمُ

    العَجوزُ المنْثِنِيةُ ثَدْيها؛ أنشد الخليل:
    أنكحتُ من حَيّي عجوزًا هَرِمَهْ=ظاء الثُدِي كالحَنِي هَذْرَمَهْ [20]

    اسم موضع [21]. الظاءُ الكافية، وهي التي يُقتَصَر عليها من ذِكر الظَّلام [22].



    [1] انظر: الجبوري، يحي بن وهيب، الخط والكتابة في الحضارة، دار الغرب الإسلامي، لبنان ط1، 1994. ص31-38.
    [2] انظر: الجبوري، يحي بن وهيب، الخط والكتابة في الحضارة. ص25.
    [3] إميل بديع يعقوب، موسوعة الحروف في اللغة العربية. ص448.
    [4] انظر: الجبوري، يحي بن وهيب، الخط والكتابة في الحضارة. ص109.
    [5] أي: أشركوا عدة أحرف في شكل واحد؛ كما في الباء والتاء والثاء.
    [6] كالألف، والكاف، واللام.
    [7] كالدال، والراء، والسين.
    [8] كالباء، والجيم.
    [9] القسطلاني، أحمد بن محمد، لطائف الإشارات لفنون القراءات. ج1ص282.
    [10] انظر: الجبوري، يحي بن وهيب، الخط والكتابة في الحضارة. ص50.
    [11] المرجع نفسه. ص109.
    [12] إميل بديع يعقوب، موسوعة الحروف في اللغة العربية. ص283، 449.
    [13] انظر: المرتضى الزَّبيدي، محمّد بن محمّد، تاج العروس من جواهر القاموس. ج38ص529.
    [14] انظر: الظاهري، أبو تراب، لجام الأقلام، تهامة، السعودية، 1978. ص185.
    [15] الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز. ج4ص69.
    [16] انظر: المرتضى الزَّبيدي، محمّد بن محمّد، تاج العروس من جواهر القاموس. ج38ص464.
    [17] ابن سيده، علي بن إسماعيل، المحكم والمحيط الأعظم. ج8ص240.
    [18] ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب. ج3ص266.
    [19] المرتضى الزَّبيدي، محمّد بن محمّد، تاج العروس من جواهر القاموس. ج40ص435.
    [20] المرتضى الزَّبيدي، محمّد بن محمّد، تاج العروس من جواهر القاموس. ج38ص530.
    [21] المصدر نفسه. ج38ص530.
    [22] الفيروز آبادي، محمد بن يعقوب، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز. ج4ص75.

    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,673

    Lightbulb رد: مقالات عن الضاد

    (الضاد في المعاجم العربية)
    د. عدنان الخطيب
    المصدر: كتاب "المعجم العربي بين الماضي والحاضر"


    قال أبو الطيب المتنبي، وهو من رجال القرن الرابع للهجرة، يفتخر:
    لاَ بِقَوْمِي شَرُفْتُ بَلْ شَرُفُوا بِي= وَبِنَفْسِي فَخَرْتُ لاَ بِجُدُودِي
    وَبِهِمْ فَخْرُ كُلِّ مَنْ نَطَقَ الضَّا=دَ وَعَوْذُ الجَانِي وَغَوْثُ الطَّرِيدِ

    قال البرقوقي شارح ديوان أبي الطيب: "كل من نطق الضاد: العرب، لأن الضاد لا توجد في غير العربية، يقول: على أنه بقومي فخر العرب جميعًا، وبهم عوذ الجاني، أي أن من جنى جناية وخاف على نفسه لجأ إلى قومي؛ ليأمن على نفسه، وبهم غوث الطريد - وهو الذي نفي وطرد - أي أنه يستغيث بهم فيغيثونه وينصرونه[1]" .

    ولكن من الذي أطلق على العرب اسم "الناطقين بالضاد"؟ ولماذا أطلق عليهم هذا الاسم؟
    إن أقدم مصدر لغوي بين يدي الآن، يشير إلى سبب هذه التسمية، كتاب "الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها"، لأحمد بن فارس، أحد كبار أئمة العربية في القرن الرابع للهجرة، قال أحمد بن فارس - في باب الحروف -:


    "فأصل الحروف الثمانية والعشرين التي منها تأليف الكلام كله.... فأول الحروف (الهمزة)... ومما اختصت به لغة العرب (الحاء) و(الظاء)، وزعم ناس أن (الضاد) مقصورة على العرب دون سائر الأمم[2]".

    وفي القرن الثامن للهجرة أثبت ابن منظور في "لسان العرب" في مادة (ض و د) ما يلي:
    "الضاد حرف هجاء، وهو حرف مجهور، وهو أحد الحروف المستعلية، يكون أصلاً لا بدلاً ولا زائدًا، والضاد للعرب خاصة ولا توجد في كلام العجم إلا في القليل، ولذلك قيل في قول أبي الطيب:
    وَبِهِمْ فَخْرُ كُلِّ مَنْ نَطَقَ الضَّا=دَ وَعَوْذُ الجَانِي وَغَوْثُ الطَّرِيدِ

    ذهب به إلى أنها للعرب خاصة ...".
    وجزم الفيروز آبادي في القرن التاسع للهجرة في "القاموس المحيط" في مادة (ض و د) بأن: "الضاد حرف هجاء للعرب خاصة" بعد أن استفتح كتابه بمقدمة قال فيها: "الحمد لله منطق البلغاء باللغى في البوادي... باعث النبي الهادي مفحمًا باللسان الضادي كل مضادي... (محمد) خير من حضر النوادي".

    وعلق الزبيدي "شارح القاموس" على قول الفيروز آبادي بأن: "الضاد حرف هجاء للعرب خاصة" قائلاً: أي يختص بلغتهم، فلا يوجد في لغات العجم، وهو الصواب الذي أطبق عليه الجماهير، ونقل شيخنا عن أبي حيان - رحمه الله تعالى -: "انفردت العرب بكثرة استعمال الضاد، وهي قليلة في لغة بعض العجم، ومفقودة في لغة الكثير منهم، وذلك مثل العين المهملة، وذكر أن الحاء المهملة لا توجد في غير كلام العرب، ونقل ما نقله في الضاد في محل آخر عن شيخه ابن أبي الأحوص، ثم قال: والظاء المشالة مما انفردت به العرب دون العجم، والذال المعجمة ليست في الفارسية، والثاء المثلثة ليست في الروسية ولا في الفارسية، قاله ابن قريب، والفاء ليست في لسان الترك، وفي اللسان: ولا يوجد، يعني الضاد، في لسان العجم إلا في القليل".

    وفي العصر الحديث قال البستاني صاحب "محيط المحيط": "قيل الضاد للعرب خاصة، وليس له حرف يقابله في باقي لغات الساميين، ويقابله عند الإفرنج حرف الدال في بعض الأحوال فيلفظ كلفظه".

    وجاء "المعجم الوسيط" يعرف حرف (الضاد)، ذاكرًا ما يلي: "ويظهر أن الضاد كانت عصية النطق على أهل الأقطار التي فتحها العرب، أو على بعض القبائل العربية في شبه الجزيرة، وهذا يفسر تلك التسمية القديمة: "لغة الضاد".

    وهذا القول - رغم أنه صيغ بلغة الظن - ليس محلاًّ للتعليق عليه، لولا ما جاء في المعجم المذكور عند التَّعرف بحرف (الظاء)، إذ ورد في التعريف: "وهو حرف عربي خص به لسان العرب لا يشركهم فيه أحد من الأمم".

    وما ورد في المعجم في حرف (الظاء) نقل عن "لسان العرب" إذ ورد فيه: "روى الليث أن الخليل قال: الظاء حرف عربي خص به لسان العرب، لا يشركهم فيه أحد من سائر الأمم..." قال ابن جني: ولا يوجد في كلام النبط، فإذا وقعت فيه قلبوها طاء".

    وفي "القاموس المحيط" في مادة (ظ و ى): (الظاء حرف خاص بلسان العرب)، وأثبت صاحب "تاج العروس" عند كلامه على حرف (الظاء)، ما أورده صاحب اللسان من رواية عن الليث، وأضاف في مادة (ظ و ى) معلقًا على قول الخليل: "وصرح بمثله أبو حيان وشيخه ابن أبي الأحوص وغير واحد، فلا يعتقد بمن قال إنما الخاص - بلغة العرب – الضاد"، قلت: وكأنه تعريض على البدر القرافي حيث قال: إنما المختص بهم (الضاد).

    وقال البستاني في معجمه "محيط المحيط": "الظاء هو الحرف السابع عشر من حروف المباني، وليس له في العبرانية والسريانية حرف يقابله".

    من هذا العرض لما ورد في المعاجم العربية، نستنتج أن العربية تمتاز بحروف تفتقدها اللغات الأخرى، مما يجعل أهل هذه اللغات عاجزين عن النطق بالحروف التي تختص بها العربية، كنطق العرب بها، ومن الثابت اليوم أن عدد حروف الهجاء في العربية يزيد عن عدد حروف كثير من اللغات المعروفة، وأن حروف (الضاد، والظاء، والعين) لا وجود لها في اللغات السامية مثلاً [3] ، كما أن حروف (الضاد، والظاء، والعين) لا وجود لها في اللغات اللاتينية [4]، ومن الثابت أيضًا صعوبة نطق غير العرب بالحروف العربية نطقًا سليمًا حتى... أن الجمهور الأكبر من الأوربيين لا يستطيعون - مع كل اجتهادهم - أن يتلفظوا تلفظًا صحيحًا بالحروف العربية (ض، ط، ظ) وما هو من نوعها[5]، "وأن الذين يرغبون في تعلم العربية من الأوربيين يجدون النطق بـ (الضاد) أشد صعوبة من النطق بغيرها من الحروف العربية، إذ إن لفظ (الضاد) يستلزم تمرنًا خاصًّا، وهو لا يقارب لفظ (الدال)؛ كما يقارب لفظ (الطاء) لفظ (التاء)، أو كما يقارب التلفظ بـ (الظاء) من التلفظ بـ (الذال)؛ [6] أي إن لفظ (الضاد) أعصى على المستعربين من لفظ أي حرف عربي آخر عصي على الأعاجم.

    لهذا كان من المستحسن أن يغفل "المعجم الوسيط" في تعريف حرف (الظاء) الرواية المأثورة عن الليث، وأن يستبدل بالتعريف الوارد في حرف (الضاد) ما يلي:
    والضاد من أعصى الحروف العربية نطقًا على غير العرب، ولهذا سميت العربية "لغة الضاد"....

    حفظ الله كبير شعراء العربية المعاصرين بدوي الجبل الذي جعل الضاد علمًا على وحدة البلاد العربية وقال:
    كُلُّ الرُّبُوعِ رُبُوعُ العُرْبِ لِي وَطَنٌ= مَا بَيْنَ مُبْتَعِدٍ مِنْهَا وَمُقْتَرِبِ
    لِلضَّادِ تَرْجِعُ أَنْسَابٌ مُفَرَّقَةٌ=فَا ضَّادُ أَفْضَلُ أُمٍّ بَرَّةٍ وَأَبِ
    تَفْنَى العُصُورُ وَتَبْقَى الضَّادُ خَالِدَةً=شَجًى بِحَلْقِ غَرِيبِ الدَّارِ مُغْتَصِبِ

    ورحم الله أمير الشعراء فقد بكى حافظًا [7] بقوله:
    لُبْنَانُ يَبْكِيهِ وَتَبْكِي الضَّادُ مِنْ = حَلَبٍ إِلَى الفَيْحَا إِلَى صَنْعَاءِ
    يَا حَافِظَ الفُصْحَى وَحَارِسَ مَجْدِهَا= وَإِمَامَ مَنْ نَجَلَتْ مِنَ البُلَغَاءِ
    مَا زِلْتَ تَهْتِفُ بِالقَدِيمِ وَفَضْلِهِ= حَتَّى حَمَيْتَ أَمَانَةَ القُدَمَاءِ


    [1] انظر "شرح ديوان المتنبي" ج1 ص 209، القاهرة 1930م.
    [2] انصر "الصاحبي" ص 71، تحقيق ونشر محب الدين الخطيب - المكتبة السلفية - القاهرة 1910م.
    [3] انظر كتاب "تاريخ اللغات السامية" تأليف/ إسرائيل ولفنسون ص 19 القاهرة 1929م.
    [4] انظر بحث المستشرق لويس ماسينيوس عن مستقبل الخط العربي في مجلة مجمع اللغة العربية الجزء 12 القاهرة سنة 1960م.
    [5] من كتاب "جزيرة العرب مهد الإسلام" (Arabia the cradle of Islam ) لمؤلفه المبشر الإنكليزي زومر، المطبوع في لندن سنة 1900، نقلاً عن مقال المستشرق الفينلدني كرسكو، المنشور في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، في عدد تشرين سنة 1924، عنوانه "نفي أوهام الأوربيين في صعوبة تعلم اللغة العربية".
    [6] انظر مقال المتشرق كرسكو الذي سبقت الإشارة إليه.
    [7] حافظ إبراهيم شاعر العربية القائل بلسانها:
    وَسِعْتُ كِتَابَ اللهِ لَفْظًا وَغَايَةً =وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بِهِ وَعِظَاتِ
    فَكَيْفَ أَضِيقُ اليَوْمَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ= وَتَنْسِيقِ أَسْمَاءٍ لِمُخْتَرَعَاتِ
    أَنَا البَحْرُ فِي أَحْشَائِهِ الدُّرُّ كَامِنٌ=فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِي

    رابط الموضوع
    http://www.alukah.net/Literature_Lan...#ixzz2DvwdevLU
    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,673

    Lightbulb رد: مقالات عن الضاد

    ألوفونات صوت الضاد
    كبير بن عيسى
    بمرور الزَّمن، واختلاط العرب بالعجم؛ ظهرت أشكالٌ جديدة للنُّطق بصوت الضاد الأصلي؛ "فمنهم من يُخرِجُه ظاء، ومنهم من يمزجه بالذال، ومنهم من يجعله لاما مفخما، ومنهم من يشمّه الزاي"[1]، وربما أخرجها البعض ممزوجة بالدال أو بالطاء المهملة.

    فالضَّاد نُطِقَت شَبيهَةً بستة أصوات - على الأقل -؛ هي: الظاء والذال واللام والزاي والدال والطاء.

    وهذه الأصوات جميعُها ذاتُ مخارجَ قريبةٍ من مخرج الضاد الأصليَّة، ما يجعل انتقال الناطق بالضاد إلى أحد تلك الأحرف أمرا غير مُستَبعَدٍ خاصة في ظل خاصية التخفيف التي تخضع لها اللغات عمومًا.

    وَيميلُ كثيرٌ من البَاحثين المُحدَثين في درسهم لصوت الضَّاد إلى الحديث عن ضاد قديمة وأخرى حديثة، وأُفضِّل أن يدور الكلام حول ضادٍ أصلية وأُخرَياتٍ فرعية هي ألوفونات لها؛ لأنَّ تلك الألوفونات أو بعضها - على الأقل - قديمةٌ قِدَم الضاد الأصليَّة نفسها، فنعتُها بالحديثة لا يعكِسُ واقعها الصوتي. وفي بحثي هذا سَأُرَكِّز، كما هو الحال في أكثر المؤلفات الصوتية، على ألوفونين اثنين لصوت الضاد، هُما: الضاد الضعيفة والضاد الدالية، وربما أُشيرُ إلى غيرهما، إنْ اقتضى المقام ذلك.

    الضاد الضعيفة: ذكر هذا الألوفون سيبويهِ في سياق كلامه عن الأصوات العربيَّة الفرعيَّة، غيرِ المُمَثَّلَةِ كتابيًّا، والتي هي: "غيرُ مستحسنةٍ، ولا كثيرةٍ في لغة من تُرتضى عربيته، ولا تُستحسن في قراءة القرآن ولا في الشعر؛ وهي: الكاف التي بين الجيم والكاف والجيم التي كالكاف، والجيم التي كالشين، والضاد الضعيفة، والصاد التي كالسين والطاء التي كالتاء، والظاء التي كالثاء، والباء التي كالفاء" [2]. وهذه الأحرف الثمانية تُقابلها ستة: "كثيرةٌ يُؤخذُ بها، وتُستحسَنُ في قراءة القرآن والأشعار، وهي: النون الخفيفة، والهمزة التي بين بين، والألف التي تمال إمالة شديدة، والشين التي كالجيم، والصاد التي تكون كالزاي، وألف التفخيم، يعني بلغة أهل الحجاز، في قولهم: الصلاة والزكاة والحياة" [3].

    فتلك الحروف الفرعيات ناتجةٌ؛ إمَّا عن تغيير في بِنيَة الصَّوت (إما بالتفخيم، و إما بالإضعاف، وإما بالتخفيف (أو الإخفاء)، وإما بالإمالة الشديدة)، وإما بتشبيهها بحرف آخر، أو بتوسُّطِها بين حرفين. ولا يتَّسع المقام لبسط الكلام فيها. ولَإِن كان سيبويه اعتذر عن إهماله وصف غالب تلك الحروف، بكونها: "لا تتبيَّن إلاَّ بالمُشافهة" [4]، فإنه فيما يتعلَّق بالضاد الأصليَّة؛ عُني بالحديث مُفصَّلاً عن ضَرَّتها التي نَعَتها بـ(الضعيفة)، والتي هي كما يقول غانم قدُّوري الحَمَد: "نوعٌ من أنواع الضاد التي لم تَستوفِ صفات الضاد العربية كاملة" [5]، إنها صُورةٌ لنُطق الضاد (ألوفون للضاد) مُدرَجَةٌ ضمن الأحرف المُستهجنَة. ولِأنَّ تلك (الضَّادَ الضعيفة) "مظهرٌ من مظاهر عدم تمكُّن بعض العرب القُدَماء من نُطق الضَّاد" [6]، فقد استدرك سيبويه على اعتذاره السالف بقوله: "إلاَّ أنَّ الضاد الضعيفة تُتَكَلَّفُ من الجانب الأيمن، وإن شئتَ تَكَلَّفْتها من الجانب الأيسر، وهو أخفُّ؛ لأنها من حافة اللسان مُطْبقة؛ لأنك جمَعْتَ في الضاد تكلُّف الإطباق مع إزالته عن موضعه.

    وإنما جاز هذا فيها؛ لأنك تُحَوِّلها من اليسار إلى الموضع الذي في اليمين. وهي أخفُّ لأنها من حافة اللسان، وأنها تخالط مَخْرَج غيرها بعد خروجها، فتستطيل حين تخالط حروف اللسان، فسَهُل تحويلها إلى الأيسر؛ لأنها تصير في حافة اللسان في الأيسر إلى مثل ما كانت في الأيمن، ثم تَنْسَلُّ من الأيسر حتى تتَّصِلُ بحروف اللسان كما كانت كذلك في الأيمن" [7]. وإذا جاز لي أن أُقسِّم عبارة سيبويه هذه إلى قسمين؛ أحدهما: المتن، والآخر: شرحه. فسيكون المتن قوله: "الضاد الضعيفة تُتكلَّفُ من الجانب الأيمن، وإن شئتَ تَكَلَّفْتها من الجانب الأيسر، وهو أخفُّ"، وتكون عبارة: "لأنها...اليمين " شرحًا للمتن إلا قوله: "وهو أخفُّ"؛ فتشرَحُهُ عبارة: "لأنها...الأيمن ".

    واضحٌ أنَّ سيبويه لم يُعنَ ببيان مخرج هذه (الضاد الضعيفة) كما فعل في الضاد الأصلية، ولكنَّه ركَّز على توضيح الجانب الموكَلِ إليه نُطقها، وهو ما لم يفعله في الضاد الأصلية. ومُجمَل ما ذكره هنا:
    1- أنها ضادٌ مُتكلَّفَةٌ؛ يُتَكَلَّف فيها الإطباق لتُحافظ الضاد على وجودها، وتُتَكَلَّف إزالة الإطباق عن موضعه، رُبَّما لِيتأتَّى إخراجها من الجانب الأيمن، حتى تَبدُوَ كالضاد الأصليَّة. وعن هذا التَّكلُّف يقول مكي درار: "ولم يَقُل بهذا في غيرها، فكُلُّ الأصوات تحدُثُ بعَفوِيَّة ويُسرٍ، ولا يكون التكلُّف إلاَّ في غير المألوف المُعتَاد" [8]؛ لأنَّه جرى على لِسانٍ لم يَعتَد النُّطق بالضَّاد الأصلي.
    2- أنَّ تَكلُّف إخراجها من الجانب الأيسر أخف؛ "لأن الجانب الأيمن قد اعتاد الضاد الصَّحيحة، وإخراج الضعيفة من موضعٍ قد اعتاد الصحيحة أصعبُ من إخراجها من موضعٍ لم يَعتَد الصَّحيحة" [9]، كما لا يخفى.
    3- أنَّه باحتكاك هواء الزَّفير المجهور بحافة اللسان اليمنى، والأضراس المقابلة لهذا الجانب يتولَّدُ صوتٌ يستطيلُ ليُخالِط مَخْرَج غيره من حروف اللسان، فيسهُل تحويله إلى الحافة اليسرى، ثم يَنْسَلُّ منها ليتَّصِل بحروف اللسان كما كان في الحافة اليمنى.
    4- أنَّها ضاد مُطْبقة مستطيلة فيها رخاوة. وسيبويه لم يُمَثِّل لتلك (الضاد الضعيفة)، ولا ذكر علَّة ضعفها، لكن المؤكَّدَ أنَّ سببَ الضعف راجعٌ إمَّا إلى تغيير في مخرج الضاد الأصلي أو تغيير في صفاته، ولأنَّ الضاد باستطالتها قد تخالط صوتًا أو أكثر من أصوات اللسان، فلابد أن يكون فيها شَبَهٌ من بعضها. والأصوات المَعنِيَّةُ هنا هي التي تَلي مخارجها مخرج الضاد الأصلي وهي عند سيبويه: النون، والراء، والطاء، والدال، والتاء، والزاي، والسين، والصاد والظاء، والذال، والثاء، واللام.

    لكن أيُّ تلك الأصوات هو الذي أَثَّر في الضاد فأضعَفَها؟ يُركِّزُ كثيرٌ من الباحثين على صوت الثاء؛ فيميل مَبرَمان (ت 345 هـ) وابن عصفور (ت 669 هـ) إلى أنَّ الضاد الضعيفة مُبدلَةٌ من الثاء؛ كما يُقال في (اثرِد له): (اضرِد له)، يُقرِّبون الثاء من الضاد، ويُعلِّل ذلك ابن الأنباري بقوله: "وذلك في لغة قوم ليس في أصل حروفهم الضاد، فإذا تكلَّفوها ضعُف نطقهم بها" [10]، ويُرجِّحُ تمام حسان هذا القول بِناءً على اشتراك الثاء مع الضاد في صفة الرخاوة؛ فيقول: "ومن هنا نجد بعض العرب حين ينطقون كلمة تشتمل على صوت الثاء مَتلُوًّا بحرف مفخم مجهور، يحدُث في نطق الثاء شيء من عدوى التفخيم والجهر الضعيفة، فتصير الثاء بذلك ضادا ضعيفة" [11].

    ويَعترِضُ أبو حيَّان النَّحوي على هؤلاء بقوله: "في تفسير الضاد الضعيفة بهذا، وفي تمثيله نظرٌ! والذي يظهر أن الضاد الضعيفة هي التي تقترب من الثاء - عكس ما قال مَبرَمان وابن عُصفور -. فتقول في (اضرِب زيدا): (اثرب زيدا)؛ بين الضاد والثاء" [12].

    وهذا أوجَهُ من الأول؛ لأنَّ الضُّعف لا يتعلَّق بالثاء التي استَقوَت بتقريبها من الضاد، بل بالضَّاد التي ينبغي أن تكون قويَّة. أمَّا أبو علي الفارسي (ت 377هـ)؛ فيرى أن ضَعف الضاد مَرجِعُه ضَعف إطباقها؛ فيقول: "كما إذا قلت: (ضرب) ولم تُشبِع مخرجها، ولا اعتمدت عليه ولكن تُخفِّف وتختلِس؛ فيضعُف إطباقها" [13]، فعلى هذا تكون شبيهةً باللاَّم. ويَميل السِّيرافي (ت368هـ) إلى أنها: "منلغة قومٍ ليس في أصل حروفهم ضادٌ، فإذا احتاجوا إلى التكلم بها من العربيَّة اعتاصتْ عليهم فربّما أخرجوها ظاءً وذلك أنهم يخرجونها من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، وربّما تكلَّفوا إخراجها من مخرج الضاد، فلم تتأتَّ لهم فخرجتْ من بين الضاد والظاء" [14]. أي: أنها ضادٌ ظائيَّة.

    ويُعلِّق غانم قدُّوري الحَمد على هذه الآراء بقوله:
    "ويبدو أن مصطلح (الضاد الضعيفة) لم يَعُد يُطلق على صوت مُحدَّد؛ فإذا كان سيبويه قد أطلقه على صوت مُحدَّد فإننا نجد العلماء بعده يستخدمونه للإشارة إلى أكثر من صوت، وذلك حسب ما تؤول إليه الضاد، سواء كان ذلك الصوت ظاءً، أو بين الضاد والظاء، أو بين الضَّاد والثَّاء" [15] أو لامًا، كما يُفهَم من كلام أبي علي الفارسي.

    الضاد الدالية
    :
    تَراجَعَ بعضُ العرب بصوت الضاد الأصلي حتى جعلوه قريبًا من مخرج الدال وقد أشار إلى هذا الألوفون ابن سينا؛ حيث مَيَّز في درسه الصوتي بين نوعين من الأصوات: "مُركَّبةٌ، وحدوثها عن حُبسَاتٍ غير تامة لكن تتبع إطلاقات" [16] وأخرى "مُفردةٌ، وحدوثها عن حُبسات تامَّةٍ للصَّوت أو الهواء الفاعل للصَّوت يتبَعُها إطلاقٌ دفعةً" [17]. ويعني بالأصوات المفردة: "الباء، والتاء، والجيم والدال والضَّاد أيضًا من وجه". ومن المَعلوم أنَّ الأصوات الأربعة الأولى شديدةٌ، فإلحاقه الضَّاد الرِّخوة بها، وتقييدُه لها بقوله: "من وجه" يعني: أنه يتحدَّث عن ألوفون آخر للضَّاد الأصليَّة يَتَّصِفُ بالشِّدَّة، قد يكون (الضاد الضعيفة) التي تحدَّث عنها سيبويه وقد يكون غيرَها.

    وفي وصفه لطريقة خروج تلك الأصوات المُفرَدة، يقول ابن سينا إنها: "تشترك في أنَّ وُجودها وحدوثها في الآن الفاصل بين زمان الحبس وزمان الإطلاق، وذلك لأنَّ زمانَ الحَبس التام لا يُمكِن أن يحدُث فيه صوت حادث عن الهواء وهو مُسَكَّنٌ بالحبس. وزمان الإطلاق ليس يُسمع فيه شيء من هذه الحروف، لأنها لا تمتد ألبتة إنما هي مع إزالة الحَبس فقط" [18]. واضحٌ من قوله: "لأنها لا تمتد ألبتة" [19] نفي الرَّخاوة والاستطالة عنها، و(الضاد الضعيفة) نعتها سيبويه بالاستطالة في قوله: "فتستطيل حين تُخالِط حروف اللسان" [20]، وهذا يُلغي احتمال أن تكون (الضاد الضعيفة) هي التي عناها بقوله: "والضاد أيضا من وجه"، فلم يبق إلا احتمال ألوفون آخر للضاد الأصليَّة هو الضاد الدالية الشديدة (الانفجارية). ويؤكِّد هذا الاستنتاج ما ذكره ابن سينا نفسه في حديثه عن (أن هذه الأصوات اللغوية قد تُسمع من حركات غير نطقية)؛ حيث يُصرِّح بـ"أن الضاد تُسمع عن انفلاق فقاقيع كبار من الرطوبات" [21]، أي: أنها ذات طابع انفجاري. فالألوفون الضادي المصري الذي شغل الباحثين المُحدَثين عُمُره يزيد عن ألف سنة، إنه نسخة طبق الأصل لذاك الذي تحدَّث عنه ابن سينا في القرن الخامس الهجري. ونجد حديثًا عن هذا الألوفون في سياق كلامٍ لابن الجزري يقول فيه: "ومنهم من لا يوصلها إلى مخرجها، بل يُخرجها دونَه ممزوجةً بالطَّاء المُهمَلة، لا يقدِرون على غير ذلك، وهم أكثر المصريين وبعض أهل المغرب" [22]، وهذا إخبارٌ من ابن الجزري عن نُطقٍ كان شائعًا في القرن التاسع الهجري. والضاد الدَّالية التي تجري على الألسُن المصرية حَظِيت بحصة الأسد من الدرس الصَّوتي الحديث؛ لأنَّ الجيل الأول من الأصواتيين العرب الذين ألَّفوا في مجال الصوتيات كان من المُبتَعَثين المصريين، ولأنَّ مَشيخَة الإِقراء قد تمركَزَت في مصر.

    وعن كيفية نُطقِها يقول رمضان عبد التواب "تُنطق بـ: أن تلتصق مقدمة اللسان باللثة والأسنان العليا التصاقا يمنع مرور الهواء الخارج من الرئتين، كما ترتفع اللَّهاة والجزء الخلفي من سقف الحلق (وهو المسمى بالطَّبَق) ليسُدَّ التجويف الأنفي، في الوقت الذي تتذبذب فيه الأوتار الصوتية، وترتفع مؤخرة اللسان قليلاً نحو الطَّبق، ثم تُزال هذه السُّدود فجأة، فيندفع الهواء المحبوس إلى الخارج" [23] وينفتح معه الوتران الصوتيان ويهتزان؛ فيُسمع صوت الضاد الدالية. فالضاد الدالية: صوت أسناني لثوي [24]شديد مجهور مُطبَق، وهو أيضًا "الصوت الذي يعتمده المتخصصون وقراء القرآن الكريم في مصر، النظير المفخم للدال. ورمزه في الكتابة الصوتية الدولية [d]، وله وظيفة مستقلة في النظام الصوتي تختلف عن وظيفة نظيره الدال (وغيره)، كما يبدو ذلك واضحا من نحو: (ضل دل)" [25]. وكذلك هو "النظير المجهور للطاء، فلا فرق بينهما إلا أن الطاء صوت مهموس، والضاد صوت مجهور، كما أنه لا فرق بين الدال والضاد إلا أن الضاد مطبق (مفخم)، والدال لا إطباق فيه" [26]. هي إذن: ضادٌ فَقَدَت رَخاوتها واستطالتها.
    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,673

    افتراضي رد: مقالات عن الضاد

    بين الضاد الأصلية والضاد الدالية: في محاولة منهم تلمُّسَ العلاقةَ بين الضاد الأصليَّة بوصوفها النطقية والوظيفية وأحد ألوفوناتها المتداولة في أيامنا، وهي الضاد الدالية (المصرية)، طرح الباحثون احتمالات عدة؛ منها:
    الأول: أن يكون الدَّارسون القُدامى أخفقوا في تحديد الموضعِ الدَّقيقِ لنُطقِ الضاد، لاعتمادهم التجربةَ باللِّسان والأذن في وصف الأصوات اللغوية؛ يقول المستشرق شاده (Shaade) مُعلِّقًا على تقسيم سيبويه للمخارج ووصفه لها: "نشاهد غاية التَّفصيل مَثلاً في تقسيمه للأسنان، وقد قسَّمها إلى الثنايا والرباعيات والأنياب والأضراس، ويخالِف هذا التَّدقيق معاملته للحلق، فإن سيبويه، وإن قسَّمَه إلى أقصى الحلق، وأوسط الحلق، وأدنى الحلق، لم يكن يعرف الحنجرة، ولا أجزاءها كالمزمار والأوتار الصوتية، وسبب هذا الاختلاف واضحٌ فإن الأسنان مكشوفة للرؤية، وأما الحنجرة وأجزاؤها وعملها، فتقتضي مُلاحظتها التَّشريحُ، وما أظنُّ سيبويه يجترِئ عليه، أو إلى بعض الآلات الفنّية، كمنظار الحَنجرة، أو الأشعة المجهولة، ولم تكن مثل هذه الآلات بين يديه...؛ فثبت أن الخلل المذكور في مدارك سيبويه، منعه من أن يفهم بعض المسائل الصوتية، حق الفهم" [27].
    ويرُدُّ كمال بشر قائلا: "هذا الاحتمال بعيدٌ في رأينا؛ إذ تناقضه الشواهد الكثيرة الواردة عنهم" [28].
    إضافة إلى
    ما أثبته اللغويون القدماء، من دقة بالغة، في وصف الصوامت بشكلٍ عامٍّ، بل تجاوزوا ذلك إلى وصف الحركات وتقديرِها. وإن افتُرِض أنَّ القُدامى أخطؤوا في الجانب الوصفي القياسي التحليلي من علم الأصوت، فلا شكَّ أن تخطئتهم في جانبه التاريخي الذي يعتمدُ الرِّوايةَ مُجازفةٌ كبيرةٌ؛ فالعَيِّنةُ الَّتي تُطَبَّقُ عليها قوانين علم الصوت المُستَجِدَّة هي عَيِّنةٌ قد ظهرت قبل مئات السِّنين، ولا سبيل إلى تخطي هذا الحاجز الزَّمني إلاَّ بمُراجعة النُّصوص المكتوبة التي ظهرت في تلك الفترة أو قريبًا منها، مع اعتماد ضوابط وَصفِيَّةٍ وقوانين مَوضُوعِيَّةٍ، للوصول إلى مُقارَبةٍ صادقة لتلك الظواهر الصَّوتيَّة.

    الثاني: أن يكون القُدامى إنما وصفوا الضَّاد المُوَلَّدة لا الضاد العربية الأصلية وإلى هذا الاحتمال يجنح كمال بشر، ويراه: "هو الأرجح، ربما لكثرة استعمال الصَّوت المولَّد، وشيوعه على الألسنة عند قيام حركة التأليف اللغوي" [29]. ويُعَزِّزُ هذا الاحتمال -في رأيه- أن مُستشرِقًا مَشهورًا هو: يوهان فك يرى أن حرف الضاد: "هو في أصله الحرف المُطبَق القَسيم للدَّال، خاصٌّ بالعربية"؛"أي: أنها حينئذ كانت تشبه ضادنا الحالية أو هي هي، غير أنَّ هذا الصوت -في نظره- قد تغيَّر فيما بعدُ في اللغة الدَّارجة أو المُولَّدة، بسبب اختلاط العرب بغيرهم منذ بداية الفتوح الإسلامية الأولى"[30]. هذا ما استنتجه كمال بشر! وبمراجعة النص من الأصل الألماني (Arabiya,S.58,35)؛ يتبيَّنُ أنَّ (بِشر) كان ضحيةَ تصحيفٍ وقع في الترجمة العربية، إذ التَّرجمة الصَّواب هي: "الحرف المُطبَق القَسيم للذَّال" [31]، وهذا يُؤكِّدُ أنَّ الضاد الموصوفة في كتب الأقدمين هي القُحَّة، وأنَّ الداليَّة هي المُوَلَّدة.

    وتُعزِّزُ هذا الرَّأي المستشرقة مارية هنفر قائلةً: "إن هذه الضاد احتكاكية في الحبشة، ولابد أنها كانت كذلك في العربية الجنوبية. والدليل على صحة ذلك: ورود بعض الكلمات مكتوبةً بالضاد في بعض النقوش، وبالزاي في بعضها الآخر" [32].

    فلو كانت هذه الضاد انفجارية -كما ظنَّ كمال بشر-، لما التبست على الكاتب إطلاقاً فدلَّت كتابته إيَّاها بصورة الزاي على أنها كانت احتكاكية [33] في اللسان العربي الأصلي لا المُوَلَّد.

    الثالث: أن يكون هناك تطوُّرٌ مَا طرأ على الضاد، فحوَّلها من صوت احتكاكي جانبي إلى تلك الألوفونات المتعددة، ومنها الدالي. وهذا أقوى الاحتمالات؛ يقول كمال بشر: "ومما يُرجِّحُ هذا الاحتمال كذلك: وصفُهم لكيفية نُطقها، وحالة ممر هوائها عند هذا النُّطق" [34]. فهي بذلك مُختلِفَةٌ عن تلك الضاد التي أشار إليها ابن سينا في القرن الخامس الهجري، والتي هي بلا شكَّ نُسخة مُعدَّلة عن الأصليَّة. وعن كيفية حدوث هذا التطور في صوت الضاد الأصلي؛ يقول برجشتراسر: "نشأ نطق الضاد عند البدو من نطقها العتيق، بتغيير مخرجها من حافة اللسان إلى طرفه. ونُطقها عند أهل المُدن نشأ من هذا النُّطق البدوي؛ بإعماد طرف اللسان على الفك الأعلى بَدلَ تقريبه منه فقط، فصار الحرف بذلك في نُطقه شديداً، بعد أن كان رِخوًا" [35] مُستطيلاً.

    وخلاصة القول: أنَّ الضاد الأصليَّة الموصوفة في كُتُب اللغويين والقُرَّاء هي أُمُّ الضادات التي ينطقها أكثر العرب اليوم، وهذا التَّبايُن بين النُّطق الرَّسمي واليومي لصوت الضاد ليس وليد السَّاعة، بل هو ضاربٌ بجذوره في أعماق التاريخ، حتى قبل أن تُصنَّف تلك الكتب، وما (الضاد الضعيفة) التي تحدَّث عنها سيبويه إلاَّ واحدةٌ من ضرائر الضاد العديدة.


    [1] ابن الجزري، محمد بن محمد، النشر في القراءات العشر، تح: علي محمد الضباع، دار الكتبة العلمية، لبنان، دط، دت. ج1ص248.
    [2] سيبويه، عمرو بن عثمان، الكتاب. ج4ص432.
    [3] المصدر نفسه.
    [4] نفسه.
    [5] غانم قدوري الحمد، الدراسات الصوتية عند علماء التجويد. ص238.
    [6] رمضان عبد التواب، مشكلة الضاد العربية، مجلة المجمع العلمي العراقي. ج2 ص220.
    [7] سيبويه، عمرو بن عثمان، الكتاب. ج4ص432.
    [8] انظر: مكي درار، الضاد العربية إلى أين؟، مجلة القلم. ص91.
    [9] القرطبي، عبد الوهاب بن محمد، الموضح في التجويد. ص84.
    [10] ابن الأنباري، عبد الرحمن بن محمد، أسرار العربية، تح: فخر صالح قدارة، دار الجيل لبنان، ط1، 1995. ص359.
    [11] تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها. دار الثقافة، المغرب، 1994. ص55.
    [12] النحوي أبو حيان، محمد بن يوسف، ارتشاف الضرب من لسان العرب. ج1ص16.
    [13] النحوي أبو حيان، محمد بن يوسف، ارتشاف الضرب من لسان العرب. ج1ص13.
    [14] السيرافي، الحسن بن عبد الله، شرح كتاب سيبويه. ج5ص390.
    [15] غانم قدوري الحمد، الدراسات الصوتية عند علماء التجويد. ص239.
    [16] ابن سينا، الحسين بن عبد الله، أسباب حدوث الحروف، تح: محمد حسان الطيان ويحيى مير علم، دار الفكر، دمشق، ط1، 1983.ص60.
    [17] ابن سينا، الحسين بن عبد الله، أسباب حدوث الحروف. ص60.
    [18] المصدر نفسه. ص61.
    [19] نفسه.
    [20] سيبويه، عمرو بن عثمان، الكتاب. ج4ص432.
    [21] ابن سينا، الحسين بن عبد الله، أسباب حدوث الحروف. ص 94.
    [22] ابن الجزري، محمد بن محمد، التمهيد في علم التجويد. ص131.
    [23] انظر: رمضان عبد التواب، مشكلة الضاد العربية، مجلة المجمع العلمي العراقي. ج2 ص220.
    [24] كمال بشر، علم الأصوات. ص 254.
    [25] المرجع نفسه. ص116.
    [26] نفسه. ص253.
    [27] انظر: رمضان عبد التواب، المدخل إلى علم اللغة، مصر، 1980. ص31.
    [28] كمال بشر، علم الأصوات. ص254.
    [29] المرجع نفسه. ص258.
    [30] كمال بشر، علم الأصوات. ص259.
    [31] يوهان فك، العربية: دراسات في اللغة واللهجات والأساليب، تح: رمضان عبد التواب مكتبة الخانجي، مصر، 1980. ص111.
    [32] انظر: رمضان عبد التواب، مشكلة الضاد العربية، مجلة المجمع العلمي العراقي. ج2 ص220.
    [33] المرجع نفسه.
    [34] كمال بشر، علم الأصوات. ص 256.
    [35] برجشتراسر، التطور النحوي للغة العربية. ص19.
    رابط الموضوع
    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,673

    Lightbulb رد: مقالات عن الضاد

    الضاد تصرخ: لم تلحنون؟!
    عراقي محمود حامد

    لما ظهرت الأشرطة وانتشرت قال فيها أحد العلماء:
    لكل زمانٍ مضى آيةٌ =وآيةُ هذا الزمان الشريط

    فإذا كان لكل زمان آية، فآية هذا الزمان القنوات الفضائية والشبكة العنكبوتية (الإنترنت) وهذه التقنية الهائلة في الاتصالات. وقد انتشرت هذه الوسائل الحديثة وسرت في جميع ربوع العالم سريان النار في الهشيم، وعمل المفسدون والمرجفون والمنافقون وأهل الكفر منذ اللحظة الأولى على استغلالها لحرب دين الله وإطفاء نوره جل وعلا. ولكن مع كل هذا المكر الشيطاني بالليل والنهار تعامل المخلصون لدين الله تبارك وتعالى مع هذه المعطيات للعصر الحديث، وضربوا فيها بأسهم لا بأس بها، ولو علم من عمل على نشر هذه التقنية وتيسيرها من أعداء الدين أنها ستسخر لخدمة دين الله وللعمل على أن يبلغ ما بلغ الليل والنهار ما أقدموا على هذه الاختراعات وتطويرها وتذليلها للجميع.

    وهذا من تأييد الله ونصرته لدينه؛ ففي الحديث: «إِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ»[1]. وهذا من فتح الله تبارك وتعالى ونصره لدينه: قال جل في علاه: ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [الصف: 8-9]، وقال صلى الله عليه وسلم: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ؛ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ»[2]. فحمل المخلصون العاملون لدين الله تبارك وتعالى الباذلون لنصرته على عواتقهم أن يضربوا بنصيب في هذا المضمار لتتكافأ الفرص؛ ولئلا يكون لأحد حجة بعد البلاغ والبيان، فيعتذر ويتذرع بأنه لا يعرض إلا الأفلام والعري، ولا نسمع من يتكلم في الدين إلا الروبيضات والمأجورون الذين يلبِّسون على الناس أمر دينهم. وقد قال ابن المبارك رحمه الله تعالى:
    وهل أفسد الدينَ إلا الملوك =وأحبارُ سوء ورهبانها

    لما كان الأمر كذلك انبرى أولئك الصادقون -نحسبهم كذلك والله حسيبهم- وأطلقوا الفضائيات الإسلامية ودشنوا المواقع الهادفة الهادية، وأصبح لكل وجهة هو موليها؛ ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾ [الأنفال: 42]. لكنَّ لي عتابًا أراه واجبًا من باب التواصي الذي أثنى الله تعالى على القائمين به إذ قال جل في علاه: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ [العصر: 3]، ومن باب التناصح الذي أمرنا به صلى الله عليه وسلم إذ قال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»[3]، وقوله: «المُؤْمِنُ مِرْآةُ أَخِيهِ إِذَا رَأَى فِيهِ عَيْبًا أَصْلَحَهُ»[4]- ألا وهو وجوب تعلُّم العربية على كل من تصدى للدعوة والنصح فضلًا عن التدريس والإفتاء. فإن مما يكلم القلب ويُدمع العين تلك العُجمة في ألسنة كثير من المتصدرين المشهورين ومَن هم في طريقهم إلى الشهرة بفعل هذه الفضائيات وتلك المواقع، فلا تكاد تجد -إلا من رحم ربُّك وقليل مَا هم- من يُحسن العربية إلقاءً وكتابة وتحدُّثًا مع المشاهدين، وتضرب أذنيك اللحنةُ تلو اللحنة من الأخطاء الجليَّة- لا أقول: إنها من المسائل المختلف فيها، أو من المسائل المُشكِلة، بل من الواضحات الجليَّات، فقد يكون اللحن في كتاب الله تعالى ولا أبالغ، وكثيرًا ما يكون في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من الكلام، وهذا قد يؤدِّي إلى تحريف كلام الله عن مواضعه، والكذبِ على رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث لا يدري.

    وأجزمُ بأنك لن تستطيع أن تصغي بإنصات ولا أن تحصل فائدة مرجوَّة إذا سمعت الفاعل منصوبًا والمفعول به مجرورًا مثلًا. وصارت العجمةُ للأسف هي الشّعار، واللحن في العربية هو الأساس، وإذا وقعت على من يُقيم قواعد اللغة الشريفة فأنت محظوظ، فعُدَّهم عدًّا، واحرص على عدم السماع إلا منهم حتى لا تتأذى باللحن إن كنتَ ممن تذوَّق حلاوة العربية وأَنِس بجمالها ووقف على بعض أسرارها.
    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,673

    Lightbulb رد: مقالات عن الضاد

    وهذا في نظري القاصر راجع إلى تقسيم المتصدرين للدعوة إلى علماء ووعاظ ودعاة، فإن أنكرتَ على أحدهم قيل لك: هذا داعيةٌ يخاطب العَوَام، أو واعظ يقرِّب النصيحة للناس! وأنا على يقين أن اللحن لا يقرب المعنى بل يزيده غموضًا، وهذا المتحدث لو علم لقال بما علم. هذا وقد انتشرت للأسف في هذا العصر الفوضوية في العلم، وتوجهت همم المبتدئين للتصنيف والنقد، وتزببوا قبل أن يتحصرموا، وتصدَّروا للتدريس والفتوى قبل أن يتأهلوا، وقد قال أبو الحسن علي بن أحمد المعروف بالفالي[5]:
    تَصَدَّرَ للتَّدريسِ كُلُّ مُهَوّس = بَليدٍ تَسَمَّى بِالفَقيهِ الْمُدَرِّسِ
    فَحُقَّ لأهلِ العِلمِ أنْ يَتَمَثَّلُوا = بِبَيْتٍ قَديمٍ شاعَ في كُلِّ مَجْلِسٍ
    لَقَدْ هُزِلَتْ حتى بَدا مِنْ هُزَالِها = كُلاها وحتى سامَها كُلُّ مُفْلِسِ

    وقديمًا قال الشافعي رحمه الله: «إذا تصدَّر الحَدَثُ فاتَه علمٌ كثيرٌ»[6]. هذا مع حسن الظن بالجميع في أنهم يريدون نفع الأمة والعمل لهداية الخلق إلى طريق الحق. لكني أتعجب لداعية يدعو إلى الكتاب والسنة ولا يستطيع أن يقيم عربيته، والقرآن والسنة عربيان فكيف يُفهمان ممن لا يُحسن العربية، ولم يَدرسها على شيوخها، ولم يصقل لسانه بمفرداتها، ولم يهذِّب وجدانه بآدابها.

    ولي أن أتساءل:

    أليست اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم ولسان نبينا الأمين صلى الله عليه وسلم؟!
    أليست لغتنا العربية هي التي نقلت الإسلام إلى أمم العالم؛ لينقذهم بإذن الله تعالى من عذاب الدنيا والآخرة؟!
    أليست لغتنا العربية هي لغة الحضارة وهي سفينة نوح التي نقلت لأمم كثيرة المعاني الحقيقية للتقدم والتمدن؟!
    ألم تكن العلوم التي خُطَّت باللغة العربية هي السبيل والمرجع لعلوم أوربا ونهضتها بعدما كادت تغرق في ظلام جهلها وتخلفها؟
    ألا تمثِّل لغتنا جزءًا لا يتجزَّأُ من هويتنا الثقافية؟! فكان لزامًا علينا –ولا بد- أن نعالج الداء قبل أن يستفحل، فكيف إذا صار طاعونًا عامًّا، واتسع الخرق على الراقع؛ وهذا يقينًا من مخططات الأعداء الذين عملوا على تبغيض لغة القرآن إلى أهلها، وإشاعة القول بصعوبتها وثقلها على الألسنة، والسخرية ممن يتعاطاها أو يتعامل بها، وإطلاق الضحكات على مُدرِّسيها، ووصفهم بأشنع الأوصاف في الإعلام وجعله ضُحْكة في مسلسل أو فلم أو مسرحية، وإثارة الدعوات من المثقفين المستنيرين -زعموا- للتحرر من قيود اللغة وآدابها، وإطلاق العنان للسان يقول كيفما شاء بلا ضابط ولا رابط، والحَكَم هو الذوق والمعنى، والتركيب المتناسق. فهذا هو الإبداع عندهم، أما علم البيان والمعاني والبديع (علوم البلاغة) فعلوم عفا عليها الزمن، والدعوة إلى الشعر الحر، وهو بمعناه الحقيقي، أي: الشعر المتحرر من قيدي الوزن والقافية الذي أدار ظهره للشكل المتوارث.

    يقول الأستاذ سالم مبارك الفلق: «تلك الدعاوى الرامية إلى تفجير العربية وتحويلها إلى ركام من التراكيب والدلالات التي يعجز اللبيب عن إدراك مراميها فضلًا عن المثقف العادي. وقد بلغ مداه وأقصاه عند من يسمون أنفسهم (أهل الحداثة)، والحداثة أمرها محدَث، وشر الأمور المحدثات، لم يفكروا في حداثة تحافظ على خصوصيتنا وهويتنا وشريعتنا، وتوقف نزيف الكلمة الطيبة التي نحروها على نصب الغموض والرمز وعبث القول، والحداثة العربية في جميع صورها إنما راجت لسببين أساسين هما:
    1- جنوح الناس إلى الخروج عن المألوف، ولهاثهم خلف «العصرنة»!
    2- الخلط بين الحَدَاثة -وإن شئت فقل: بين الهدم- والتجديد[7]. ولبيان أهمية الضبط يقول: «علامات الإعراب التي تتميز بها العربية دون غيرها من اللغات الأخرى والتي يحاول أعداء الإسلام أن يطمسوها بدعوى (تبسيط النحو/ صعوبة النحو... إلخ)، ولا تعدو أن تكون معولًا يحاول أن يصيب مقتلًا في كيان هذه الأمة، وهي محاولات هدَّامة تحاول إضعاف العربية. كما قال ذلك الشيخ ابن باز.

    بينما تُلزم الكثيرات من اللغات متكلميها بترتيب معين للكلمات يميز الوظائف النحوية فيها
    ، ويضيع هذا التمييز إذا اختل هذا، فالإنجليزية مثلًا تتبع ترتيب فاعل + فعل + مفعول، فإذا أردت أن تقول: أكل زيدٌ طعامًا، يجب أن تقول: زيدٌ أكل طعامًا. ولا يجوز أن تقول: أكل زيدٌ طعامًا، أما في اللغة العربية فأنت تقول: أكل زيدٌ طعامًا/ وزيدٌ أكل طعامًا/ وأكل طعامًا زيدٌ/ وطعامًا أكل زيدٌ/ وطعامًا زيدٌ أكلَ، فتأمل هذا وتدبَّره. وفي معرض الحركات فإن جملةَ (ما أحسن زيد) يمكن أن تكون استفهامًا وتعجبًا وذمًّا؛ وذلك لوجود علامات الإعراب التي تلحق بأواخر الكلمات وتميز الفعل من الفاعل من المفعول، ونظام الإعراب هذا يدل على المرونة التي تتميز بها اللغة العربية»[8].

    عيبٌ علينا وعار ألا نحسن العربية على وجهها، ونتكلم الإنكليزية كأننا أحد أبنائها، أو كأننا ولدنا في أرضها، ونترك لغة القرآن. وهذا ليس تزهيدًا في تعلُّم اللغات الأجنبية، لكن أن يصل بنا الحال إلى أن تجد الكثير ممن يريد أن يُظهر أنه متحضِّر مُستنير يأتي في كلامه بمصطلحات أجنبية أعجمية، ليُري محدَّثه طَلَاقته في الحوار ومدى ثقافته، وإن تحدَّثت أمامه بالفُصحى ازدراك ونظر إليك شزرًا، كأنما تُعيده إلى العصور المُظلمة.

    وبكل يقين أقول:
    إننا لن نستطيع أن نُقيم صحوة حقيقية إلا بالرجوع إلى مصدر عزِّنا وفهمه فهمًا سليمًا مستقيمًا، ولن يتم لنا هذا إلا بالرجوع إلى علوم الآلة وأهمها العربية التي بدونها لن نفهم ديننا القائم على كلام الله وكلام رسوله وكلام علمائنا الأفذاذ عليهم الرحمة. فقد كان الواحد من علمائنا موسوعيًّا يأخذ من كل علم بنصيب، ثم قد يتخصص ويبدع في فنٍّ ما، لكنهم لم يكونوا يلحنون ويضيعون عربيتهم الأصيلة التي أتقنوها مع طلبهم للعلم، حتى ولو نشأوا في بلاد غير عربية أو كانوا هم أنفسهم غيرَ عرب أصلًا.

    بل كان الخلفاء والأمراء يحذرون اللحن ويخافون أن يتهموا به لشناعته:
    فقد دخل النضر بن شميل على المأمون ليلة فتفاوضا الحديث، فروى المأمون عن هشيم بسنده إلى ابن عباس قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سَداد من عوز» بفتح السين. فقال النضر: يا أميرِ المؤمنين صدق هشيم، حدثنا فلان ابن فلان... إلى علي بن أبي طالب، فذكر الحديث، فقال فيه: «سِداد من عوز» وكسر السين، وكان المأمون متكئًا فاستوى جالسًا وقال: كيف قلت، «سِداد» بكسر السين؟ قلت: لأن السَّداد بالفتح هاهنا لحن، فقال: أتلحنني؟ قلت: إنما لحن هشيم فتبعه أمير المؤمنين، فقال: ما الفرق بينهما. قلت: السداد، بالفتح: القصد في الدين والسبيل، وبالكسر: البلغة، وكل ما سددت به شيئًا فهو سداد. فقال المأمون: أَوَتعرفُ العرب ذلك؟ قلت: نعم، هذا العرجي يقول:
    أَضَاعُونِي وَأي فَتًى أَضَاعُوا = لِيَومِ كَرِيهَةِ وَسِدَادِ ثَغْرِ

    فاستوى جالسًا وقال: قبَّح اللهُ مَن لا أدبَ له. ثم أخذ يسأله عن أخلب بيت قالته العرب، ثم عن أنصف بيت قالته العرب، ثم عن فعل الأمر من الإتراب، ثم عن فعل الأمر من الطين، ثم دعا بالدواة والنضر لا يدري ما يكتب، ثم دفَع ما كتب إلى خادم ووجَّهه معه إلى الحسن بن سهل. فلما قرأ الرقعة قال: يا نضرُ، قد أمر لك بخمسين ألف درهم، فما كان السبب؟ فأخبره، فأمر له بثلاثين ألف درهم أخرى، فأخذ ثمانين ألف درهم بحرف واحدٍ استفيد منه[9].

    أقول:
    بل بشَكْلةٍ استُفِيدت منه! وحكى المبرد أن يهوديًّا بذل للمازني مائة دينار ليقرئه كتاب سيبويه، فامتنع من ذلك؛ فقيل له: لم امتنعت مع حاجتك وعائلتك؟ فقال: إن في كتاب سيبويه كذا وكذا آية من القرآن، فكرهت أن أقرأ القرآن لأهل الذمة، فلم يمض من ذلك إلا مُدَيدة، حتى طلبه الواثق ، وأخلف الله عليه أضعاف ما تركه لله، وذلك أن جارية غنت بحضرته:
    أظلومُ إن مُصابَكم رجلًا = أهدى السلام تحية ظلمُ

    فرد التوّزي عليها نصبَ «رجل» ظانًّا أنه خبر «إن» فقالت: لا أقبل هذا ولا غيره، وقد قرأته كذا على أعلم الناس بالبصرة أبي عثمان المازني؛ فأُحضر من سُرَّ مَن رأى، وسأله الخليفة عن البيت، فقال: صوابه: «رجلًا»، فقال له الخليفة: ولم؟ فقال: إنَّ «مصابكم» مصدر بمعنى: «إصابتكم». فأخذ التوزي في معارضته، فقال: هو بمنزلة قولك: إن ضربَك زيدًا ظلمٌ، فالرجل مفعول «مصابكم» و«ظلم» الخبر، والدليل عليه أن الكلام معلَّق إلى أن تقول «ظلم» فيتم، فقال التوزي: حسبي، وفهم. واستحسنه الواثق. وأمر له بثلاثين ألف درهم[10].

    فمن ترك شيئًا لله عوّضه، ورحمةُ الله على علمائنا الذين صانوا العلم فصانهم، وأعزوا العلم فأعزهم الله! فاللحنُ كان عندهم معيبًا جدًّا؛ لذلك قال أبو الأسود الدؤلي، وهو واضع علم النحو على المشهور بأمر علي رضي الله عنه: «إني لأجد لِلَّحن غَمرًًا كغمر اللحم». ويقال: إن ابنته قالت له يومًا: يا أبتِ، ما أحسنُ السماء؟ قال: أي بنية نجومها، قالت: إني لم أُرِد أي شيء منها أحسن، إنما تعجبت من حسنها، قال: إذًا فقولي: ما أحسنَ السماءَ، فحينئذ وضع النحو [11].

    وقد كانوا يتحاشون أن يُنسبوا إلى اللحن؛ فهذا الحجاج بن يوسف -وهو مَن هو شدةً وبطشًا- قال ليحيى بن يعمر: أتجدني ألحنُ؟ قال: الأمير أفصحُ من ذاك. قال: عزمتُ عليك لتخبرني، وكانوا يعظِّمون عزائم الأمر، فقال يحيى بن يعمر: نعم، في كتاب الله، قال: ذاك أشنع له! ففي أي شيء من كتاب الله؟ قال: قرأت: «قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها (أحبُّ) إليكم من الله ورسوله» فترفع أحب وهو منصوب. قال: إذًا لا تسمعني ألحن بعدها. فنفاه إلى خراسان[12].

    وقد كان الصحابةُ -لفهمهم لمراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ولعلمهم أنه لن يتوصل إلى هذا إلا بالفقه في العربية- يؤمرون بتعلُّمها:
    فقد كتب عمر إلى أبي موسى: «أما بعد، فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن؛ فإنه عربيٌّ»[13]. وعن عمر رضي الله عنه أيضًا أنه قال: «تعلموا العربية؛ فإنها تزيد في المروءة»[14]. وقال أبيُّ بن كعب رضي الله عنه: «تعلَّموا العربية كما تتعلمون حفظ القرآن»[15]. وقد ورد عن جماعة من السلف أنهم كانوا يضربون أولادهم على اللحن[16].

    وإليك أقوال علمائنا الجلية في هذه المسألة: ذكر إمامنا الشافعيُّ رحمه الله أَنَّ على الخاصَّة الّتي تقومُ بكفاية العامة فيما يحتاجون إليه لدينهم الاجتهاد في تعلّم لسان العرب ولغاتها، التي بها تمام التوصُّل إلى معرفة ما في الكتاب والسُّنن والآثار، وأقاويل المفسِّرين من الصحابة والتابعين، من الألفاظ الغريبة، والمخاطباتِ العربيّة، فإنَّ من جَهِلَ سعة لسان العرب وكثرة ألفاظها، وافتنانها في مذاهبها جَهِلَ جُملَ علم الكتاب، ومن علمها ووقف على مذاهبها وفَهِم ما تأوَّله أهل التفسير فيها زالت عنه الشبه الدَّاخلةُ على من جَهِلَ لسانها من ذوي الأهواء والبدع[17].

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية طيب الله ثراه: «فإنَّ اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميّزون»[18].

    وقال أيضًا: «وما زال السلف يكرهون تغييرَ شعائرِ العربِ حتى في المعاملات، وهو التكلّم بغير العربية إلَّا لحاجة، كما نصَّ على ذلك مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ، بل قال مالكٌ: «مَنْ تكلّم في مسجدنا بغير العربية أُخرِجَ منه»، مع أنّ سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها، ولكن سوَّغوها للحاجة، وكرهوها لغير الحاجة، ولحفظ شعائر الإسلام»[19].

    وقال: «اعلم أنَّ اعتياد اللغة يؤثر في العقلِ والخلقِ والدينِ تأثيرًا قويًّا بيّنًا، ويؤثر أيضًا في مشابهةِ صدرِ هذه الأمّةِ من الصحابةِ والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقلَ والدينَ والخلقَ، وأيضًا فإنَّ نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ، فإنَّ فهم الكتاب والسنّة فرضٌ، ولا يُفهم إلَّا بفهم اللغة العربية، وما لا يتمُّ الواجب إلَّا به فهو واجب»[20].

    وقال رحمه الله
    : «معلومٌ أنَّ تعلمَ العربية وتعليمَ العربية فرضٌ على الكفاية، وكان السلف يؤدِّبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون أمرَ إيجابٍ أو أمرَ استحبابٍ أن نحفظ القانون العربي، ونُصلح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنّة، والاقتداء بالعرب في خطابها، فلو تُرك الناس على لحنهم كان نقصًا وعيبًا»[21]. ونقل شيخ الإسلام عن الإمام أحمد كراهة الرطانة، وتسميةِ الشهورِ بالأسماءِ الأعجميّةِ، والوجهُ عند الإمام أحمد في ذلك كراهةُ أن يتعوَّد الرجل النطقَ بغير العربية.

    وقال بعض العلماء
    : «وإنّما يعرف فضل القرآن مَنْ عرف كلام العرب، فعرف علم اللغة، وعلم العربية، وعلم البيان، ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقاولاتها في مواطن افتخارها، ورسائلها»[22].

    وعن الرحبي قال
    : «سمعت بعض أصحابنا يقول: إذا كتب لحانٌ، فكتب عن اللَّحَّان لحانٌ آخرُ؛ صار الحديثُ بالفارسية!»[23].

    وقال العلامة بكر أبو زيد رحمه الله تعالى: «ابتعد عن اللحن في اللفظ والكتب، فإن عدم اللحن جلالة، وصفاء ذوق ووقوف على ملاح المعاني لسلامة المباني»[24].

    وقال الأستاذ مصطفى صادق الرافعي رحمه الله
    : «ما ذلّت لغة شعبٍ إلاّ ذلَّ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرض الأجنبيُّ المستعمِر لغته فرضًا على الأمّة المستعمَرة، ويركبهم بها، ويُشعرهم عظمته فيها، ويستلحِقهم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكامًا ثلاثةً في عملٍ واحدٍ: أمّا الأول فحَبْس لغتهم في لغته سجنًا مؤبّدًا، وأمَّا الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محوًا ونسيانًا، وأمَّا الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها، فأمرُهم من بعدها لأمره تَبَعٌ»[25].

    هذه شهادة علمائنا للعربية وأقوالهم في وجوب تعلمها خاصة لمن يطلب العلم الشرعي.

    وقد يقول قائل: إننا نتعصب للغتنا، أقول: وحُقَّ لنا، لذلك سأورد بعض كلام غير العرب من المستشرقين الدارسين لعلوم العرب وحضارتهم، والحقُّ ما شهدت به الأعداء، فهاك بعض أقوالهم: قال المستشرق المجري عبد الكريم جرمانوس: «إنَّ في الإسلام سندًا هامًّا للغة العربية أبقى على روعتها وخلودها فلم تنل منها الأجيال المتعاقبة على نقيض ما حدث للغات القديمة المماثلة، كاللاتينية حيث انزوت تمامًا بين جدران المعابد.

    ولقد كان للإسلام قوة تحويل جارفة أثرت في الشعوب التي اعتنقته حديثًا،
    وكان لأسلوب القرآن الكريم أثر عميق في خيال هذه الشعوب فاقتبست آلافًا من الكلمات العربية ازدانت بها لغاتها الأصلية فازدادت قوةً ونماءً. والعنصر الثاني الذي أبقى على اللغة العربية هو مرونتها التي لا تُبارى، فالألماني المعاصر مثلًا لا يستطيع أن يفهم كلمةً واحدةً من اللهجة التي كان يتحدث بها أجداده منذ ألف سنة، بينما العرب المُحدَثون يستطيعون فهم آداب لغتهم التي كتبت في الجاهلية قبل الإسلام»[26].

    وقال المستشرق الألماني يوهان فك: «إن العربية الفصحى لتدين حتى يومنا هذا بمركزها العالمي أساسيًّا لهذه الحقيقة الثابتة، وهي أنها قد قامت في جميع البلدان العربية والإسلامية رمزًا لغويًّا لوحدة عالم الإسلام في الثقافة والمدنية، لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر، وإذا صدقت البوادر ولم تخطئ الدلائل فستحتفظ العربية بهذا المقام العتيد من حيث هي لغة المدنية الإسلامية»[27].

    أقول: ولم لا وهي اللغة التي أنزل الله تبارك وتعالى بها كتابه، فهي محفوظة بحفظ الله تعالى لدينه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، فحِفظُ اللغة العربية من تمام حفظ الدين.

    وقال جوستاف جرونيباوم
    : «عندما أوحى الله رسالته إلى رسوله محمد أنزلها ﴿ قرآنًا عربيًّا ﴾، والله يقول لنبيِّه: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ﴾ [مريم: 97]، وما من لغة تستطيع أن تطاول اللغة العربية في شرفها، فهي الوسيلة التي اختيرت لتحمل رسالة الله النهائية، وليست منزلتها الروحية هي وحدها التي تسمو بها على ما أودع الله في سائر اللغات من قوة وبيان، أما السعة فالأمر فيها واضح، ومن يتتبع جميع اللغات لا يجد فيها على ما سمعته لغة تضاهي اللغة العربية، ويُضاف جمال الصوت إلى ثروتها المدهشة في المترادفات .

    وتزيّن الدقة ووجازة التعبير لغة العرب، وتمتاز العربية بما ليس له ضريب من اليسر في استعمال المجاز، وإن ما بها من كنايات ومجازات واستعارات ليرفعها كثيرًا فوق كل لغة بشرية أخرى، وللغة خصائص جمَّة في الأسلوب والنحو ليس من المستطاع أن يكتشف له نظائر في أي لغة أخرى، وهي مع هذه السعة والكثرة أخصر اللغات في إيصال المعاني، وفي النقل إليها، يبيِّن ذلك أن الصورة العربية لأيّ مثل أجنبيٍّ أقصر في جميع الحالات، وقد قال الخفاجي عن أبي داود المطران -وهو عارف باللغتين العربية والسريانية- إنه إذا نقل الألفاظ الحسنة إلى السرياني قبُحت وخسَّت، وإذا نُقل الكلام المختار من السرياني إلى العربي ازداد طلاوةً وحسنًا، وإن الفارابي على حقٍّ حين يبرّر مدحه العربية بأنها من كلام أهل الجنّة، وهو المنزُّه بين الألسنة من كل نقيصة، والمعلَّى من كل خسيسة، ولسان العرب أوسط الألسنة مذهبًا وأكثرها ألفاظًا»[28].
    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Aug 2010
    المشاركات
    3,673

    Lightbulb رد: مقالات عن الضاد

    وقالت المستشرقة الألمانية هونكه: «كيف يستطيع الإنسان أن يُقاوم جمالَ هذه اللغة ومنطقَها السليم وسحرَها الفريد؟! فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللغة، فلقد اندفع الناس الذين بقوا على دينهم في هذا التيار يتكلمون اللغة العربية بشغفٍ، حتى إن اللغة القبطية مثلًا ماتت تمامًا، بل إن اللغة الآرامية لغة المسيح قد تخلّت إلى الأبد عن مركزها لتحتلّ مكانها لغة محمد»[29].

    وقال المستشرق الألماني كارل بروكلمان: «بلغت العربية بفضل القرآن من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أيُّ لغةٍ أخرى من لغات الدنيا، والمسلمون جميعًا مؤمنون بأن العربية وحدها اللسانُ الذي أُحِلّ لهم أن يستعملوه في صلاتهم...»[30].

    فهذه دعوة لتصحيح المسار والبداية الحقة على طريق التمكين بالعودة الصحيحة الصادقة، وترتيب أولوياتنا في التعلم والتعليم.

    وأوصي إخواني من طلبة العلم أن لا يزهدوا في تعلم العربية ويصبروا أنفسهم على تعلمها؛ والأمر ليس صعبًا كما هو موهوم، وليس مستحيلًا كما يزعم البعض، فبإمكانك أن تدرس كتابًا أو اثنين في النحو والصرف، وبعدها تراعي ما درسته في خطبك ودروسك، بل وفي كل كلامك، بهذا إن شاء الله نخطو خطوات واسعة نحو التمكين.

    وأرشح للمبتدئ «التحفة السنية شرح المقدمة الآجرومية» للشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد. ثم يرتقي إلى كتاب «قطر الندى وبل الصدى» لابن هشام، وشرحه لابن هشام أيضًا. ثم ينتقل إلى ألفية ابن مالك وشروحها، ومن أنفع تلك الشروح شرح ابن عقيل. ومن الكتب الميسرة في النحو: القواعد الأساسية للسيد أحمد الهاشمي، وجامع الدروس العربية للشيخ مصطفى الغلاييني. وأغلب الكتب الماضية تجمع بين النحو والصرف.

    ومن الكتب الخاصة بالصرف: شذا العَرْف في فن الصرف، للحملاوي، والصرف للمراغي، والتطبيق الصرفي للدكتور عبده الراجحي. وهذه دعوة لإقامة الدورات والمحاضرات لمن فتح الله لهم القلوب من طلبة العلم والدعاة حتى يكونوا بفضل الله على قدر المسئولية الملقاة على عاتقهم حتى لا يشار إليهم بالنقص أو إن شئت بالجهل بأصل العلوم. وهأنذا في الختام أهديكم بعض أبيات للشاعر حليم دموس أرجو أن تحفظوها وأن تعمموها:
    لا تسلني في هواها = أنا لا أهوى سواها
    يالقومي، ضيعوها = فدهاها ما دهاها
    كلما صعدت آهًا = هتف الإخوان واها
    ما أنا وحدي فداها = كلنا اليوم فداها
    لغة الأجداد كوني = لحمة نحن سداها
    وعلى بغداد فيضي = بركات في رباها
    وعلى المغرب هبي = نسمة طاب شذاها
    واسطعي في الشام نورًا = يتلالا في سماها
    وهو القائل أيضًا:
    لو لم تكُنْ أمُّ اللغاتِ هيَ المُنى = لكسرتُ أقلامي وعِفتُ مِدادي
    لغةٌ إذا وقعتْ على أسماعِنا = كانتْ لنا بردًا على الأكبادِ
    ستظلُّ رابطةً تؤلّفُ بيننا = فهيَ الرجاءُ لناطقٍ بالضّادِ
    وتقاربُ الأرواحِ ليسَ يضيرهُ = بينَ الديارِ تباعدُ الأجسادِ
    أفما رأيتَ الشمسَ وهيَ بعيدةٌ = تُهدي الشُّعاعَ لأنجُدٍ ووَهادِ
    أنا كيفَ سرتُ أرى الأنامَ أحبّتي = والقومَ قومي والبلادَ بلادي
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــ
    [1] متفق عليه: أخرجه البخاري (2834)، ومسلم (162) من حديث أبي هريرة.
    [2] أخرجه أحمد في «مسنده» (4/ 103) حديث (16998)، من حديث تميم الداري، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: «إسناده صحيح على شرط مسلم».
    [3] أخرجه مسلم (82) من حديث تَمِيمٍ الدَّارِيِّ.
    [4] أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (1/ 93) حديث (238) من حديث أبى هريرة، وحسنه الألباني في «صحيح الأدب المفرد» (1/ 107). .
    [5] الكامل في التاريخ لابن الأثير (8/335).
    [6] صفة الصفوة (2/ 252).
    [7] اللغة العربية، التحديات والمواجهة (ص 17).
    [8] اللغة العربية، التحديات والمواجهة (ص 16، 17).
    [9] راجع «معجم الأدباء» (2/ 483).
    [10] راجع «بغية الوعاة» (1/ 464، 465).
    [11] انظر «تاريخ دمشق» (25/ 190).
    [12] انظر «أخبار النحويين» (1/ 2).
    [13] أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/ 456) برقم (30534).
    [14] «الجامع» (2/ 25) للخطيب.
    [15] أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/ 457) برقم (30535).
    [16] «الجامع» (2/ 28، 29).
    [17] «التهذيب» (1/ 5).
    [18] «اقتضاء الصراط المستقيم» (ص203).
    [19] «الفتاوى» (32/ 255».
    [20] «اقتضاء الصراط المستقيم» (ص207).
    [21] «الفتاوى» (32/ 252).
    [22] «الفوائد المشوق إلى علوم القرآن» (ص 7).
    [23] «الجامع» (2/ 28).
    [24] «حلية طالب العلم» (ص 41).
    [25] وحي القلم (3/ 33، 34).
    [26] الفصحى لغة القرآن- للأستاذ/ أنور الجندي (ص 301).
    [27] الفصحى لغة القرآن- للأستاذ/ أنور الجندي (ص 302).
    [28] الفصحى لغة القرآن- للأستاذ/ أنور الجندي (ص 306).
    [29] مجلة اللسان العربي (86/ 24) عن كتاب «شمس العرب تسطع على الغرب».
    [30] (من قضايا اللغة العربية المعاصرة- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ص 274).
    ((إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً))

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •