مجالات الاستثمار في البنوك الإسلامية
بقلم: فضيلة الشيخ الدكتور علي السالوس

الحمد لله نحمده سبحانه وتعالى، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.




أما بعد: فحديث اليوم موضوع هام يشغل أذهان الكثير من المسلمين: كيف تقوم المصارف الإسلامية باستثمار أموال المسلمين؟
سؤال يرد كثيرًا؛ لأننا عرفنا أن البنوك الربوية نشأت يهودية ربوية، ثم دخلت بلادنا وقت الاستعمار بطبيعتها اليهودية الربوية، وما كان لنا من حول ولا قوة، فما كنا نستطيع أن نقول هذا حلال وهذا حرام، ومن قال بأن هذا حرام لم يُسمع صوته.



نذكر على سبيل المثال فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم رحمه الله، الذي تولى مشيخة الأزهر مرتين قبل الشيخ شلتوت رحمه الله، وتولى الإفتاء عشرين عامًا، وله آلاف الفتاوى، عندما سئل عن بنك التسليف، وبنك التسليف في مصر إنما أنشئ أساسًا لمعاونة الفلاحين، يسلف الفلاحين لمساعدتهم في الزراعة، وعندما سئل عن هذا قال بأن هذا حرام؛ لأنه دراهم بفائدة، والدراهم بفائدة حرام، وإن كانت الدولة تأخذ فائدة قليلة، ولكنه يعرف حديث رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بأنه لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقال: "هم سواء"؛ الآخذ والمعطي سواء، وسواء كان هذا كثيرًا أم قليلًا، إلا أن مثل هذا التحريم كان له أثره في توجيه الرأي العام إلى أن هذا حرام، فلتفكروا في الحلال إذًا.


ما كان هناك بديل، ثم وجدنا خطوة هامة سنة 1382هـ، 1962م، خطوة في مدينة تسمى مدينة ميت غمر، تجربة لبنوك ادخار تقوم على أساس النشاط الإسلامي، ويمكن أن نتصور كيف أن بنكًا واحدًا يقوم على أساس إسلامي، وكل العالم يقوم على أساس ربوي، والذي حدث أنه نتج عن أعماله نجاح غير متوقع، ومن هنا كانت الحرب.


كان معنى هذا: الحكم بالفشل على كل البنوك القائمة، فحورب بنك الادخار بميت غمر، وحُول إلى بنك ربوي، شيء مزعج!.
ثم كانت الخطوة الرائدة في مجال الفكر الإسلامي في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية، الذي اشترك فيه خمس وثلاثون دولة إسلامية، يمثلها عدد من أكبر علمائها، هؤلاء جميعًا أجمعوا على أن فوائد البنوك من الربا المحرم، ودعوا أهل الاختصاص إلى التفكير في إنشاء بديل إسلامي.



وكان لهذه الدعوة الأثر الكبير؛ عندما بدأ المسلمون ينظرون إلى أنفسهم، ويحاولون أن يتخلصوا من الاستعمار السياسي، ثم بدأوا يتجهون إلى التخلص من الاستعمار الاقتصادي.
ووجدنا أن مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية، المؤتمر الأول، يدعو إلى البحث عن نظام اقتصادي إسلامي، ووجدنا المؤتمر الثاني يبدأ بخطوة عملية، هي وضع نظام لإنشاء البديل الإسلامي، وكان من نتيجة هذا أن أنشئ بنك التنمية الإسلامي في جدة، واشترك فيه آنذاك ست وعشرون دولة إسلامية، ثم ارتفع العدد بعد هذا إلى خمس وأربعين.
ووجدنا قبل إنشاء هذا البنك بأشهر قليلة إنشاء بنك دبي الإسلامي، ثم تتابع إنشاء بنوك إسلامية كثيرة، والعدد الآن يقرب من المائة في أنحاء العالم الإسلامي وغير الإسلامي؛ لأن هناك بنوكًا إسلامية في دول غير إسلامية.






والسؤال هنا هو: هذه البنوك الإسلامية؛ كيف تستطيع أن تستثمر أموال المسلمين بطريقة إسلامية؟
الأساس الذي انبنى عليه البنك الإسلامي هو شركة المضاربة الإسلامية، بأن يأخذ أموال المسلمين كمضارب أو كعامل، ثم يتاجر أو يصنع أو يزرع أو يعمل أي عمل يقرُّه الإسلام، وناتج الربح يقسم بين البنك وبين المودعين بنسبة متفق عليها.



وفي توجيه الاستثمار بدأوا ينظرون إلى أعمال البنوك الربوية؛ لأنهم يريدون أن يدعوا المسلمين إلى ترك التعامل مع البنوك الربوية، وإلى التعامل مع البنوك الإسلامية، وهذا يصبح فرضًا على المسلمين، فنظروا هنا إلى المعاملات التي تقوم بها البنوك الربوية، لماذا يلجأ المسلم إلى بنك ربوي؟ إنه يلجأ إليها لفتح اعتماد مثلًا، وتسأله: لماذا تفتح اعتمادًا هناك يا أخي المسلم؟ فيقول: أنا أريد فتح اعتماد لأنني أريد أن اشتري بضاعة وسلع كذا، وأتاجر في عمل كذا، وليس معي النقود الكافية، وإنما هذه العملية تتكلف مليون ريال، وليس معي إلا خمسمائة ألف، فيقول البنك الإسلامي له: نعم، يمكن أن نفتح لك اعتمادًا، ولكن ليس كالبنك الربوي، فتح الاعتماد في البنك الربوي يعني أن تقترض بفائدة، ولكنه يختلف عن القرض العادي بأن الفائدة فيه تبدأ من وقت الاقتراض، ولفتح الاعتماد عمولة.


البنك الإسلامي في هذه الحالة ينظر إلى المشروع ويدرسه، فإذا وجد أن هذا المشروع مما يطمئن إليه، وأنه يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، يقول لهذا المسلم: أنا أدخل معك شريكًا، أنت تريد فتح اعتماد بخمسائة ألف ومعك خمسمائة ألف، المبلغ الذي معك أدفع مثله، ونشتري ما تريده من الأشياء، أو نفتح به هذا المصنع، أو نبني به هذا البيت، أو المشروع الذي تريده، وبعد أن يدرس المصرف الإسلامي المشروع ويطمئن له وللعميل يدخل معه شريكًا، ثم يبدأ العمل.


فلو اشترى أشياء وبيعت وربحت يقسم الربح بين الاثنين، ولو خسرت فإن الخسارة تقسم بين الاثنين، المغرم بالمغنم، وهكذا.
ثم نفرض أن هذه ليست بضاعة اشتريت وبيعت، وإنما هو يريد أن يبني بيتًا، ثم هو يريد أن يأخذ من البنك الربوي قرضًا ليبني البيت، ويريد القرض بفائدة؛ لأنه لا يريد شريكًا معه في البيت، هنا يدخل معه أيضًا المصرف الإسلامي؛ ولكن ليس كإقراض بالربا، إنما يدخل معه كالآتي:





الأرض هذه قيمتها كذا، والمبنى ما قيمته؟ قيمته كذا، أيضًا يدخل شريكًا مؤقتًا في شركة مؤقتة تنتهي بالتمليك، كيف ذلك؟
أنت دفعت قيمة الأرض، وأنا كمصرف إسلامي دفعت قيمة المبنى؛ فأصبح لي مثلًا (50%) وأنت لك (50%)، فلنجعل هذه أسهمًا، والبيت يؤجر؛ ليكون لي نصف الإيجار ولك نصف الإيجار، آخذ نصف الإيجار، ونصف الإيجار الذي لك، هل تستغني عنه بالكامل؟ يقول له: نعم، عندي الأرض فلا أريد الإيجار، فيقول المصرف: آخذ الجزء الآخر ثمنًا لجزء من العقار.
ما قيمة المبنى مع الأرض؟ قيمة المبنى مع الأرض، مثلًا، مليونان، وأنا أخذت جزءًا من الإيجار، هذا الجزء يعادل (5%) من المبنى والأرض، أنا أخذت إيجاري، وهو النصف، وأخذت خمسة في المائة؛ فأصبح لك الآن بعد أن أخذت إيجار العام الأول (55%) ولي (45%).
إذًا، أنا في العام القادم لي في الإيجار (45%)، وأنت لك في الإيجار (55%)، نبدأ في العام التالي: آخذ الإيجار كله أيضًا؛ فيصبح لك أنت أكثر من العام الأول، مثلًا، (63%) وأنا لي (37%)، في العام التالي أصبح لك (70%) وأنا لي (20%)، فآخذ إيجارا (20%) ثم أخذت أنت ما يقابل إيجار (80%)، فهذا يعادل، مثلًا، (10%) من الأرض والمبنى، العام الرابع أو الخامس، أصبح لك المبنى كله مع الأرض، شركة منتهية بالتمليك، وأنا الآن، كبنك إسلامي، استخدمت المال هذا في البناء، وأخذت ما يعادل نصيبي في الإيجار، ونصيبك أخذته أيضًا، ولكن ليس كفائدة قرض، وإنما كبيع جزء من الأرض والمبنى؛ لأن البيت أصبح ملكًا لنا معًا، بعد أن صرنا شركاء فيه.



أحيانًا يقول له: أنا أريد جزءًا من الإيجار، ولا أستغني عن كل الإيجار؛ فيقول المصرف: لا مانع، يمكن أن تأخذ جزءًا من الإيجار، والجزء الباقي أيضًا آخذه مقابل جزء من الثمن، وبدلًا من أن تنفضّ الشركة وتنتهي بعد خمس سنوات، مثلًا، فإنها تنتهي بعد عشر سنوات، وهكذا.





نقطة أخرى: أنه قد يريد المبلغ ولا يريد المشاركة، لماذا؟
لأنه مثلًا، بنى البيت فعلًا، ولكن ينقصه أشياء: تشطيبات معينة تحتاج إلى أعمال نجارة وسباكة؛ فهو لا يريد شريكًا في البيت، أو إن هذا البيت سوف يسكنه فلا يريد شريكًا فيه، فهل هناك من حل إسلامي؟
نعم هناك، وهو حل يجب أن يفهمه؛ لأنه ثار حوله كثير من التساؤلات، وغفل كثير من المسلمين عن الفرق بينه وبين الربا، هذا ما يسمى ببيع المرابحة.
نريد أن نفهم المراد ببيع المرابحة؛ لأن بيع المرابحة يأتي في المرابحات الداخلية التي قامت بدلًا من فتح الاعتماد، وفي المرابحات الخارجية عند طلب فتح اعتماد مستندي، فما معنى بيوع المرابحة؟




بيوع المرابحة تحدد حكمها في ضوء الفتوى التي أصدرها المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي، الذي عقد سنة 1403هـ (1983م) ما هذه الفتوى؟


أفتى المؤتمر أنه يجوز للمصرف الإسلامي أن يبيع السلعة مرابحةً بعد أن يتملكها ويحوزها، ويقع عليه تبعة الهلاك قبل التسليم، وضمان الرد بالعيب الخفي بعد التسليم.
نضرب مثلًا: المصرف اشترى سلعة من هنا أو من الخارج، وطلب أحدهم أن يشتريها مرابحة، وتم عقد وعد بيع المرابحة، ودفع العربون، وفي الطريق ضاعت السلعة أو هلكت، فمن المسئول عنها؟
المصرف الإسلامي هو المسئول؛ لأنه وإن كان تملكها (لأنه اشتراها) إلا أنه لم يحزها، فلا يستطيع أن يبيعها، ولذلك فإنها إذا ضاعت أو تلفت أو هلكت فإن المصرف هو الذي يتحملها، ولو وصلت إلى الميناء وليس عنده مخازن تكون السلعة موجودة، وليس المستندات فحسب، وإنما المستندات تكون قد وصلت من قبل، والسلعة وصلت أيضًا إلى الميناء، فيأتي الواعد للشراء قائلًا: السلعة وصلت، وأنت وعدت بالشراء، فحان الآن تنفيذ الوعد؛ فتأتي لتشتري السلعة.
إذًا، هو يبيع الآن بعد أن ملك وحاز، ولنفرض أن هذه السلعة، مثلًا، حديد للبناء، والمشتري أخذ الحديد، وجاء للبناء فظهر أن الحديد ليس بالمواصفات المتفق عليها، إن الصفقة بالكامل في هذه الحالة ترد للمصرف، والمشتري يأخذ ما دفعه كاملًا.





ولو فرضنا أن هذه السلعة آلات وأجهزة، ثم ظهر فيها عيب خفي؟
إن نص الفتوى على أنه يتعهد بضمان الرد؛ أي: رد السلعة بالعيب الخفي، وإذا كان هذا العيب الخفي يمكن إصلاحه؛ فعلى المصرف أن يتحمل نفقات الإصلاح.
وإذا كان هذا العيب الخفي جوهريًّا لا يمكن إصلاحه؛ فإن السلعة تُرد للمصرف ويتحمل ثمنها بالكامل؛ ففي المرابحة تملك وحيازة وضمان للرد بالعيب الخفي.



يأتي أحد هنا ويقول: المصرف اشترى السلعة بمليون، وباعها بمليون وخمسين ألفًا، فما الفرق بينه وبين البنك الربوي الذي فتحنا عنده اعتمادًا مستنديًا، أو اعتمادًا بمليون وأخذ فوائد خمسين ألفًا؟ ما الفرق بين الاثنين؟


الفرق واضح جدًّا، ونضرب مثلًا بشيء عملي حدث هنا في قطر، وكان على سفينة واحدة، والبضاعة لرجل واحد، ولكنها كانت نتيجة اعتمادين مستنديين، أحد الاعتمادين لمصرف إسلامي، والاعتماد الآخر لبنك ربوي، ماذا حدث؟ المسلم هذا ذهب إلى المصرف الإسلامي، وقال له: أنا أريد استيراد كذا؛ فقال له: أنت معك الثمن؟ قال: ليس معي الثمن؛ فقال المصرف: إذن أشتري، ثم أبيع لك مرابحة؛ السلعة كذا، ومواصفات السلعة كذا، وسأستوردها، ثم أبيعها لك.






وكان العميل يريد كمية كبيرة، ولظروف قدرها المصرف رأى ألا يوافق إلا على شراء نصفها فقط، فذهب لبنك ربوي، وقال له: أريد استيراد سلعة كذا؛ فقال: لا مانع، أفتح لك اعتمادًا مستنديًا بمبلغ كذا، وحسب عمولة فتح الاعتماد المستندي، والمبلغ الذي يدفع بفائدة ربوية تبعًا للقرض، رأس المال والقرض، ثم لا شأن له بالبضائع، وإنما يأتيه بالمستندات فقط.
اشترى كل من المصرفين البضائع المطلوبة، وشاء الله تعالى أن يتم شحنها على سفينة واحدة، وعندما وصلت هذه السفينة إلى مدينة بورسعيد لأمر ما، تم الحجز على السفينة والبضائع.







التاجر هنا سمع بهذا، ذهب إلى المصرف الإسلامي وقال: البضائع حجزت في مدينة كذا، قال له المصرف: وما شأنك أنت؟ أنت تملك السلعة عندما نبيعها لك، هل بعناها لك؟ هي الآن ملك لنا، إذا تم الحجز هنا وضاعت السلعة فلا شيء عليك إطلاقًا، أنت لا تتحمل أي شيء، وإنما المصرف هو الذي يتحمل الثمن بالكامل؛ لأنه هو صاحب هذه السلعة، معنى هذا أن التاجر لا يفكر في جزء معين من البضائع، أصبح لا يفكر فيه، المصرف هو الذي يتصل بالدول ويتصل بشركات أخرى ويحاول أن يأتي بها، فإن لم يأت فالخسائر عليه هو.
ذهب للبنك الربوي فقال له البنك: وما شأننا نحن بهذا؟! أنت تتعامل معنا في فتح اعتماد مستندي، تريد قرضًا بفائدة، ونحن ملزمون بالمستندات، تفضل، هذه مستنداتك، خذها، والبضائع هذه ثمنها كذا، دفعت يوم كذا، إذًا أصبح عليك دين من يوم كذا بفائدة كذا، فعليك أن تدفع، وإلا كلما تأجل كلما زادت الفائدة.






بعد مدة، وبمحاولات واتصالات، أمكن أن يفرج عن البضائع، وأن تشحن من جديد، وأن تأتي، بعد هذا عندما وصلت كان المتفق عليه أن البضاعة هذه ثمنها كذا وربحها كذا، فظهر بعد إعادة الشحن من جديد والتأخير هذا أصبح المكسب المتفق عليه أقل من الثمن المدفوع، يعني، مثلًا: بضاعة بمليون والأرباح خمسون ألفًا، تكلفت أكثر من الخمسين ألفًا، ماذا يعمل المصرف الإسلامي؟ يتحمل الخسارة، ولذلك باعه كما اتفق، وأصبحت هذه السلعة التي أخذها التاجر كاملة بالثمن الذي اتفق عليه، والربح الذي اتفق عليه، وخرج المصرف الإسلامي من هذا خاسرًا من الناحية المادية، ولكنه كسب كثيرًا، حيث شاء الله عز وجل أن يتم هذا الحدث على باخرة واحدة، لتاجر واحد، في دولة واحدة، لبنكين مختلفين، فأصبح ظاهرًا أمام المسلمين الفرق بين النشاط الإسلامي وبين النشاط الربوي، وأصبح واضحًا أن بيوع المرابحة لا تعني الإقراض بأجل، وإنما بيع المرابحة قد يربح به المصرف الإسلامي؛ لأن المودعين أودعوا للربح، وأيضًا قد يخسر أكثر من الربح؛ بل قد يخسر الصفقة كاملة.





فلهذا الذي يتساءل: المصرف الإسلامي اشتراها بمليون، لماذا يبيعها بمليون وخمسين ألفًا؟ نقول: نعم، أنت عندما أودعت أموالك في المصرف الإسلامي، أودعتها لماذا؟ أودعتها للاستثمار أم لأعمال خيرية بدون مقابل؟ ألا تنتظر ربحًا لأموالك المودعة بالمصرف الإسلامي؟
قد نجد من يأتي ويقول: لماذا نطلب قروضًا من المصرف الإسلامي فلا يقرضنا؟ ويشتري الأشياء ويبيعها أكثر مما يشتريها؟
ونقول: انظر أولًا هنا: من الذي أودع أمواله في هذا المصرف؟ المسلمون الذين أودعوا أموالهم.



وماذا أرادوا من هذا الإيداع؟ هل قالوا للمصرف: خذ هذه الأموال وأقرضها لله؟ هل قالوا للمصرف اشتر وبع لله بدون مقابل؟ أم اشتر وبع بيعًا حلالًا واستثمر استثمارًا حلالًا؟
إن المصرف إذا لم يفعل هذا ولم يكسب، فمعناه أنه يقول للمودعين: ما كسبنا شيئًا؛ بل خسرنا إيجار المبنى ورواتب الموظفين، وهكذا.
لعل ما سبق يوضح الفرق بين بيع المرابحة والقرض الربوي.
تتجه المصارف الإسلامية إلى بيع المرابحة في حالة ما إذا كان العميل لا يملك ثمن البضاعة، فإذا اطمأنت إلى مركزه، ووجدت الضمانات الكافية إذا باعت، هنا تأتي إلى بيوع المرابحة، على أساس أنها تشتري وتحوز بعد أن ملكت، ثم بعد هذا تبيع.





ولو أن مصرفًا باع قبل الملك أو قبل الحيازة فتصرفه غير إسلامي.
قد يحدث هذا من بعض المصارف، قد يحدث نعم، هناك حالات بيوع في مصارف إسلامية تمت دون أن يتم التملك الفعلي والحيازة الفعلية، تم فعلًا، لماذا؟ في الغالب نتيجة خطأ في التطبيق، فمن الذي يقوم بالعمل في المصارف الإسلامية؟ وأين تلقوا دراستهم؟ ومن أين أخذوا علومهم؟ في كليات التجارة، وعلومُها أساسًا مبنية على شرح الجوانب الاقتصادية الربوية، ومعاملات البنوك الربوية، دون ذكر أن هذا ربا، فثقافتهم أساسًا ربوية، فعندما يجيئون إلى مصارف إسلامية، ويأخذون دورات لبيان الفرق بين الربا وما أباح الإسلام، ويعلمون الفرق بين هذا وذاك، فليس معنى هذا أنهم فجأة يستطيعون أن يميزوا بين الحلال والحرام.



وهنا يأتي دور الإدارة الرشيدة للمصارف، والرقابة الشرعية التي تقوم بعملها كما يجب، فالإدارة هنا إذا رأت شيئًا تشك فيه، وعملية جديدة لم يسبق لها أن قامت بمثلها، أو عقدًا جديدًا لم يسبق للمصرف أن تعامل به؛ هنا لابد أن يعرض هذا الأمر، أولًا وقبل كل شيء على الرقابة الشرعية، وعلى الرقابة الشرعية أن تفتي وتقول: الحرام كذا والحلال كذا، يا أيها المصرف، اعمل كذا ولا تعمل كذا.


ولكن هذا ليس وحده هو دور الرقابة الشرعية؛ لأن دور الرقابة الشرعية أيضًا أن تنظر إلى الأعمال التي تمت، وأن تنظر في ملفات كل علمية إذا أمكن، لترى الخطوات التي تمت: هل هذه الخطوات سليمة أم لا؟ فإذا رأيت أن خطوة تمت مخالفة للشرع فهذا يعني الخطأ في التطبيق وليس في المنهج؛ لأننا نحن المسلمين لم ندرَّب أصلًا على أن نتعامل في مصارف إسلامية، ولذلك نظن أن أخطاء التطبيق لابد منها.
إن واجب الرقابة الشرعية أيضًا لا يمنع واجب المتعاملين مع المصارف الإسلامية، فأنت كمسلم عندما تتعامل مع مصرف إسلامي، وأنت تعرف شروط بيع المرابحة، إذا وجدت شيئًا مخلّا بهذا فلتقل: هذا مخل ببيوع المرابحة الإسلامية، كأن يأتي بعض المتعاملين ويقول: عملية كذا لا أطمئن لها، ويشرح كيفية العمل، فيظهر من شرحه وقوع خطأ في التطبيق.



بعض المصارف وضعت خطوات عملية لتجنب أخطاء التطبيق؛ الخطوة الأولى كذا، ابدأ كذا، ثم كذا، ثم كذا، بيوع المرابحة وضع لها عشر خطوات، خطوة تليها خطوة، تليها خطوة، وهكذا حتى يأتي الموظف فيسير تبعًا لهذه الخطوات ما دام لا يستطيع أن يعرف التطبيق تمامًا.


وأكثر من هذا أن مصارف إسلامية فكرت في استحداث شيء آخر، نتيجة أخطاء التطبيق، كأن تجعل هناك ما يسمى بالمدقق الشرعي الداخلي، وهو: موظف في داخل المصرف ملم بالجانبين: العملي والشرعي؛ لينظر في الأعمال.


مثلًا: هذه الخطوات العشر، هل كل عامل يطبق الخطوات العشر أم لا؟ فإن وجد شيئًا لا يطابق، أو شيئًا يرى أنه قد لا يطابق، أو شيئًا لم يفهم هل هو مطابق أو غير مطابق؟ فإنه يسجل هذا، وهو كمدقق شرعي داخلي ثقافته الشرعية محدودة، لكنها أكثر من ثقافة موظف المصرف العادي؛ لذا فإنه يعرض الأمر على الرقابة الشرعية، والمراقب الشرعي أو المستشار الشرعي أو المستشارون الشرعيون كلجنة يقولون: هذا العمل يصح شرعًا أم لا؟






إن هناك فرقًا جوهريًا جدًا بين بيوع المرابحة وبين القروض الربوية التي تقوم بها البنوك الربوية.
وإلى جانب المشاركة والمرابحة يمكن أن نجد حالة تختلف عما سبق: فقد يأتي للمصرف الإسلامي شخص عنده مشروعات معينة، ويستطيع فعلًا أن يقوم بهذه المشروعات، وهي تنفع المجتمع المسلم، وفي نفس الوقت تعود هذه المشروعات بأرباح، فالواجب مراعاة خدمة المجتمع المسلم وتحقيق الأرباح.



خدمة المجتمع: لأن هذا هدف أساس لإنشاء مصارف إسلامية، وتحقيق الأرباح: لأن هذا، أيضًا هدف أساس؛ لأن المودعين يريدون أرباحًا؛ لذلك فإنه إذا اطمأن المصرف إلى هذا المشروع، ووجد أن صاحبه لا يريد شريكًا معه في رأس المال، وإنما هو يريد مالًا يستثمره في هذا الجانب الذي يحقق أرباحًا معينة، وهو لا يريد أن يتملك المشروع، وإنما يريد مبلغًا من المال تبعًا للأرباح التي حققها، فهو لا يملك ما يكون به شريكًا في رأس المال، ولا يريد عقد إجارة، ولا يريد مرابحة، فماذا يعمل المصرف الإسلامي؟ هل من طريقة إسلامية؟
نعم، هناك طريقة إسلامية، وهي أن يدخل المصرف مع هذا كصاحب رأس مال، والعميل كمضارب، انظروا إلى هذه النقطة: قلنا إن المصرف يعتبر مضاربًا أو عاملًا بالنسبة للمودعين، والمودعون هم أصحاب رأس المال!!







المصرف في هذه الحالة أصبح هو صاحب رأس المال، والعميل الذي يتعامل معه أصبح هو العامل أو المضارب! فاتفق المصرف مع هذا العميل على القيام بمشروع كذا، والربح يقسم نصفين.
مثلًا: قام العميل بالمشروع، وانتهى المشروع ومضى، وظهر أنه حقق أرباحًا مقدارها كذا، أخذ العميل النصف، والمصرف أخذ النصف، المصرف أخذ النصف لمن؟ لموظفيه؟ الموظفون يأخذون راتبًا، أخذه لمن؟ للمساهمين؟ المساهمون يمثلون المصرف، أخذه هنا ربحًا يضم للأرباح العامة، بمعنى أن المصرف الإسلامي عندما يأتي في نهاية العام ويحدد الأرباح يدخل ضمن الربح هذا الجزء الذي تحقق، وبذلك يكون له نصيب من هذا الربح كمضارب، والمودعون المستثمرون لهم نصيبهم، كأصحاب رأس المال، فهذه أيضًا صورة من الصور التي تلجأ إليها المصارف الإسلامية لاستثمار أموال المسلمين.

أحيانًا تتوسع المصارف أكثر، ويكون عندها خبرة أكثر، وعندها مخازن وخبراء فنيون في كذا، فهنا يمكن أن تقوم بدورها بنشاط تجاري أو صناعي أو زراعي، ثم ما يتحقق من أرباح يقسم بينهم وبين المستثمرين أصحاب رءوس الأموال.






نذكر هنا على سبيل المثال: أن مؤسسة من المؤسسات الإسلامية التي أنشئت استصلحت خمسمائة ألف فدان في السودان، لو أردنا ألا نلجأ إلى مصرف إسلامي أو شركة إسلامية؛ بل إلى بنوك ربوية لنطلب منها أن نستصلح الأرض؟ إنها لا يمكن أن تقرض بفائدة لاستصلاح الأرض؛ إلا إذا كان عندها ضمانات كافية؛ لأن هذه البنوك الربوية لا شأن لها بالأرض ولا باستصلاحها ولا بزراعتها، وإنما هي، كما عرفنا عند الاقتصاديين، تتاجر في الديون؛ فهي لا تتاجر في أرض ولا في زرع ولا في استصلاح، وإنما هي تتاجر في الديون وفي النقود، فهي تقترض بربا وتُقرِض بربا، إذًا فلو أن بنكًا ربويًا أراد أن يدخل في هذا لدَخَل كمقرض ربوي، ولذلك فإنه لا يدخل في مثل هذه المشروعات.





وننظر إلى الشركة الإسلامية التي قامت بهذا وإلى نتيجة عملها، عندما تأتي في مساحات شاسعة مثل السودان، تصلح خمسمائة ألف فدان، وتزرع خمسمائة ألف فدان، العائد هنا يعود على من؟.
ثم ناحية أخرى اقتصادية بحتة: لنفرض أننا ننظر إلى هذا العمل من الجانب الاقتصادي المجرد، المبلغ الذي دفعناه في استصلاح خمسمائة ألف فدان والزرع الذي نتج من هذا بعد سنوات، قيمة الخمسمائة ألف فدان، هل تبقى كما هي أم ترتفع؟ لا شك أنها ترتفع، المبلغ الذي دفع، لو أنه في بنك ربوي: هل ترتفع القيمة فيه أم تنخفض؟ لا شك أنها تنخفض؛ ولذلك فإن النشاط الإسلامي هو الأنفع اقتصاديًّا، وقد ضربنا مثلًا من قبل بالمدخرات النفطية؛ أي إنه اقتصاديًّا (وليس إسلاميًّا فقط) هو الأنجح والأحسن والأولى لصالح المجتمع، ولصالح الدول، ولصالح الأفراد.



هذه بعض طرق الاستثمار، وهناك طرق أخرى متعددة.
والحمد لله تعالى حمدًا كثيرًا، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.