بسم الله الرحمن الرحيم آثار المعاصي الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ قال ابن القيم رحمه الله: وللمعاصي من الآثار المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله، فمنها: أنها مدد من الإنسان يمد به عدوه عليه وجيش يقويه به على حربه ومن عقوباتها أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه. ومنها: أنها تجرئ العبد على من لم يكن يجترئ عليه. ومنها: الطبع على القلب إذا تكاثرت حتى يصير صاحب الذنب من الغافلين، كما قال بعض السلف في قوله تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} هو الذنب بعد الذنب، وقال: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب. وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية فإذا زادت غلب الصدأ حتى يصير رانا ثم يغلب حتى يصير طبعا وقفلا وختما فيصير القلب في غشاوة وغلاف.ومنها: إفساد العقل فإن العقل نور والمعصية تطفئ نور العقل.ومنها: أن العبد لا يزال يرتكب الذنوب حتى تهون عليه وتصغر في قلبه.ومنها: أن ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة.ومنها: أن المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضا.ومنها: ظلمة يجدها في قلبه يحس بها كما يحس بظلمة الليل.ومنها: أن المعاصي توهن القلب والبدن أما وهنها للقلب فأمر ظاهر بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية وأما وهنها للبدن فإن المؤمن قوته في قلبه وكلما قوي قلبه قوي بدنه.ومنها: أن المعاصي تمحق بركة العمر إذ أن المعاصي كلها شرور.ومنها: شماتة الأعداء فإن المعاصي كلها أضرار في الدين والدنيا وهذا ما يفرح العدو ويسيء الصديق.ومنها تعسير أموره فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه.ومنها الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير. ومنها حرمان دعوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودعوة الملائكة للذين تابوا ومنها أن الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.شعرا:ألا طوبى لمن أمسى وأضحى ... خفيف الظهر من ثقل الذنوبيغيب عن الأباعد والأداني ... لخلوته بعلام الغيوبآخر:لا تقنطن من عظم الذنوب ... فرب العباد رحيم رؤوفولا تمضين على غير زاد ... فإن الطريق مخوف مخوفومنها: أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن.ومنها: أنها تطفئ من القلب نار الغيرة.ومنها: ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب.ومنها: أنها تضعف في القلب تعظيم الرب وتضعف وقاره في قلب العبد.ومنها: أنها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه.ومنها: أنها تخرج العبد من دائرة الإحسان وتمنعه ثواب المحسنين.ومنها: أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة.ومنها: أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته.ومنها: أنها تعمي بصيرة القلب وتطمس نوره وتسد طرق العلم.ومنها: أنها تصغر النفس وتحقرها وتقمعها عن الخير.ومنها: أن العاصي في أسر شيطانه وسجن شهواته.ومنها: سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وعند خلقه. ومنها: أنهاتوجب القطيعة بين العبد وبين ربه.ومنها: أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف.ومنها: أنها تجعل صاحبها من السفلة. انتهى.تبيت على المعاصي والمساوي ... فأنت بغفلة والله بتايديم عليك إحسانا وفضلا ... وأنت تديم لؤما أين كنتاوبالعصيان تخطر باختيال ... سكرت من الغرور وما صحوتاأفق من غفلة وأنب لرب ... تنل منه السماح إذا أنبتاوتظفر بالقبول وبالأماني ... وفي الدارين بالإسعاد فزتاآخر ... ألا أيها المستطرف الذنب جاهدا ... هو الله لا تخفى عليه السرائرفإن كنت لم تعرفه حين عصيته ... فإن الذي لا يعرف الله كافروإن كنت عن علم ومعرفة به ... عصيت فأنت المستهين المجاهرفأية حاليك اعتقدت فإنه ... عليم بما تطوى عليه الضمائرآخر ... أحذرك أحذرك لا أحذرك واحدة ... عن المعاصي وخص الشرك باللهفإنه أعظم الآثام أجمعها ... وصاحب الشرك أعدى الناس للهومن عقوبات الذنوب أنها: تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، فلا يزال مريضا معلولا لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه.فإن تأثير الذنوب في القلب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب وداؤها، ولا دواء لها إلا تركها.اللهم وفقنا لسلوك مناهج المتقين، وخصنا بالتوفيق المبين، واجعلنا بفضلك من المقربين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.