إن مما أمر الله تبارك وتعالى به في كتابه، ودعا إليه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته: الذِّكر، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب:41]، وقوله تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِكُمْ} [النساء:103]، فالذكر مطلوب من الإنسان بكثرة، وعلى كل حال.

معنى الذكر:



إن الذكر ليس كلمة تقال على اللسان فحسب، وإنما هو معنى يشتمل كافة اهتمامات الإنسان؛ فهو إذا نظر بعينه ذكر الله، وإذا سار بقدمه، وإذا فكر بعقله، وإذا مد يده، وإذا تعامل مع الناس، كل هذه المعاني تحمله على أن يستصحب ذكر الله تبارك وتعالى في كل أثنائها؛ فلا يراه الله حيث نهاه، ولا يفقده الله تعالى حيث أمره.
لعلنا نستشهد على عمومية مفهوم الذكر بهذا الشكل بكثير من آيات القرآن الكريم التي نستوضح منها هذا المعنى، مثلًا: من صفات المتقين في آل عمران، يقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ} [آل عمران:135]؛ فذكر الله تعالى عند وقوع الإنسان في الفاحشة أو تفكيره فيها يحمله على البعد عنها.
نقرأ كذلك قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ والْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَر اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21]؛ فذكر الله تعالى في هذا الموقع لا يراد من ورائه تحريك اللسان بالثناء على الله، وإنما الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره والعمل بهديه، هذا هو الذكر كما نصت الآية.
كذلك نقرأ قول الله تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}[العنكبوت:45]، فإذا كانت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؛ فإن الذكر في هذا المقام ينبغي أن يكون أرفع وأعلى بحيث إذا ذكر الإنسان ربه حمله ذلك على التراجع عن فعل المعصية، وصدق الله: {إنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ }[الأعراف:201].
من هنا نجد القرآن الكريم حين يتحدث عن الغفلة عن الذكر يقول: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطًا} [الكهف:28]؛ فالغفلة هي غفلة القلب، واللسان ما هو إلا مترجم لما يدور في القلب.


من هذا القبيل قال علماؤنا: إن الذكر على سبعة أنحاء:


فذكر العينين البكاء، وذكر اللسان الثناء، وذكر الأذنين الإصغاء، وذكر اليدين العطاء، وذكر البدن الوفاء، وذكر القلب التسليم والرضاء، وذكر الروح الخوف والرجاء.
هذا هو المعنى الذي نستوضحه من خلال الكتاب والسنة، وهو الذي يستوجب رفع الإنسان إلى أعلى مقام، بهذا الشمول الذي يبين أن الذكر ليس حركة لسان فقط، وإنما هو أمر ينتظم كافة الأعضاء.

من لا يملك نصابًا لا يزكي:


علينا إذن أن نفهم من هذا المعنى ما يحملنا على أن نوقر الله تعالى ونحترمه، وأن نقدر الله تعالى حق قدره، وأن ننزل الله تبارك تعالى ما ينبغي من منزلة؛ فلا يرانا الله حيث نهانا، ولا يفقدنا حيث أمرنا، وأولى الناس بذلك الدعاة إلى الله تبارك وتعالى، الذين ينبغي عليهم أن يكونوا متأسين برسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قالت عنه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كان يذكر الله تعالى على كل أحيانه".


فينبغي علينا أن نكون مشغولين دائمًا بذكر الله، وأن نلهج بألسنتنا بذكر الله، وأن تتحرك جوارحنا طاعةً لله، وأن نلتزم بما أمر الله، وأن يكون نصيبنا من هذا فائقًا وزائدًا على نصيب من ندعوهم إلى الله تعالى؛ فإن فاقد الشيء لا يعطيه، ومن لا يملك نصابًا لا يزكي.


نسأل الله تعالى أن يوفقنا لأن نكون من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، وأن يجعلنا ممن يحققون معنى الذكر قولًا وعملًا، إنه نعم المولى ونعم النصير، وصلِّ اللهم وبارك على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم.