**** وصف - سبحانه وتعالى - صراع آدم - عليه السلام - وزوجِه مع الشيطان في أكثر من سورة قرآنية كريمة ... ، وفي كل سورةٍ من هذه السور تتضح تفاصيل هذا الصراع وأحداثه بما يميّز طرح كلّ سورة قرآنية ، وممّا يؤكد اللّحمة والوشيجة العضوية بين سور القرآن جميعا ، وبين آيات كل سورة ...

*** في سورة الأعراف ، وبعدَ أن يصوّر المولى - سبحانه - عصيان إبليس أَمره بالسجود لآدم ، وبعد أنْ يطرح لنا حجّة إبليس في هذا العصيان ، وهي حجّة عنصرية تؤكّد أنّ إبليس أول مخلوق عنصريّ ، وأوّل مخلوق استخفّه الكِبرُ والزّهو ... يسوق تعالى توعّد إبليس لآدم وذريّته بالسوء والشر والتّهلكة ... وتخطيطه لاستدراجهم جميعا إلى سوء المآل ... ، أي إلى نفس مصيره وهو الإبعاد من رحمة الله والطرد من جنّته ... يقولُ تعالى :
" قالَ فبِما أغويتني لأقعُدَنَّ لهم صراطَكَ المستقيم 16) ثمَّ لآتِيَنَّهُم من بين أيدِيهِم ومِن خلفِهم وعنْ أيمانِهِم وعن شَمائِلِهِم و لا تَجِدُ أكْثَرَهُم شاكِرين 17) قالَ اخْرُجْ منها مَذءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ منهم لأَمْلأَنَّ جَهنَّمَ منكُم أجمعين 18)

ورغم وضوح موقف - ومشاعر- إبليس من آدم عليه السلام ... يحذّرُ اللهُ آدم وزوجه من هذا العدو الرّابض المبين ، وينهاهُما عن الشجرة ... يقول سبحانه - سورة الأعراف - :
" وياآدمُ اسْكُنْ أنتَ وزوجُكَ الجنَّةَ فَكُلا من حيثُ شِئْتُما ولا تَقْرَبا هذه الشَّجَرةَ فتَكُونا من الظَّالِمين 19)
وقع آدمُ وزوجُه في غواية الشيطان التي لم تتعدّ الوسوسة ...؟! وقعا في الغواية وزيّن لهما الشيطان هذه الشجرة وأظهرها في صورة الخلود والنعيم المقيم الذي لا ينتهي ولا يتناهى ... يُصوّر الله هذا في قوله - سورة الأعراف - :
" فوسْوَسَ لهُما الشيطانُ لِيُبْدِي لهمُا سوْءَاتِهِما وقالَ ما نَهَاكُما ربُّكُما عن هذهِ الشجرةِ إلاَّ أّنْ تَكُونا مَلَكَينِ أو تَكُوُنا من الخالِدين 20) وقَاسَمَهُما إِّني لَكُما من النّاصِحين 21 )

*** ثمّ لخّص سبحانه معصية آدم وزوجه ، وأسبابَ اندفاعهما إلى المعصية ، وما ترتّب على هذه المعصية من نتائج مأساوية في جملة قرآنيّة معجزة مُبهرة في -اختزانها كلّ هذه الدلالات - ... وهي قولُه تعالى : " فَدلاّهُما بغرورٍ ... " يقول تعالى - في السورة ذاتها :

" فَدلاّهُما بغرورٍ فلَمّا ذاقَا الشّجرةَ بَدَتْ لَهُما سوءَاتُهُما وطَفِقَا يخصِفانِ عليهِما من ورقِ الجّنةِ وناداهُما ربُّهما ألَم أَنْهَكُما عن تِلكما الشجرةِ وأقل لكما إنّ الشيطانَ لَكُما عدوٌ مُبين 22) ...

**** لنتأمّل قوله - تعالى : " فَدلاّهُما بغرورٍ " إنّه تلخيصٌ مُعجز لمأساة آدم وزوجه ... بل لمأساة الإنسان عبر تاريخه كلّه ... ؛ إن الله يؤكّد في هذه الجملة القرآنيّة - ثريّة الدّلالة أنّ السقوط إلى المعصية كان بدافع الغرور والحرص على إشباع هذا الغرور ... هذا الغرور تمثّل في إعظام آدم نفسه وإكباره إيّاها وتضخم هذه الذات في عينه ممّا دفعه إلى الحرص على خلودها استعظاما لفناء هذه الذات وزوالها ... ؛ فاندفع إلى الممنوع المُحرّم المنهي عنه سعيا وراء هذا الخلود ؛ فَفَقدَ ماكان فيه في الجنّة من رفعة ورغدٍ ، وأمنٍ ، وحدْبٍ إلهيٍ ...
فَقَدَ كلّ الشّجر باندفاعه إلى شجرة واحدة ...
فَقَدَ نعيما خالداً بسعيه إلى وهم الخلود ...
أسقط ذاته - التي سعى إلى خلودها - بمعصيته وتدلّى من مرتبةٍ عالية كانت له في الجنة ممّا أوجب عليه الاستغفار وطلب التّوبة من الله ...
***إنّ في هذا الطرح القرآني لعبرة عظيمة ، وفي هذه الآية الكريمة تنبيه كبير الشأن لنا ... إنّ مفاد هذه الآية أنّ متاع الحياة الدنيا ... متاع غرورنا هو منبعُ سقوطنا وتدلّينا ...
إنّنا نهوي من علوّ الرّوح إلى السفول حين نستجيب لإلحاح غرائزنا التي لا تنشط ولا تطربُ إلاّ لمتاع الغرور : المنزل الأنيق الفخم ... الملبس الفاخر ... ، السيّارة الباهظة ... ، المطعم الباذخ ... ، الـ ... الـ... وكل ما يجعلُ الإنسان يزهو ويتيه أمام الآخرين مستجيا منهم نظرة حسدٍ أو غبطةٍ أو إعجابٍ أو تمنٍ أو انبهار أو غير ذلك ممّا يؤكد له أنه الأفضل ... وكأنّه الأطول حياة و الخالدُ المقيم ....
متاعٌ الغرور هاويةٌ ... وذكر الله هو الملاذُ ...

*********
بقلم : جاميليا حفني
مدونة " أدركتُ جلال القرآن "
http://greatestqoran.blogspot.com/20...blog-post.html
[/RIGHT]