بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ للهِ الْوَاقِي مَنْ اتَّقَاهُ مَرَجَ الأَهْواءِ وَهَرَجِهَا . وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً كَامِنَةً فِي الْقَلْبِ وَاللِّسَانُ يَنْطِقُ بِهَا وَالْجَوَارِحُ تَعْمَلُ عَلَى مِنْهَاجِهَا . آمِنَةً مِنْ اخْتِلالِ الأَذْهَانِ وَغَلَبَةِ الأَهْوَاءِ وَاعْوِجَاجِهَا . ضَامِنَةً لِمَنْ يَمُوتُ عَلَيْهَا حُسْنَ لِقَاءِ الأَرْوَاحِ عِنْدَ عُرُوجِهَا . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِمَامُ التَّقْوَى وَضِيَاءُ سِرَاجِهَا . وَالسِّرَاجُ الْمُنِيْرُ الْفَارِقُ بَيْنَ ضِيَاءِ الدِّينِ وَظُلُمَاتِ الشِّرْكِ وَاعْوِجَاجِهَا . وَالآخِذُ بِحُجُزِ مُصَدِّقِيهِ عَنِ التَّهَافُتِ فِي النَّارِ وَوُلُوجِهَا . صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ أَزْكَى صَلاتِهِ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍ لَهَا فِي أَبْرَاجِهَا .... وَبَعْدُ ..
أخرج مُسلم في الصحيح (1/119) : (( حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَثَّامٍ، عَنْ سُعَيْرِ بْنِ الْخِمْسِ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوَسْوَسَةِ، قَالَ: «تِلْكَ مَحْضُ الْإِيمَانِ» )) . أهـ .
@ التخريج : روى مسلم في صحيحه (133) وأبو عوانة في مسنده (1/رقم229) والطبراني في الكبير (10/رقم10024) وابن حبان في صحيحه (1/رقم149) وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (1/رقم342) -ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال (11/132) والذهبي في تذكرة الحفاظ (4/1499)- وابن منده في الإيمان (1/رقم474) والبيهقي في شعب الإيمان (1/رقم339) والخليلي في الإرشاد (2/808) كلاهما (يوسف بن يعقوب، والحسين بن منصور) عن علي بن عَثَّام، عن سُعَيْر بن الخِمْس، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة، فذكره وخالفهما حماد عن إبراهيم مرسلاً .
@ دراسةَ إسناد الحديث :
قال النسائي في السُنن (9/248) : (( خَالَفَهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ )) .
وقال أبو نعيم في المسند (1/200) : (( صَحِيح )) .
وقال ابن عمار الشهيد في علل الجارودي (1|42): «وليس هذا الحديث عندنا بالصحيح، لأن جرير بن عبد الحميد وسليمان التميمي روياه عن مغيرة عن إبراهيم، ولم يذكرا علقمة ولا ابن مسعود. وسعير ليس هو ممن يحتج به، لأنه أخطأ حديث مع قلة ما أسند من الأحاديث» ، وأما كلام ابن عمار الشهيد - رحمه الله تعالى - فله فيه نظر لعدةٍ مِنْ الوجوه :
رواية جرير بن عبد الحميد وسليمان بن التيمي عن مغيرة عن إبراهيم " مرسلاً " فلم يذكرا فيه علقمة عن ابن مسعود في الحديث وهو أولى بالحديث مِنْ رواية سعير بن الخُمس كونهما أوثقُ مِنْهُ في الرواية وهو قد وصل الحديث .
قال البيهقي في شعب الإيمان (1/302) : (( رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الصَّفَّارِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَثَّامٍ ، قالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَرَوَاهُ جَرِيرٌ ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ ، وَأَبُو عَوَانَةَ ، جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، مُرْسَلا وَهُوَ فِيمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْحَافِظِ )) أهـ ، فيتضحُ أنهُ قد تابع جرير بن عبد الحميد وسليمان التيمي على إرسال الحديث " أبو عوانة وهو - اليشكري " و جعفر الرازي فرواهُ عن المغيرة عن إبراهيم مُرسلاً .
ويرجحُ خطأ مَنْ وصل الحديث ما أخرجهُ النسائي في سننه الكُبرى وهي رواية حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم " مرسلاً " وليست من رواية المغيرة بن مقسم والتي رويت من طريقه " مرسلاً " فيترجح كلام ابن عمار - رحمه الله - ولسنا نُنكر إنتقاد الأئمة لحديث مُسلم وقد تبين ترجيح رواية الإرسال على الموصول والتي يظهر فيها خطأ من وصلها .
الإعتذار لإمام المُحدثين مسلم بن الحجاج النيسابوري رحمه الله تعالى إخراج حديث سعير بن الخمس .
ولا أجدُ في إخراج الإمام مسلم رحمه الله تعالى حديث سعيد بن الخمس في الصحيح " موصولاً " حرجاً إذ أنهُ أخرج حديثهُ في الشواهد والمتابعات إذ إبتدأ بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهُ وقد يكونُ إخراجُ الإمام مُسلم للحديث في الشواهد والمتابعات في الصحيح لبعض الأمور :
1) لتقوية الأصل ، بالرغم أن الأصل قد لا يحتاج الى تقويتها .
2) قد يؤخر الرواية لبيان ما فيه من العلل ، خاصة الأحاديث التي تلي الأصل وتخالفها اما في المتن أو الاسناد ، مثل حديث : "عصفور من عصافير الجنة" .
3) وقد يؤخر الرواية لكونها أقل صحة من الأصل كأن تكون حسنة أو غيرها .
4) وقد لا يكون لهذه الأسباب المسبقة أبدا ...
5) وقد تكون صحيحة مثل الأصل وانما ذكرها لبيان تعدد مخارجه ، وتعدد صحابيه .
بل الصحيحُ عندي أن مسلم رحمهُ الله تعالى يخرجُ الحديث الصحيح في أول الباب ، ثم يخرجُ شواهدَ قريبةً بالإسناد من الحديث الأول هي أقل قوةً من الحديث الأصل فالشاهدُ قد يكونُ صحيحاً وقد يكونُ في رواتهِ من هو خفيفُ ضبطِ ، وقد يكونُ الإمام مسلم رحمه الله تعالى لم يطلع على الرواية المرسلة وشهرة رواية سعير بن الخمس في كتب أهل الإسلام وويشهد لذلك قول الإمام البيهقي رحمه الله تعالى في شعب الإيمان ، وفيه إشارة إلي كونه لم يكن يعرف لا هو ولا الحاكم أبي عبد الله بالروايات المرسلة فأخرج في شعبه رواية سعير وهذا إن لم يكن الإمام مسلم على معرفةٍ بها لكونها عزيزةً .
إلا أن يكون الإمام مسلم قد علم بالمرسل من الروايات إلا أنهُ لم يرى أنها تقدح في صحة الموصول من حديث سعير بن الخمس ، لقوله في مقدمة الصحيح : (( فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم، على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا دونهم فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم كعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي سليم، وأضرابهم من حمال الآثار ونقال الأخبار )) وبالنظر إلي ترجمةِ سعير بن الخمس يتضح أنهُ عند الإمام مسلم قد بلغ منزلة من ذكرهم في مقدمة الصحيح ، وفي ترجمة سعير بن الخمس عند الأئمة :
قال يحي بن معين –كما في رواية الدارمي (ص118)-: "ثقة".
وقال البخاري كما علل الترمذي (ص316): "..وسعير بن الخمس كان قليل الحديث، ويروون عنه مناكير".
وقال البخاري عن علي بن المديني –كما في تهذيب التهذيب (11/131)-: "له نحو عشرة أحاديث".
وقال ابن سعد في الطبقات الكبرى (6/386): "سعير بن الخمس من بني عمرو بن سعد ابن زيد مناة بن تميم، وكان رجلا شريفا يجتمع إليه أصحابه، وكان صاحب سنة وجماعة، وكانت عنده أحاديث".
وقال أبو حاتم الرازي –كما في الجرح والتعديل (4/323)-: "صالح الحديث يكتب حديثه، ولا يحتج به".
قال الترمذي في الجامع (رقم2609): "وسعير ثقة عند أهل الحديث".
وقال الفسوي في المعرفة والتاريخ "..وهو كوفي ثقة، وله ابن بقال له قطن لا يسوى حديثه شيئا"
وقال ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار (ص167): "سعير بن الخمس، والد مالك بن سعير، من متقني أهل
الكوفة.."، وذكره في الثقات (4/436).
وقال الدارقطني –كما قي تهذيب التهذيب (4/93)-: "ثقة".
وقال أبو الفضل بن عمار الشهيد في العلل الواردة في صحيح مسلم (ص44): "وسعير ليس هو ممن يحتج به لأنه أخطأ في غير حديث مع قلة ما أسند من الأحاديث".قال الحافظ في التقريب (ص243): "صدوق".
وعليه فيكون سعير بن الخمس عند الإمام مسلم " حسن الحديث " ولذلك أوردهُ بعد حديث أبي هريرة في الصحيح .
إعتبار مُسلم برواية سعير بن الخمس كونهُ لم يعلهُ أحدٌ من الأئمة وتفرد بتعليله الإمام ابن عمار الشهيد في أحاديثه المعللة في الصحيحين فلا هو مأثورٌ عن من قبله إعلالهُ ولا عمن أتى من بعده إعلالُ الحديث . والله أعلم .
مناقشة قول الإمام النسائي - رحمه الله تعالى - حول رواية حماد في السنن .
[ أولاً ] قال الشيخ سعيد فيما أذكر : (( نعم قد يفهم بعضهم من النسائي أنه يرجح الرواية المرسلة، إلا الواقع لا يسعف هذا الفهم، وبيان ذلك أن النسائي ذكر حديث الوسوسة مسندا من طريقي أبي هريرة وابن مسعود ثم ذكره مرسلاً من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن المغيرة عن إبراهيم، مُصَدِّراً روايته المرسلة بقوله المتقدم، ثم قال بعدها: "خالفه إسحاق بن يوسف" يعني الأزرق ثم أورد رواية إسحاق الأزرق المشار إليها عن سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ثم قال: "ما علمت أن أحدا تابع إسحاق على هذه الرواية والصحيح ما رواه عبد الرحمن" فقول النسائي هذا إنما هو في تعيين الصحيح من الروايتين عن سفيان الثوري، هل هي رواية ابن الأزرق أم رواية ابن مهدي، ولا علاقة له بترجيح المرسل أو المتصل، ولذلك جعل المخالفة عند كلامه على المتصل والمرسل بين المغيرة وحماد، ولم يجزم بالصواب من الروايتين )) أهـ .
أيضاً ويشهدُ للإمام مُسلم رحمه الله تعالى إخراج رواية سعير بن الخمس حديث الوسوسة رواية محمد بن عبد الوهاب الفراء قال (( سمعت علي بن عثام يقول أتيت سعير بن الخمس أسأله عن حديث الوسوسة فلم يحدثني، فأدبرت أبكي، ثم لقيني فقال: تعال حدثنا مغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: "سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد الشيء لو خر من السماء فتخطفه الطير كان أحب إليه من أن يتكلم قال ذاك صريح الإيمان )) قال الشيخ سعيد : (( فهذه الرواية، وهي رواية محمد بن عبد الوهاب لهذا الحديث عن علي بن عثام تدل على أن الحديث كان معروفاً عن سعير، ولذلك طلبه منه علي بن عثام، وتدل على أنه من المستبعد أن يخطئ فيه سعير، لأنه إنما رواه لابن عثام بعد اهتمام واستشعار بالأهمية، لكون ابن عثام طلبه منه فامتنع، فلما رأى حرصه حدثه به، ومن المستبعد أن يحدث بما امتنع منه بسبب ما رآه من حرص المتلقي على سماعه، ويكون غير ضابط له )) أهـ .
وقد ثبت أن سعير بن الخمس ثقة كما تقدم وقد وثقهُ غير واحدٍ مِنْ أهل العلم ، وعليه فإنهُ لا يبعد من تلك الإعتبارات الواردة في توثيقه من دلالة على قبول زيادة سعير بن الخمس في الحديث وروايتهُ لهُ ، ومما يؤيدُ أن سعير بن الخمس قد حفظ الرواية ما رواهُ أبو عوانة عن مغيرة عن إبراهيم ومثل هذه المتابعة معتبرة عند أهل العلم في الجزء الذي حصلت فيه المتابعة ، وعليه فإن رواية أبي عوانة دليل على أن ذكر عبد الله بن مسعود في الإسناد لا يبعد أن يكون محفوظاً، فلم يبق إلا ذكر علقمة، هذا على اعتبار أن الروايات المرسلة ثابتة، والأمر ليس متيقناً.
قلتُ وبهِ يتضحُ ان الإمام مُسلم مصيبٌ بإخراجهِ لحديث سعير بن الخمس ، وأنهُ على كون كلام ابن عمار ظاهراً منهُ انهُ اخطأ في رواية الحديث إلا أن التحقيق خلاف ذلك على تفرد ابن عمار - رحمه الله تعالى - في الإعلال وعدم كون أحدٍ من الأئمة قد أعل الحديث وأن الإمام مُسلم أصاب في إخراج حديثهِ وما ذكرنا السبب في إخراجه للشواهد إلا لكون الإمام مسلم في الصحيح قد يكون أخرجها صحيحة وإنما لبيان تعدد مخرج الحديث من غير واحدٍ من الصحابة ، أو أنهُ أخرج الصحيح في الأصل وكونه أخرج الشاهد بإسنادٍ حسنٍ على تقويةً للأصل ، أو أنهُ قد يكون أخرجهُ لبيانِ علةٍ فيه إلا أن سعير بن الخمس عند الإمام مسلم كما ذكر في المقدمة على المرتبة الثانية في الحديث ، فيعتذر للإمام مسلم إخراجهُ حديث الوسوسة عنهُ في الصحيح ، وإن كان ظاهر كلام النسائي الإعلال وهذا ما قد يفهم إلا أننا لا ننكرهُ ولكنْ الصحيح أنهُ دلالةٌ على التصحيح لحديث سعر بن الخمس ، وليس إعلالاً لهُ ، وبه يكون مُسلم مُصيباً بإخراجه لهُ . والله أعلم .
كتبهُ ابو زُرعة الرازي
غفر الله تعالى له ولوالديه حفظ والدته وأطال عمرها