المكتبة الجزائرية وعنايتها بالكتاب العربي المخطوطاعتنت المكتبة الجزائرية منذ أقدم العصور بالمخطوطات العربية، فجزء منها حفظته فهارس المكتبات العامة، وجزء آخر حفظته لنا المكتبات الخاصة التي قام على جمع مخطوطاتها بعض العلماء الجزائريّين. ومن أشهر المكتبات الخاصة مكتبة الشيخ ابن الفكون في قسنطينة، ومكتبة الشيخ الهامل قرب بوسعادة، ومكتبة الزاوية الرحمانية بطولقة، ومكتبة الشيخ المهاجي بوهران.
بقلم: الدكتور محمد عبد القادر أحمد
وكانت في تلمسان عدة مكتبات عائلية كمكتبة الشيخ أبي طالب، وما بقي من خزانة القاضي شعيب المعصوم[1]، وكذلك مكتبة زاوية سيدي أحمد بن يوسف بمدينة مليانة. كما توجد ذخائر من المخطوطات العربية حفظت عند علماء وادي ميزاب مكتبة الشيخ طفيش وقد حافظت العائلات الجزائرية التي عرف أسلافها بالعلم على ما خلفه الأوائل من تراث عبر القرون تبرّكًا[2] ووفاء لذكرى الأجداد.
ومن المكتبات الخاصة المشهورة في القطر الجزائري مكتبة الأمير عبد القادر الجزائري، وكانت تحتوي على الكثير من ذخائر المخطوطات العربية، وقد لازمته مكتبته الكبيرة في تنقلاته إبان مقاومته للاستعمار الفرنسي في بلاده، ومن المؤسف أن جل مخطوطات هذه المكتبة ضاعت في موقعة طاكين التي كانت بينه وبين الفرنسيّين. وقد تأثر الأمير عبد القادر الجزائري تأثرا كبيرا بسقوط مكتبته ونهبها من قبل المستعمرين، ولم يتسل عن فقدانها زمنا طويلا، وقد روى شاهد من عساكر الفرنسيين أنه كان من الممكن اقتفاء آثار جيش الأمير عبد القادر العائد من منزل الزمالة(العاصمة المتنقلة) لأن أوراق كتب الأمير كانت منتشرة في كل أرض مرت بها العساكر.
كذلك عرفت في التاريخ الجزائري مكتبة أخرى لقيت مصيرا مماثلا لمكتبة الأمير عبد القادر هي مكتبة الشيخ الحداد الجزائري ببلاد القبائل الكبرى، وقد استولى عليها الفرنسيون بعد ثورة سنة 1288هـ، 1871م. وقد صودرت بعض كتب هذه الخزانة الكبيرة، وضم بعضها إلى قسم المخطوطات في المكتبة الوطنية الحالية.وتضم المكتبات العالمية مخطوطات ووثائق ألفها علماء جزائريون أو موضوعاتها تهم الجزائر كما هو موجود في مكتبات استامبول التي تجمع عددا من المخطوطات، والوثائق الجزائرية التي تتناول تاريخ الجزائر، وقد نقلت هذه المجموعات إبان الحقبة التي كانت فيها الجزائر تحت حكم الدولة العثمانية، كما تضم مكتبات إسبانيا وهولندا وغيرها من الدول الغربية مخطوطات جزائرية.
وكثير من المخطوطات الجزائرية نقلها علماء جزائريون إلى مكتبات المغرب وتونس عندما هاجروا إليها وخاصة بعد العدوان الفرنسي سنة 1246هـ، 1830م، وهذا ما يفسر وجود مؤلفات لعلماء من عائلة المشرفي المعسكرية بمكتبات المغرب.على أن الكثرة الغالبة من المخطوطات الجزائرية نقلت إلى فرنسا عنوة بعد مصادرتها من قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر ابتداء من سنة 1830م. والذي يرجع إلى مقدمة فهرس فانيان وهو أول فهرس مطبوع للمخطوطات الشرقية من عربية وتركية وفارسية محفوظة بالمكتبة الوطنية في الجزائر يجد أرقاما وأسماء لمخطوطات ضاعت من المكتبة، فقد ذكر من بين الوثائق الضائعة نحو 200 مجلد من بينها سجلان لقرارات الدايات، والمئات من العقود والرسائل والوثائق الإدارية. وكما حدث الاعتداء على المكتبة الوطنية حدث أيضا على مكتبة جامعة الجزائر، وقد ثبت لأحد العلماء الجزائريين العاملين في حقل المكتبات والمخطوطات العربية خلافا لما شاع بعد الاستقلال أن مخطوطات مكتبة الجزائر لم تحرق مع غيرها من الكتب المطبوعة يوم احترقت المكتبة الجامعية في السابع من يونية سنة 1962م بل نقلت كلها إلى فرنسا من قبل. كما تعرضت مكتبات المساجد وخزانات الزوايا والتكايا أكثر من غيرها للنهب والسرقة. وقد اتخذ هذا السطو أحيانا صبغة رسمية كما وقع لكتاب (العبر) لعبد الرحمن بن خلدون الذي نقل من المكتبة الوطنية الجزائرية إلى المكتبة الأهلية في باريس بأمر من الإمبراطور نابليون الثالث. واعتمد المستشرق الفرنسي دي سلان على هذه النسخة الجزائرية فيما اعتمد عليه من نسخ لنشر الجزء الخاص بتاريخ شمال إفريقيا من تاريخ ابن خلدون.
عناية الأسرات الحاكمة بالمخطوطات العربية:وإذا رجعنا إلى الأسرات الحاكمة للقطر الجزائري عبر عصور التاريخ المختلفة لنتبين مدى اهتمامها بحركة التأليف والعناية بالمخطوطات العربية وجمعها وجدنا دولة بني رستم التي حكمت من سنة 144هـ-269هـ فقد أسس أحد أمرائها مكتبة بتاهرت تدعى مكتبة المعصومة. ثم جاءت الدولة الفاطمية من سنة 269هـ-362هـ وكانت لهم عناية بالمخطوطات العربية ومن بعدهم بنو زيري بتونس، والحماديون بالجزائر من سنة 362هـ-404هـ، ثم استقل الحماديون بالجزائر من سنة 404هـ -547هـ، وقد وجهوا عناية خاصة بالكتب والمخطوطات على اختلاف أنواعها، وكان لهم نشاط كبير في تشجيع العلماء وخاصة في العلوم الرياضية، ويروى أن بعض الأوربيين من سكان روما جاءوا إلى بجاية عاصمة الحماديين ودرسوا فيها مختلف العلوم وخاصة الرياضيات والحساب والجبر والفلك والتنجيم والميقات. وحكم الموحدون من سنة 547هـ-633هـ وكانت لهم عناية بالكتب المخطوطة وبتشجيع الحركة العلمية في مختلف أنحاء القطر الجزائري من الحدود الغربية إلى بجاية من سنة 633هـ-962هـ. وقد تقدمت الحركة العلمية إبان حكمهم تقدما كبيرا ووجهت عناية بالكتب والمؤلفات العلمية. واشتغل بعض ملوكهم بتأليف الكتب مثل أبو حمو موسى الثاني الذي حكم ما بين 760هـ-791هـ وألف كتابا عرف باسم «واسطة السلوك في سياسة الملوك» وتلاهم الأتراك الذين امتد حكمهم من سنة 962هـ-1246هـ وتقابل سنة 1830م أي سنة الاحتلال الفرنسي.
ورغم أن الأتراك لم يكونوا مهتمين بالحركة العلمية بالدرجة الأولى إلا أن التراث الذي ورثوه من قبل، ورسوخ الحركة العلمية في الجزائر وامتداد حلقاتها جعل تيار هذه العناية يستمر، كما ساعدت المراكز العلمية المنتشرة في الجزائر على استمرار العناية بالمخطوطات العربية، فقد أدت هذه المراكز من مساجد وزوايا ورباطات ومدارس دورها الفعال في نشر الثقافة العربية بين الطلاب، فقد كانت تدرس فيها كتب الفقه والأصول والتوحيد والقراءات والفلك والتنجيم واللغة والنحو والأدب وغيرها وخاصة ما اتصل بالمدائح النبوية والتوسلات والتضرعات[3]. كما وجهت هذه المراكز عناية خاصة بتحفيظ القرآن الكريم وبإتقان قراءاته المختلفة، ومن أشهر هذه الزوايا زاوية سيدي عبد الرحمن اليلولي بـ«جرجره» في بلاد القبائل الكبرى وزاوية «شلاطة» في بلاد القبائل الكبرى أيضا، وزاوية الهامل، وزاوية طولقة، وزوايا مازونة بالقطاع الوهراني. وقد حافظت هذه الزوايا على الكتب العربية المخطوطة. وأخيرا جاء الاستعمار الفرنسي من سنة 1830م-1962م، وقد اهتمت قلة من المستشرقين الفرنسيين بجمع المخطوطات العربية وتكوين أول نواة للمكتبة الجزائرية لكن الكثرة منهم قامت بنهب هذه المخطوطات لصالحها ونقلتها إلى فرنسا، وقد عثر على عدد كبير من المخطوطات الجزائرية في مكتبات أسر فرنسية كان أحد أفرادها من الأجيال السابقة عنصرا من عناصر الاحتلال العسكري للبلاد والاستغلال الاقتصادي لخيراتها.
وقد ذكرنا أن بعض المخطوطات المسجلة في فهرس فانيان ضاعت نتيجة لتسربها إلى فرنسا، ويقال إن بعض المخطوطات التي تتصل بالمذهب الإباضي لسكان غرداية في الصحراء جيء بها من الجنوب إلى المكتبة الوطنية، ولكنها لم تسجل في الفهرس وأخذت إلى باريس.وطيلة مدة الاحتلال نهبت المكتبات العامة والخاصة في أنحاء القطر الجزائري على أيدي المسيرين القدماء للمستعمرة من ضباط وموظفين والمساعدين لهم من مستشرقين وباحثين بطرق شتى من ضغط وتهديد وإغراء ومخادعة أحيانا مقابل دريهمات معدودة.