276- كتاب الشكوك
حُكِي أنه توفي "لصالح بن عبد القدوس" ولدٌ, فحضر إليه "أبو الهذيل العلاف", ومعه "إبراهيم النظـام", وهوصغير, فوجداه يَتَلَظَّى حُزنا على ولده, فقال له [ أبو الهذيل ]: لا أرى لتَحَرُّقِكَ وجهـا إذ الناس إذ عندك كالنبات, فقال: يا "أبا الهذيل" إنما تَحَرُّقِي لأنه لم يقرأ "كتـاب الشكوك", فقال: وما هذا ؟ , قال: كتاب وضعته, من قرأه شك فيما كان حتى كأنه لم يكن, وفيما لم يكن حتى كأنه كان, فقال له "إبراهيم النظام": فابْنِ أنت على أنه لم يمت وإن كان قد مات, وعلى أنه قرأ الكتاب وإن لم يكن قرأه, فلم يُحِر جوابا
المصدر : [ الغيث المنسجم 1/81 ]
قلت - رحم الله والدي-: نسأل الله أن يحفظ علينا أدياننا, وأن يعافينا من مضلات الأهواء والشبهات, ما ظهر منها وما بطن, وأن يلحقنا بالسلف الصالحين غير مُبدِّلين ولا مُغَيِّرين, آمين
"صالح بن عبد القدوس", ترجم له "ابن خلكان" في "وفياته"[ 2/ 492] فقال: أبو الفضل صالح بن عبد القدوس البصري مولى الأزد، أحد الشعراء، اتهمه "المهدي" بالزندقة, فأمر بحمله، فأحضر، فلما خاطبه أُعْجِبَ بغزارة أدبه وعلمه, وبراعته وحسن بيانه, وكثرة حكمته, فأمر بتخلية سبيله، فلما ولى رَدَّهُ, وقال: ألست القائل:
والشيخ لا يترك أخلاقه ... حتى يوارى في ثرى رمسه
إذا ارعوى عاد إلى جهله ... كذي الضنى عاد إلى نكسه
قال: بلى يا أمير المؤمنين, قال: فأنت لا تترك أخلاقك، ونحن نحكم فيك بحكمك في نفسك، ثم أمر به فقتل وصلب على الجسر
ويقال" أن "المهدي" أبلغ عنه أبياتاً عرض فيها بذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فأحضره "المهدي" وقال له: أنت القائل هذه الأبيات, قال: لا والله يا أمير المؤمنين، ما أشركت بالله طرفة عين، فاتق الله, ولا تسفك جمي على الشبهة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ادرأوا الحدود بالشبهات"، وجعل يتلو عليه القرآن حتى رق له, وأمر بتخليته, فلما ولى قال: أنشدني قصيدتك "السينية"، فأنشده حتى بلغ إلى قوله فيها:
والشيخ لا يترك أخلاقه ... *************
فأمر به حينئذ فقتل, ومن مستحسنات قصائد "صالح" المذكور القصيدة التي أولها:
المرء يجمع والزمان يفرق ... ويظل يرقع والخطوب تمزق
وقال"ياقوت" في"معجمه"[4/ 1445]: له أخبار يطول ذكرها، وأشهر شعره قصيدته "البائية" التي مطلعها:
صرمت حبالك بعد وصلك زينب ... والدّهر فيه تصرّم وتقلّب