تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 38

الموضوع: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ.

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ.

    المقدمة:
    إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].
    أما بعدُ: فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هدي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وشرَّ الأمور محدَثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار[1].
    وبعدُ: فقد منَّ الله على هذه الأمة بأنْ حفِظَ لها دينها وأتمَّه، وأيَّد من يقوم به إلى قيام الساعة من الجهابذة الحفَّاظ الذين أفنَوْا أعمارهم وأموالهم في خدمة هذا الدين ونشرِه، فأعلى الله ذكرَهم، وشكَر لهم سعيَهم، فلا يخلو زمان ولا مكانٌ من هؤلاء المنصورين؛ لذا قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في حديث معاويةَ: ((لا تزال طائفةٌ من أمَّتي قائمةً بأمر الله، لا يضرُّهم مَنْ خذَلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمرُ الله وهم ظاهرون على النَّاس))[2]. وفي حديث جابر بن عبدالله يقول: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((لاتزال طائفةٌ من أمَّتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة))[3]. لذا بوَّب البخاري باب قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق))، قال عقِبه: وهم أهلُ العلم.
    وحاجةُ الناس إلى وجود هؤلاء العلماء الربَّانيِّين الذين يعلِّمون الناس صغار العلم قبل كِباره - أكثرُ من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأنَّ الإنسان قد لا يموت جوعًا ولا عطشًا، إنما قد يموت بسبب جهله، وقد سُئل الإمام أحمدُ عن المسألة: متى تحِلُّ؟ فقال: إذا لم يكن عنده ما يغدِّيه ويعشِّيه، قيل: فإن اضطر إلى المسألة؟ قال: هي مباحة له إذا اضطر، قيل له: فإن تعفَّف؟ قال: ذلك خير له، ثم قال: ما أظن أحدًا يموت من الجوع، واللهُ يأتيه برزقه[4]. ويكفيك في معرفة مدى احتياج الناس للعلم، قصةُ هذا الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، وعندما فتح الله قلبَه لنور الإيمان، وأراد أن يعود لطريق الهداية والرشاد؛ فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدلُّوه على راهبٍ، فأفتاه خطأً بأنْ ليس له توبةٌ فأتمَّ به المائةَ[5].
    فانتبهْ - رعاك الله وحفِظك من كل سوءٍ - إلى أنَّ السبب في قتل هذا الراهب هو جهلُه، فقد جهِل بأن الله يقبل التوبة من عباده، قال - تعالى -: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]. وانتبه - أخي الكريم - إلى أنه لا بد من سؤال أهل العلم؛ لأن مَنْ أفتى بغير علم ضلَّ وأضل، ويدل على ذلك القصةُ نفسُها؛ ما الذي فعله هذا الرجل عندما أفتاه خطأً هذا الراهب؟ زاد في معصيته وأتم بالرَّاهب المائة. وتأمَّل معي هذه الواقعةَ التي حدثتْ مع أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - فعن هُزَيْل بن شُرَحبيل، قال: سئل أبو موسى عن بنتٍ وابنة ابنٍ وأختٍ، فقال: للبنت النِّصفُ، وللأخت النِّصف، وأْتِ ابن مسعودٍ فسيتابعني، فسُئل ابن مسعودٍ وأخبر بقول أبي موسى، فقال: لقد ضللتُ إذًا وما أنا من المهتدين، أقضي فيها بما قضى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "للابنة النِّصف، ولابنة ابنٍ السدس تكملةُ الثُّلثين، وما بقِي فللأخت، فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعودٍ، فقال: لا تسألوني ما دام هذا الحبرُ فيكم"[6].
    انظر ماذا قال ابن مسعودٍ من فتوى أبي موسى - رضي الله عنهما - عندما رآها خطأً؟ قال: "لقد ضللتُ إذًا وما أنا من المهتدين"، إذًا فمن أفتى الناس خطأً، فقد أضلَّ. بل الأجمل ما قاله أبو موسى - رضي الله عنه - عندما تبيَّن له الحق في المسألة: ((فقال لا تسألوني ما دام هذا الحبرُ فيكم))، فأين مَن يتصدرون للفتوى بغير علم، وإذا تبيَّن أنه مخطئ تكبَّر، وأخذتْه العزة بالإثم، ولم يعترفْ بخطئه؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله! قال النَّووي - رحمه الله -: إن مَن كان سببًا لضلالة أو سببَ منعٍ مِن هداية، كان آثمًا؛ لقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وإنْ تولَّيت عليك إثمُ الأرِيسيِّينَ))[7]، ومِن هذا المعنى قول الله - تعالى -: ﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ ﴾ [العنكبوت: 13][8].
    ومن المهم لِمَن يتصدَّر لتعليم الناس أن يكون أهلاً لهذا، وأن يكون قد حصَّل علمًا كافيًا لكي يعلم الناس، وأن يضع دائمًا قصة قاتل المائة أمامه، وأن يعتبر بأمر هذا الرَّاهب الذي كان سببًا في قتل نفسه؛ إذ لا بدَّ للدَّاعي للإسلام أن يدل الناس على خيرَيِ الدنيا والآخرة، ولا يقنِّطهم من رحمة الله تعالى. فالعلم والفقه في الدين من أشرف الوظائف التي يتشرف الإنسان بها؛ فقد قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من يُرِد الله به خيرًا، يفقِّهْه في الدين))[9]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خيرُكم من تعلَّم القرآن وعلَّمه))[10]، وغير ذلك من الأدلَّة التي تدل على شرَف هذا الأمر. ومن هؤلاء العلماء الذين أضاؤوا الدنيا بعلمهم وبفقههم الإمامانِ: البخاريُّ ومسلمٌ صاحبا الصحيحين، أصحُّ الكتب بعد كتاب الله - عز وجل - لذا لهما من الفضل والمَيْزة ما ليس لغيرهما من كتب السنة؛ فقد اهتمَّ العلماء قديمًا وحديثًا بهما؛ فمن شارحٍ لهما، ومن مختصر، ومن مستدرك، ومن مستخرِج، ومن ناقد نقْدًا بناءً لبعض أحاديثهم من حيث الصَّنعةُ الحديثية؛ فكل هذا إن دلَّ فإنما يدل على أهمية هذين الكتابين، وحسبُك ما قاله الإمام أبو عمرِو بنُ الصلاح في كتابه علوم الحديث، قال: "أوَّل من صنف في الصحيح أبو عبدالله محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ، وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القُشيري، ومسلمٌ مع أنه أخذ عن البخاريِّ واستفاد منه، فإنه يشارك البخاريَّ في كثير من شيوخه، وكتاباهما أصحُّ الكتب بعد كتاب الله العزيز"[11].
    وقد استوقفتني كلمةٌ للشيخ المحدِّث أبي إسحاق الحُويني - حفظه الله - أثناء شرحِه لكتاب الباعث الحثيث، حيث قال: "العنايةُ بالصحيحين ينبغي أن تكون فوق كلِّ عناية؛ فإنَّ مَن أمعن النظر في الصحيحين سهُلَ عليه معرفةُ مفاتيح الكتب الأخرى"، وتكلَّم أيضًا على جمعه للصحيحين، وهو: "مجمَّة الفؤاد، في ما اتفق عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد". لذا وقع في قلبي عملُ جمعٍ وتقريبٍ للصَّحيحين، راجيًا من الله - عز وجل - السَّداد والتوفيق، وأسأل الله في عَليائه أن يكون سببًا في تقريب علمٍ للمسلمين؛ كي ينتفعوا به. وإني قد لاحظت أن كلَّ من تصدى للجمع بين الصحيحين قديمًا وحديثًا على حدِّ علمي القاصر أنه يجمع المتفقَ عليه على حِدَة، والذي انفرد به البخاري على حدةٍ، والذي انفرد به مسلم على حدة، وهذه الطريقة لم تُظهر فِقه البخاري المتمثل في تراجمه التي قال عنها العلماء: "فِقه البخاريِّ في تراجمه"، عدا كتاب اسمه (كفاية المسلم في الجمع بين صحيحي البخاري ومسلم ) لمحمد بن أحمد بن بدوي الدسوقي ط .دار الريان، لكنه لم يتعرض للأسانيد .
    قال القَسْطَلاَّنيّ ُ - رحمه الله -: (في بيان تراجم البخاري) : "أما بيان موضوعِه، وتفرُّدِه بمجموعه، وتراجمه البديعةِ المثال، المنيعةِ المنال، فاعلم أنه - رحمه الله تعالى - قد التزم مع صحَّة الأحاديث استنباطَ الفوائد الفقهية، والنُّكت الحكمية، فاستخرج بفهمه الثاقب من المتون معانِيَ كثيرةً فرَّقها في أبوابه بحسَب المناسبة، واعتنى فيها بآيات الأحكام، وانتزع منها الدَّلالات البديعة، وسلك في الإشارات إلى تفسيرها السُّبل الوسيعةَ"[12].
    وقال أيضًا: "وبالجملة، فتراجمُه حيَّرت الأفكار، وأدهشت العقول والأبصار، ولقد أجاد القائلُ حين قال:
    أَعْيَا فُحُولَ العِلْمِ حَلُّ رُمُوزِ مَا
    أَبْدَاهُ فِي الأَبْوَابِ مِنْ أَسْرَارِ" [13]

    لذا؛ فقد رأيتُ أن أسير في الجمع على طريقة البخاري، وأنْ أجمع أطراف الحديث في موضع واحد، ثم أُردفه بالحديث عند مسلم مع تبويبات النَّووي، وبهذا نتعرَّف كيف استفاد البخاري ومسلم والنَّووي من الحديث من الناحية الفقهية، كذلك نستفيد من ذكر أطرافِ الحديث في موضع واحد على فهم ما يستغلق ويستعجمُ من الأحاديث، ولقد أعجبني ما قاله الشَّيخ الفاضل عبدالكريم الخضير حينما سُئل: هل من الأفضل بالنسبة للمبتدئ أن يقرأ في كتاب الجمع بين الصحيحين للشامي، قبل البدء بالقراءة في الصحيحين نفسيهما؟ فأجاب قائلاً: "لا، إذا قرأ المتون وتدرَّج فيها - قرأ الأربعين، ثم العُمدة، ثم البلوغ، وقرأها قراءةَ بحث وتنقيب، وحفِظها إن أمكن - ترقَّى إلى الأصول مباشرة، يبدأ في البخاري ثم مسلم، وأما كونُ هذه الكتب (يعني البخاري ومسلم) فيها تَكرار، وفيها الأسانيد، هذه هي زينتها، لا شكَّ أن التكرار مما يُعين على الحفظ، ويعين على الاستنباط؛ لأنَّ في كلٍّ طريقًا، وفي بعض الطرق ما ليس في بعضٍ، مما يعين على الفهم؛ لأنَّ الإمامَ البخاريَّ أحيانًا يختصر الحديثَ في موضع بحيث يستغلق على القارئ، فإذا اطَّلع عليه في الموضع الآخر والثاني والثالث إلى آخر المواضع، ينجلي له"[14].

    ومن المعلوم أن من العلماء من رجّح صحيح البخاري على صحيح مسلم؛ لما فيه من الاستنباطات الفقهية، والنكت الحُكمية، وهو رأي جمهرة المحدثين، وهو الصواب .
    وأن منهم من رجّح مسلم على البخاري، لما فيه من الصنعة الحديثية وجمع طرق الحديث في موضع واحد، وهو رأي أبي عليّ النيسابوري شيخ الحاكم، وطائفة من علماء المغرب، فإذا جمعنا بين الطريقتين، نكون جمعنا بين الحسنيين .

    ثم بعد ذلك، أستخرج الفوائدَ من الإسناد، والفوائد من المتن، على النحو التالي: أولاً: فوائد الإسناد: 1- ذكرُ شيوخ البخاريِّ ومسلم في الحديث. 2- ذكرُ مدارِ الحديث عند البخاري ومسلم بطريقة مختصَرة. 3- ذكرُ بعض اللطائف في الإسناد؛ من أسماء الرواة، والأحاديث المعلقة، وغير ذلك بالنَّظر في شرح الحديث في "فتح الباري" لابن حجر، و"إرشاد الساري" للقسْطلاَّني، وشرح مسلم للنَّووي، و"تهذيب الكمال" للمِزِّي، وغيرها من الكتب التي تعتني بالصحيحين. 4- ذكرُ الحديث، هل متفق عليه في المتن والإسناد معًا، أم متَّفق عليه متنًا فقط، أم انفرد به البخاري، أم انفرد به مسلم؟ ثانيًا: فوائد المتن: 1- ذكرُ الفوارق في الألفاظ والزِّيادات في المتن، مع ذكر موضعِها. 2- ذكرُ غريب الحديث. 3- ذكرُ بعض الفوائد المستفادة من الحديث[15]. 4- ذكرُ ما استشكل من مناسبة تراجم البخاري مع الحديث. 5- في آخر كلِّ كتاب أذكر: أ- شيوخ البخاري ومسلم، وعدد أحاديثهم. ب- عدد الأحاديث التي اتفق عليها البخاري ومسلم في المتن والإسناد معًا، وكذلك المتَّفق عليه في المتن فقط، والتي انفرد كل واحد منهما بها. وقد سميته: "بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ"؛ مقتبسًا مطلع اسمه من شيخنا عادل بن يوسف العزازي - حفظه الله - كما في كتابه: "بلوغ الأماني في تهذيب فتح الباري".
    وإليك كتاب "بَدء الوحي" سائلاً الله - عز وجل - أن يكون عند حسن الظنِّ، وأن يكون مفيدًا نافعًا لطلبة العلم، وأن أوفَّق في إتمامه، وأن ينفعني به يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. نتهيت منه يوم الخميس قبل العصر[/من شعبان 1431 هجريًّا[/الموافق 14/ 7 /2010م[/]جمعه ورتبه[/]أبو البَراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة[/CENTER]

    [1] خطبة الحاجة، وردت عن ثمانية من الصحابة - رضي الله عنهم - وقد جمعها العلامة الألباني في رسالة مفيدة.
    [2] البخاري (3116)، ومسلم (1924).
    [3] مسلم (1923).
    [4] التمهيد لابن عبدالبر (4/ 120).
    [5] متفق عليه: من حديث أبي سعيد الخدري، البخاري (3470)، ومسلم (2766).
    [6] البخاري (6736)، أبو داود (2890)، والترمذي (2093)، وابن ماجه (2721).
    [7] المقصود: الفلاحون، وقيل غير ذلك؛ انظر فتح الباري (1/ 49).
    [8] شرح مسلم (12/ 154).
    [9] البخاري (71)، مسلم (2436) من حديث معاوية بن أبي سفيان.
    [10] البخاري (5027) من حديث عثمان بن عفان.
    [11] مقدمة فتح الباري (17).
    [12] إرشاد الساري (1/ 34).
    [13] إرشاد الساري (1/ 36).
    [14] مقارنة بين شروحات الكتب الستة؛ للشيخ عبدالكريم الخضير - حفظه الله - (1/ 23).
    [15] مستفاد من كتاب "فتح الباري على مختصر البخاري"؛ لأبي عبدالله محمد بن يسري، و"تهذيب فتح الباري"؛ لشيخنا أبي عبدالرحمن عادل بن يوسف العزازي - وفَّقهم الله وحفظهم من كل سوء.

    سنكمل قريبًا إن شاء الله .




    رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/39558/#ixzz2Ds7iQzdh

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ(1)

    أولاًّ: كتاب بدء الوحي، وفيه ستَّة أبواب، وسبعة أحاديث.

    بسم الله الرَّحمن الرَّحيم



    قال الشيخ الإمام الحافظ أبو عبدالله محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرةِ البخاريُّ - رحمه الله تعالى، آمين.
    الحديث الأوَّل "الأعمالُ بالنيَّاتِ"
    ذكرَه البخاري في سبعةِ مواضعَ، وهي: قال - رحمه الله - في كتاب بدء الوحي - باب كيف كان بَدء الوحي إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقول الله - جل ذكرُه - : ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [النساء: 163][16]: 1- حدَّثنا الحميديُّ عبدالله بن الزبير، قال: حدَّثنا سفيان[17] قال: حدثنا يحيى بن سعيدٍ الأنصاريُّ، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمةَ بن وقاصٍ الليثيُّ يقول: سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على المنبر قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمَن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه)). وقال في كتاب الإيمان: باب ما جاء أنَّ الأعمال بالنيَّة والحِسبة[18]، ولكلِّ امرئٍ ما نوى، فدخل فيه الإيمان والوضوء والصلاة والزَّكاة والحج والصوم والأحكام، وقال الله - تعالى -: ﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾ [الإسراء: 84]؛ على نيَّته، نفقةُ الرجل على أهله يحتسبُها صدقةٌ، وقال: ولكنْ جهادٌ ونيةٌ. 54 - حدثنا عبدالله بن مَسلمة قال: أخبرنا مالكٌ[19] عن يحيى بن سعيدٍ، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمةَ بن وقاصٍ، عن عمر أن رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الأعمال بالنيَّة، ولكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسولِه، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ يتزوَّجُها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)). وقال في كتاب العتق: باب الخطأ والنسيان في العَتَاقةِ والطلاق ونحوه، ولا عَتاقة إلا لوجه الله، وقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لكلِّ امرئٍ ما نوى))، ولا نيَّة للناسي والمخطئ[20]. 2529 - حدثنا محمد بن كثيرٍ عن سفيان، حدثنا يحيى بن سعيدٍ، عن محمد بن إبراهيم التيميِّ، عن علقمة بن وقاصٍ الليثي، قال: سمعت عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - عن النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الأعمالُ بالنيَّة، ولامرئٍ ما نوى)). وقال في كتاب مناقب الأنصار: باب هجرة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه إلى المدينة: 3898 - حدثنا مسدَّدٌ[21] حدثنا حمادٌ - هو ابنُ زيدٍ - عن يحيى عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاصٍ قال: سمعتُ عمر - رضي الله عنه - قال: سمعتُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((الأعمال بالنيَّة؛ فمَن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأةٍ يتزوَّجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه، ومن كانت هجرتُه إلى الله ورسولِه فهجرتُه، إلى الله ورسوله)). وقال في كتاب النكاح: باب من هاجر أو عمِل خيرًا لتزويج امرأةٍ، فله ما نوى[22]: 5070- حدثنا يحيى بن قزعة، حدثنا مالكٌ عن يحيى بن سعيدٍ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن علقمة بن وقاصٍ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((العملُ بالنيَّة، وإنما لامرئٍ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومَن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحُها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)). وقال في كتاب الأيمانِ والنذور: باب النية في الأيمان. 6689 - حدثنا قتيبة بن سعيدٍ، حدثنا عبدالوهاب[23]، قال: سمعت يحيى بن سعيدٍ يقول: أخبرني محمد بن إبراهيم أنه: سمع علقمة بن وقَّاصٍ الليثيَّ يقول: سمعتُ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنما الأعمال بالنيَّة، وإنما لامرئٍ ما نوى؛ فمن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيبها أو امرأةٍ يتزوجها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه)). وقال في كتاب الحِيَل: باب في تركِ الحِيَل، وأنَّ لكل امرئٍ ما نوى في الأيمان وغيرها[24]: 6953 - حدثنا أبو النعمان[25]، حدثنا حماد بن زيدٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاصٍ قال: سمعتُ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يخطب قال: سمعتُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((يا أيها الناس، إنَّما الأعمال بالنيَّة، وإنما لامرئٍ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرتُه إلى الله ورسولِه، ومَن هاجر إلى دنيا يصيبها أو امرأةٍ يتزوَّجها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه)). بينما رواه مسلم: في كتاب الإمارة، قال النَّووي: باب قولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّما الأعمال بالنيَّة))، وأنه يدخل فيه الغزوُ وغيرُه من الأعمالِ. 1907 - حدثنا عبدالله بن مسلمة بن قَعْنبٍ، حدثنا مالكٌ عن يحيى بن سعيدٍ، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاصٍ، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنما الأعمال بالنيَّة، وإنما لامرئٍ ما نوى؛ فمَن كانت هجرتُه إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسولِه، ومن كانت هجرتُه لدنيا يصيبُها أو امرأةٍ يتزوَّجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه)). ((...)) حدَّثنا محمد بن رُمْح بن المهاجر، أخبرنا اللَّيث ح، وحدثنا أبو الربيع العَتَكيُّ، حدثنا حماد بن زيدٍ ح، وحدثنا محمد بن المثنَّى، حدثنا عبدالوهاب - يعنى الثقفيَّ - ح، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا أبو خالدٍ الأحمر سليمان بن حيان ح، وحدثنا محمَّد بن عبدالله بن نُمَيرٍ، حدثنا حفصٌ - يعنى ابنَ غِياثٍ - ويزيدُ بن هارون ح، وحدثنا محمد بن العلاء الهَمْدانيُّ، حدثنا ابنُ المبارك ح، وحدثنا ابن أبي عُمر[26]، حدثنا سفيانُ كلُّهم عن يحيى بن سعيدٍ بإسناد مالكٍ ومعنى حديثه، وفى حديث سفيان: سمعتُ عمر بن الخطاب على المنبر يُخبر عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم[27].


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ(1)

    [16] مناسبة الآية للترجمة واضح؛ من جهة أن صفة الوحي إلى نبينا - صلَّى الله عليه وسلَّم - توافِقُ صفة الوحي إلى مَن تقدَّمه مِن النبيين، ومن جهة أن أوَّل أحوال النبيين في الوحي بالرؤيا؛ كما رواه أبو نعيم في الدلائل بإسناد حسن عن علقمة بن قيس صاحب ابن مسعود، قال: إن أوَّل ما يؤتى به الأنبياء في المنام حتى تهدأَ قلوبهم، ثم ينزل الوحي بعدُ في اليقظة. قاله الحافظُ في الفتح (1/ 9).
    *** أما عن مناسبة الحديث للترجمة، قيل: لم يقصد البخاري بإيراده سوى بيان حسن نيته في هدا التأليف؛ قاله ابن رُشيد، وقيل: إن الكتاب لَمَّا كان موضوعًا لجمع وحي السنَّة، صدَّره ببَدء الوحي، ولَمَّا كان الوحي لبيان الأعمال الشَّرعية، صدَّره بحديث الأعمال. قيل: إن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خطب به حين قدم المدينة مهاجرًا، فناسب إيراده في بدء الوحي؛ قاله (المُهلب)، وتعقبَّه (ابن حجر) قائلاً: إلا أني لم أرَ ما ذكره من كونه - صلَّى الله عليه وسلَّم - خطب به أوَّل ما هاجر منقولاً، وقيل غير ذلك؛ انظر الفتح (1/ 10 - 11).
    [17] هو ابن عيينة بن أبي عمران الهلاليُّ، أبو محمَّد المكي، أصله ومولده الكوفة، وقد شارك مالكًا في كثير من شيوخه، وعاش بعده عشرين سنة، وكان يذكر أنه سمع من سبعين من التابعين؛ قاله ابن حجر في الفتح (1/ 10).
    [18] المراد بالحِسْبة: طلب الثواب، ولم يأت بحديثٍ لفظُهُ: (الأعمال بالنيَّات والحسبة)؛ وإنما استدل بحديث عمر على أنَّ الأعمال بالنيَّة، وبحديث ابن مسعود على أن الأعمال بالحسبة، يُشير إلى حديث: ((إذا أنفق الرجُل على أهلِه يحتسبُها فهو له صدقةٌ))؛ قاله ابن حجر (1/ 170). ** غرَض المؤلف من إيراد هذا الحديث - هنا - الرد على من زعم من المرجئة: أنَّ الإيمان قولٌ باللسان دون عَقد القلب، فبيَّن أن الإيمان لا بدَّ له من نيَّةٍ واعتقادِ قلب، فافهم؛ قاله القسطلاني (1/ 217 - 218 ).
    [19] هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث وهو ذو أصبح الأصبَحيُّ الحِمْيريّ، أبو عبدالله، المدني، إمام دار الهجرة؛ تهذيب الكمال (27/ 93).
    [20] أشار البخاري بهذا الاستنباط إلى بيان أخذ الترجمة من حديث: ((الأعمال بالنيَّات))، ويحتمَل أن يكون أشار بالترجمة إلى ما ورد في بعض الطرق كعادته، وهو الحديث الذي يذكره أهل الفقه والأصول كثيرًا بلفظ: ((رفع الله عن أمَّتي الخطأ والنِّسيان وما استكرهوا عليه))؛ قاله ابن حجر (5/ 192).
    [21] مُسَدَّد: هو ابنُ مُسَرْهَد بن مُسَرْبَلٍ الأسدي، أبو الحسن البصري؛ تهذيب الكمال (27/ 443 ).
    [22] ما ترجم به من الهجرة منصوصٌ عليه في الحديث، ومن عمِل الخير مستنبطٌ؛ لأن الهجرة من جملة أعمال الخير؛ قاله ابن حجر (9/ 18)
    [23] هو ابن عبدالمجيد الثقفي؛ قاله ابن حجر في الفتح (11/ 636).
    [24] الحِيَل: جمع حِيلة، وهي ما يُتوصَّل به إلى المراد بطريقٍ خفيٍّ، ووجه مطابقة الحديث للترجمة - التي هي الحِيل - أنَّ مهاجرَ أمِّ قيس جعل الهجرة حيلةً إلى تزوُّج أم قيس؛ قاله القسطلاني (14/ 381)، وقال ابن المنير: أدخل البخاري الترك في الترجمة؛ لئلاَّ يتوهَّم إجازةُ الحيل؛ فتح الباري (12/ 398)
    [25] أبو النعمان: هو محمد بن الفضل السَّدوسي، أبو النعمان، ولقبه عارم، تهذيب الكمال (26/ 287)؛ قاله القسطلاني (14/ 380).
    [26] هو محمد بن يحيى بن أبي عُمر العدانِيُّ، أبو عبدالله، نزيل مكة، وقد يُنسب إلى جده، وقيل: إن أبا عُمر كُنية أبيه يحيى؛ تهذيب الكمال (26/ 639).
    [27] - أولاًّ: الفوائد في الإسناد: * شيوخ البخاري في الحديث سبعةٌ، وهم: (الحُميدي عبدالله بن الزبير - عبدالله بن مسلمة بن قَعنب - محمد بن بكير - مسدَّد بن مُسرهَد - يحيي بن قزعة - قتيبة بن سعيد - أبو النعمان محمد بن الفضل). * بينما شيوخُ مسلم في الحديث ثمانية، وهم: (عبدالله بن مسلمة بن قَعنب - محمد بن رُمح بن المهاجر - أبو الربيع العَتَكي - محمد بن المثنَّى - إسحاق بن إبراهيم - محمد بن عبدالله بن نُمير - محمد بن العلاء الهَمْداني - ابن أبي عمر). * مدار الحديث عند البخاري ومسلم على (يحيي بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقَّاصٍ الليثي، عن عمر بن الخطاب، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - به....). * اتَّفقوا على تخريج الحديث من طريق (عبدالله بن مسلمةَ، عن يحيي بن سعيدٍ، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقَّاص، عن عمر بن الخطاب به...) مع اختلافٍ يسيرٍ في المتن. * اتفق عليه البخاري ومسلمٌ في المتن من حديث عمر بن الخطاب، ولم يصحَّ إلا عنه من هذا الطريق؛ فهو حديث غريبٌ، ولكنه متواتر من حيث المعنى، ورُوي بمعناه عن جماعة؛ انظر الفتح (1/ 20). * قال الحافظ في الفتح (1/ 10): "ويحيى من صغار التابعين، وشيخُه محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، من أوساط التابعين، وشيخ محمَّدٍ علقمةُ بن وقاص الليثي من كبارهم، ففي الإسناد ثلاثةٌ من التابعين في نسَقٍ، وفي المعرفة لابن مَنْدَهْ ما ظاهره: أن علقمةَ صحابي، فلو ثبت، لكان فيه تابعيان وصحابيان". - ثانيًا: الفوائد في المتن: * عند البخاري (1) ((إنما الأعمال بالنيَّات))، وعنده (54)، (2529) ((الأعمال بالنيَّة))، وعنده (5070) ((العمل بالنيَّة))، وعنده (6689)، (6953)، وعند مسلم (1907) ((إنما الأعمال بالنيَّة)). *عند البخاري (1) "سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - على المنبر"، وعنده (6953) زاد: "يا أيُّها الناس". * عند البخاري (1) ((إنما لكل امرئٍ ما نوى))، وعنده (54) ((ولكلِّ امرئ ما نوى))، وعنده (2529) ((ولامرئٍ ما نوى))، وعنده (5070)، (6689)، (6953)، وعند مسلم (1907) ((وإنما لامرئٍ ما نوى)). ملحوظةٌ: لم يذكرها البخاري في حديث (3898). * عند البخاري (1) لم يذكر: ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله)). * عند البخاري (1)، (5070) ((ينكحها))، وعنده (54)، (2529)، (3898)، (6689)، (6953)، وعند مسلم (1907) ((يتزوَّجها)). *** ما يُستفاد من الحديث: 1 - أهمية استحضار النيَّة الصالحة في كلِّ عمل. 2 - تعظيم أمر أعمالِ القلوب؛ ومنها: الإخلاص. 3 - لا يجوز الإقدامُ على عمل قبل معرفة حُكمه. 4 - الحذر من قوادحِ الإخلاص، وشوائبِ الأعمال. 5 - الثواب والعقاب مرتبط بالقصدِ؛ ["فتح الباري"؛ لمحمد بن يسري (12)] 6 - أن الغافل (المجنون) لا تكليف عليه؛ لأنه لا قصد له و لا نيَّة. 7 - فيه تحقيرُ أمر الدنيا، والاستهانة بها. ["بلوغ الأماني في تهذيب فتح الباري"؛ لشيخنا العزازي (1/ 26)] *** أهمية الحديث: قال أبو عبدالله (يعني البخاري): ليس في أخبار النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - شيء أجمعَ وأغنى وأكثر فائدةً من هذا الحديث، واتفق عبدالرحمن بن مهديٍّ والشافعي فيما نقله البويطي عنه وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدَّارقطني وحمزة والكناني على أنه ثلثُ الإسلام، ومنهم من قال: ربعه، واختلفوا في تعيين الباقي، وقال ابنُ مهديٍّ أيضًا: يدخل في ثلاثين بابًا من العلم، وقال الشافعي: يدخل في سبعين بابًا،وقال عبدالرحمن بن مهدي أيضًا: ينبغي أن يُجعل هذا الحديث رأسَ كلِّ باب؛ قاله ابن حجر (1/ 23).
    سنكمل قريبًا إن شاء الله .





  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ(1)

    بارك الله فيك يا أبا البراء، ونفع بك
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ(1)

    نفع الله بكما .آميــــن .


  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ(1)

    بارك الله فيك شيخنا .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ(1)

    الأخ الكريم أبا البراء - وفقه الله - .
    مقالٌ مِنْ المقالات الثمينة التي تحتاجُ إلي النظر الطويل بها فجزاك الله تعالى كُل خير .

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ(1)

    اتمنى منك ذلك وأنتظر رأيك ونصيحتك .

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ(1)

    بلوغ الأماني في الجمع والتقريب بين صحيحي مسلم والبخاري
    الحديث الثاني
    "كيف يأتيك الوحي؟"
    ذكره البخاري في موضعين، وهما:

    قال: في كتاب بدء الوحي[1]:

    2- حدَّثنا عبدالله بن يوسف[2]، قال: أخبَرَنا مالك، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - أن الحارث بن هشام - رضي الله عنه - سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أحيانًا يأتيني مثل صَلصلة[3] الجرَس وهو أشدُّه عليَّ، فيَفصِم[4] عني وقد وعيتُ عنه ما قال، وأحيانًا يتمثَّل لي المَلَك رجلاً، فيُكلِّمني فأعي ما يقول)).

    قالت عائشة - رضي الله عنها -:(( ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيَفصِم عنه وإن جَبينه ليَتفصَّد [5] عرَقًا[6])).

    وقال: في كتاب بدء الخلق: باب ذكر الملائكة:

    3215 -حدَّثنا فَروَة[7]، حدثنا علي بن مُسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - أن الحارث بن هشام سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف يأتيك الوحي؟ قال: ((كل ذاك يأتيني الملك؛ أحيانًا في مثل صَلصلة الجرس، فيفصِم عني وقد وعيت ما قال، وهو أشده عليّ، ويتمثَّل لي الملك أحيانًا رجلاً، فيكلمني فأعي ما يقول)).

    بينما رواه مسلم في كتاب الفضائل؛ قال النووي: باب عرق النبي -صلى الله عليه وسلم- في البرد، وحين يأتيه الوحي:

    2333- حدَّثنا أبو كُريب محمد بن العلاء، حدثنا أبو أسامة[8]، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: إن كان لينزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الغداة الباردة، ثم تفيض جبهته عرَقًا.

    حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدَّثنا سفيان بن عُيينة، وحدَّثنا أبو كُرَيب، حدَّثنا أبو أسامة وابن بِشْر - جَميعًا - عن هشام ح، وحدثنا محمد بن عبدالله بن نُمير - واللفظ له - حدثنا محمد بن بشر، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة أن الحارث بن هشام سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف يأتيك الوحي، فقال:

    ((أحيانًا يأتيني في مثل صَلصلة الجرس، وهو أشده عليّ، ثم يَفصِم عنى وقد وعيته، وأحيانًا ملك في مثل صورة الرجل، فأعي ما يقول)) [9].

    بينما انفرد مسلم في هذا الباب بحديث، قال:

    (2334) وحدثنا محمد بن المثنَّى، حدثنا عبدالأعلى[10]، حدثنا سعيد [11]، عن قتادة[12]، عن الحسن[13]، عن حطان بن عبدالله، عن عبادة بن الصامت قال: كان نبي الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أُنزل عليه الوحي، كُرِب لذلك، وتربَّد[14] وجهه.

    (2335) حدثنا محمد بن بشار، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي[15] عن قتادة عن الحسن عن حطان بن عبدالله الرقاشي عن عبادة بن الصامت، قال كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أنزل عليه الوحي، نكس رأسه، ونكس أصحابه رؤوسهم، فلما أُتْلي[16] عنه، رفع رأسه.

    [1] اعترض الإسماعيلي، فقال: هذه الحديث لا يصلح لهذه الترجمة، وإنما المناسب لكيف بدأ الوحي الحديث الذي بعده، وأما هذا، فهو لكيفية إتيان الوحي، لا لبَدء الوحي، وقال الكرماني: لعل المراد منه المناسبة عن كيفية ابتداء الوحي، أو عن كيفية ظهور الوحي، فيوافق ترجمة الباب، وتعقبه الحافظ قائلاً: سياقه يشعر بخلاف ذلك؛ لإتيانه بصيغة المستقبل دون الماضي، لكن يمكن أن يقال المناسبة تظهر من الجواب؛ لأن فيه إشارة إلى انحصار صفة الوحي أو صفة حامله في الأمرين، فيشمل حالة الابتداء؛ "الفتح" (1: 22).

    [2] هو التنِّيسي، كان نزَل تنِّيس من عمل مصر، وأصله دمشقي، وهو من أتقن الناس في "الموطأ"، كذا وصفه يحيى بن مَعين؛ قاله الحافظ (1: 22).

    [3] صوت وقوع الحَديد بعضه على بعض؛ "الفتح" (1: 23).

    [4] أصل الفصم: القطْع، ومنه قوله تعالى: ﴿ لَا انْفِصَامَ لَهَا ﴾ [البقرة: 256]؛ "الفتح" (1: 24).

    [5] مأخوذ من الفَصْد وهو: قطْع العِرْق؛ لإسالة الدم؛ "الفتح" (1: 25).

    [6] قال الحافظ في "الفتح" (1: 25): "هو بالإسناد الذي قبْلَه، وقد أخرَجه الدارقطني في حديث مالك من طريق (عتيق بن يعقوب، عن مالك)، مفصولاً عن الحديث الأول، وكذا فصلها مسلم من طريق (أبي أسامة، عن هشام)، ونُكتة الانقطاع هنا: اختلاف التحمل؛ لأنها في الأول أخبرت عن مساءلة الحارث، وفي الثاني أخبرت عما شاهدت تأييدا للخبر الأول".

    [7] فَروَة بن أبي المغراء: واسمه مَعدي كَرِب الكِندي، أبو القاسم الكوفي؛ "تهذيب الكمال" (23: 178)، قاله القِسطلاني (1: 144).

    [8] هو: حمَّاد بن أسامة بن يزيد القُرشي، مولاهم الكُوفي، الحافظ الضابط المُتقِن العابد؛ قاله النووي في شرح مسلم (1: 144).

    [9] أولاً: الفوائد في الإسناد:

    - شيوخ البخاري في الحديث اثنان، وهم:

    (عبدالله بن يوسف - فَروَة بن أبي المغراء).

    - شيوخ مسلم في الحديث ثلاثة، وهم:

    (أبو كُريب محمد بن العلاء الهمداني - أبو بكر بن أبي شيبة - محمد بن عبدالله بن نُمير).

    - مدار الحديث عند البخاري ومسلم على: (هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة أن الحارث بن هشام سأل به.....).

    - الحديث متفق عليه من حديث الحارث بن هشام، وبعضهم جعله في مسند عائشة.

    ثانيًا: الفوائد في المتن:

    - قال الحافظ في "الفتح" (1: 22): "يُحتمل أن تكون عائشة حضرت ذلك، ويحتمل أن يكون الحارث أخبرها بذلك بعدُ، فيكون من مرسل الصحابة، وهو محكوم بوصله عند جمهور العلماء، وقد جاء ما يؤيد الثاني؛ ففي "مسند أحمد" و"معجم البغوي" وغيرها من طريق (عامر بن صالح الزبيري، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، عن الحارث بن هشام قال: سألت به..)، وعامر ضعيف، لكن وجدت له متابعًا عند ابن مَنده، والمشهور الأول" ، وقال أيضا في (6: 291): "المتابع المذكور أخرجه ابن مَنده من طريق (عبدالله بن الحارث، عن هشام، عن عائشة، عن الحارث بن هشام قال: سألت به....)".

    - عند البخاري (2)، وعند مسلم (2333) [أحيانًا يأتيني]، وعند البخاري (3215) [كل ذاك يأتيني الملك].

    - عند البخاري (2): [في اليوم الشديد]، وعند مسلم (2333) في رواية أبي كُريب عن أبي أسامة: [في الغداة الباردة].

    - زاد البخاري (2): [لقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصِم عنه، وإن جبينه ليتفصَّد عرقًا].

    - ما يستفاد من الحديث:

    1 - حرص الصحابة على معرفة ونقل كل ما يتعلق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والرسالة.

    2 - جواز السؤال عن أحوال الأنبياء.

    3 - بيان بعض كيفيات نزول الوحي.

    4 - شدة الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم؛ [ "فتح الباري"؛ لمحمد بن يسري (13)].

    5 - السؤال عن الكيفية لطلب الطمأنينة لا يقدح في اليقين.

    6 - إثبات الملائكة خلافًا لمن أنكرهم من الملاحدة والفلاسفة.

    7 - قدرة الملائكة على التشكل بالأشكال الحسنة؛ ["بلوغ الأماني"؛ لشيخنا العزازي (1: 32)].

    [10] هو عبدالأعلى بن عبدالأعلى بن محمد، وقيل: ابن شَرَحْبيل، السامي، القرشي، البصري، من بني سامة بن لؤي بن غالب، كُنيته: أبو محمد، ولقبه: أبو همام، وكان يغضب منه؛ "تهذيب الكمال" (16: 359).

    [11] هو سعيد بن أبي عَروبة، واسمه مهران، العدوي، أبو النضر البصري، مولى بني عدي بن يَشكُر؛ "تهذيب الكمال" (11: 5).

    [12] هو قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز بن عمرو بن ربيعة بن عمرو بن الحارث بن سدوس، ويقال: قتادة بن دعامة ابن عكابة بن عزيز بن كريم بن عمرو بن الحارث بن سدوس بن شيبان بن ذُهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل السدوسي، أبو الخطاب البصري، وكان أكمه؛ "تهذيب الكمال" (23: 498).

    [13] هو الحسن بن أبي الحسن، واسمه يسار، البصري، أبو سعيد، مولى زيد بن ثابت، ويقال: مولى جابر بن عبدالله، ويقال: مولى جميل بن قطبة بن عامر بن حديدة، ويقال: مولى أبي اليسر، وأمه خيرة مولاة أم سلمة، زوج النبي - صلى الله عليه وسلم؛ "تهذيب الكمال" (6: 95).

    [14] أيْ: تغيَّر وصار كلون الرَّماد.

    [15] هو: هشام بن أبي عبدالله الدستوائي، أبو بكر البصري، والد معاذ بن هشام، واسم أبي عبدالله سنبر الربعي من بكر بن وائل، وقيل: الجحدري، ودستواء كورة من كور الأهواز، كان يبيع الثياب التي تُجلب منها، فنُسِب إليها، ويقال له صاحب الدستوائي أيضًا؛ "تهذيب الكمال" (30: 215).

    [16] ارتفَع عنه الوحي.

    نكمل قريبًا إن شاء الله تعالى .

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    7,909

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ.

    جزاك الله خيرًا.
    ويسر الله أمرك وأعانك ، موضوع مفيد إن شاء الله.
    قال أبو عبدِ الله ابنِ الأعرابي:
    لنا جلـساء مـا نــمَلُّ حـدِيثَهم *** ألِبَّاء مأمونون غيبًا ومشهدا
    يُفيدوننا مِن عِلمهم علمَ ما مضى *** وعقلًا وتأديبًا ورأيا مُسدَّدا
    بلا فتنةٍ تُخْشَى ولا سـوء عِشرَةٍ *** ولا نَتَّقي منهم لسانًا ولا يدا
    فإن قُلْتَ أمـواتٌ فلـستَ بكاذبٍ *** وإن قُلْتَ أحياءٌ فلستَ مُفَنّدا


  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ.

    الحديث الثالث

    " بدء الوحي "


    ذكرَه البخاري في سبعة مواضِع؛ وهي:
    قال: في كتاب بدء الوحي:
    3- حدثنا يحيى بن بكير [1]قال: حدثنا الليث[2]عن عقيل[3]عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما بُدِئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلق الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنَّث فيه - وهو التعبد الليالي ذوات العدد - قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: ((ما أنا بقارئ))، قال: ((فأخَذني فغطَّني[4]،حتى بلغ مني الجَهد))، ثمَّ أرسلني، فقال: اقرأ، قُلتُ: ((ما أنا بقارئ))، فأخذَني فغطَّني الثانية، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني الثالثة، ثم أرسلني، فقال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 1-3]))، فرجع بها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَرجُف فؤادُه، فدخَل على خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - فقال: ((زمِّلوني زمِّلوني))، فزمَّلوه[5]حتى ذهب عنه الرَّوع[6]، فقال لخديجة - وأخبرها الخبر -: ((لقد خشيت على نفسي))، فقالت خديجة: كلاَّ، والله ما يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ[7]،وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب[8]الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعُزى ابن عم خديجة، وكان امرأ قد تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عَمِي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - خبَر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى[9]،يا ليتني فيها جذَعًا، ليتني أكون حيًّا إذ يُخرِجك قَومُك، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أَوَمُخرِجيَّ هُم؟))، قال: نعم؛ لم يأتِ رجل قطُّ بمثْل ما جئتَ به إلا عُودِي، وإنْ يُدركْني يومُكَ، أنصرْكَ نصْرًا مُؤزَّرًا، ثمَّ لم يَنشبْ[10]ورقة أن تُوفِّي وفتَر[11]الوحي. وقال: في كتاب أحاديث الأنبياء، باب: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ﴾ [مريم: 51 - 52]؛ كَلَّمه، ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ﴾ [مريم: 53]. يقال للواحد وللاثنين والجميع: نجيٌّ، ويقال: ﴿ خَلَصُوا نَجِيًّا ﴾ [يوسف: 80] اعتزَلوا نجيًّا، والجميع أنجية يتناجون. باب: ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ إلى قوله: ﴿ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ [غافر: 28]: 3392- حدثنا عبدالله بن يوسف، حدثنا الليث قال: حدثني عقيل عن ابن شهاب سَمِعت عروة قال: قالت عائشة - رضي الله عنها - فرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خديجة يَرجُف فؤادُه، فانطلقْتُ به إلى ورقَة بن نَوفل، وكان رجلاً تنصَّر يَقرأ الإنجيل بالعربيَّة، فقال: ورَقة: ماذا ترى؟ فأخبره، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزَل الله على موسى، وإن أدرَكني يومُك، أنصُرك نصْرًا مُؤزَّرًا. الناموس صاحب السر الذي يُطلعه بما يستره عن غيره. وقال - في كتاب التفسير: سورة اقرأ باسم ربك الذي خلق:
    4953- حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب ح، وحدثني سعيد بن مروان[12]حدثنا محمد بن عبدالعزيز بن أبي رِزْمة[13]، أخبرنا أبو صالح سَلمويه [14] قال: حدثني عبدالله[15]عن يونس بن يزيد، قال: أخبرني ابن شهاب أن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة زوجَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قالت: كان أول ما بُدئ به رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الرُّؤيا الصادقة في النوم؛ فكان لا يَرى رؤيا إلا جاءتْ مثل فلَقِ الصُّبح، ثمَّ حُبِّب إليه الخَلاء، فكان يَلحَق بغار حراء، فيَتحنَّث فيه - قال: والتحنُّث التعبُّد اللياليَ ذوات العدَد - قبْل أن يَرجِع إلى أهلِه، ويتزوَّد لذلك، ثمَّ يَرجِع إلى خَديجة، فيتزوَّد بمِثلِها، حتَّى فجَأه الحقُّ وهو في غار حِراء، فجاءه المَلَك، فقال: اقرأ، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما أنا بقارئ، قال: فأخَذني فغطَّنيحتَّى بلَغ منِّي الجَهد، ثمَّ أرسلني، فقال: اقرأ، قُلتُ: ما أنا بقارئ، فأخذَني فغطَّني الثانية حتَّى بلغ منِّي الجَهد، ثمَّ أرسلَّني فقال: اقرأ، فقُلتُ: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني الثالثة، ثم أرسلني، فقال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ [العلق: 1-4] الآيات إلى قوله: ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5])). فرجع بها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تَرجُف بوادِره حتَّى دخَل على خديجة، فقال: ((زمِّلوني، زمِّلوني))، فزمَّلوه حتى ذهَب عنه الرَّوع، قال لخديجة: ((أيْ خديجة، ما لي، لقد خَشيتُ على نفسي))، فأخبرها الخبر، قالت خديجة: كلاَّ، أَبشِر فوالله لا يُخزيك الله أبدًا؛ فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتَحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل - وهو ابن عم خديجة أخي أبيها - وكان امرأً تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربيَّة ما شاء الله أن يَكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عَمِيَ، فقالت خديجة: يا ابن عم، اسمَعْ مِن ابن أخيك، قال ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خبَر ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أُنزِل على موسى، ليتني فيها جذَعًا، لَيتني أكون حيًّا ذكر حرفًا، قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أَوَمُخرجِيَّ هم؟))، قال ورقة: نعم، لم يأت رجل بما جئتَ به إلا أوذِيَ، وإن يُدركني يومك حيًّا، أنصُرك نصْرًا مُؤزَّرًا، ثم لم يَنشبْ ورقة أن تُوفِّي وفتَر الوحْي فتْرةً؛ حتى حَزِن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم. قال محمد بن شهاب فأخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن أن جابر بن عبدالله الأنصاري - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدِّث عن فترة الوحي، قال في حديثه: ((بينا أنا أمشي، سمعت صوتًا من السماء، فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، ففرقت منه، فرجعت، فقلت: زمِّلوني، زمِّلوني))، فدثَّروه، فأنزل الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثر: 1- 5]. قال أبو سلمة: وهي الأوثان التي كان أهْل الجاهليَّة يَعبُدون، قال: ثم تَتابَع الوحي. قال في كتاب التفسير: باب قوله: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق: 2]:
    4955- حدثنا ابن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة أن عائشة - رضي الله عنها - قالت أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا الصالحة، فجاءه المَلَك فقال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ [العلق: 1 - 3]. وقال في كتاب التفسير: باب قوله: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ [العلق: 3]: 4956- حدثنا عبدالله بن محمد حدثنا عبدالرزاق[16]أخبرنا مَعمر[17]عن الزهري ح، وقال الليث: حدثني عقيل، قال محمد [18]أخبرني عروة عن عائشة - رضي الله عنها - أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا الصادقة، جاءه الملك فقال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ [العلق: 1 - 4]. وقال في كتاب التفسير:
    4957- حدثنا عبدالله بن يوسف، حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب، قال: سمعت عروة: قالت عائشة - رضي الله عنها -: فرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى خديجة فقال: ((زمِّلوني، زمِّلوني))، فذكر الحديث. وقال في كتاب التعبير: باب أول ما بُدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة:
    6982- حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب ح، وحدثني عبدالله بن محمد، حدثنا عبدالرزاق، حدثنا معمر، قال الزهري: فأخبرني عروة عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم؛ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح، فكان يأتي حراء، فيتحنَّث فيه - وهو التعبد الليالي ذوات العدد - ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فتزوَّده لمثلها، حتى فجأَه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه، فقال: اقرأ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فقلت ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني الثانية، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني الثالثة، حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، حتى بلغ: ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5]))، فرجع بها ترجُف بوادره، حتى دخل على خديجة، فقال: ((زمِّلوني، زمِّلوني))، فزمَّلوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: ((يا خديجة، ما لي))، وأخبرها الخبر، وقال: ((قد خشيت على نفسي))، فقالت له: كلاَّ، أبشِر فوالله لا يُخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امرأً تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عَمِي، فقالت له خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة: ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - ما رأى، فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني فيها جذعًا - أكون حيًّا - حين يخرجك قومك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أوَمُخرجي هم؟))، فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يُدركني يومك، أنصُرك نصْرًا مُؤزَّرًا، ثم لم يَنشَب ورقة أن تُوفِّي، وفتَر الوحي فترةً حتى حَزِن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -[19] فيما بلَغنا حُزنًا غَدا منه مِرارًا؛ كَي يتردَّى مِن رؤوس شواهق الجِبال، فكُلَّما أوفى بذِرْوة جبَل؛ لكي يُلقِي منه نفْسَه، تبدَّى له جبريل، فقال: يا محمَّد، إنك رسول الله حقًّا، فيَسكُن لذلك جأشُه وتَقرُّ نفْسُه فيَرجِع، فإذا طالتْ عليه فترة الوحْي غَدا لمثْل ذلك، فإذا أوفى بذِرْوة جبل، تبدَّى له جِبريل، فقال له مثل ذلك؛ قال ابن عباس: ﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ ﴾ [الأنعام: 96]: ضوء الشمس بالنهار، وضوء القمر بالليل[20]. ورواه مسلم في كتاب الإيمان - قال النووي: باب بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم:
    160- حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبدالله بن عمرو بن سرح، أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب، قال: حدثني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبرته أنها قالت: كان أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلَق الصبح، ثم حبِّب إليه الخَلاء، فكان يخلو بغار حِراء، يتحنَّث فيه - وهو التعبُّد - الليالي أُولات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، فيتزوَّد لمثلها، حتى فجأَه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ، قال: ((ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطَّني حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قال: قلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني فقال: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1-5]. فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترجف بوادره حتى دخل على خديجة، فقال: ((زملوني، زملوني))، فزملوه حتى ذهب عنه الرَّوع، ثم قال لخديجة: ((أي خديجة، ما لي؟))، وأخبرها الخبر، قال: ((لقد خشيت على نفسي))، قالت له خديجة: كلاَّ، أبشِر فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ والله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى - وهو ابن عم خديجة أخي أبيها - وكان امرأً تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عَمِي، فقالت له خديجة: أي عم[21]، اسمع من ابن أخيك، قال ورقة بن نوفل: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ما رآه، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى - صلى الله عليه وسلم - يا ليتني فيها جذعًا، يا ليتني أكون حيًّا حين يخرجك قومك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أو مخرجي هم؟))، قال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن يُدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزَّرًا. (...) وحدثني محمد بن رافع، حدثنا عبدالرزاق، أخبرنا مَعمر، قال: قال الزهري: وأخبرني عروة عن عائشة أنها قالت: أول ما بُدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - من الوحي، وساق الحديث بمثل حديث يونس، غير أنه قال: فوالله لا يحزنك الله أبدًا، وقال: قالت خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك. (...) وحدثني عبدالملك بن شعيب بن الليث، قال: حدثني أبي عن جدي، قال: حدثني عقيل بن خالد، قال ابن شهاب: سمعت عروة بن الزبير يقول: قالت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: فرجع إلى خديجة يرجف فؤاده، واقتصَّ الحديث بمثل حديث يونس ومعمر، ولم يذكر أول حديثهما من قوله: أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة، وتابع يونس على قوله: فوالله لا يخزيك الله أبدًا، وذكر قول خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك[22].


  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ.

    [1] من كبار حُفَّاظ المصريين، وهو من أثبَت الناس في الليث بن سعد؛ قاله الحافظ (1: 27)
    [2] هو: الليث بن سعد بن عبدالرحمن الفهمي عالم أهل مصر، من تابعي التابعين؛ قاله القسطلاني (1: 86).
    [3] عقيل بن خالد بن عقيل الأيلي: أبو خالد الأموي مولى عثمان بن عفان؛ تهذيب الكمال (20: 242)؛ قاله القسطلاني (1: 86).
    [4] ضمني وعصرني، والغط: حبس النفس؛ الفتح (1: 29).
    [5] لفُّوه؛ الفتح (1: 29).
    [6] الفزع؛ الفتح (1: 29).
    [7] ما لا يَستقِلُّ بأمره؛ كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ ﴾ [النحل: 76]؛ الفتح (1: 30). [8] النوائب جمع نائبة، وهي الحادثة، وإنما قالت الحق؛ لأنَّ النائبة قد تكون في الخير، وقد تكون في الشر؛ قال
    لَبيد: نَوائِبُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ كليهما
    فلا الخَيرُ مَمْدُودٌ ولا الشر لازِبُ

    شرح مسلم للنووي (2: 265).
    [9] لم يَقلْ على عيسى مع كَونه نصرانيًّا؛ لأنَّ كتاب موسى - عليه السلام - مُشتمِل على أكثر الأحكام، بخلاف عيسى، أو لأنَّ موسى بُعثَ بالنِّقمَة على فرعون ومَن معه بخلاف عيسى، وكذلك وقعَتِ النِّقمة على يد النبيِّ - صلَّى الله علَيه وسلَّم - على فرعون هذه الأمة وهو أبو جهل بن هشام ومَن معه ببدر، أو قاله تَحقيقًا للرسالة؛ لأنَّ نزول جبريل على موسى متَّفق عليه بين أهل الكتاب، بخلاف عيسى؛ فإنَّ كثيرًا من اليهود ينكرون نبوَّته، قاله ابن حجر (1: 32).
    [10] لم يَلبثْ؛ الفتح (1: 33).
    [11] أيْ: تأخَّر فترة مِن الزمن؛ الفتح (1: 33).
    [12] هو أبو عثمان البغدادي نزيل نيسابور، من طبقة البخاري، شاركه في الرواية عن أبي نُعيم وسليمان بن حرب ونحوهما، وليس له في البخاري سوى هذا الموضع، ومات قبل البخاري بأربع سنين، ولهم شيخ آخر يقال له أبو عثمان سعيد بن مروان الرهاوي، حدَّث عنه أبو حاتم وابن أبي رزمة وغيرهما، وفرق البخاري في (التاريخ) بينه وبين البغدادي، ووهِم مَن زعَم أنهما واحد؛ قاله ابن حجر في الفتح (8: 653).
    [13] بكسر الراء وسكون الزاي، واسم أبي رزمة (غزوان)، وهو مروزي من طبقة أحمد بن حنبل، فهو من الطبقة الوسطى من شيوخ البخاري، ومع ذلك فحدَّث عنه بواسطة، وليس له عنده سوى هذا الموضع؛ قاله ابن حجر في الفتح (8: 653).
    [14] اسمه سليمان بن صالح الليثي المروزي يلقَّب (سلمويه)، وهو مِن طبقة الراوي عنه مِن حيثُ الرِّاوية، إلا أنه تقدَّمتْ وفاته، وكان مِن أخصَّاء عبدالله بن المبارك والمُكِثرين عنه، وقد أدركه البُخاري بالسنِّ؛ لأنه مات سنة عشر ومائتين وما له في البخاري سوى هذا الموضع؛ قاله ابن حجر (8: 654).
    [15] هو ابن المبارك المشهور؛ قاله ابن حجر (8: 654). - [قلتُ] من اللطائف في هذا الإسناد أن فيه ثلاثة في نسق ليس لهم في البخاري سوي هذا الحديث، وهم: (سعيد بن مروان، عن محمد بن عبدالعزيز بن أبي رِزْمة، وعن أبي صالح سلمويه).
    [16] عبدالرزَّاق بن همَّام بن نافِع الحِمْيَري، مولاهم اليَماني أبو بكر الصَّنعاني؛ تهذيب الكمال (18: 52 )؛ قاله القسطلاني.
    [17] مَعمر بن راشد الأزدي الحداني، أبو عُروة بن أبي عمرو البصري، مولى عبدالسلام بن عبدالقدوس؛ تهذيب الكمال (28: 303 )؛ قاله القسطلاني.

    [18] هو: محمد بن مسلم بن عبيدالله بن عبدالله بن شهاب بن عبدالله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الزهري، أبو بكر المدني، سكن الشام؛ تهذيب الكمال (26: 420)؛ قاله القسطلاني (11: 279).
    [19] قال الحافظ في الفتح: والذي عندي أن هذه الزيادة خاصة برواية معمر؛ فقد أخرج من طريق عقيل أبو نعيم في مستخرجه من طريق (أبي زرعة الرازي عن يحيى بن بكير شيخ البخاري)، فيه في أول الكتاب بدونها، وأخرجه مقرونًا هنا برواية معمر، وبيَّن أن اللفظ لمعمر، وكذلك صرح الإسماعيلي أن الزيادة في رواية معمر، وأخرجه أحمد ومسلم، والإسماعيلي وغيرهم، وأبو نُعيم أيضًا من طريق جمع من أصحاب الليث عن الليث بدونها، ثم إن القائل فيما بلغنا هو (الزهري)، ومعنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه القصة وهو من بلاغات الزهري وليس موصولاً (12: 438 ).
    [20] قال ابن حجَر: "يعني بالإصباح: ضوء الشمس بالنهار، وضوء القمر بالليل، وتعقَّب بعضُهم هذا على البخاري، فقال: إنما فسَّر ابن عباس الإصباح ولفْظ "فالق" هو المُراد هنا؛ لأن البخاري إنما ذكَره عَقِب هذا الحديث من أجْل ما وقع في حديث عائشة: "فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح"، فلإيراد البخاري وجه، وقد تقدم في آخر التفسير قول مُجاهد في تَفسير قوله: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ [الفلق: 1]: إنَّ الفلَق: الصُّبح، وأخرج الطبري هنا عنه في قوله: ﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ ﴾ [الأنعام: 96] قال: إضاءة الصُّبح، وعلى هذا فالمُراد بفلَقِ الصُّبح: إضاءته"؛ فتح الباري (12: 439 - 440).
    [21] قال الحافظ ابن حجَر: "ووقع في مسلم "يا عم"، وهو وهْمٌ؛ لأنه وإن كان صحيحًا لجواز إرادة التوقير، لكن القصة لم تتعدَّد ومخرجها متحد، فلا يحتمل على أنها قالت ذلك مرتين، فتعين الحمل على الحقيقة، وإنما جوَّزنا ذلك فيما مضى (في العبراني، والعربي)؛ لأنه من كلام الراوي في وصف ورقة، واختلفَت المخارج، فأمكن التَّعداد، وهذا الحكم يَطَّرِد في جميع ما أشبهه"؛ فتح الباري (1: 31).
    [22] أولاً الفوائد في الإسناد: - شيوخ البخاري في الحديث أربعة، وهم: (يحيي بن بكير - عبدالله بن يوسف - سعيد بن مروان - عبدالله بن محمد).
    - شيوخ مسلم في الحديث ثلاثة، وهم: (أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبيد الله بن عمرو بن سرْح - محمد بن رافِع - عبدالملك بن شُعَيب). - مدار الحديث عند البخاري ومسلم على (ابن شهاب، عن عُروة بن الزبير، عن عائشة به...). - الحديث متَّفق عليه من حديث عائشة. - ثانيًا الفوائد في المتْن: - عند البخاري (3)، (4955) [الرؤيا الصالحة]، وعنده (4953)، (4956)، (6982)، وعند مسلم (160) [الرؤيا الصادقة]. - عند البخاري (3) [وكان يخلو بغار حراء، فيتحنَّث فيه]، وعنده (4953) [فكان يلحق بغار حراء، فيتحنَّث فيه]، وعنده (6982) [فكان يأتي، فيتحنَّث فيه]، وعند مسلم (160) [فكان يخلو بغار حراء، يتحنَّث فيه]. - عند البخاري (3) [قبل أن ينزع إلى أهله]، وعنده (4953)، وعند مسلم (160) [قبل أن يرجع إلى أهله]. - عند البخاري (3) [حتى جاءه الحق]، وعنده (4953)، (6982)، وعند مسلم (160) [حتى فجأَه الحق]. - عند البخاري (3)، (3392) [يرجف فؤاده]، عنده (4953)، (6982)، وعند مسلم (160) [ترجف بوادره]. - عند البخاري (3) [فقالت خديجة: كلاَّ، والله لا يخزيك الله أبدًا]، وعنده (4953)، (6982)، وعند مسلم (160) في رواية معمر وعقيل: [فوالله لا يحزنك الله أبدًا]. - زاد البخاري (4953)، ومسلم (160) في رواية يونس [وتصدق الحديث]. - عند البخاري (3) [وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية]، وعنده (3392) [وكان رجلاً تنصر يقرأ الإنجيل بالعربية]، عنده (4953)، (6982)، وعند مسلم (160) [وكان يكتب الكتاب العربي]. - عند البخاري (3)، (4953)، (6982)، وعند مسلم في رواية معمر وعقيل [فقالت خديجة: يا ابن عم]، وعند مسلم في رواية يونس [فقالت خديجة: يا عم]. - عند البخاري (3)، (6982)، وعند مسلم (160) [إلا عودي]، وعند البخاري (4953 ) [إلا أوذي]. - عند البخاري (3) [ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي]، وعنده (4953) [ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي؛ حتى حزِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم]. - زاد البخاري (6982 ) [فيما بلغنا حزنًا غدا منه مرارًا؛ كي يتردَّى من رؤوس شواهق الجبال...]. - في حديث (3392) [الناموس صاحب السر الذي يطلعه بما يستره عن غيره]، القائل هو البخاري؛ قاله ابن حجر في فتح الباري (6: 526). - قوله "وهو التعبُّد"، هذا مُدرَج في الخبر وهو مِن تفسير الزهري كما جزم به الطيبي، ولم يذكر دليله، نعم، في رواية المؤلف من طريق يونس عنه في التفسير ما يدل على الإدراج، قاله ابن حجر في فتح الباري (1: 28). - ما يُستفاد من الحديث: 1- الأمور العظيمة لا بدَّ لها من تمهيد. 2- يستحب لمن زلَّ به أمر أن يطلع عليه مَن يثق به. 3- استِحباب تأنيس مَن نزَل به أمرٌ جَلَل (عظيم). 4- بيان عظيم أخلاق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبل البعثة. 5- أهمية الزَّوجة الصالِحة في إعانة زَوجها على معالي الأمور. 6- الرجوع إلى أهل العلم في المسائل المهمة، [فتح الباري؛ لمحمَّد بن يُسري (14)]. 7- أن التوفيق للهداية مِن الله، وذلك مِن قول عائشة: (ثمَّ حُبِّب إليه). 8- استحباب الاستمرار في العبادة، وذلك مِن قول عائشة: (ثمَّ يتزوَّد لمثْلِها). 9- العبادة لا تعني الانقطاع الدائم عن الأهل، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يَرجِع إلى أهله. 10- الخَلوة عَونٌ للإنسان على تعبُّده وصَلاح دينه، وقد سنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الاعتِكاف. 11- أنَّ أفعال الخير سببٌ لدفْع المَكروه، وذلك مِن استِدلال خَديجة بمَكارم أخلاقه - صلَّى الله عليه وسلَّم. 12- مَن ادَّعى شيئًا، فعلَيه أنْ يأتي بالدَّليل على صدْق دعْواه. 13- أنَّ لصاحِب الحاجَة أن يُقدِّم بين يدَيه مَن يَعرف بقَدْره، ممَّن يكون أقرب منه إلى المسؤول؛ [بلوغ الأماني؛ للعزازي (1: 42 - 43 )].

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ.

    الحديث الرابع

    "رؤية جبريل على صورته"



    ذكره البخاري في تسع مواضع، وهي: قال: في كتاب بدء الوحي:


    4- قال ابن شهاب: وأخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن[1] أن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدث عن فترة الوحي - فقال في حديثه: ((بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء، فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرُعِبت منه، فرجعت، فقلت: زملوني، فأنزل الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ [المدثر: 1-2] إلى قوله: ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثر: 5]، فحَمِيَ الوحْي وتتابَع[2])).
    تابعه[3] عبدالله بن يوسف وأبو صالح[4]، وتابعه هلال بن رَدَّاد[5] عن الزهري، وقال يونس ومعمر[6] بوادره[7].

    وقال - في كتاب بدء الخلق -: باب إذا قال أحدكم: آمين، والملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى، غفِر له ما تقدم من ذنبه:


    3238- حدَّثنا عبدالله بن يوسف، أخبَرنا الليثُ، قال: حدَّثني عقيل عن ابن شهاب، قال: سمعتُ أبا سلمة قال: أخبرني جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - أنه سَمِعَ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ثم فتر عني الوحي فترة، فبينا أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء، فرفعت بصري قبل السماء، فإذا الملك - الذي جاءني بحراء - قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجُئِثت[8] منه حتى هويت[9] إلى الأرض، فجئت أهلي، فقلت: زمِّلوني، زملوني، فأنزل الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ [المدثر: 1 - 2] إلى قوله: ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثر: 5])). قال أبو سلَمَة والرُّجْز: الأوثان.

    وقال في كتاب التفسير: سورة المدثر:


    قال ابن عباس[10] ﴿ عَسِيرٌ ﴾ [المدثِّر: 9] شديد، ﴿ قَسْوَرَةٍ ﴾ [المدثِّر: 51]: رِكْز الناس وأصواتُهم، وكل شديد قَسوَرة، وقال أبو هريرة[11] القَسوَرة: قَسْوَرٌ الأسدُ، الرِّكز: الصوت، ﴿ مُسْتَنْفِرَةٌ ﴾ [المدثر: 50]: نافِرة مَذعورة. 4922- حدثنا يحيى[12]، حدثنا وكيع [13]، عن علي بن المبارك[14]، عن يحيى بن أبي كثير، سألت أبا سلمة بن عبدالرحمن عن أول ما نزَل من القرآن، قال: ﴿ يَا أيُّها المُدَّثِّر ﴾ [المدثر: 1]، قلت: يقولون: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - عن ذلك، وقلت له مثل الذي قلت، فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدَّثنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: (جاورت بحراء، فلما قضيتُ جواري هبطت، فنودِيت، فنظَرت عن يميني، فلم أر شيئًا، ونظرت عن شمالي، فلم أر شيئًا، ونظرت أمامي، فلم أر شيئًا، ونظرت خلفي، فلم أر شيئًا، فرفعت رأسي، فرأيت شيئًا، فأتيت خديجة، فقلت: دثِّروني وصبُّوا عليّ ماءً باردًا، قال: فدثَّروني وصبُّوا علي ماءً باردًا، قال: فنزلت: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾ [المدثِّر: 1- 3].

    وقال - في كتاب التفسير - : باب
    ﴿ قُمْ فَأَنْذِرْ[المدثِّر: 2]:


    4923 - حدثني محمد بن بشار، حدثنا عبدالرحمن بن مهدي وغيره[15]، قالا: حدثنا حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((جاورت بحراء))، مثل حديث عثمان بن عمر، عن علي بن المبارك[16]. وقال - في كتاب التَّفسير - : باب قوله ﴿ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ[المدثر: 3]:


    4924- حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا عبدالصمد[17]، حدثنا حرب، حدثنا يحيى قال: سألت أبا سلمة: أي القرآن أُنزل أولاً[18]؟ فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ [المدثِّر: 1]، فقلتُ: أُنبِئتُ أنَّه ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلَق: 1]، فقال أبو سلَمة: سألتُ جابر بن عبدالله: أيُّ القُرآن أُنزل أوَّلاً؟ فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ [المدثِّر: 1]، فقلتُ: أُنبِئتُ أنَّه ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلَق: 1]، فقال: لا أُخبرك إلا بما قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - : (جاورت في حراء، فلما قضيت جواري، هبطت فاستبطنت الوادي، فنودِيت، فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي، فإذا هو جالس على كرسي بين السماء والأرض، فأتيت خديجة، فقلت: دثروني وصبوا علي ماءً باردًا، وأُنزل عليَّ: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَربَّكَ فَكَبِّرْ ﴾ [المدثِّر: 1- 3]. وقال - في كتاب التفسير - باب: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثِّر: 4]:


    4925- حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب ح، وحدثني عبدالله بن محمد، حدثنا عبدالرزاق، أخبرنا معمر، قال الزهري: فأخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: سمعتُ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يحدِّث عن فتْرة الوحي، فقال في حديثه: ((فبينا أنا أمشي إذْ سَمعتُ صوتًا مِن السماء، فرفعْتُ رأسي، فإذا الملَك الذي جاءَني بحِراء جالس على كُرسيٍّ بين السماء والأرض، فجُئِثْتُ منه رُعبًا، فرجعْتُ فقلتُ: ((زمِّلوني زمِّلوني)) فدثَّروني، فأنزل الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ [المدثر: 1] إلى ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثِّر: 5] - قبل أن تُفرَض الصلاة - وهي الأوثان.

    وقال - في كتاب التفسير - باب قوله:
    ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ[المدثِّر: 5]، يُقال: الرُّجز والرِّجسُ: العذاب.


    4926- حدثنا عبدالله بن يوسف، حدثنا الليث عن عقيل، قال ابن شهاب: سمعت أبا سلمة قال: أخبرني جابر بن عبدالله أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث عن فترة الوحي: ((فبينا أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء، فرفعت بصري قِبَلَ السماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض فجُئِثت منه حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت: زمِّلوني زمِّلوني، فزمَّلوني، فأنزل الله تعالى: ﴿ يَا أيُّها المُدَّثِّر ﴾ [المدثر: 1] إلى قوله: ﴿ فاهجر ﴾ [المدثر: 5]. قال أبو سلمة: والرُّجز: الأوثان، ثم حمِي الوحي وتتابَع.

    وقال - في كتاب التفسير:


    4954 - قال محمد بن شهاب فأخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن أن جابر بن عبدالله الأنصاري - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدث عن فترة الوحي - قال في حديثه: ((بينا أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء، فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، ففرقت منه، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فدثروه، فأنزل الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثر: 1- 5])). قال أبو سلمة: وهي الأوثان التي كان أهل الجاهليَّة يعبدون، قال: ثمَّ تتابَع الوحْي. وقال - في كتاب الأدب - باب: رفع البصَر إلى السَّماء، وقوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 18]، وقال أيوب عن ابن أبي مُلَيكة عن عائشة: رفَع النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأسَه إلى السَّماء[19]،[20]. 6214- حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب قال: سمعت أبا سلمة بن عبدالرحمن يقول: أخبرني جابر بن عبدالله أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ثم فتر عني الوحي، فبينا أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء، فرفعت بصري إلى السماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض)).

    بينما ورواه مسلم - في كتاب الإيمان؛ قال النووي: باب بدء الوحي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم:


    161- وحدثني أبو الطاهر، أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني يونس، قال: قال ابن شهاب: أخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن أن جابر بن عبدالله الأنصاري - وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحدث، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدث عن فترة الوحي - قال في حديثه: ((فبينا أنا أمشى سمعت صوتًا من السماء، فرفعت رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسًا على كرسي بين السماء والأرض))، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فجُئِثت منه فرَقًا، فرجعت، فقلت: زملوني، زملوني، فدثروني، فأنزل الله - تبارك وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثر: 1- 5]، وهي الأوثان، قال: ((ثم تتابَع الوحْي)). وحدثني عبدالملك بن شعيب بن الليث، قال: حدثني أبي عن جدي، قال: حدثني عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، قال: سمعت أبا سلمة بن عبدالرحمن يقول: أخبرني جابر بن عبدالله أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ثم فتر الوحي عني فترة، فبينا أنا أمشى...))، ثم ذكر مثل حديث يونس، غير أنه قال: ((فجُثِثت منه فرَقًا حتى هويت إلى الأرض))، قال: وقال أبو سلمة: والرُّجْز: الأوثان، قال: ((ثم حمِي الوحي بعدُ وتتابَع)). وحدثني محمد بن رافع، حدثنا عبدالرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري بهذا الإسناد نحو حديث يونس، وقال: ((فأنزل الله - تبارك وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ [المدثر: 1] إلى قوله: ﴿ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ [المدثر: 5] قبْل أنْ تُفرَض الصَّلاة - وهي الأوثان - وقال: ((فجُثثتُ منه))؛ كما قال عقيل. وحدثنا زهير بن حرب، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، قال: سمعت يحيى يقول: سألت أبا سلمة: أي القرآن أنزل قبلُ؟ قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ [المدثر: 1]، فقلت: أو اقْرأ؟ فقال: سألتُ جابر بن عبدالله: أيُّ القُرآن أُنزلَ قبْل؟ قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ [المدثر: 1]، فقلت: أو اقرأ؟ قال جابر: أُحدِّثكم ما حدَّثنا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((جاورْتُ بحِراء شهْرًا، فلمَّا قضَيتُ جواري، نزلْتُ فاستَبْطنتُ بطْن الوادي، فنُوديتُ فنظرْتُ أمامي وخلْفي، وعن يَميني وعن شِمالي، فلم أرَ أحدًا، ثمَّ نوديتُ، فنظرْتُ فلم أرَ أحدًا، ثمَّ نُوديتُ فرفعْتُ رأسي، فإذا هو على العرش في الهواء - يعني جبريل - عليه السلام - فأخذتْني رجْفة شديدة، فأتيت خديجة، فقلت: دثِّروني، فدثَّروني، فصبُّوا عليَّ ماءً، فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر: 1-4])). حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عثمان بن عمر، أخبرنا علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير بهذا الإسناد، وقال: ((فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض))[21].

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ.


    [1] قوله: "قال بن شهاب، وأخبرني أبو سلمة"، قال الحافظ في "الفتح" (1: 24): "إنما أتى بحرف العطف؛ ليُعلم أنه معطوف على ما سبق، كأنه قال: أخبرنا عروة بكذا، وأخبرني أبو سلمة بكذا، وأبو سلمة: هو بن عبدالرحمن بن عوف، وأخطأ من زعَم أن هذا معلق - وإن كانت صورته صورة التعليق - ولو لم يكن في ذلك إلا ثبوت الواو العاطفة؛ فإنها دالة على تقدُّم شيء عطَفته.
    [2] أي: جاء كثيرًا، ويحتمل أن يراد بحمِي: قوِي، وبتتابَع: تكاثَر؛ "الفتح" (1: 35).
    [3] قوله: [تابعه]: الضمير يعود على يحيى بن بكير، ومتابعة عبدالله بن يوسف عن الليث هذه عند البخاري في قصة موسى، وفيه من اللطائف قوله عن الزهري: سَمِعت عروة.
    [4] قوله: [وأبو صالح]: هو عبدالله بن صالح كاتب الليث، وقد أكثر البخاري عنه من المعلقات، وعلَّق عن الليث جملة كثيرة من أفراد أبي صالح عنه، ورواية عبدالله بن صالح عن الليث لهذا الحديث، أخرجها يعقوب بن سفيان في تاريخه عنه، مقرونًا بيحيى بن بكير، ووهِم من زعَم - كالدمياطي - أنه أبو صالح عبدالغفار بن داود الحراني؛ فإنه لم يذكر من أسنده عن عبدالغفار، وقد وجد في مسنده عن كاتب الليث.
    [5] قوله: [وتابعه هلال بن ردَّاد] - بدالين مهملتين الأولى مثقلة - وحديثه في الزهريات؛ للذهلي؛ قاله ابن حجر (1: 35).
    [6] قوله: [وقال يونس]؛ يعني: ابن يزيد الأيلي، [ومعمر] هو ابن راشد، بوادره: يعني أن يونس ومعمرًا رَوَيا هذا الحديث عن الزهري، فوافقا عقيلاً عليه؛ قاله ابن حجر في "فتح الباري" (1: 34 - 35).
    [7] البوادر: جمع بادرة، وهي اللحمة التي بين المَنكِب والعُنق، تضطرب عند فزع الإنسان؛ "الفتح" (1: 35).

    [8] معناها: فزِعت ورُعِبت؛ قاله النووي في شرحه لمسلم (2: 271).
    [9] أي: سقط؛ قاله النووي (2: 271).
    [10] وصله ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس به؛ قاله ابن حجر (8: 605).
    [11] وصله عبد بن حميد من طريق هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، قال: كان أبو هريرة إذا قرأ: ﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾ [المدثر: 50 - 51] قال: الأسد، وهذا منقطع بين زيد وأبي هريرة، وقد أخرجه من وجهين آخرين عن زيد بن أسلم عن ابن سيلان عن أبي هريرة، وهو متصل، ومن هذا الوجه أخرجه البزار؛ قاله ابن حجر (8: 605).
    [12] قوله: [حدثنا يحيى]: هو ابن موسى البلخي، أو ابن جعفر البيكندي؛ قاله القسطلاني (11: 178)، وقاله ابن حجر (8: 606).
    [13] وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، من قيس عيلان؛ "تهذيب الكمال" (30: 463)؛ قاله القسطلاني (11: 178).
    [14] قوله: [علي بن المبارك]: هو الهُنائي - بضم ثم نون خفيفة ومد - بصري ثقة مشهور، ما بينه وبين عبدالله بن المبارك المشهور قرابة؛ قاله ابن حجر (8: 606)، القسطلاني (11: 178).
    [15] هو أبو داود الطيالسي؛ كما في مستخرج أبي نُعيم؛ قاله القسطلاني (11: 179).
    [16] لم يخرج البخاري رواية عثمان بن عمر التي أحال رواية حرب بن شداد عليها، وهي عند محمد بن بشار شيخ البخاري فيه، أخرجه أبو عَوانة في كتاب الأوائل، قال: "حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عثمان بن عمر، أنبأنا علي بن عثمان)، وهكذا أخرجه مسلم (161)، والحسن بن سفيان جميعًا عن (أبي موسى محمد بن المثنَّى، عن عثمان بن عمر"؛ قاله ابن حجر (8: 606 - 607).
    [17] عبدالصمد: هو ابن عبدالوارث بن سعيد، يكنَّى أبا سهل؛ قاله ابن حجر في "الفتح" (1: 238)، القسطلاني (11: 179).
    [18] الظاهر أن الذي أنبأ يحيى بن أبي كثير عروةُ بن الزبير، والذي أنبأ أبا سلمة عائشةُ؛ فإن الحديث مشهور عن عروة، عن عائشة، ويحتمل أن يكون مراده بأولية المدثر أولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي، أو مقيدة بإنذار لا أولية مطلقة؛ قاله القِسطلاني (11: 179 - 180).
    [19] هو طرف من حديث أوله: ((مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي ويومي، وبين سحري ونحري))؛ الحديث، وفيه: ((فرفع بصره إلى السماء وقال: الرفيق الأعلى))؛ أخرجه - هكذا - أحمد عن (إسماعيل بن علية عن أيوب)، وأخرجه ابن حبان من وجه آخر عن إسماعيل، وقد تقدم للمصنف في الوفاة النبوية من طريق (حماد بن زيد عن أيوب) بتمامه، لكن فيه: ((فرفع رأسه إلى السماء))؛ قاله ابن حجر في "الفتح" (10: 696).
    [20] قال ابن التين: غرض البخاري الرد على من كرِه أن يرفع بصره إلى السماء، قال ابن حجر: نعم، صح النهي عن رفع البصر إلى السماء في حالة الصلاة، إلى أن قال: وحاصل الجمع بين الحديثين، أن النهي خاص بحالة الصلاة، وقد تكلم أهل التفسير في تخصيص الإبل بالذكر دون غيرها من الدواب بأشياء امتازت بها، وذكر بعضهم أنه اسم السحاب، فإن ثبت فمناسبتها للسماء والأرض ظاهرة، فكأنه ذكر شيئين من الأفق العلوي، وشيئين من الأفق السفلي، في كل منهما ما يعتبر به مَن وفَّقه الله تعالى إلى الحق؛ "الفتح" (10: 696).
    [21] أولا الفوائد في الإسناد: شيوخ البخاري في الحديث ستة، وهم: (عبدالله بن يوسف - يحيى بن بكير - محمد بن بشار - إسحاق بن منصور - عبدالله بن محمد - يحيى (ابن موسى البلخي، أو ابن جعفر البيكندي). شيوخ مسلم في الحديث خمسة، وهم: (أبو الطاهر - عبدالملك بن شعيب - محمد بن رافع - زهير بن حرب - محمد بن المثنى). مدار الحديث عند البخاري ومسلم على (أبو سلمة بن عبدالرحمن، عن جابر بن عبدالله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به...). الحديث متفق عليه من حديث جابر بن عبدالله. ثانيًا الفوائد في المتن: زاد البخاري (4922)، (4924)، ومسلم (161) في رواية يحيى بن أبي كثير: [سؤال أبي سلمة بن عبدالرحمن لجابر بن عبدالله عن أول ما نزَل من القرآن]. زاد البخاري (3238)، ومسلم (161) في رواية عبدالملك بن شعيب: [ثم فتر الوحي عني فترة]. عند البخاري (4922): [فقلت: يقولون: اقرأ]، وعنده (4924): [فقلت: نُبِّئت أنه: اقرأ]، وعند مسلم في رواية زهير بن حرب: [أو اقرأ]. عند البخاري (4)، (3238)، (4925)، (4954)، (6214)، وعند مسلم في رواية أبيالطاهر: [بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا]، وعند البخاري (4922)، 4923)، (4924)، وعند مسلم في رواية زهير بن حرب: [جاورت بحراء، فلما قضيت جواري، هبطت، فنودِيت]، وعند البخاري (4924): [فاستبطنت الوادي]. زاد مسلم في رواية زهير بن حرب: [جاورت بحراء شهرًا]. عند البخاري (4): [فرفعت بصري]، وعنده (3238): [فرفعت بصري قِبَلَ السماء]، وعنده (4925)، وعند مسلم في رواية أبي الطاهر: [فرفعت رأسي]، وعند البخاري (4922): [فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئًا، فرفعت رأسي فرأيت شيئًا، فأتيت خديجة]، وعنده (4924): [فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني وعن شمالي، فإذا هو جالس]، وعند مسلم في رواية زهير بن حرب: [فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني وشمالي، فلم أر أحدًا، ثم نوديت، فإذا هو على العرش]. عند البخاري (4)، وعند مسلم في رواية أبي الطاهر: [فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض]، وعند البخاري (3238)، (6214): [قاعد بين السماء والأرض فجئت أهلي]، وعنده (4924): [فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض، فأتيت خديجة]، وعند مسلم في رواية زهير بن حرب: [فإذا هو على العرش في الهواء؛ يعني: جبريل - عليه السلام]. عند البخاري (4): [فرُعِبت منه، فرجعت]، وعنده (3238): [فجُئِثت منه حتى هويت إلي الأرض، فجئت أهلي]، وعنده (4925): [فجُئِثت منه رعبًا، فرجعت]، وعنده (4954): [ففرقت منه، فرجعت]، وعند مسلم في رواية أبي الطاهر: [فجُئِثت منه فرَقًا، فرجعت]، وعنده في رواية عبدالملك بن شعيب: [فجُثثت منه فرَقًا حتى هويت إلى الأرض]، وعنده في رواية زهير بن حرب: [فأخذتني رجفة شديدة، فأتيت خديجة]. عند البخاري (4)، (3238): [قلت: زملوني، زملوني]، وعنده (4922)، (4924): [فقلت: دثروني وصبوا علي الماء]، وعند مسلم في رواية أبي الطاهر: [فقلت: زملوني، زملوني، فدثروني]، وعند مسلم في رواية زهير بن حرب: [فقلت: دثروني، فدثَّروني، فصبُّوا عليّ الماء]. عند البخاري (3238)، (4925)، وعند مسلم في رواية عبدالملك بن شعيب: [قال أبو سلمة والرجز: الأوثان]، وعند البخاري (4954): [قال أبو سلمة: وهي الأوثان التي كان أهل الجاهلية يعبدون]. زاد مسلم في رواية محمد بن رافع: [قبل أن تُفرض الصلاة]. ما يستفاد من الحديث: 1- عِظَم خلْق الملائكة - عليهم السلام. 2- الإشارة إلى صدقه - صلى الله عليه وسلم - في شأن الوحي والرسالة؛ ["فتح الباري"؛ لمحمد بن يسري (15)].


  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ.


    [1] قوله: "قال بن شهاب، وأخبرني أبو سلمة"، قال الحافظ في "الفتح" (1: 24): "إنما أتى بحرف العطف؛ ليُعلم أنه معطوف على ما سبق، كأنه قال: أخبرنا عروة بكذا، وأخبرني أبو سلمة بكذا، وأبو سلمة: هو بن عبدالرحمن بن عوف، وأخطأ من زعَم أن هذا معلق - وإن كانت صورته صورة التعليق - ولو لم يكن في ذلك إلا ثبوت الواو العاطفة؛ فإنها دالة على تقدُّم شيء عطَفته.
    [2] أي: جاء كثيرًا، ويحتمل أن يراد بحمِي: قوِي، وبتتابَع: تكاثَر؛ "الفتح" (1: 35).
    [3] قوله: [تابعه]: الضمير يعود على يحيى بن بكير، ومتابعة عبدالله بن يوسف عن الليث هذه عند البخاري في قصة موسى، وفيه من اللطائف قوله عن الزهري: سَمِعت عروة.
    [4] قوله: [وأبو صالح]: هو عبدالله بن صالح كاتب الليث، وقد أكثر البخاري عنه من المعلقات، وعلَّق عن الليث جملة كثيرة من أفراد أبي صالح عنه، ورواية عبدالله بن صالح عن الليث لهذا الحديث، أخرجها يعقوب بن سفيان في تاريخه عنه، مقرونًا بيحيى بن بكير، ووهِم من زعَم - كالدمياطي - أنه أبو صالح عبدالغفار بن داود الحراني؛ فإنه لم يذكر من أسنده عن عبدالغفار، وقد وجد في مسنده عن كاتب الليث.
    [5] قوله: [وتابعه هلال بن ردَّاد] - بدالين مهملتين الأولى مثقلة - وحديثه في الزهريات؛ للذهلي؛ قاله ابن حجر (1: 35).
    [6] قوله: [وقال يونس]؛ يعني: ابن يزيد الأيلي، [ومعمر] هو ابن راشد، بوادره: يعني أن يونس ومعمرًا رَوَيا هذا الحديث عن الزهري، فوافقا عقيلاً عليه؛ قاله ابن حجر في "فتح الباري" (1: 34 - 35).
    [7] البوادر: جمع بادرة، وهي اللحمة التي بين المَنكِب والعُنق، تضطرب عند فزع الإنسان؛ "الفتح" (1: 35).

    [8] معناها: فزِعت ورُعِبت؛ قاله النووي في شرحه لمسلم (2: 271).
    [9] أي: سقط؛ قاله النووي (2: 271).
    [10] وصله ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس به؛ قاله ابن حجر (8: 605).
    [11] وصله عبد بن حميد من طريق هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، قال: كان أبو هريرة إذا قرأ: ﴿ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ﴾ [المدثر: 50 - 51] قال: الأسد، وهذا منقطع بين زيد وأبي هريرة، وقد أخرجه من وجهين آخرين عن زيد بن أسلم عن ابن سيلان عن أبي هريرة، وهو متصل، ومن هذا الوجه أخرجه البزار؛ قاله ابن حجر (8: 605).
    [12] قوله: [حدثنا يحيى]: هو ابن موسى البلخي، أو ابن جعفر البيكندي؛ قاله القسطلاني (11: 178)، وقاله ابن حجر (8: 606).
    [13] وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان الكوفي، من قيس عيلان؛ "تهذيب الكمال" (30: 463)؛ قاله القسطلاني (11: 178).
    [14] قوله: [علي بن المبارك]: هو الهُنائي - بضم ثم نون خفيفة ومد - بصري ثقة مشهور، ما بينه وبين عبدالله بن المبارك المشهور قرابة؛ قاله ابن حجر (8: 606)، القسطلاني (11: 178).
    [15] هو أبو داود الطيالسي؛ كما في مستخرج أبي نُعيم؛ قاله القسطلاني (11: 179).
    [16] لم يخرج البخاري رواية عثمان بن عمر التي أحال رواية حرب بن شداد عليها، وهي عند محمد بن بشار شيخ البخاري فيه، أخرجه أبو عَوانة في كتاب الأوائل، قال: "حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عثمان بن عمر، أنبأنا علي بن عثمان)، وهكذا أخرجه مسلم (161)، والحسن بن سفيان جميعًا عن (أبي موسى محمد بن المثنَّى، عن عثمان بن عمر"؛ قاله ابن حجر (8: 606 - 607).
    [17] عبدالصمد: هو ابن عبدالوارث بن سعيد، يكنَّى أبا سهل؛ قاله ابن حجر في "الفتح" (1: 238)، القسطلاني (11: 179).
    [18] الظاهر أن الذي أنبأ يحيى بن أبي كثير عروةُ بن الزبير، والذي أنبأ أبا سلمة عائشةُ؛ فإن الحديث مشهور عن عروة، عن عائشة، ويحتمل أن يكون مراده بأولية المدثر أولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي، أو مقيدة بإنذار لا أولية مطلقة؛ قاله القِسطلاني (11: 179 - 180).
    [19] هو طرف من حديث أوله: ((مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي ويومي، وبين سحري ونحري))؛ الحديث، وفيه: ((فرفع بصره إلى السماء وقال: الرفيق الأعلى))؛ أخرجه - هكذا - أحمد عن (إسماعيل بن علية عن أيوب)، وأخرجه ابن حبان من وجه آخر عن إسماعيل، وقد تقدم للمصنف في الوفاة النبوية من طريق (حماد بن زيد عن أيوب) بتمامه، لكن فيه: ((فرفع رأسه إلى السماء))؛ قاله ابن حجر في "الفتح" (10: 696).
    [20] قال ابن التين: غرض البخاري الرد على من كرِه أن يرفع بصره إلى السماء، قال ابن حجر: نعم، صح النهي عن رفع البصر إلى السماء في حالة الصلاة، إلى أن قال: وحاصل الجمع بين الحديثين، أن النهي خاص بحالة الصلاة، وقد تكلم أهل التفسير في تخصيص الإبل بالذكر دون غيرها من الدواب بأشياء امتازت بها، وذكر بعضهم أنه اسم السحاب، فإن ثبت فمناسبتها للسماء والأرض ظاهرة، فكأنه ذكر شيئين من الأفق العلوي، وشيئين من الأفق السفلي، في كل منهما ما يعتبر به مَن وفَّقه الله تعالى إلى الحق؛ "الفتح" (10: 696).
    [21] أولا الفوائد في الإسناد: شيوخ البخاري في الحديث ستة، وهم: (عبدالله بن يوسف - يحيى بن بكير - محمد بن بشار - إسحاق بن منصور - عبدالله بن محمد - يحيى (ابن موسى البلخي، أو ابن جعفر البيكندي). شيوخ مسلم في الحديث خمسة، وهم: (أبو الطاهر - عبدالملك بن شعيب - محمد بن رافع - زهير بن حرب - محمد بن المثنى). مدار الحديث عند البخاري ومسلم على (أبو سلمة بن عبدالرحمن، عن جابر بن عبدالله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به...). الحديث متفق عليه من حديث جابر بن عبدالله. ثانيًا الفوائد في المتن: زاد البخاري (4922)، (4924)، ومسلم (161) في رواية يحيى بن أبي كثير: [سؤال أبي سلمة بن عبدالرحمن لجابر بن عبدالله عن أول ما نزَل من القرآن]. زاد البخاري (3238)، ومسلم (161) في رواية عبدالملك بن شعيب: [ثم فتر الوحي عني فترة]. عند البخاري (4922): [فقلت: يقولون: اقرأ]، وعنده (4924): [فقلت: نُبِّئت أنه: اقرأ]، وعند مسلم في رواية زهير بن حرب: [أو اقرأ]. عند البخاري (4)، (3238)، (4925)، (4954)، (6214)، وعند مسلم في رواية أبيالطاهر: [بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا]، وعند البخاري (4922)، 4923)، (4924)، وعند مسلم في رواية زهير بن حرب: [جاورت بحراء، فلما قضيت جواري، هبطت، فنودِيت]، وعند البخاري (4924): [فاستبطنت الوادي]. زاد مسلم في رواية زهير بن حرب: [جاورت بحراء شهرًا]. عند البخاري (4): [فرفعت بصري]، وعنده (3238): [فرفعت بصري قِبَلَ السماء]، وعنده (4925)، وعند مسلم في رواية أبي الطاهر: [فرفعت رأسي]، وعند البخاري (4922): [فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئًا، فرفعت رأسي فرأيت شيئًا، فأتيت خديجة]، وعنده (4924): [فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني وعن شمالي، فإذا هو جالس]، وعند مسلم في رواية زهير بن حرب: [فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني وشمالي، فلم أر أحدًا، ثم نوديت، فإذا هو على العرش]. عند البخاري (4)، وعند مسلم في رواية أبي الطاهر: [فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض]، وعند البخاري (3238)، (6214): [قاعد بين السماء والأرض فجئت أهلي]، وعنده (4924): [فإذا هو جالس على عرش بين السماء والأرض، فأتيت خديجة]، وعند مسلم في رواية زهير بن حرب: [فإذا هو على العرش في الهواء؛ يعني: جبريل - عليه السلام]. عند البخاري (4): [فرُعِبت منه، فرجعت]، وعنده (3238): [فجُئِثت منه حتى هويت إلي الأرض، فجئت أهلي]، وعنده (4925): [فجُئِثت منه رعبًا، فرجعت]، وعنده (4954): [ففرقت منه، فرجعت]، وعند مسلم في رواية أبي الطاهر: [فجُئِثت منه فرَقًا، فرجعت]، وعنده في رواية عبدالملك بن شعيب: [فجُثثت منه فرَقًا حتى هويت إلى الأرض]، وعنده في رواية زهير بن حرب: [فأخذتني رجفة شديدة، فأتيت خديجة]. عند البخاري (4)، (3238): [قلت: زملوني، زملوني]، وعنده (4922)، (4924): [فقلت: دثروني وصبوا علي الماء]، وعند مسلم في رواية أبي الطاهر: [فقلت: زملوني، زملوني، فدثروني]، وعند مسلم في رواية زهير بن حرب: [فقلت: دثروني، فدثَّروني، فصبُّوا عليّ الماء]. عند البخاري (3238)، (4925)، وعند مسلم في رواية عبدالملك بن شعيب: [قال أبو سلمة والرجز: الأوثان]، وعند البخاري (4954): [قال أبو سلمة: وهي الأوثان التي كان أهل الجاهلية يعبدون]. زاد مسلم في رواية محمد بن رافع: [قبل أن تُفرض الصلاة]. ما يستفاد من الحديث: 1- عِظَم خلْق الملائكة - عليهم السلام. 2- الإشارة إلى صدقه - صلى الله عليه وسلم - في شأن الوحي والرسالة؛ ["فتح الباري"؛ لمحمد بن يسري (15)].


  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ.

    الحديث الخامس

    ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ﴾ [القيامة: 16]



    ذكره البخاري في ستة مواضع، وهي:

    قال: في كتاب بدء الوحي[1]:

    5- حدثنا موسى بن إسماعيل[2]، قال: حدثنا أبو عوانة[3]، قال: حدثنا موسى بن أبي عائشة[4]، قال: حدَّثَنا سعيد بن جُبَير[5] عن ابن عبَّاس في قوله تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ [القيامة: 16]، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُعالج[6] من التنزيل شدَّةً، وكان ممَّا يُحرِّك شفتَيه، فقال ابن عباس: فأنا أُحرِّكهُما لكم كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُحرِّكهما، وقال سعيد: أنا أُحرِّكُهما كما رأيتُ ابن عبَّاس يُحرِّكهما، فحرَّك شفَتَيه، فأنزل الله تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ ﴾ [القيامة: 16 - 17]، قال: جمْعُه له في صدرك وتقرأه، ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ﴾ [القيامة: 18]، قال: فاستَمِعْ له وأَنصِت، ﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 19] ثمَّ إنَّ علينا أن تقرأه؛ فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمَع، فإذا انطَلق جبريل قرأه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قرأه.



    قال في كتاب التفسير: باب تفسير سورة القيامة، وقوله: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ [القيامة: 16]، وقال ابن عباس[7]:

    ﴿ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ﴾ [القيامة: 5]: سوف أتوب سوف أعمل، ﴿ لَا وَزَرَ ﴾ [القيامة: 11]: لا حصن، ﴿ سُدًى ﴾ [القيامة: 36]: همَلاً.



    4927- حدَّثَنا الحميدي، حدَّثَنا سُفيان[8]، حدَّثَنا موسى بن أبي عائشة - وكان ثِقةً - عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قال: كان النَّبي - صلى الله عليه وسلم - إذا نزَل عليه الوحْي حرَّك به لسانه، ووصَف سُفيان - يُريد أن يَحفَظه - فأنزل الله: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ [القيامة: 16].



    وقال في كتاب التفسير: باب: ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ ﴾ [القيامة: 17]:



    4928- حدثنا عبيدالله بن موسى، عن إسرائيل[9]، عن موسى بن أبي عائشة أنه سأل سعيد بن جبير عن قوله تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ﴾ [القيامة: 16] قال: وقال ابن عباس: كان يُحرِّك شفتَيه إذا أُنزِلَ عليه، فقيل له: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ﴾ [القيامة: 16] يخشى أن يَنفَلِتَ منه؛ ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ ﴾ [القيامة: 17]: أن نجمَعه في صَدرِك، وقُرآنه: أن تَقرأه، ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ ﴾ [القيامة: 18] يقول أُنزِل عليه، ﴿ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 18 - 19]: أن نُبيِّنه على لسانك.



    وقال في كتاب التفسير: باب قوله: ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ﴾ [القيامة: 18]، قال ابن عباس[10]﴿ قَرَأْنَاهُ ﴾: بيَّناه.



    ﴿ فَاتَّبِعْ ﴾: اعمَل به.



    4929- حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير[11]، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ [القيامة: 16] قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل جبريل بالوحي، وكان مما يُحرِّك به لسانه وشفتَيه، فيَشتدُّ عليه، وكان يُعرَف منه، فأنزل الله الآية التي في: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾:

    ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ ﴾ [القيامة: 16 - 17] قال: علينا أن نجمَعه في صَدرِك، وقُرآنه ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ﴾ [القيامة: 18]: فإذا أنزلْناه فاستَمع، ﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 19]: علينا أن نُبيِّنه بلسانك، قال: فكان إذا أتاه جبريل أطرَق، فإذا ذهَب قرَأه كما وعَده الله - عزَّ وجلَّ.



    ﴿ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ﴾ [القيامة: 34]: توعُّد.



    وقال - في كتاب فضائل القرآن -: باب التَّرتيل في القراءة، وقوله تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 4] وقوله: ﴿ وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ﴾ [الإسراء: 106]، وما يُكره أن يُهذَّ كهَذِّ الشِّعر، ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ ﴾ [الدخان: 4] يُفصَل، قال ابن عباس: ﴿ فَرَقْنَاهُ ﴾: فصَّلناه[12]:

    5044- حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ [القيامة: 16]، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزَل جبريل بالوحْي، وكان ممَّا يُحرِّك به لسانه وشفتَيه، فيشتدَّ عليه، وكان يُعرَف منه، فأنزل الله الآية التي في لا أقسم بيوم القيامة: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ ﴾ [القيامة: 16 - 17].



    فإنَّ علينا أن نجمَعه في صدْرك، ﴿ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ﴾ [القيامة: 17، 18]، فإذا أنزلْنَاه فاستَمِع، ﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 19] قال: إنَّ علَينا أن نُبيِّنه بلِسانكَ، قال: وكان إذا أتاه جبريل أطرَق، فإذا ذهَب قرأَه كما وعَده الله.



    قال - في كتاب التَّوحيد -: باب قول الله تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ﴾ [القيامة: 16]، وفعْل النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ينزل عليه الوحي، وقال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى: ((أنا معَ عبْدي حَيثما ذكَرَني وتَحرَّكتْ بي شفَتاه))[13]،[14].



    7524- حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ﴾ [القيامة: 16]، قال: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُعالِج مِن التنزيل شدَّةً، وكان يُحرِّك شفتَيه، فقال لي ابن عباس: فأنا أُحرِّكُهما لك كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُحرِّكهما، فقال سعيد: أنا أُحرِّكهما كما كان ابن عبَّاس يُحرِّكهما، فحرَّك شفتَيه، فأنزَل الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ ﴾ [القيامة: 16 - 17]، قال: جمعه في صدرك، ثمَّ تَقرؤه، ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ﴾ [القيامة: 18]، قال: فاستَمع له وأَنصِت، ثمَّ إنَّ علَينا أن تقرأه، قال: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه جبريل - عليه السلام - استمَعَ، فإذا انطلَق جبريلُ، قرأه النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أقرَأه.



    بينما ورواه مسلم في كتاب الصلاة؛ قال النووي: باب الاستماع للقراءة:

    448- وحدثنا قتيبة بن سعيد، وأبو بكر بن أبى شيبة، وإسحاق بن إبراهيم، كلهم عن جرير - قال أبو بكر: حدثنا جرير بن عبدالحميد - عن موسى بن أبى عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله - عز وجل -: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ [القيامة: 16]، قال: كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا نزَل عليه جبريل بالوحْي، كان ممَّا يُحرِّك به لسانه وشفتَيه، فيَشتد عليه، فكان ذلك يُعرَف منه، فأنزَل الله تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ [القيامة: 16]: أخْذَه، ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ ﴾ [القيامة: 17]: إنَّ علينا أن نجمَعه في صدْرك وقُرآنه، فتقرأه، ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ﴾ [القيامة: 18]، قال: أنزلْناه فاستَمعْ له، ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة: 19]: أنْ نُبيِّنه بلِسانك، فكان إذا أتاه جبريل أطرَق، فإذا ذهَب قرَأه كما وعَده الله.



    حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا أبو عوانة، عن موسى بن أبى عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾ [القيامة: 16].



    قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُعالِج مِن التنزيل شدَّةً، كان يُحرِّك شفتَيه - فقال لي ابن عبَّاس: أنا أُحرِّكهما كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُحرِّكهما، فقال سعيد: أنا أُحرِّكهما كما كان ابن عبَّاس يُحرِّكهما، فحرَّك شفتَيه - فأنزَل الله تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ ﴾ [القيامة: 16 - 17]، قال: جمْعُه في صدْرِك، ثمَّ تقرأُه، ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ ﴾ [القيامة: 18]، قال: فاستَمع وأَنصِت، ثمَّ إنَّ علينا أن تقرأه، قال: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه جبريل استمَعَ، فإذا انطلَق جبريل قرأه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كما أقرأه[15].


    [1] مناسبة الترجمة للحديث: (الظاهر أن نزول هذه الآيات كان في أول الأمر؛ وإلى هذا جنَح البخاري في إيراده هذا الحديث في بدء الوحي)، قاله ابن حجر (1: 37).

    [2] موسى بن إسماعيل هو: أبو سلمة التبوذكي، كان من حفَّاظ مصر؛ قاله ابن حجر (1: 36).

    [3] أبو عوانة: هو الوضاح بن عبدالله اليشكري، مولاهم البصري، كان كتابه في غاية الإتقان؛ قاله ابن حجر (1: 36)، القسطلاني (1: 97).

    [4] لا يعرف اسم أبيه، وقد تابعه على بعضه عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير؛ قاله ابن حجر في "الفتح" (1: 36).

    [5] هو ابن هشام الكوفي الأسدي، قتله الحجاج صبرًا في شعبان سنة ست وتسعين، ولم يقتل بعده أحدًا، بل لم يعش بعده إلا أيامًا؛ قاله القسطلاني (1: 97).

    [6] المعالجة: محاولة الشيء بشدة؛ "الفتح" (1: 36).

    [7] وصلَه الطبري من طريق العوفي عن ابن عبَّاس؛ قاله ابن حجر (8: 611).

    [8] سُفيان هو ابن عُيينة؛ قاله القسطلاني (11: 182).

    [9] إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي؛ قاله القسطلاني (11: 183).

    [10] وصلَه ابن أبي حاتم من طريق عليٍّ بن أبي طلحة، عن ابن عبَّاس؛ قاله ابن حجر (8: 611).

    [11] هو ابن عبدالحميد بن قُرط الكوفي؛ قاله القسطلاني (11: 183).

    [12] شاهد الترجمَة منه: النَّهي عن تَعجيله بالتلاوة؛ فإنه يَقتضي استحباب التأنِّي فيه، وهو المُناسب للترتيل؛ قاله ابن حجر (8: 789).

    [13] قال ابن حجر: (هذا من الأحاديث التي علَّقها البخاري ولم يَصلْها في مَوضِع آخَر مِن كتابه، وهو طرَفٌ مِن حديث أخرجه أحمد والبخاري في "خَلْق أفعال العباد"، والطبراني من رواية (عبدالرحمن بن يَزيد بن جابر، عن إسماعيل بن عبيدالله بن أبي المُهاجر، عن كريمة بنت الحسحاس - بمُهمَلات - عن أبي هريرة)، فذكَره بلفْظ: ((إذا ذكَرَني))، وفي رواية لأحمد: (حدَّثنا أبو هريرة ونحن في بيت هذه - يعني: أمَّ الدرداء - أنه سمع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؛ "فتح الباري" (13: 590 - 591).

    [14] الذي يَظهَر أنَّ مُراد البخاري بهذَين الحَديثَين - الموصول والمُعلَّق - الردُّ على مَن زعَم أنَّ قِراءة القارئ قديمة، فأبان أنَّ حرَكة لسان القارئ بالقرآن مِن فعْل القارئ بخِلاف المَقروء؛ فإنه كلام الله، كما أنَّ حرَكة لسان ذاكر الله حادِثة من فعله؛ "الفتح" (13: 591).

    [15] أولاً الفوائد في الإسناد:

    • شيوخ البخاري في الحديث أربعة، وهم:

    (موسى بن إسماعيل - الحميدي - عُبيدالله بن موسى - قتيبة بن سعيد).

    • شيوخ مسلم في الحَديث ثلاثة، وهم:

    (قتيبة بن سعيد - أبو بكر بن أبي شيبة - إسحاق بن إبراهيم).

    • مدار الحديث عند البخاري ومسلم على (موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به...).

    • الحديث اتَّفقوا عليه في المتن والإسناد معًا من رواية: (قتيبة بن سعيد، عن أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس به....).

    • هذا الحديث يُسمَّى المُسلسَل بتَحريك الشَّفَة، ولكنَّه لم يتَّصل تَسلْسُله؛ قاله القسطلاني (1: 98)

    • فيه تابِعي عن تابعي، وهما: (موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير)؛ قاله القسطلاني (1: 99).

    • ثانيًا: الفوائد في المتن:

    • عند البخاري (5)، (7524) [كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُعالِج مِن التنزيل شدَّةً، وكان يُحرِّك شفتَيه]، عنده (4927) [كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا نزَل عليه الوحْي، حرَّك به لسانه]، زاد: [ووصَف سفيان - يريد أن يَحفظه]، وعنده (4928) [كان يحرِّك شفتَيه إذا نزَل عليه، فقيل له: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ﴾]، زاد: [يَخشى أنْ يَتفلَّتَ منه]، وعنده (4929)، (5044)، وعند مسلم (448): [كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا نزَل جبريل بالوحي، وكان مما يُحرِّك به لسانه وشفتَيه، فيَشتدُّ عليه، وكان يُعرف منه].

    • عند البخاري (5)، (7524)، ومسلم في رواية قتيبة بن سعيد: [إذا أتاه جبريل استمَع، فإذا انطلَق جبريل قرأه]، وعند البخاري (4929)، (5044)، ومسلم (448): [إذا أتاه جبريل أطرَق، فإذا ذهبَ قرَأه].

    • عند البخاري (5) [كما قرأه]، وعنده (4929)، (5044) [كما وعَد الله - عزَّ وجلَّ]، وعِنده (7524)، ومسلم في رواية قُتيبة بن سعيد عن أبي عوانة: [كما أقرأه]، وعند مسلم (448): [كما وعَده الله].

    • ما يستفاد من الحديث:

    1- تعهُّد الله - عزَّ وجلَّ - بحفْظِ الوحْي.

    2- اجتِهاد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حفْظ الوحْي.

    3- ثُبوت عِصمَة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم في تَبليغ الشَّرع؛ ["فتح الباري"؛ لمحمد بن يسري (15 - 16)].

    بيان عِظَم الوحْي، وما كان يَلقاه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن شدَّة.

    4- اهتِمام الصحابة - رضي الله عنهم - في زيادة البيان في النقْل؛ حيث إنهم حَفِظوا حتَّى حركة الشفتَين، ونقَلوها إلى مَن بعْدَهم.

    5- استجابة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأوامر الله - عزَّ وجلَّ - حيث إنه كان بعد ذلك إذا جاءه جبريل استمَع؛ أي: لم يُحرِّك شفتَيه.

    6- استدلَّ به البُخاري على الترتيل في القِراءة؛ ["بلوغ الأماني"؛ للعزَّازي (1: 50)].


    رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/47515/#ixzz2FWuwFuX9

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ.

    الحديث السادس

    "مدارسة القرآن في رمضان"


    ذكره البخاري في خمسة مواضع، وهي:



    قال: في كتاب بدء الوحي[1]:



    6- حدثنا عبدان[2]، قال: أخبرنا عبدالله[3]، قال: أخبرنا يونس، عن الزهري ح، وحدثنا بشر بن محمد، قال: أخبرنا عبدالله، قال: أخبرنا يونس ومَعمر عن الزهري نحوه؛ قال: أخبرني عبيدالله بن عبدالله[4] عن ابن عباس قال: "كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجودَ الناس، وكان أجْوَد ما يكون في رمضان حين يَلقاه جبريل، وكان يَلْقاه في كل ليلة من رمضان، فيُدارسه القُرآن، فَلَرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجْوَد بالخَير من الرِّيح المُرسَلة". وقال في كتاب الصوم: باب أجْود ما كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَكون في رمضان:



    1902- حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن سعد، أخبرنا ابن شهاب عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة أن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجودَ الناس بالخَير، وكان أجودَ ما يَكون في رمضان حين يَلقاه جبريل، وكان جبريل - عليه السَّلام - يَلقاه كلَّ ليلة في رمضان، حتى يَنسلِخ، يَعرِض عليه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - القُرآن، فإذا لَقِيَه جبريل - عليه السلام - كان أجودَ بالخير من الرِّيح المرسلَة). وقال في كتاب بدْء الخلق: باب ذكر الملائكة:



    3220- حدثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبدالله، أخبرنا يونس، عن الزهري، قال: حدثني عبيدالله بن عبدالله، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يَكون في رمضان حين يَلقاه جبريل، وكان جبريل يَلقاه في كلِّ ليلة مِن رمضان، فيُدارِسه القُرآن، فَلَرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حين يَلقاه جِبريل أجودَ بالخَير مِن الرِّيح المُرسَلة". وعن عبدالله، حدثنا معمر بهذا الإسناد نحوه[5]، وروى أبو هريرة[6]، وفاطمة[7] - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن جبريل كان يعارضه القرآن. وقال في كتاب المناقب: باب صفة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم:


    3554- حدثنا عبدان، حدثنا عبدالله، أخبرنا يونس عن الزهري قال: حدثني عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجودَ الناس، وأجود ما يكون في رمضان حين يلْقاه جِبريل،...). وقال في كتاب فضائل القرآن: كان جبريل يعرض القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال مسروق عن عائشة عن فاطمة - عليها السلام -: أسرَّ إليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي[8].
    4997- حدثنا يحيى بن قَزَعة، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان؛ لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فإذا لَقِيه جبريل، كان أجود بالخير من الريح المرسلة". ورواه مسلم في كتاب الفضائل؛ قال النووي: باب كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير من الريح المرسلة: 2308- حدثنا منصور بن أبي مُزاحم، حدثنا إبراهيم - يعني: ابن سعد - عن الزهري ح، وحدثني أبو عمران محمد بن جعفر بن زياد - واللفظ له - أخبرنا إبراهيم عن ابن شهاب، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، إن جبريل - عليه السلام - كان يلقاه في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ، فيعرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة". وحدثنا أبو كريب، حدثنا ابن مبارك عن يونس ح، وحدثنا عبد بن حميد، أخبرنا عبدالرزاق، أخبرنا معمر، كلاهما عن الزهري بهذا الإسناد نحوه[9].

    [1] مناسبته للترجمة: (فيه إشارة إلى أنَّ ابتِداء نزول القرآن كان في شهْر رمضان؛ لأنَّ نزوله إلى السماء الدُّنيا جُملةً واحدةً كان في رمضان، كما ثبَت من حديث ابن عباس، وبهذا يُجاب مَن سأل عن مناسبة إيراد هذا الحديث في هذا الباب، والله أعلم بالصواب؛ قاله ابن حجر (1: 39).


    [2] عبدان: هو عبدالله بن عثمان المَروزي؛ قاله ابن حجر (1: 38)، قال القسطلاني هو: لقَب عبدالله بن عثمان بن جَبَلة العَتَكي المَروزي (1: 100)


    [3] عبدالله: هو ابن المبارك بن واضِح الحنْظلي التميمي، مولاهم المروزي الإمام المُتفقِّه على ثِقَته وجلالته من تابعي التابعين، المتوفَّى سنة إحدى وثمانين ومائة؛ قاله القسْطلاني (1: 100).


    [4] هو عبيدالله بن عبدالله بن عُتبة بن مسعود، الإمام الجليل، أحَد الفقهاء السبعة، التابعي المتوفى بعد ذهاب بصره سنة تسع أو ثمان، أو خمس أو أربع وتسعين؛ قاله القسطلاني (1: 101).


    [5] قوله: "وعن عبدالله حدَّثنا مَعمر بهذا الإسناد، "قال الحافظ: هو مَوصول عن محمَّد بن مُقاتِل، وكأنَّ بن المُبارَك كان يَفصِل الرواية عن شيخيه؛ "فتح الباري" (6: 391).


    [6] قوله: "رَوى أبو هريرة"، وصله البخاري في فضائل القرآن؛ قاله القسطلاني (7: 148).


    [7] قوله: "وفاطمة "، وصلَه البخاري في علامات النبوة؛ قاله القسطلاني (7: 148).


    [8] جزء من حديث وصله البخاري في علامات النبوة؛ قاله القسطلاني (11: 274).


    [9]أولاً الفوائد في الإسناد:

    شيوخ البخاري في الحديث خمسة، وهم:

    (عَبدان - بِشْر بن محمد - موسى بن إسماعيل - محمد بن مقاتل - يحيى بن قَزَعة). شيوخ مسلم في الحديث أربعة، وهم:

    (منصور بن أبي مُزاحم - أبو عمران محمد بن جعفر بن زياد - أبو كُرَيب - عبد بن حُميد).

    مدار الحديث عند البخاري ومسلم على: (ابن شهاب، عن عبيدالله بن عبدالله بن عُتبة بن مسعود، عن ابن عباس به...).

    الحديث متَّفق عليه من حديث عائشة.


    ثانيًا الفوائد في المتن:

    عند البخاري (6)، (3220)، (3554): [أجود الناس]، وعنده (1902)، (4997)، ومسلم في رواية إبراهيم بن سعد: [أجود الناس بالخير].

    عند البخاري (6)، (19029)، (3220)، (3554): [في رمضان حين يلقاه جبريل]، وعند مسلم في رواية إبراهيم بن سعد: [في شهر رمضان أن جبريل - عليه السلام - كان يلقاه في كل سنة في رمضان].

    زاد البخاري (1902)، (4997)، ومسلم (3208): [حتى ينسلخ].

    عند البخاري (6)، (3220)، (3554): [فيُدارسه القرآن]، وعنده (1902)، (4997)، وعند مسلم (2308): [يعرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم].

    عند البخاري (6)، (3554): [فلَرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة]، وعنده (1902)، (4997): [فإذا لَقِيه جبريل - عليه السلام - كان أجود بالخير من الريح المرسلة]، وعنده (3220): [فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يلقاه جبريل أجود من الريح المرسلة]، وعند مسلم (3208): [فإذا لقِيه جبريل كان رسول - صلى الله عليه وسلم - أجود بالخير من الريح المرسلة].

    ما يستفاد من الحديث
    :

    1- تلاوة القُرآن تذكِّر بالآخِرة، وتَدعو إلى الزهد في الدُّنيا.

    2- استحباب تلاوة ومُدارَسة القُرآن في رمضان.

    3- الجليس الصالح يَنفَع جليسه.

    4- عَظيم جُود النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكرَمه، وخاصَّةً في رمضان؛ ["فتح الباري"؛ لمحمد يُسري (16)].

    5- الحثُّ على الجُود في كل وقْت.

    6- تَعظيم شهْر رمضان؛ لاختِصاصِه بابتِداء نُزول القُرآن.

    7- استِحباب كثْرة العِبادة في آخِر العُمر، وذلك أنه في آخِر عام (دارَسه القُرآن مرَّتَين).

    8- مُذاكَرة الفاضِل بالخَير والعلم؛ لزيادة التذْكرة والاتِّعاظ.

    9- جَواز إطلاق القُرآن على بعضه، وعلى مُعظَمه؛ لأنَّ أول رمضان مِن بعْد البعثة، لم يَكنْ نزَل مِن القُرآن إلا بعضه، ومع ذلك قال: (يُدارِسه القُرآنَ كلَّ عام)، والمقصود أنه يُدارِسه ما نزَل مِن القُرآن.

    10- جَواز تَشيبه المعنوي بالمحسوس؛ لأنَّه شبَّه الجُود بالرِّيح المُرسَلة، وأنَّ فضْل الزمان إنما يَحصل بزيادة العِبادة.

    11- زيارة أهل الخير والصالِحين، وتَكرار ذلك إذا كان المَزُور لا يَكرهه؛ ["بلوغ الأماني"؛ للعزَّازي (1: 53)].





  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي أحمد عبد الباقي مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيرًا.
    ويسر الله أمرك وأعانك ، موضوع مفيد إن شاء الله.
    آمين
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ.

    الأماني في الجمع والتقريب بين صحيحي مسلم والبخاري

    الحديث السابع

    (حديث هرقل)


    ذكره البخاري في اثنتَي عشر مَوضِع، وهي:قال في كتاب بدْء الوحي[1]:


    7 - حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، قال: أخبرنا شعيب[2]، عن الزُّهري، قال: أخبرني عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود أن عبدالله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب[3] أخبره أن هِرَقْل[4] أرسل إليه في ركبٍ[5] من قريش، وكانوا تُجَّارًا بالشام في المدة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بتَرجمانه، فقال: أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي يزعُم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان، فقلت: أنا أقربهم نسبًا، فقال: أدْنُوه مني، وقرِّبوا أصحابه، فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لتَرجمانه[6]: قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذبني، فكذبوه، فوالله، لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كذبًا، لكذبت عنه، ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا، قال: فأشْراف الناس[7] يَتَّبعونه أم ضُعفاؤهم؟ فقلتُ: بل ضُعفاؤهم، قال: أيَزيدون أم يَنقُصون؟ قلتُ: بل يَزيدون، قال: فهل يرتدُّ أحد منهم سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتَّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: فهل يَغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها، قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئًا غير هذه الكلمة، قال: فهل قاتَلتُموه؟ قلتُ: نعم، قال: فكيف كان قِتالُكم إيَّاه؟ قلتُ: الحرب بيننا وبينه سِجال؛ يَنال منَّا، ونَنال منه، قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والزكاة، والصدق والعفاف والصلة، فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسَب قومها، وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا، فقلت: لو كان أحد قال هذا القول قبله، لقلت: رجل يأتسي بقول قيل قبله، وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك، قلت: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقدأعرف أنه لم يكن ليَذر الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك: أشراف الناس اتَّبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك: أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب[8]، وسألتك: هل يَغدر؟ فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك: بما يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقًّا، فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلصُ إليه، لتجشَّمت[9] لقاءه، ولو كنت عنده، لغسلتُ عن قدمه، ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بعث به دِحْية إلى عظيم بُصرى، فدفعه إلى هِرَقْل، فقرأه، فإذا فيه: ((بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتَّبع الهدى.



    أما بعدُ:


    فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يُؤتك الله أجرك مرتين[10]، فإن تولَّيت، فإن عليك إثم الأريسيين، و﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64]))، قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب، كثُر عنده الصخب، وارتفعت الأصوات وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمِرَ أمرُ ابن أبي كبشة؛ إنه يخافه ملك بني الأصفر، فما زِلت مُوقنًا أنه سيظهر، حتى أدخل الله علي الإسلام.



    وكان ابن الناطور[11] صاحب إيلياء وهِرَقْل أسقفًّا[12] على نصارى الشام يحدِّث أن هرقل - حين قدِم إيلياء - أصبح يومًا خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك، قال ابن الناطور: وكان هرقل حزَّاءً[13] ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهَر، فمن يَختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يَختتن إلا اليهود، فلا يهمنك شأنهم، واكتب إلى مداين ملكك، فيقتلوا مَن فيهم من اليهود، فبينما هم على أمرهم، أُتي هرقل برجل أرسل به ملك غسان يُخبر عن خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما استخبره هرقل، قال: اذهبوا فانظروا، أمُختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه، فحدَّثوه أنه مُختتن، وسأله عن العرب، فقال: هم يَختَتِنون، فقال هِرَقْل: هذا مُلك هذه الأمة قد ظهر، ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حِمص، فلم يَرِم حمص؛ حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه نبي، فأذِن هرقل لعظماء الروم في دَسْكرة له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغُلِّقت، ثم اطلع، فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يَثبت مُلككم، فتُبايعوا هذا النبي، فحاصوا [14]حيصة حُمر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلِّقت، فلما رأى هرقل نفرتهم وأيِسَ من الإيمان، قال: ردوهم علي، وقال: إني قلت مقالتي آنفًا، أختبر بها شدَّتكم على دينكم، فقد رأيت، فسجَدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل"؛ رواه صالح بن كيسان، ويونس ومَعمر عن الزهري [15].

    وقال في كتاب الإيمان: باب:


    51- حدثنا إبراهيم بن حمزة، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، عن عبيدالله بن عبدالله، أن عبدالله بن عباس أخبره، قال: أخبرني أبو سفيان أن هرقل قال له: سألتك هل يزيدون أم ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم، وسألتك هل يرتد أحد سَخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان حين تُخالط بشاشته القلوبَ لا يسخطه أحد[16].



    وقال في كتاب الشهادات: باب مَن أمر بإنجاز الوعد، وفعله الحسن وذكر إسماعيل: ﴿ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ﴾ [مريم: 54][17]، وقضى ابن الأشوع[18] بالوعد، وذكَر ذلك عن سمُرة بن جُندب[19]، وقال المِسور بن مَخرمة: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر صهرًا له، قال: وعدني فوفى لي[20]، قال أبو عبدالله[21]: ورأيت إسحاق بن إبراهيم يحتج بحديث ابن أشوع:

    2681 - حدثنا إبراهيم بن حمزة، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، عن عبيدالله بن عبدالله، أن عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - أخبره، قال: أخبرني أبو سفيان أن هرقل قال له: سألتك: ماذا يأمركم؟ فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق، والعفاف والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، قال: وهذه صفة نبي.

    وقال في كتاب الجهاد والسِّيَر: باب قول الله - عزَّ وجل -: ﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ﴾ [التوبة: 52] والحرْب سِجال:2804- حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، قال: حدثني يونس، عن ابن شهاب، عن عبيدالله بن عبدالله أن عبدالله بن عباس، أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل قال له: سألتك كيف كان قتالكم إياه؟ فزعمت أن الحرب سجال ودُوَل، فكذلك الرسل تُبتلى، ثم تكون لهم العاقبة.

    وقال في كتاب الجهاد والسير: باب دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - الناسَ إلى الإسلام والنبوة، وألاَّ يتَّخذ بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله، وقوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ ﴾ [آل عمران: 79] إلى آخِر الآية.

    2941- قال ابن عباس: فأخبرني أبو سفيان بن حرب أنه كان بالشام في رجال من قريش قدِموا تُجَّارًا في المدة التي كانت بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين كفار قريش، قال أبو سفيان: فوجدنا رسول قيصر ببعض الشام، فانطلق بي وبأصحابي حتى قدمنا إيلياء، فأدخلنا عليه، فإذا هو جالس في مجلس ملكه وعليه التاج، وإذا حوله عظماء الروم، فقال لتَرجمانه: سلهم أيهم أقرب نسبًا إلى هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي، قال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم إليه نسبًا، قال: ما قرابة ما بينك وبينه؟ فقلت: هو ابن عمي، وليس في الركب يومئذ أحد من بني عبدمناف غيري، فقال قيصر: أدْنُوه، وأمر بأصحابي، فجعلوا خلف ظهري عند كتفي، ثم قال لترجمانه: قل لأصحابه: إني سائل هذا الرجل عن الذي يزعم أنه نبي، فإن كذب فكذبوه، قال أبو سفيان: والله لولا الحياء يومئذ من أن يأثر أصحابي عني الكذب، لكذبته حين سألني عنه، ولكني استحييت أن يأثروا الكذب عني، فصدَقتُه، ثم قال لترجمانه: قل له كيف نسَبُ هذا الرجل فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول أحد منكم قبله؟ قلت: لا، فقال: كنتم تتهمونه على الكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه من ملكٍ؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم، قال: فيزيدون أو ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد سَخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا، قال: فهل يَغدر؟ قلت: لا، ونحن الآن منه في مدة نحن نخاف أن يغدر، قال أبو سفيان: ولم يُمكني كلمة أُدخِل فيها شيئًا أنتقصه به، لا أخاف أن تؤثر عني غيرها، قال: فهل قاتلتموه أو قاتلكم؟ قلت: نعم، قال: فكيف كانت حربه وحربكم؟ قلت: كانت دُوَلاً وسجالاً، يُدال علينا المرة، ونُدال عليه الأخرى، قال: فماذا يأمركم به؟ قال: يأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وينهانا عما كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، فقال لترجمانه - حين قلت ذلك له -: قل له: إني سألتك عن نسبه فيكم، فزعَمت أنه ذو نسب، وكذلك الرسل تُبعث في نسب قومها، وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول قبله؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان أحد منكم قال هذا القول قبله، قلت: رجل يأتم بقول قد قيل قبله، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فعرَفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله، وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك، قلت: يطلب ملك آبائه، وسألتك: أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك: هل يزيدون أو ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم، وسألتك: هل يرتد أحد سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فزعمت أن لا، فكذلك الإيمان حين تخلط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد، وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون، وسألتك: هل قاتلتموه وقاتلكم؟ فزعمت أن قد فعل، وأن حربكم وحربه تكون دولاً، ويدال عليكم المرة وتدالون عليه الأخرى، وكذلك الرسل تبتلى وتكون لها العاقبة، وسألتك: بماذا يأمركم؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصلاة، والصدقة، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، قال: وهذه صفة النبي، قد كنت أعلم أنه خارج، ولكن لم أظنَّ أنه منكم، وإن يك ما قلت حقًّا، فيُوشك أن يملك موضع قدمي هاتين، ولو أرجو أن أخلص إليه، لتجشَّمت لُقِيَّه، ولو كنت عنده، لغسلت قدميه، قال أبو سفيان: ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرئ فإذا فيه: (( بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتَّبع الهدى. أما بعدُ:


    فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلَم، وأسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن تولَّيت فعليك إثم الأريسيين، و﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64]))، قال أبو سفيان: فلما أن قضى مقالته، علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم، وكثُر لَغطهم، فلا أدري ماذا قالوا، وأمر بنا فأُخْرِجنا، فلما أن خرجت مع أصحابي وخلَوت بهم، قلت لهم: لقد أَمِر أمرُ ابن أبي كبشة؛ هذا ملك بني الأصفر يخافه، قال أبو سفيان: والله ما زلت ذليلاً مُستيقنًا بأن أمره سيظهر، حتى أدخل الله في قلبي الإسلام وأنا كاره.

    وقال في كتاب الجهاد والسير: باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نُصِرت بالرعب مسيرة شهر))، وقوله - جلَّ وعزَّ -: ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 151]، قاله جابر عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم[22].



    2978- حدثناأبو اليمان، أخبرنا شُعيب، عن الزهري قال: أخبرني عبيدالله بن عبدالله أن ابن عباس - رضي الله عنهما - أخبره أن أبا سفيان أخبره أن هرقل أرسل إليه - وهم بإيلياء - ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما فرغ من قراءة الكتاب، كثُر عنده الصخب، فارتفعت الأصوات، وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أُخرجنا: لقد أَمِر أمرُ ابن أبي كبشة؛ إنه يخافه ملك بني الأصفر.

    قال في كتاب الجزية والموادعة: باب فضْل الوفاء بالعهد:


    3174- حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، أخبره أن عبدالله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب بن أمية أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش كانوا تجارًا بالشام، في المدة التي مادَّ فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان في كفار قريش.

    قال في كتاب التفسير: باب ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ [آل عمران: 64]، سواء: قصْد.

    4553- حدثني إبراهيم بن موسى، عن هشام[23] عن مَعمر ح، وحدثني عبدالله بن محمد، حدثنا عبدالرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري قال: أخبرني عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، قال: حدثني ابن عباس، قال: حدثني أبو سفيان من فيه إلى فيّ، قال: انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل، قال: وكان دِحية الكلبي جاء به، فدفعه إلى عظيم بُصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل، قال: فقال هرقل: هل ها هنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقالوا: نعم، قال: فدُعيت في نفر من قريش، فدخلنا على هرقل، فأجلسنا بين يديه، فقال: أيكم أقرب نسبًا من هذا الرجل، الذي يزعم أنه نبي، فقال أبو سفيان: فقلت: أنا، فأجلسوني بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي، ثم دعا بتَرجمانه، فقال: قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي يزعُم أنه نبي، فإن كذبني فكذِّبوه، قال أبو سفيان: وايْم الله، لولا أن يأثروا علي الكذب، لكذبت، ثم قال لترجمانه: سله كيف حسبه فيكم؟ قال: قلت هو فينا ذو حسب، قال: فهل كان من آبائه ملك؟ قال: قلت لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال أيتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟ قال: قلت بل ضعفاؤهم، قال: يزيدون أو ينقصون؟ قال: قلت لا بل يزيدون، قال: هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطةً له؟ قال: قلت لا، قال فهل قاتَلتموه؟ قال: قلت نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قال: قلت تكون الحرب بيننا وبينه سجالاً؛ يصيب منا، ونصيب منه، قال: فهل يغدر؟ قال: قلت لا، ونحن منه في هذه المدة لا ندري ما هو صانع فيها، قال: والله ما أمكنني من كلمة أدخِل فيها شيئًا غير هذه، قال: فهل قال هذا القول أحد قبله، قلت: لا، ثم قال لترجمانه: قل له: إني سألتك عن حسبه فيكم، فزعمت أنه فيكم ذو حسب، وكذلك الرسل تُبعث في أحساب قومها، وسألتك: هل كان في آبائه ملك؟ فزعَمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك، قلت: رجل يطلب ملك آبائه، وسألتك عن أتباعه: أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فعرَفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس، ثم يذهب فيكذب على الله، وسألتك: هل يرتدُّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب، وسألتك: هل يزيدون أم ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم، وسألتك: هل قاتلتموه؟ فزعمت أنكم قاتلتموه، فتكون الحرب بينكم وبينه سجالاً؛ ينال منكم، وتنالون منه، وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة، وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أنه لا يغدر، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك: هل قال أحد هذا القول قبله؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان قال هذا القول أحد قبله، قلت: رجل ائتمَّ بقول قيل قبله، قال: ثم قال: بم يأمركم؟ قال: قلت يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف، قال: إن يك ما تقول فيه حقًّا، فإنه نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أك أظنه منكم، ولو أني أعلم أني أخلص إليه، لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده، لغسلتُ عن قدميه، وليبلغنَّ مُلكه ما تحت قدمي، قال: ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأه، فإذا فيه: ((بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد؛ فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تَسلم، وأسلم، يُؤتك الله أجرك مرتين، فإن تولَّيت، فإن عليك إثم الأريسيين، و﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64])).

    فلما فرَغ من قراءة الكتاب، ارتفعت الأصوات عنده، وكثُر اللغط، وأمر بنا، فأُخرجنا، قال: فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أَمِر أمرُ ابن أبي كبشة؛ إنه ليخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنًا بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام[24]، قال الزهري: فدعا هرقل عظماء الروم، فجمعهم في دار له، فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد آخر الأبد، وأن يَثبت لكم مُلككم؟ قال: فحاصوا حيصة حُمر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غُلِّقت، فقال: عليّ بهم، فدعا بهم، فقال: إني إنما اختبرت شِدَّتكم على دينكم، فقد رأيت منكم الذي أحببت، فسجدوا له ورَضوا عنه.


    وقال في كتاب الأدب: باب صِلَة المرأة أمَّها ولها زَوجٌ:


    5980- حدثنا يحيى[25]، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عبيدالله بن عبدالله أن عبدالله بن عباس أخبره أن أبا سفيان أخبره أن هرقل أرسل إليه، فقال - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والصلة.

    وقال في كتاب الاستئذان: باب كيف يكتب الكتاب إلى أهل الكتاب:


    6260- حدثنامحمد بن مقاتل أبو الحسن، أخبرنا عبدالله[26]، أخبرنا يونس عن الزهري، قال: أخبرني عبيدالله بن عبدالله بن عتبة أن ابن عباس أخبره، أن أبا سفيان بن حرب أخبره، أن هرقل أرسل إليه في نفر من قريش وكانوا تُجارًا بالشام، فأتوه، فذكر الحديث، قال: ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقُرِئ، فإذا فيه: ((بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من اتَّبع الهدى، أما بعدُ)).وقال في كتاب الأحكام: باب هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلاً وحده للنظر في الأمور؟


    7196- حدثناأبو اليمان[27]، أخبرنا شُعيب[28]، عن الزهري، أخبرني عبيدالله بن عبدالله أن عبدالله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركبٍ من قريش، ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا، فإن كذبني، فكذِّبوه، فذكر الحديث، فقال للترجمان: قل له: إن كان ما تقول حقًّا، فسيملك موضع قدمي هاتين.وقال في كتاب التوحيد: باب ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها؛ لقول الله تعالى: ﴿ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آل عمران: 93]:


    7541- وقال ابن عباس: أخبرني أبو سفيان بن حرب أن هرقل دعا ترجمانه ثم دعا بكتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرأه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل، و﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾ [آل عمران: 64]، الآية.

    تابع

    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: بلوغ الأمانيّ في الجمع والتقريب بين صحيحَيْ مسلمٍ والبخاريّ.


    ورواه مسلم في كتاب الجهاد والسير؛ قال النووي: باب كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام:1773- حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، وابن أبي عمر، ومحمد بن رافع، وعبد بن حميد - واللفظ لابن رافع - قال ابن رافع، وابن أبي عمر: حدثنا، وقال الآخران: أخبرنا عبدالرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، عن ابن عباس، أن أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه، قال: انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل - يعني: عظيم الروم - قال: وكان دِحية الكلبي جاء به، فدفعه إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل، فقال هرقل: هل ها هنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قالوا: نعم، قال: فدُعيت في نفر من قريش، فدخلنا على هرقل، فأجلسنا بين يديه، فقال: أيكم أقرب نسبًا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت أنا، فأجلسوني بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي، ثم دعا بترجمانه، فقال له: قل لهم: إني سائل هذا عن الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كذبني، فكذِّبوه، قال: فقال أبو سفيان: وايم الله، لولا مخافة أن يؤثر علي الكذب، لكذبت، ثم قال لترجمانه: سله كيف حسبه فيكم؟ قال: قلت هو فينا ذو حسب، قال فهل كان من آبائه ملك؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: ومَن يَتبعه، أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟ قال: قلت: بل ضعفاؤهم، قال أيزيدون أم ينقصون؟ قال: قلت لا، بل يزيدون، قال: هل يرتدُّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ قال: قلت لا، قال: فهل قاتَلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قال: قلت تكون الحرب بيننا وبينه سجالاً؛ يصيب منَّا، ونصيب منه، قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها، قال: فوالله، ما أمكنني من كلمة أُدخل فيها شيئًا غير هذه، قال: فهل قال هذا القول أحد قبله؟ قال: قلت: لا، قال لترجمانه: قل له: إني سألتك عن حسبه، فزعمت أنه فيكم ذو حسب، وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها، وسألتك: هل كان في آبائه ملك، فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملك، قلت: رجل يطلب ملك آبائه، وسألتك عن أتباعه: أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرسل، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فقد عرَفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس، ثم يذهب فيكذب على الله، وسألتك: هل يرتدُّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخله سخطة له؟ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب، وسألتك: هل يزيدون أو ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم، وسألتك: هل قاتلتموه؟ فزعمت أنكم قد قاتلتموه، فتكون الحرب بينكم وبينه سجالاً؛ ينال منكم، وتنالون منه، وكذلك الرسل تُبتلى، ثم تكون لهم العاقبة، وسألتك: هل يغدر؟ فزعمت أنه لا يغدر، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك: هل قال هذا القول أحد قبله؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو قال هذا القول أحد قبله، قلت: رجل ائتمَّ بقول قيل قبله، قال: ثم قال: بم يأمركم؟ قلت: يأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصلة، والعفاف، قال: إن يكن ما تقول فيه حقًّا، فإنه نبي، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظنه منكم، ولو أني أعلم أني أخلص إليه، لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده، لغسلت عن قدميه، وليبلغنَّ مُلكه ما تحت قدمي، قال: ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأه فإذا فيه: ((بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى. أما بعدُ:


    فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسْلَم، وأسلِم، يُؤتك الله أجْرك مرتين، وإن تولَّيت، فإن عليك إثم الأريسيين، و﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64])).
    فلما فرغ من قراءة الكتاب، ارتفعت الأصوات عنده، وكثُر اللغط، وأمر بنا، فأُخرجنا، قال: فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أَمِر أمرُ ابن أبي كبشة؛ إنه ليخافه ملك بني الأصفر، قال: فما زلت موقنًا بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سيظهر، حتى أدخل الله علي الإسلام.

    وحدثناه حسن الحُلواني وعبد بن حُميد، قالا: حدثنا يعقوب - وهو ابن إبراهيم بن سعد - حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، بهذا الإسناد[29]، وزاد في الحديث: وكان قيصر لما كشَف الله عنه جنود فارس، مشى من حمص إلى إيلياء؛ شكرًا لما أبلاه الله، وقال في الحديث: ((من محمد عبدالله ورسوله))، وقال: ((إثم اليريسيين))، وقال: ((بداعية الإسلام))[30].


    تابع
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •