الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد فيا عباد الله:
خلاصة الخطبة الماضية:
لقد ذكرت لكم في الأسبوع الماضي بأن أثر تربية أجهزة الإعلام صار واضحاً على شبابنا وشاباتنا, لقد صار واضحاً عليهم من خلال العقيدة والعبادة والأخلاق, فكادت عقائدهم وعباداتهم وأخلاقهم تتلاشى لا قدَّر الله تعالى, لأننا قصَّرنا في الواجب الذي علينا.
{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُ مْ أَجْمَعِيْن}:
أيها الإخوة: تذكروا جميعاً قول سيدنا صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسؤولٌ عنْ رعِيَّتِهِ، والإِمَامُ رَاعٍ ومسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ ومسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والمرْأَةُ راعِيةٌ في بيْتِ زَوْجِهَا ومسؤولة عنْ رعِيَّتِهَا، والخَادِمُ رَاعٍ في مالِ سيِّدِهِ ومسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فكُلُّكُمْ راعٍ ومسؤولٌ عنْ رعِيتِهِ) رواه مسلم عن ابن عمَر رضي اللَّه عنهما. فذكر الرجل والمرأة في الحديث ليتحمَّل كل واحد منهما مسؤوليته نحو أبنائه.
نعم إن وزراء الإعلام سيتحمَّلون المسؤولية يوم القيامة عما يبثُّون في أجهزة الإعلام, وذلك لقوله عز وجل: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُ مْ أَجْمَعِيْن * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون}. ولقوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُون}. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (فكُلُّكُمْ راعٍ ومسؤولٌ عنْ رعِيتِهِ).
ومسؤولية أجهزة الإعلام ووزراء الإعلام والقائمين على الإعلام لا تعفيك عن مسؤوليتك أيها الأب وأيتها الأم, ولتتذكروا أيها الآباء وأيتها الأمهات قول الله عز وجل: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه * وَأُمِّهِ وَأَبِيه * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيه * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه}. لماذا هذا القرار؟ هذا القرار بسبب تقصيرنا في تربية أبنائنا.
فمهمَّتنا ليست الإنجاب فقط, مهمَّتنا التربية وفق المنهج الذي رسمه لنا القرآن العظيم, والسنة النبوية المطهرة, هذا إذا أردنا أن ننتفع من أبنائنا بعد موتنا بدعوة صالحة, وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقةٍ جَاريَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم عن أَبي هريرة رضي الله عنه. والولد الصالح هو الذي يقول بعد موت أبويه: {رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. ولم يقل كما خلَّفاني, فلا تغيَّب أيها الأب وأيتها الأم دور تربيتكما نحو أبنائكما.
أيها الأب صدِّر موعظتك بكلمة حب:
أيها الأب: لقد ذكرت لك في الأسبوع الماضي: (كن واعظاً, كن مربِّياً), وحتى تكون موعظتك نافعة ومؤثرة في نفس ولدك, صدِّر هذه الموعظة بكلمة حب, بكلمة عطف وحنان, بكلمة تدلُّ على ارتباط ولدك بك, فقل له عند بداية الموعظة: {يَا بُنَيَّ}.
إياك أن تصدِّر الموعظة بكلمة قاسية, بكلمة تجرح الفؤاد, بكلمة نابية بكلمة لا تليق أن تصدر من إنسان مؤمن, إياك أن تصدِّر موعظتك وتربيتك بكلمة تشبِّه فيها ولدك ببعض الحيوانات.
موعظة سيدنا لقمان خير شاهد:
أيها الإخوة: هذا سيدنا لقمان عليه السلام عندما أراد أن يعظ ولده ويعلِّمه التوحيد والعبادة والأخلاق صدَّر موعظته بكلمة {يَا بُنَيَّ} التي تشعر الولد بارتباطه بوالده, نَسَبَهُ إلى نفسه, وهذا شرف عظيم للولد, وكرَّر هذه الكلمة مرات قال له: {يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم}. ثم قال له: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور * وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير}.
ما أجملها من كلمة, ووالله إنها لتملك قلب الولد بذلك, فهل نخاطب أبناءنا بذلك عند توجيههم؟ كلُّ واحد منا يعرف كيف يخاطب ولده.
فهل الخطاب الذي نخاطب به أبناءنا ونصدِّره بكلمة, هل هذه الكلمة ترضي الله عز وجل, وتدخل إلى قلب الولد, أم أنها تُنَفِّر قلب ولدك منك, وإذا نفر قلب الولد من والده كيف ستؤثِّر الكلمة فيه تأثيراً إيجابياً؟ قال تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}.
مهما كان ولدك قل له: {يَا بُنَيَّ}.
أيها الإخوة الكرام: لا تتركوا كلمة {يَا بُنَيَّ}. عند تربية الأبناء مهما كان حالهم, لأنها خير كلمة تصدِّر بها موعظتك لأبنائك, لأنها ذُكرت في القرآن العظيم.
خاطب ولدك بذلك إن كان بارّاً تقيّاً صالحاً, فقل له: {يَا بُنَيَّ}. وإن كان لا قدَّر الله فاسقاً فاجراً كافراً زنديقاً صدِّر موعظتك له بـ {يَا بُنَيَّ}.
تعلَّم هذا من القرآن العظيم, حيث ذكر لنا ربنا عز وجل نموذجين من الأبناء: الأول: عبد تقي صالح نقي, والثاني: عبد فاجر كافر فاسق.
فالمربي الوالد قال لولده البار الصالح: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} أراد أن يشركه في أجر امتثال أمر الله عز وجل, فقال المربَّى للمربي: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِين}. ما أجمل هذا التبادل: { يَا بُنَيَّ}. {يَا أَبَتِ }.
والمربي الثاني قال لولده العاق: {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِين * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِين}. الأسلوب واحد من كليهما, لأن أسلوب التربية الصحيح واحد.
وهذا شأن صاحب القلب الرحيم الشَّفوق, فإياك أن تدوس على شفتيك بقدميك إذا ما رأيت ولدك عاصياً, فإن الرحمة لا تُنزع إلا من شقي, فلا تغيِّر أسلوبك في الموعظة مهما كان حال ولدك, لأنك والد, ولأنه مولود لك, وأنت مسؤول عنه يوم القيامة.
أيها الإخوة: لقد حُرِم أكثر الأبناء هذه الكلمة من الآباء, لذلك رأينا البَون الشاسع بين الأبناء والآباء, ورأينا العقوق, لأننا استبدلنا كلمة يا بني بكلمة جارحة توجه للأبناء سراً وعلانية, حتى وصل البعض أن يقول لولده إذا خالفه: إني أتبرأ منك.
أيها الأب الكريم: هل وصل ولدك إلى درجة الفسق والزندقة؟ وهل وصل إلى درجة الكفر والشقاق والنفاق حتى حرمته من كلمة: يا بني؟ إن قلت: نعم, فأقول لك قول الله عز وجل: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}. وهذا سيدنا نوح عليه السلام وصل ولده إلى ما وصل إليه, وما ترك كلمة: { يَا بُنَيَّ}.
أيها الآباء: بفضل الله عز وجل أبناؤنا ما وصلوا إلى درجة الفسق والزندقة, وما وصلوا إلى درجة الكفر والشقاق والنفاق, الإيمان مازال في قلوبهم, الخير ما زال فيهم, ولكن أين المحرِّك لهذا الخير الدفين فيهم؟
أيها الآباء: لا تتخلَّوا عن تربيتهم بالموعظة المصدَّرة بكلمة العطف والحنان بكلمة النسبة إليكم, لا تتركوا أولادكم لأجهزة الإعلام الضالِّة المُضِلَّة إلا ما رحم الله عز وجل.
لا تنس وصفك ووصف ولدك:
أيها الإخوة الكرام: لا يجوز أن ننسى وصفنا, ووصفُ أبنائنا من وصفنا, ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) رواه ابن ماجه عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه, فإذا كان هذا وصفنا فلنكن متعاونين على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان, وخير عون على البر والتقوى موعظة مصدَّرة بكلمة طيبة.
الخطأ من أبنائنا لا يجوز أن يدفعنا لإهمالهم وتركهم لأجهزة الإعلام الموجَّهة لضياع العقيدة والعبادة والأخلاق.
الدعوة بالموعظة الحسنة سنَّة الأنبياء والمرسلين:
أيها الإخوة: الدعوة بالموعظة الحسنة المصدَّرة بكلمة العطف والحنان هي سنة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام الذين هم قدوة البشر, الدعوة إلى الله تعالى رسم طريقها مولانا عز وجل في القرآن العظيم بقوله: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين }. وهذا ما سلكه الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام. خذوا على سبيل المثال:
أولاً: هذا سيدنا موسى عليه السلام يخاطب قومه: {يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم}. فكِّر في كلمة: {يَا قَوْمِ}. كم لها وقع في القلب.
ثانياً: هذا سيدنا هود عليه السلام يخاطب قومه: {يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُون * قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِين * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِين}. انظر كيف يخاطبهم ويخاطبونه.
ثالثاً: هذا سيدنا صالح عليه السلام يخاطب قومه: {يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيم * وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِين * قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُون * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُون * فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِين * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِين * فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِين}. تدبَّر هذا الخطاب من سيدنا صالح لقومه, والأسلوب ما تغيَّر حتى جاءت الرجفة.
وهذه سيرة جميع الأنبياء والمرسلين والتي خُتمت برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال له مولانا عز وجل: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِي ن}.
أيها الأب لا تكن فظّاً غليظ القلب, بل كن واعظاً رحيماً ولا تدع كلمة يا بني مهما كان حال ولدك.
وهو أسلوب الدعاة الحق:
أيها الإخوة الكرام: هذا الأسلوب هو أسلوب كلِّ داع إلى الله عز وجل, هو أسلوب كل واعظ سلك طريق النبي صلى الله عليه وسلم, خذ على سبيل المثال:
أولاً: قول مؤمن أصحاب القرية, قال الله تعالى: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِين * اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُون}. انظر إلى كلمة يا قوم, فهو حريص على البعيد فكيف لا تكون حريصاً على القريب, حتى عندما قتله قومه قال: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِين}. ما ترك الرحمة {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون}.
ثانياً: قول مؤمن آل فرعون, قال تعالى فيه: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَاد * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَار * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَاب * وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار * تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّار * لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّار * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد}.
تدبَّر هذا الخطاب, تدبَّر قول هذا المؤمن: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار}.
خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
أيها الإخوة: نحن بأمسِّ الحاجة إلى الأسلوب الحسن في الدعوة إلى الله تعالى, وخاصة بالنسبة لأبنائنا, فإن كان لهم في علم الله نصيب من الهداية وصل إليهم من طريقنا بحسن الموعظة وحسن الخطاب, وإن لم يكن لهم نصيب لا قدَّر الله تعالى في الهداية فإن ذمَّتنا تصبح بريئة بين يدي الله عز وجل, لأن الله تعالى كلَّفنا بوقايتهم من النار بالموعظة الحسنة, عندما قال لنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}.
اللهم ارزقنا الحكمة والموعظة الحسنة, واجعلنا هاديين مهديين, ومثل ذلك لأصولنا وفروعنا وأحبابنا, واحفظنا جميعاً يا أرحم الراحمين.
ولعل الحديث له صلة في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى. أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فيا فوز المستغفرين.