(سئل الشيخ صالح آل الشيخ-حفظه الله- في أثناء شرحه للعقيدة الطحاوية :
سؤال:
لُوحظ في الآونة الأخيرة على بعض الشباب الملتزم الأخذ من اللحية تخفيفاً،
فما حكم هذا العمل؟
وما حدود اللحية؟،
وهل يُصَلَّى وراء الإمام الرسمي؟
آمل التكرّم بتفصيل مسألة بدعية الأسابيع المتكررة:
المساجد الشجرة إلى آخره؟

الجواب:
أما حكم الأخذ من اللحية،
فحلق اللحية حرام بالإجماع
نص ابن حزم على تحريم حلق اللحية بالإجماع،
وكذلك غيره،
وعلماء المذاهب الأربعة يختلفون في هذه المسألة من حيث تحريم الحلق أصْلاً.
والذي دَلَّتْ عليه الأدلة الواضحة في السنة بألفاظ مختلفة أنّ إعفاء اللحية مأمور به
قال صلى الله عليه وسلم
«خالفوا المجوس أعفوا اللحى وحفوا الشوارب»
وفي رواية أخرى قال «أرخوا اللحى»،
وفي رواية ثالثة قال «وفّروا اللحى»،
وقال «أكرموا اللحى»،
وهذا يدل على أنَّ هذه الأمور مأمور بها،
وأنَّ حلق اللحية حرام،
وقد روى ابن السعد أيضاً وغيره أنَّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم من المجوس
وكان حالق اللحية
وكان موفّر الشارب جداً
فانصرف عنه صلى الله عليه وسلم
فلما أقبل عليه قال له «من أمرك أن تفعل هذا؟»
فأجابه الرجل،
فقال صلى الله عليه وسلم
«ولكن الله أمرني أن آخذ من هذا» يعني شاربه «وأعفي هذه» يعني اللحية.
إذا تقرر هذا فما هو حد الإعفاء لغةً وشرعاً الذي يحصل به الإعفاء،
وهل معنى الإعفاء أنه لا يجوز أخذ شيء من اللحية،
للعلماء في ذلك أقوال:
- الإمام أحمد وأصحابه ذهبوا إلى أنَّ إعفاء اللحية بتركها على حالها سنّة،
وأنّ الأخذ منها إذا لم يكن إلى حد الحلق فإنه مكروه،
وهذا هو الذي مدوّنٌ في مذاهبهم،
والإمام أحمد كان يأخذ من لحيته كما ذكره إسحاق ابن هانئ في مسائله.
- والقول الثاني وهو المُفْتَى به عند علمائنا وذلك لظاهر الأدلة أنَّ معنى الإعفاء ألا يُؤْخَذَ منها شيء أصلاً بدليل قوله (وفّروا اللحى)، (أكرموا اللحى)، (أرخوا اللحى) وهذه كلها مأمور بها.
لكن ما هو حد الإعفاء هذا؟
الذين قالوا بأنَّ الأخذ من اللحية ليس مخالفاً للإعفاء، قالوا هذا الأمر، أعفوا، أرخوا، خالفه الصحابة بالأخذ بما زاد عن القبضة
فَدَلَّ على أنَّ حد الإعفاء ليس مطلقاً؛
يعني بِأَنَّ من أَخَذَ فقد خالف الأمر بالإعفاء.
ولهذا ذهب جماعة من العلماء منهم الحنفية
ونَصَرَهُ الشيخ ناصر الدين الألباني في هذا الوقت نصراً بالغاً بأنَّ حد اللحية إلى القبضة،
وما زاد على ذلك فلا يُشْرَعْ،
وهذا القول فيه ضعف ظاهر؛
لأنَّ من الصحابة من كان كث اللحية جداً وعظيمها وكانت لحيته تبلغ إلى صدره،
كما ذُكر عن علي رضي الله عنه،
والنبي صلى الله عليه وسلم كان كثَّ اللحية جداً ونحو ذلك مما يدل على أنَّ حد الإعفاء بالقبضة وأنه لا يجوز أن يُعْفِيَ أكثر من القبضة هذا قول يحتاج إلى أدلة واضحة في ذلك.

ولو كان أنَّ الزيادة على القبضة لا تجوز كما ذهب إليه الشيخ ناصر الدين الألباني -حفظه الله- لما خَصَّ الصحابة الأخذ من اللحية مما زاد عن القبضة بالنُّسك، ابن عمر كان إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما زاد عن القبضة أخذه، لو كان مطلق أنه ما يعفي أكثر من القبضة فمعناه أنه لا يُخَصْ بالنسك؛ لأنَّ تخصيصه بالنُّسك هذا يدل على معنى آخر وليس على الإطلاق.
المقصود من ذلك أنَّ العلماء لهم في ذلك أقوال:
القول الأول ما ذكرته لك من المفتى به عند علمائنا وهو أن الإعفاء بأنَّهُ يتركها على حالها، طبعاً إلا في حالة التشويه وهذه حالات نادرة.
والقول الثاني أنَّ الحلق يحرم وأنَّ تركها على حالها مستحب، والأخذ منها مكروه؛ يعني تَرَكَ فيه الأفضل.
والقول الثالث هو أنَّ الزيادة على القبضة لا يجوز؛ بل بدعة وهو قول الشيخ ناصر الدين الألباني، وهو قول ليس له حظ من الدليل.
[.....]
راجعة إلى كلمة (إعفاء) ما حدّه في اللغة؟
الأقرب من حيث النّظر وفعل الصحابة أنّ الإعفاء ما له حد؛
لكن المأمور به أن لا يكون المرء مشابهاً للذين يحلقونها
أو يَقُصُّونَهَا شديداً؛
لأنَّ النووي رحمه الله ذكر خصال إثنا عشرة أو عشر خصال في اللحية مذمومة، ومنها أشياء يُوَافَقُ عليها
ومنها الأخذ منها شديداً وهذا من فعل المجوس
ومنها حلقها،
وهو من المعاصي لكن ليست كبيرة،
حلق اللحية ليس من الكبائر.
نكتفي بهذا القدر،
وتعذورنا على الإجابة على الأسئلة لكن لعل فيها فائدة إن شاء الله تعالى"
وجزى الله من قام بتفريغ المادة خيرا)