السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول الشيخ محمد عطية سالم رحمه الله
,, وقد كنت في بداية طلبي للعلم لا أحجّ إلاّ متمتعاً ولكني لا أعترض وأنكر على غير المتمتع , وقد أصل مكة يوم (7) ثم أجدد الإحرام يوم (8) . إلى أن توفي الشيخ عبد الرحمن الإفريقي رحمه الله , ثم لا زمت والدي الشيخ محمد الأمين رحمه الله , وقد حججت معه عدة مرات في رفقة واحدة وربما على بعير واحد من مكة إلى عرفات , ثم إلى منى فمكة حينما يكون أهله معه .
وفي أول حجة معه أحرمنا من الميقات كلٌ على نيّته , ولم أسأله عن نسكه حياءً منه , ولم يسألني عن نسكي تقديراً منه لرأيي , حتى جئنا مكة وطفنا معاً وسعينا معاً , قذهب الشيخ إلى المسجد وذهبت أنا للتحليل , ولما أتيته مازاد على أن قال لي : لبست ؟ قلت نعم لقد ظننتك متمتعاً لحديث من لم يسق الهدي , فقال : بعدين بعدين .
ويوم الثامن جددت الإحرام بالحج , وذهبنا في إتمام الحج حتى رجعنا إلى منى يوم العيد , وذهب رحمه الله إلى خيمة سماحة المفتي ليسلم عليه كالمعتاد .
في خيمة سماحة المفتي : لقد شاهدت وسمعت ما أن يقال فيه ما وددت أن يكون قد فاتني حمر النعم . لقد كانت الخيمة على سعتها مكتظة بطلبة العلم من آل الشيخ وعلماء الرياض وغيرهم , قضاة وغيرهم .
فما أن أديرت القهوة إلا وسماحة المفتي قال للشيخ الأمين : بلغني حفظك الله أنك جئت مفرداً . لقد كان السؤال هادئاً واضحاً لا تكاد أن تشعر بوجوده , ولعل الشيخ الأمين قد رد فعلاً بوجود دافع على هذا السؤال , فجاء جوابه في إطار الحماس غير المتوقع فكان الآتي :
نعم ياسماحة الشيخ جئت مفرداً وقصداً فعلت . فقال سماحة المفتي : ألأنه الأفضل عند مالك ؟ فقال الشيخ : يا سماحة المفتي لا لأجل مذهب مالك ولا غيره , ولكني علمت بأنّ أشخاصاً ينتمون إلى طلب العلم لا يرون صحة أي نسك لمن لم يسق الهدي إلا التمتع , وليتهم وقفوا عند هذا الحد , بل وقفوا على المروة ومن لم يتحلل بعد إتمام السعي وعرفوا أنه مفرد أمروه بفسخ حجه إلى العمرة , فإذا لم يطاوعوهم أخذوا من شعر رأسه عنوة وقالوا له : أنت متمتع , ولا شك عندي أن عملهم هذا خطأ وجهالة , وقد علموا أن حجاج الآفاق يأتون مفردين وقارنين ومتمتعين فينسبون مسلمي العالم إلى الجهالة , ويدعون لأنفسهم العلم والمعرفة , ولما لم تكن لديّ سلطة تمنعهم , ولا أملك إلا نفسي , أتيت مفرداً إعتراضاً عليهم وإنكاراً لفعلهم .
ثم إنه ياسماحة المفتي : إن النصين اللذين يحتجون بهما , وردا لعلّة تشريعية وحكمة شرعية , وقد زالت العلة وثبتت الحكمة , فانتهى العمل بهذين الحديثين على سبيل الإلزام , حتى قيل أنهما كانا خاصين بمن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحجة ( حجة الوداع ) .
والعلة هي تصحيح مفاهيم العرب في زمن العمرة خاصة , كما صرح بذلك ابن عباس رضي الله عنه في قوله : كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور , وكانوا يقولون : إذا انسلخ صفر , وبرأ الدبر , وعفي الأثر , حلت العمرة لمن اعتمر . وكانوا يسمون المحرم صفر , وينسؤون المحرم بعده بسب تطويل الأشهر الحرم عليهم . وذوا القعدة , وذو الحجة , والمحرم .
قال ابن عباس : فقدم النبي صلى الله عليه وسلم صبح رابعة الحجة , فقال من لم يسق الهدي : فليجعلها عمرة , ليبين لهم صحة وجواز العمرة في أشهر الحج .
ويبطل ماكانوا يستعظمون . حتى قال قائلهم : أنذهب إلى منى ومذاكيرنا تقطر منيا فقال : دخلت العمرة في الحج كهذه , وشبك بين أصابعه .
وأخذ يسوق النصوص حول اعتبار هذه العلة .
ثم قال : أما الأفضل يا سماحة الشيخ فإني لم ابحث عنه الآن وقد جاء عن عمر رضي الله عنه أنه كان ينهى عن التمتع ويقول : أحب أن يفردوا كل نسك بسفر .
وعثمان كان ينهى عن القران ويقول : أحب أن يكثر الناس الإتيان إلى البيت فلم يسلم إلا الإفراد . وهو الذي بدأ به صلى الله عليه وسلم عن الميقات . ثم أنه لا يلزمه دم لتمامه , بخلاف القران والتمتع , قيل لجبران نقص فيهما . . كل ذلك وسماحة المفتي وجميع الحاضرين مصغين بجميع حواسهم , حتى فرغ الشيخ فلم يزد سماحة المفتي على قوله : أحسنت .
فلما انصرفنا لم أطق صبراً , حتى تجرأت وسألت الشيخ قائلاً : لنا سنوات ندرس المناسك . لم أقف على شيئ مما ذكرته اليوم فأين أجده ؟ فقال : في كتابك الذي أعطيتني وكنت قد أعطيته نيل الأوطار , ولما وصلنا الخيمة أخرجه من صندوقه وقال لي : إقرأ إن شئت فوجدت طبق ماذكره للشوكاني .
ويقول مصطفى لطفي المنفلوطي كما في النظرات
,, وبعد فلا يتبرم بالانتقاد ولا يضيق به ذرعاً إلا الغبي الأبله الذي لا يبالي أن يقف الناس على سيئاته فيما بينهم وبين أنفسهم , ويزعجه كل الانزعاج أن يتحدثوا بها في مجامعهم , ولا فرق بين وقوفهم عليها وحديثهم عنها , أو الجبان المستطار الذي يخاف من الوهم , ويفرق من رؤية الاشباح , ولو رجع إلى أناته ورويته لعلم أن النقد ان كان صواباً فقد دله على عيوب نفسه فاتقاها , أو أخطأ فلا خوف على سمعته ومكانته منه , لأن الناس ليسوا عبيد الناقدين ولا أسراهم , يأمرونهم بالباطل فيذعنون , ويدعونهم إلى المحال فيتبعون , ولئن استطا أحد أم يخدع أحداً في كل شأن من الشؤون فإنه لا يستطيع أن يخدعه في شعور نفسه بجمال الكلام أو قبحه ... فلتنطق ألسنة الناقدين بما شاءت , ولتتسع لها صدور المنتقدين ما استطاعت .