أجوبة العلامة عبد الكريم الخضير على أسئلة طلاب كتاب { الورقات في أصول الفقه }
أبو حزم فيصل بن المبارك
السؤال الأول
كتاب { الورقات في أصول الفقه } أفضل كتاب أصولي بالنسبة لطالب علم أصول الفقه المبتدىء
يقول هذا: بعض طلاب العلم يقولون: إن متن الورقات لا يصلح للحفظ؛ لأنه يوجد فيه أخطاء في التعاريف، ويقول: الحل في ذلك أن نأخذ تعاريف الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- وتُحفظ، هل هذا الكلام صحيح؟
أقول: كتب العلماء التي هي الجادة في التحصيل عند أهل العلم لا بد من العناية بها، وما فيها من أخطاء لا تعدو أن تكون وجهات نظر، يصوبها البعض ويحكم عليها البعض الآخر بأنها خلاف الصواب، ومن يشرح هذه الكتب عليه أن يبيّن الخطأ من الصواب، ويبقى أيضاً أن هذا من وجهة نظره هو.
ولذا نجد في شراح الورقات وفي غيرها من الكتب التي ألفها أهل العلم، وليسو من أهل العصمة، فيها ما فيها، كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا الرسول -عليه الصلاة والسلام- فالجادة التي اعتمدها أهل العلم وسلكها الأئمة المتقدمون في تربية أولادهم أو أبنائهم الطلاب وتنشئتهم على التحصيل العلمي لا بد من سلوكها، فيؤخذ مثل هذا المتن؛ لأنه أخصر متن في أصول الفقه، وألفاظه سهلة ميسرة.
وأما ما يكتبه المتأخرون وهم يكتبون بلغة العصر لا شك أنها كتب نافعة وجليلة ومفيدة، لكن ليتنبه طالب العلم أنه كلما قوي الأسلوب وصعب على الطالب أنه هو الذي يربي فيه ملكة الأخذ والرد والنقاش، وهو الذي يفتّق ذهنه، أما ما يكتبه المعاصرون فهم يكتبون بلغة العصر، وهذه ليس فيها إشكال في الجملة، كتب واضحة ومبسطة، فهذه في الغالب لا تحتاج إلى شرح، يفهمها الطالب بمفرده.
فعلى طالب العلم أن يتمرّن على كتب المتقدمين؛ لأنه إذا سار على الدرب والطريق والجادة المسلوكة، وحصل من العلم ما يؤهله لتعليم الناس، أو للقضاء وفصل الخصومات بينهم، أو لإفتائهم لا يأمن أن يعيّن في بلدٍ ليس فيه غيره ممن ينتسب إلى العلم، فقد يحتاج إلى مراجعة هذه الكتب، وهو لم يتعود على أساليب المتقدمين فيصعب عليه الإفادة منها، بخلاف كتب المتأخرين، وهذا واضح وظاهر في الدراسة النظامية؛ نجد كثير من الطلاب الذين اعتمدوا على المذكرات التي يكتبها الأساتذة يصعب عليهم كل شيء من العلم، ولا يستطيعون التعامل مع كتب أهل العلم، بينما الذين تربوا على الكتب التي ألفها المتقدمون بأساليب قوية متينة هم الذين في الغالب حصلوا واستفادوا؛ لأنه من اليسير جداً أن تنزل من الصعب إلى السهل، لكن العكس هذا صعب.
على كل حال ما كتبه الشيخ -رحمة الله عليه- جدير بالعناية والإفادة منه، لكن ما سلكه أهل العلم في تربية الناشئة على أسلوبٍ معين في التحصيل أمر لا بد منه.
السؤال الثاني
هناك نسخ للورقات فيها الحمدلة و الثناء على الله ، ونسخ لا
يقول: جاء في بعض النسخ المطبوعة حديثاً ومقابلة على نسخٍ خطية ذكر الحمد والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام.
هذا موجود في بعض النسخ، هذا موجود في بعض النسخ الخطية، لكن أكثر النسخ مجردة من الحمد والشهادة والصلاة، حتى مجردة من (أما بعد)، ليس فيها إلا ذكر البسملة.
السؤال الثالث
أول مايبدأ به طالب علم أصول الفقه
يقول: بماذا ينصح طالب العلم المبتدئ أن يقرأ في علم أصول الفقه؟
يقرأ في هذا الكتاب وما كتب حوله والمناقشات التي نوقش فيها المؤلف وما كتب على الكتاب، ثم ينتقل إلى ما هو أعلى منه، إما مختصر التحرير مع شرحه أو مختصر الروضة مع شرحه.
السؤال الرابع
مراحل التدرج في طلب علم أصول الفقه
يقول: قلتم: إنه لا ينبغي الإفراط في تعلم أصول الفقه، فما المراحل التي ينبغي أن يسلكها في هذا العلم؟
ذكرنا أن المبتدئ يبتدئ بمثل هذا الكتاب ثم ينتقل بعده إلى مختصر الروضة مع شرحه أو مختصر التحرير مع شرحه، ثم إذا فهم هذه الكتب يبقى المسألة مراجعات، عند الحاجة يراجع الكتب المبسوطة.
السؤال الخامس
ماذا تفعل إذا صعب عليك فهم علم من علوم شريعة
هذا يقول: أعتقد والله أعلم أن هذا الدرس صعب، ولا أستطيع أن أفهمه فماذا أفعل؟
أقول: العلم الأصل فيه أنه يحتاج إلى معاناة، فالذي لا يُفهم من أول مرة، في المرة الثانية والثالثة وهكذا، الذي لا يفهم من خلال كتاب، يفهم من خلال كتابٍ آخر، فإذا لم تفهم المتون التي ألفها المتقدمون، فارجع إلى المختصرات التي كتبها المتأخرون؛ لأنها كتبت بلغتك، وهي توطئ وتسهل الطريق لك حتى تفهم كلام المتقدمين، وكتب المتقدمين لا غنى عنها لطالب العلم.
وبالنسبة للفهم الناس يتفاوتون فيه، منهم سريع الفهم، ومنهم البطيء في فهمه، فالبطيء في فهمه عليه أن يكرر، والسريع في فهمه عليه أن يتجاوز ما فهمه، والله المستعان، وعليك أن تلجأ بصدق وتنكسر بين يدي ربك أن يعينك على فهم العلم الشرعي، والعمل به.
السؤال السادس
حكم التلفيق بين المذاهب الفقهية
يقول: إذا عامد -يعني متعمد- عمل ما هو مكروه في مذهبٍ واحد، حرام في مذهبٍ آخر، فكيف يكون عمل الإنسان على هذين المذهبين؟
يعمل بالراجح عنده، وما يدين الله به، إذا كان من أهل النظر، وإذا لم يكن من أهل النظر بأن كان عامياً أو في حكم العامي من المبتدئين، فإنه تبرأ بذمته إذا قلّد من جمع بين العلم والعمل والتقوى والورع، والله المستعان:
وليس فـي فتتواه مفتٍ متبـع *** ما لـم يضف للعلم والدين الـورع
السؤال السابع
ماحكم الشيئ إذا كانت جهته منفكة
يقول: اجتماع الواجب والمحظور في عملٍ واحد كالصلاة في المسجد المزخرف، هل الصلاة في المسجد المزخرف جائزة؟
على كل حال الجهة منفكة، والنهي عاد لأمرٍ خارج عن الصلاة وعن شرطها، فالصلاة صحيحة.
السؤال الثامن
معنى مصطلح { مايتعلق به النفوذ }
يقول: ما معنى يعتد به ويتعلق به النفوذ الذي جاء في تعريف الصحيح؟
الذي يعتد به: بمعنى أنه لا يؤمر بإعادته، إذا كان عبادة فتبرأ ذمته بفعله، وذلك إذا كان مستوفياً للشروط والأركان والواجبات، أما إذا اختل شرط من الشروط أو ركن من الأركان مع القدرة عليه فإنه حينئذٍ لا يعتد به ولا يعد صحيحاً، ولا تترتب آثاره عليه، ومثله في المعاملات، وهذه العبارة مألوفة، إذا قيل: تعتد بهذه الركعة أو لا تعتد بها: يعني أنها صحيحة مجزئة أو غير صحيحة.
السؤال التاسع
الفرق بن الكراهتين الواردة في النصوص
إذا كانت الكراهة عند السلف تعني التحريم، فهل قول النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يكره الحديث بعد صلاة العشاء يفيد التحريم؟
الكراهة هنا للتنزيه، والصارف عن التحريم..، أولاً الكراهة لفظ مشترك، وليست نص في التحريم، ولا في كراهة التنزيه، لفظ مشترك ليست مثل الأمر أو النهي، يعني لو قال: لا تتحدثوا بعد صلاة العشاء، قلنا: الأصل في النهي التحريم، ويصرفه عن التحريم كونه -عليه الصلاة والسلام- سمر في بعض الليالي.
وعلى كل حال السهر داء ابتلي به الناس، لكن إن كان على علم أو إصلاحٍ بين الناس أو مدارسة خير أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو عبادة أو تأليف أو ما أشبه ذلك فهو خير -إن شاء الله تعالى- لكنه خلاف الأصل.
السؤال العاشر
مفهوم قاعدة { الحلال ما أحله الله ، و الحرام ما حرمه الله }
يقول: هل يلزم من قولهم: الحرام ما حرمه الله، والحلال ما أحله الله إذا لم يكن هناك نص، أن يكون الدخان حلالاً؛ حيث أنه لم يأتِ نص على تحريمه؟
أولاً: الجملتان ليستا بمتفقتين، بل هذه لها دلالة وتلك لها دلالة أخرى، وقال بهذه أقوام، وقال بتلك أقوام، فالحرام ما حرمه الله يعني: أن ما عداه حلال، ما لم ينص عليه فهو حلال، والذي يقول: إن الحلال ما أحله الله فمعناه أن الذي لم ينص على حله فهو حرام.
أما بالنسبة للدخان فجاءت النصوص التي تومئ إلى منعه، {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف]، والمعتمد عند أهل العلم من المحققين أنه حرام، وهو ضار أيضاً.
السؤال الحادي عشر
من قلد عالما لقي الله سالما
يقول: ما رأيكم في القول الذي يقول: من قلد عالماً لقي الله سالماً؟
أقول: إذا كان لديه أهلية النظر في النصوص وعنده الآلة التي يستطيع بها الاستنباط من الكتاب والسنة فإنه لا يسوغ له التقليد، بل حرمه جمع غفير من أهل العلم، والمقلد عند عامة أهل العلم ليس من أهل العلم، على ما سيأتي في الاجتهاد والتقليد -إن شاء الله تعالى- أما بالنسبة للعامي ومن في حكمه ممن ليست لديه أهلية النظر فإن فرضه التقليد، لكن من يقلد، يقلد من تبرأ ذمته بتقليده.
السؤال الثاني عشر
استحباب النظم على النثر في الحفظ
يقول: هل ينصح من أراد الحفظ أن يحفظ النثر –الورقات- أو يحفظ النظم؟
النظم أثبت، ولذا يحرص كثير من أهل العلم على تحفيظ طلابه النظم؛ لأنه يثبت، أما النثر فهو ينسى.
السؤال الثالث عشر
الفرق بين المكروه وخلاف الأولى
يقول: هل هناك فرق بين المكروه وخلاف الأولى أو هما سواء؟
لا، هناك فرق؛ المكروه فيه مخالفة للدليل الذي يدل على المنع لولا وجود الصارف من التحريم إلى الكراهة، وخلاف الأولى هو ما هو في أمرين مباحين أحدهما أولى من الآخر، ففعل المفضول خلاف الأولى، وفعل الفاضل هو الأولى.
السؤال الرابع عشر
حجة من قال ، أن المباح ليس حكما تكليفيا
يقول: ما حجة من قال: إن المباح ليس حكماً تكليفياً؟
حجته أن الإباحة ليس فيها كلفة ولا مشقة؛ لأنها مردودة إلى اختيار المكلف إن شاء فعل وإن شاء ترك، فمن هذه الحيثية ليس فيها تكليف، في الأمر المباح إن شئت فعلته وإن شئت تركته لذاته، لا لما يترتب عليه من آثار، هذا المباح إن حصل به إعانة على فعل واجب أو مستحب صار له حكماً، وإن حصل بسببه تفريط وتضييع للواجبات صار حراماً وهكذا، لكن هو في الأصل مباح، وليس فيه تكليف؛ لأن ما يرد فيه إلى اختيار المكلف ليس فيه تكليف، هذه وجهة نظر من يقول: إن المباح ليس حكماً تكليفياً، وإنما ذكر من باب تتميم القسمة، أما من يقول: إنه حكم تكليفي فيرى أن الحكم هو خطاب الله والإباحة حصلت بخطاب الله.
يتبع إن شاء الله