بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين، وبعد:
الفرق بين تقدم الحكم على سببه دون شرطه أو شرطه دون سببه، وبين تقدمه على السبب والشرط جميعا:
وتحريره: أن الحكم لا يجوز تقديمه على سببه مطلقا. فإذا كان للحكم سبب واحد فلا يجوز تقديمه عليه. وإن كان له أسباب يتقدم عليها فكذلك.
فإن كان له سببان فتوسط اعتبر ذلك الحكم بناء على السبب الذي يتقدم عليه، وصارت الأسباب الأخر كالعدم. فإن شأن السبب أن يستقل في تأثيره .
هذا ما عليه بعض الأصوليين وذكروه في قواعدهم كالقرافي في الفروق، وقد ذكرها بهذا اللفظ، وهذه القاعدة الكلية فيها نظر ذلك أن الأسباب مع المسببات تنقسم الى أربعة أقسام: قسم منها الأسباب مقارنة للمسببات كالأسباب الفعلية في حيازة المباح كالصيد .
وقسم يتقدم السبب ويتأخر مسببه، كبيع الخيار يتأخر فيه نقل الملك عن العقد إلى الإمضاء على الصحيح.
وقسم اختلف فيه مثل الاسباب القولية هل تقع مسبباتها معها أو بعدها على ما مضى في مذهب أبي اسحاق .
لكن الحكم لا يتقدم على السبب البتة، والذي ذكره القرافي كما نقلته في الأول مبني على أن الأسباب الشرعية لها التأثير وهذا خطأ، فالسبب لا يؤثر وإنما يعرف الحكم .
وقد جعل القرافي القسم الثالث الذي يكون له سبب وشرط، فإن تأخر عنهما اعتبر اجماعا، وإن توسط بينهما فيقع الخلاف في كثير من صوره بحسب اعتباره وعدم اعتباره، وضرب القرافي هذا القسم بمثال كفارة اليمين، حيث إن وقعت متوسطة بين الحنث واليمين، قيل يجزئ وقيل : لا . ولو قدمت عليهما لم تعتبر، ولو أخرت عنهما اعتبرت بلا خلاف في القسمين .
وكأن هذا الموضوع له علاقة بمسألةٍ الكلامية المتمثلة في القدرة التي يناط بها التكليف، هل تكون قبل الفعل أم بعده ؟ وهل العبد يكون مستطيعا قبل الفعل أو في حال الفعل فقط ؟
هذه المسألة نقلت إلى اصول الفقه كما فعل الغزالي في المستصفى والباقلاني في إنصافه وهي في باب الأوامر والنواهي من كتاب الدلالات ، ولا أريد خوض في هذه المسألة بل من أفضل أن نضعها في بحث المستقل وفي مكان المخصص له، لكن لاباس أن نذكرها على سبيل الإجمال، فنقول والله المعين:
فالأشاعرة الذين يقولون بالعرض لا يبقى زمانين يرون أن الإستطاعة تكون قبل الفعل ومتقدمة عليه، فالفعل اذن مقدور حال الوجود فيكون المكان مأمورا في هذه الحالة .
أما الاشاعرة الذين يعارضون هذه النظرية أقصد بالعرض لا يبقى زمانين، قالوا أن الإستطاعة مساوقة ومقارنة للفعل والمكلف اذ ذاك غير مستطيع، لأنه لو تقدمت الإستطاعة لزم من ذلك تأخير الفعل بلا قدرة وان تأخرت وقع الفعل قبلها بلا القدرة .
أما المعتزلة يرون أن القدرة الكائنة تكون قبيل الفعل لزمان الفعل، لأن الفعل حال الوجود حاصل وتحصيل الحاصل محال .
والله تعالى أعلم