بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
كتب الشيخ إسحاق بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب رحمه الله رسالة قبل أكثر من مئة عام في رد هذه الحيلة الشيطانية الخبيثة التي عرضها الكفار على جميع الرسل وهي ( عدم الاعتراض على الدعوة للتوحيد مقابل عدم تكفير المشرك) وآخرهم محمد عليه الصلاة والسلام فأنزل الله ( ودوا لو تدهن فيدهنون) ولو قبلت الرسل- وحاشاهم- هذا العرض كما قبله الآن كثير من السلفيين وأنصار السنة(زعموا) وغيرهم لم تكن بينهم وبين المشركين عداوة ولم يحتاجوا للجهاد والهجرة، ثم لم يزل الشيطان يجهد أن لا تموت هذه الحيلة ، فلما تسلط أهل الشرك على أهل الدرعية فقتلوا علمائهم وأجلوا بعضهم ظن الشيطان أن الجو قد خلا له فأرسل رجلاً من نصارى العراق ممن أظهر الدخول في الإسلام وهو(داوود سليمان جورجيس) فنزل القصيم وبدأ ببث هذه الحيلة فكان في أول أمره يمدح التوحيد بشرط عدم تكفير المشرك وفي آخر أمره زعم أن الشرك هو التوحيد -كما هي خطوات الشيطان مع هؤلاء- فتصدى له أسد من أسود السنة وهو قاضي عنيزة ومفتي الديار النجدية (عبدالله أبا بطين) ولما عاد المشايخ المنفيين تصدوا لبدعته بالكتب والبيان حتى أطفئوها، ولكن لم ييأس الشيطان فهو ينفخ فيها كل ما رأى فترة من الناس.
وفي عهد الشيخ اسحاق نفخ فيها فأطفأها الله بالشيخ إسحاق ثم بالإمامين عبدالعزيز بن عبدالرحمن وعبدالله بن عبداللطيف فهم قاموا عملياً بقتال مشركي جزيرة العرب المتبوعين والأتباع حتى طهرت الجزيرة من الشرك.
وفي رسالة الشيخ إسحاق جواب عن الموضع المتشابه من كلام جده الإمام المجدد الذي يتشبث به أهل الأهواء ممن يتبع المتشابه مع أن الشيخ عبداللطيف روى هذه الموضع المتشابه هكذا ( ونحن لا نقاتل الذين عند قبة الكواز) فنفى القتال دون التكفير.
وإذا قرأت هذه الرسالة قلت: (ما أشبه الليلة بالبارحة!!) قال الشيخ إسحاق:
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وأشهد أن لا إله إلاّ الله الأحد الصمد الذي لا يستغاث في الشدائد ولا يدعى إلاّ إيّاه فمن عبد غيره فهو المشرك الكفور بنص القرآن ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين الذي قامت به الحجة على العالمين فلا نبي بعده ولا رسول
أما بعد : فقد بلغنا وسمعنا من فريق يدعي العلم والدين!!،وممن هو بزعمه مؤتم بالشيخ محمد بن عبد الوهاب أن من أشرك بالله وعبد الأوثان لا يطلق عليه الكفر والشرك بعينه. وذلك أن بعض من شافهني منهم بذلك سمع من بعض الإخوان أنه أطلق الشرك والكفر على رجل دعا النبي واستغاث به فقال له الرجل: (لا تطلق عليه الكفر حتى تُعرّفه) وكان هذا وأجناسه لا يعبأون بمخالطة المشركين في الأسفار وفي ديارهم بل يطلبون العلم على من هو أكفر الناس من علماء المشركين. وكانوا قد لفقوا لهم شبهات على دعواهم يأتي بعضها في أثناء الرسالة ـ إن شاء الله تعالى ـوقد غروا بها بعض الرعاع من أتباعهم ومن لا معرفة عنده ومن لا يعرف حالهم ولا (فرق) عنده ولا (فهم) .
فهم متحيزون عن الإخوان بأجسامهم وعن المشايخ بقلوبهم،ومداهنو ن لهم وقد استَوحشوا واستُوحِش منهم؛بما أظهروه من الشُبه وبما ظهر عليهم من الكآبة بمخالطة الفسقة والمشركين.
وعند التحقيق لا يكفرون المشرك إلا بالعموم،وفيما بينهم يتورعون عن ذلك. ثم دبت بدعتهم وشبهتهم حتى راجت على من هو من خواص الإخوان!!؛ وذلك والله أعلم بسبب ترك كتب الأصول وعدم الاعتناء بها وعدم الخوف من الزيغ. رغبوا عن رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب - قدس الله روحه - ورسائل بنيه فإنها كفيلة بتبيين جميع هذه الشبه جداً -كما سيمر- ومن له أدنى معرفة إذا رأى حال الناس اليوم ونظر إلى اعتقاد المشايخ المذكورين تحيّر جداً ولا حول ولا قوة إلا بالله؛وذلك أن بعض من أشرنا إليه باحثته عن هذه المسألة فقال: نقول لأهل هذه القباب الذين يعبدونها ومن فيها فعلك هذا شرك وليس هو بمشرك، فانظر ترى!! واحمد ربك واسأله العافية،فإن هذا الجواب من بعض أجوبة العراقي(داوود بن جرجيس) التي رد عليها الشيخ عبد اللطيف.
وذكر الذي حدثني عن هذا أنه سأله بعض الطلبة عن ذلك وعن مستدلهم فقال نكفر النوع ولا نعين الشخص إلا بعد التعريف،ومستندن ا ما رأيناه في بعض رسائل الشيخ محمد - قدس الله روحه - على أنه امتنع من تكفير من عبد قبة الكواز وعبد القادر من الجهال لعدم من ينبهه!! فانظر ترى العجب ثم اسأل الله العافية وأن يعافيك من الحور بعد الكور.
وما أشبههم بالحكاية المشهورة عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -أنه ذات يوم يقرر على أصل الدين ويبين ما فيه ورجل من جلسائه لا يسأل و لا يتعجب ولا يبحث حتى جاء بعض الكلمات التي فيها ما فيها فقال الرجل: ما هذه!! كيف ذلك!! فقال الشيخ: قاتلك الله ذهب حديثنا منذ اليوم لم تفهم ولم تسأل عنه فلما جاءت هذه السقطة عرفتها؟ أنت مثل الذباب لا يقع إلا على القذر أو كما قال.
ونحن نقول والحمد لله وله الثناء ونسأله المعونة والسداد ولا نقول إلا كما قال مشايخنا: الشيخ محمد في إفادة المستفيد وحفيده في رده على العراقي وكذلك هو قول أئمة الدين قبلهم ومما هو معلوم بالإضطرار من دين الإسلام أن المرجع في مسائل أصول الدين إلى الكتاب والسنة وإجماع الأمة المعتبر وهو ما كان عليه الصحابة وليس المرجع إلى عالم بعينه في ذلك فمن تقرر عنده هذا الأصل تقريراً لا يدفعه شبهة وأخذ بشراشير قلبه هان عليه ما قد يراه من الكلام المشتبه في بعض مصنفات أئمته إذ لا معصوم إلا النبي عليه الصلاة والسلام. ومسألتنا هذه وهي عبادة الله وحده لا شريك له والبراءة من عبادة ما سواه وأن من عبد مع الله غيره فقد أشرك الشرك الأكبر الذي ينقل عن الملة هي أصل الأصول وبها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وقامت على الناس الحجة بالرسول وبالقرآن،وهكذا تجد الجواب من أئمة الدين في ذلك الأصل عند تكفير من أشرك بالله فإنه يستتاب فإن تاب وإلاّ قتل لا يذكرون التعريف في مسائل الأصول إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض المسلمين كمسائل نازع بها بعض أهل البدع كالقدرية والمرجئة أو في مسألة خفية كالصرف والعطف.
وكيف يُعرّفون عباد القبور وهم ليسوا بمسلمين ولا يدخلون في مسمى الإسلام وهل يبقى مع الشرك عمل والله تعالى يقول : {لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط } {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} { إن الله لا يغفر أن يشرك به} {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} إلى غير ذلك من الآيات.
ولكن هذا المعتقد يلزم منه معتقد قبيح وهو أن الحجة لم تقم على هذه الأمة بالرسول والقرآن نعوذ بالله من سوء الفهم الذي أوجب لهم نسيان الكتاب والرسول.
بل أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة والقرآن وماتوا على الجاهلية لا يسمون مسلمين بالإجماع،ولا يستغفر لهم وإنما اختلف أهل العلم في تعذيبهم في الآخرة.
وهذه الشبهة التي ذكرنا قد وقع مثلها أو دونها لأناس في زمن الشيخ محمد-رحمه الله- ولكن من وقعت له يراها شبهة ويطلب كشفها وأما من ذكرنا فإنهم يجعلونها أصلاً ويحكمون على عامة المشركين بالتعريف ويُجهّلون من خالفهم فلا يوفقون للصواب؛لأن لهم في ذلك هوى وهو مخالطة المشركين ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، الله أكبر ما أكثر المنحرفين وهم لا يشعرون!!
ونحن ذكرنا هذه المقدمة لتكون أدعى لفهم ما سيأتي من الحجج على هذه المسألة...) ثم أورد الحجج على المسألة في رسالة نافعة ماتعة.
وهذان بيتان من الشعر للشيخ إسحاق نختم بهما هذا المقال قال رحمه الله:
غرامي بأصحاب الحديث وغيرُهم
غريم إذا فارقتهم لذّ مشربي
سلامي عليهم ما حييت لأنهم
شفائي وترياقي وغاية مطلبي
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
*** للشيخ عبد الرحمن بن صالح الحجي