الصلة في النحو مشتقة من وصل الشيء وَصْلاً وصِلَة. واتصل الشيء بالشيء : إذالم ينقطع . وهذه الدلالة للصلة تبين أنها تعمل على تحقيق الربط بين مكونات الجملة .
و تُذكرجملة الصلة بعد اسم الموصول فتتمِّم معناه، وتكتمل اسميته كقوله عز و جلّ : ( قدأفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) ، و معنى هذا أن الاسم لا يكون تاما في أصله فيُضم إليه ما يتممه، ويجبر نقصه. ويسمى الموصول موصولا لأنه مربوط بالصلة، غير مستقل بنفسه .
وتتلخص وظيفة اسم الموصول في التفسير والشرح. وإذا انفصلت الصلة عن الموصول أصبحت جملة مستقلة ، ذلك أن الضمير هو الذي يربطها بالموصول ويقيدها به، ومن ثم يجعل منها جملة الصلة.
وهناك ظاهرة ملحوظة في القرآن الكريم و هي توالي الجمل الموصولة بشكل مسترسل قد يشمل عددا كبيرا من الآيات المتعاقبة ، مما يبين أهمية المركَّب الموصولي في تحقيق التماسك التركيبي في كتاب الله . حيث تقوم جملة الصلة بالربط بين مكونات النص القرآني، باعتبارها عنصرا أساسا من عناصر المكون التركيبي في اللغة العربية . كما أنها تساهم في انسجام الخطاب القرآني باستحضار العلاقات المتشابكة التي تدخل فيها مع مكونات دلالية وتداولية وأسلوبية.
ويمكننا رصد هذه الظاهرة عن طريق تتبع جملة الصلة في القرآن الكريم حيث نجد أن أوضح صورة على هذا التوالد في الجمل الموصولة قوله عز و جل في سورة الفرقان : (و عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما * والذين يبيتون لربهم سجّدا و قياما * والذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما * إنها ساءت مستقرا و مقاما * والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قواما * والذين لا يدعون مع الله إلها آخر و لا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق و لا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة و يخلد فيه مهانا * إلامَن تاب وآمن و عمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كان الله غفورا رحيما * ومَن تاب و عمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا * والذين لا يشهدون الزور و إذا مروا باللغو مرّوا كراما * والذين إذا ذكّروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما و عميانا * والذين يقولون ربنا هب لنا مِن أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين و اجعلنا للمتقين إماما *
فابتداء من الآية الثالثة والستين إلى الآية الرابعةوالسبعين تتوالى الجمل المكونة من المركَّبات الموصولية بحيث تشكل اثنتي عشرة آيةيؤدي فيها المركب الموصولي أداة الربط بينها جميعا كالتالي :
- ففي الآية 63التي تشكل بداية المقطع تواجهنا جملة الشرط ( و إذا خاطبهم الجاهلون ) معطوفة على الصلة (الذين يمشون على الأرض هونا )
- وفي الآيتين 64 و65 تأتي جملة الصلة معطوفة على ما قبلها .
- أما الآية 67 فإن جملة الشرط هي صلة الموصول
- وفي الآية 68 نجد الموصول معطوفا على ماتقدم، و هنا يتغيّر اسم الموصول من (الذين ) اسم الموصول المختص إلى ( مَنْ) اسم الموصول المشترك حتى الآية 71
- وفي الآية 72يعطف الموصول (الذين) على الموصول المتقدم في الآية 68 ، و تستمر الجمل الموصولة إلى الآية 74 .
و هذا يبين لنا كيف توالت الجمل وامتدت بشكل منتظم، و كان الرابط بينها هو المركَّب الموصولي، وكأنها جملة كبيرة تتضمن جملا صغيرة. كما يتضح لنا أن الصلة تؤدي وظيفة مهمة في التركيب، مما يجعل الخطاب القرآني متماسكا تركيبيا ودلاليا .
و هذا يمكننا من فهم سرّ تركيبه المعجز، وأدائه التواصلي المبهر، مع ما يورثه ذلك في نفس المتلقي من الجمال والجلال.