(الضاد في المعاجم العربية)
د. عدنان الخطيب
المصدر: كتاب "المعجم العربي بين الماضي والحاضر"
قال أبو الطيب المتنبي، وهو من رجال القرن الرابع للهجرة، يفتخر:
لاَ بِقَوْمِي شَرُفْتُ بَلْ شَرُفُوا بِي= وَبِنَفْسِي فَخَرْتُ لاَ بِجُدُودِي
وَبِهِمْ فَخْرُ كُلِّ مَنْ نَطَقَ الضَّا=دَ وَعَوْذُ الجَانِي وَغَوْثُ الطَّرِيدِ |
قال البرقوقي شارح ديوان أبي الطيب: "كل من نطق الضاد: العرب، لأن الضاد لا توجد في غير العربية، يقول: على أنه بقومي فخر العرب جميعًا، وبهم عوذ الجاني، أي أن من جنى جناية وخاف على نفسه لجأ إلى قومي؛ ليأمن على نفسه، وبهم غوث الطريد - وهو الذي نفي وطرد - أي أنه يستغيث بهم فيغيثونه وينصرونه[1]" .
ولكن من الذي أطلق على العرب اسم "الناطقين بالضاد"؟ ولماذا أطلق عليهم هذا الاسم؟
إن أقدم مصدر لغوي بين يدي الآن، يشير إلى سبب هذه التسمية، كتاب "الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها"، لأحمد بن فارس، أحد كبار أئمة العربية في القرن الرابع للهجرة، قال أحمد بن فارس - في باب الحروف -:
"فأصل الحروف الثمانية والعشرين التي منها تأليف الكلام كله.... فأول الحروف (الهمزة)... ومما اختصت به لغة العرب (الحاء) و(الظاء)، وزعم ناس أن (الضاد) مقصورة على العرب دون سائر الأمم[2]".
وفي القرن الثامن للهجرة أثبت ابن منظور في "لسان العرب" في مادة (ض و د) ما يلي:
"الضاد حرف هجاء، وهو حرف مجهور، وهو أحد الحروف المستعلية، يكون أصلاً لا بدلاً ولا زائدًا، والضاد للعرب خاصة ولا توجد في كلام العجم إلا في القليل، ولذلك قيل في قول أبي الطيب:
وَبِهِمْ فَخْرُ كُلِّ مَنْ نَطَقَ الضَّا=دَ وَعَوْذُ الجَانِي وَغَوْثُ الطَّرِيدِ |
ذهب به إلى أنها للعرب خاصة ...".
وجزم الفيروز آبادي في القرن التاسع للهجرة في "القاموس المحيط" في مادة (ض و د) بأن: "الضاد حرف هجاء للعرب خاصة" بعد أن استفتح كتابه بمقدمة قال فيها: "الحمد لله منطق البلغاء باللغى في البوادي... باعث النبي الهادي مفحمًا باللسان الضادي كل مضادي... (محمد) خير من حضر النوادي".
وعلق الزبيدي "شارح القاموس" على قول الفيروز آبادي بأن: "الضاد حرف هجاء للعرب خاصة" قائلاً: أي يختص بلغتهم، فلا يوجد في لغات العجم، وهو الصواب الذي أطبق عليه الجماهير، ونقل شيخنا عن أبي حيان - رحمه الله تعالى -: "انفردت العرب بكثرة استعمال الضاد، وهي قليلة في لغة بعض العجم، ومفقودة في لغة الكثير منهم، وذلك مثل العين المهملة، وذكر أن الحاء المهملة لا توجد في غير كلام العرب، ونقل ما نقله في الضاد في محل آخر عن شيخه ابن أبي الأحوص، ثم قال: والظاء المشالة مما انفردت به العرب دون العجم، والذال المعجمة ليست في الفارسية، والثاء المثلثة ليست في الروسية ولا في الفارسية، قاله ابن قريب، والفاء ليست في لسان الترك، وفي اللسان: ولا يوجد، يعني الضاد، في لسان العجم إلا في القليل".
وفي العصر الحديث قال البستاني صاحب "محيط المحيط": "قيل الضاد للعرب خاصة، وليس له حرف يقابله في باقي لغات الساميين، ويقابله عند الإفرنج حرف الدال في بعض الأحوال فيلفظ كلفظه".
وجاء "المعجم الوسيط" يعرف حرف (الضاد)، ذاكرًا ما يلي: "ويظهر أن الضاد كانت عصية النطق على أهل الأقطار التي فتحها العرب، أو على بعض القبائل العربية في شبه الجزيرة، وهذا يفسر تلك التسمية القديمة: "لغة الضاد".
وهذا القول - رغم أنه صيغ بلغة الظن - ليس محلاًّ للتعليق عليه، لولا ما جاء في المعجم المذكور عند التَّعرف بحرف (الظاء)، إذ ورد في التعريف: "وهو حرف عربي خص به لسان العرب لا يشركهم فيه أحد من الأمم".
وما ورد في المعجم في حرف (الظاء) نقل عن "لسان العرب" إذ ورد فيه: "روى الليث أن الخليل قال: الظاء حرف عربي خص به لسان العرب، لا يشركهم فيه أحد من سائر الأمم..." قال ابن جني: ولا يوجد في كلام النبط، فإذا وقعت فيه قلبوها طاء".
وفي "القاموس المحيط" في مادة (ظ و ى): (الظاء حرف خاص بلسان العرب)، وأثبت صاحب "تاج العروس" عند كلامه على حرف (الظاء)، ما أورده صاحب اللسان من رواية عن الليث، وأضاف في مادة (ظ و ى) معلقًا على قول الخليل: "وصرح بمثله أبو حيان وشيخه ابن أبي الأحوص وغير واحد، فلا يعتقد بمن قال إنما الخاص - بلغة العرب – الضاد"، قلت: وكأنه تعريض على البدر القرافي حيث قال: إنما المختص بهم (الضاد).
وقال البستاني في معجمه "محيط المحيط": "الظاء هو الحرف السابع عشر من حروف المباني، وليس له في العبرانية والسريانية حرف يقابله".
من هذا العرض لما ورد في المعاجم العربية، نستنتج أن العربية تمتاز بحروف تفتقدها اللغات الأخرى، مما يجعل أهل هذه اللغات عاجزين عن النطق بالحروف التي تختص بها العربية، كنطق العرب بها، ومن الثابت اليوم أن عدد حروف الهجاء في العربية يزيد عن عدد حروف كثير من اللغات المعروفة، وأن حروف (الضاد، والظاء، والعين) لا وجود لها في اللغات السامية مثلاً [3] ، كما أن حروف (الضاد، والظاء، والعين) لا وجود لها في اللغات اللاتينية [4]، ومن الثابت أيضًا صعوبة نطق غير العرب بالحروف العربية نطقًا سليمًا حتى... أن الجمهور الأكبر من الأوربيين لا يستطيعون - مع كل اجتهادهم - أن يتلفظوا تلفظًا صحيحًا بالحروف العربية (ض، ط، ظ) وما هو من نوعها[5]، "وأن الذين يرغبون في تعلم العربية من الأوربيين يجدون النطق بـ (الضاد) أشد صعوبة من النطق بغيرها من الحروف العربية، إذ إن لفظ (الضاد) يستلزم تمرنًا خاصًّا، وهو لا يقارب لفظ (الدال)؛ كما يقارب لفظ (الطاء) لفظ (التاء)، أو كما يقارب التلفظ بـ (الظاء) من التلفظ بـ (الذال)؛ [6] أي إن لفظ (الضاد) أعصى على المستعربين من لفظ أي حرف عربي آخر عصي على الأعاجم.
لهذا كان من المستحسن أن يغفل "المعجم الوسيط" في تعريف حرف (الظاء) الرواية المأثورة عن الليث، وأن يستبدل بالتعريف الوارد في حرف (الضاد) ما يلي:
والضاد من أعصى الحروف العربية نطقًا على غير العرب، ولهذا سميت العربية "لغة الضاد"....
حفظ الله كبير شعراء العربية المعاصرين بدوي الجبل الذي جعل الضاد علمًا على وحدة البلاد العربية وقال:كُلُّ الرُّبُوعِ رُبُوعُ العُرْبِ لِي وَطَنٌ= مَا بَيْنَ مُبْتَعِدٍ مِنْهَا وَمُقْتَرِبِ
لِلضَّادِ تَرْجِعُ أَنْسَابٌ مُفَرَّقَةٌ=فَا ضَّادُ أَفْضَلُ أُمٍّ بَرَّةٍ وَأَبِ
تَفْنَى العُصُورُ وَتَبْقَى الضَّادُ خَالِدَةً=شَجًى بِحَلْقِ غَرِيبِ الدَّارِ مُغْتَصِبِ
ورحم الله أمير الشعراء فقد بكى حافظًا [7] بقوله:
لُبْنَانُ يَبْكِيهِ وَتَبْكِي الضَّادُ مِنْ = حَلَبٍ إِلَى الفَيْحَا إِلَى صَنْعَاءِ
يَا حَافِظَ الفُصْحَى وَحَارِسَ مَجْدِهَا= وَإِمَامَ مَنْ نَجَلَتْ مِنَ البُلَغَاءِ
مَا زِلْتَ تَهْتِفُ بِالقَدِيمِ وَفَضْلِهِ= حَتَّى حَمَيْتَ أَمَانَةَ القُدَمَاءِ
[1] انظر "شرح ديوان المتنبي" ج1 ص 209، القاهرة 1930م.
[2] انصر "الصاحبي" ص 71، تحقيق ونشر محب الدين الخطيب - المكتبة السلفية - القاهرة 1910م.
[3] انظر كتاب "تاريخ اللغات السامية" تأليف/ إسرائيل ولفنسون ص 19 القاهرة 1929م.
[4] انظر بحث المستشرق لويس ماسينيوس عن مستقبل الخط العربي في مجلة مجمع اللغة العربية الجزء 12 القاهرة سنة 1960م.
[5] من كتاب "جزيرة العرب مهد الإسلام" (Arabia the cradle of Islam ) لمؤلفه المبشر الإنكليزي زومر، المطبوع في لندن سنة 1900، نقلاً عن مقال المستشرق الفينلدني كرسكو، المنشور في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق، في عدد تشرين سنة 1924، عنوانه "نفي أوهام الأوربيين في صعوبة تعلم اللغة العربية".
[6] انظر مقال المتشرق كرسكو الذي سبقت الإشارة إليه.
[7] حافظ إبراهيم شاعر العربية القائل بلسانها:وَسِعْتُ كِتَابَ اللهِ لَفْظًا وَغَايَةً =وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بِهِ وَعِظَاتِ
فَكَيْفَ أَضِيقُ اليَوْمَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ= وَتَنْسِيقِ أَسْمَاءٍ لِمُخْتَرَعَاتِ
أَنَا البَحْرُ فِي أَحْشَائِهِ الدُّرُّ كَامِنٌ=فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِي
رابط الموضوع
http://www.alukah.net/Literature_Lan...#ixzz2DvwdevLU