صفات الرجولة ومعالمها


الفرقان

قال الله -تعالى-: {منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ} (الأحزاب: 23)، وقال -تعالى-: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَوةِ وَإِيتَاء الزَّكَـوةِ يَخَـافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَلأَبْصَـارُ} (النور: 37)، الرجولة صفة يمتن الله بها على من يشاء من خلقه، وينعم بها عليهم، هذه الرجولة لها صفات ولها خصائص لا تكتمل إلا بها، ولا تقوم إلا عليها، هذه الرجولة التي ضاعت مضامينها اليوم، وفقدت أركانها عند الكثيرين، هذه الرجولة نحتاج لنتعرف على صفاتها حتى يعلم الشباب اليوم من الرجل بالمعنى الحقيقي؟
مادة «رجل» تدل بأصل وضعها في اللغة على طائفة كبيرة من المعاني، غير الذكورة المقابلة للأنوثة في بني الإنسان، تقول العرب في المفاضلة بين الاثنين وتفوُّق أحدهما على صاحبه: أرجل الرجلين، وللدلالة على القدرة على التصدي للأحداث: رجل الساعة، وفي ختام المباهاة بالشرف والثناء تقول: هو من رجالات قومه.
وعند ورودها في القرآن تضيف مع دلالتها على النوع معاني أخرى تسمو بالنوع إلى السمو والامتياز، وقد استعمل القرآن {رِجَالاً} وصفًا للمصطفَيْن الأخيار فقال -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ} (يوسف: 109)، والوصف بالرجولة في بعض المواطن تعريفٌ مقصودٌ يُوحي بمقومات هذه الصفة من جرأة على الحق ومناصرة للقائمين عليه، قال -تعالى-: {وَجَاء رَجُلٌ مّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يامُوسَى إِنَّ الْمَلاَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَخْرُجْ إِنّى لَكَ مِنَ النَّـاصِحِينَ} (القصص: 20)، وقال سبحانه: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَـانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّىَ اللَّهُ} (غافر: 28).
الرجولة التي يتطلع لها النبي - صلى الله عليه وسلم
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتطلع إلى الرجولة التي تناصره وتعتز بها دعوته، ويسألها ربه فيقول: «اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك، بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب»، قال الراوي: وكان أحبهما إليه عمر. أخرجه الترمذي.
يتطلع - صلى الله عليه وسلم - إلى معالم الرجولة التي تؤثر في نشر الدعوة وإعزاز الإسلام، كان إسلام عمر -رضي الله عنه- حدثًا كبيرًا، وُجدت رجولته في اللحظة الأولى من إسلامه، فبعد أن كان المسلمون لا يجرؤون على الجهر بدينهم جهروا به، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: «ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر». أخرجه البخاري، فلم تكن رجولة عمر -رضي الله عنه- في قوة بدنه، ولا في فروسيته؛ ففي قريش من هو أقوى منه، ولكن رجولته كانت في إيمانه القوي، ونفسه الكبيرة التي تبعث على التقدير والإكبار.
هاجر الصحابة خفية، أما عمر -رضي الله عنه- فقد تقلد سيفه ومضى إلى الكعبة فطاف وصلى في المقام، وأعلن هجرته على الملأ وقال لهم: «من أراد أن تثكله أمه، ويُيتِّم ولدَه، ويُرمل زوجته، فليتبعني وراء هذا الوادي»، فما تبعه منهم أحد، ويضع عمر -رضي الله عنه- البرامج لتعليم الرجولة فيقول: «علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل، وروُّوهم ما يُجَمِّل من الشِّعر».
عقيدة قوية وتربية صحيحة
الرجولة تُرسَّخ بعقيدة قوية، وتهذَّب بتربية صحيحة، وتنمَّى بقدوة حسنة، فميزان الرجال في شريعة الإسلام من كانت أعماله فاضلة، وأخلاقه حسنة، مرَّ رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «ما تقولون في هذا؟!»، قالوا: حري إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يشفَّع، وإن قال أن يُستمع، قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: «ما تقولون في هذا؟!»، قالوا: حري إن خطب أن لا يُنكح، وإن شفع أن لا يشفَّع، وإن قال أن لا يستمع، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هذا خير من ملء الأرض مثل هذا». أخرجه البخاري.
الرجال لا يقاسون بضخامة أجسامهم
والرجال لا يقاسون بضخامة أجسادهم، وبهاء صورهم، فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن مسعود، فصعد على شجرة، أمره أن يأتيه منها بشيء، فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله بن مسعود حين صعد الشجرة، فضحكوا من حموشة ساقيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مم تضحكون؟! لرِجل عبدالله أثقل في الميزان يوم القيامة من أُحُد». أخرجه أحمد.
الرجولة الحقة
الرجولة الحقة رأيٌ سديد، وكلمة طيبة، ومروءة وشهامة، وتعاون وتضامن، الرجولة تحمل المسؤولية في الذب عن التوحيد والنصح في الله، قال -تعالى-: {وَجَاء رَجُلٌ مّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يامُوسَى إِنَّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَخْرُجْ إِنّى لَكَ مِنَ النَّـاصِحِينَ} (القصص: 20)، والرجولة الحقة قوة في القول، وصدع بالحق، وتحذير من المخالفة من أمر الله مع حرص وفطنة، قال -تعالى-: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَـانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبّىَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُمْ بِلْبَيّنَـاتِ مِن رَّبّكُمْ} (غافر: 28).
استعلاء على المغريات
الرجولة الحقة صمود أمام الملهيات، واستعلاء على المغريات حذرًا من يوم عصيب، قال -تعالى-: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَوةِ وَإِيتَاء الزَّكَـوةِ يَخَـافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَلأَبْصَـارُ} (النور: 37).
دق في العهد ووفاء بالوعد

الرجل الحق يصدق في عهده، ويفي بوعده، ويثبت على الطريق، قال -تعالى-: {منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَـاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً} (الأحزاب: 23)، ليس من الرجال الذين نعنيهم أولئك الذين يعبُّون من الشهوات، أو الغارقون في الملذات، الذين قعدوا عن معاني الغايات، وأعرضوا عن خالق الأرض والسموات، وليسوا أولئك الذين ضخمت أجسادهم وقد خلت من قول الحكمة ألسنتهم، وسداد الرأي عقولهم، هؤلاء الرجال أشباه رجال لا ننشدهم، بل نبغي الذين عناهم القرآن في قوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (الفرقان: 63-67).
ليس من معالم الرجولة الحقة
ليس من معالم الرجولة الحقة أن تكون غاية مراد الشاب شهوة قريبة، ولذة محرمة في ليلة عابثة بلا رقيب ولا حسيب؟! أين هذا من رجل قلبه مُعلق بالمساجد؟! وأين هذا من رجل دعته امرأةٌ ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله؟! وأين هذا من رجل تصدق بصدقة فأخفاها؟! ورجلين تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه؟! أولئك يمقتهم الرحمن، وهؤلاء يدنيهم، ويظلهم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
تربية عقيمة مستوردة
ومما يؤسف عليه أن بعض وسائل التربية العقيمة المستوردة جعلت بعض أبناء المسلمين لا يعرفون تكاليف الرجولة، وإذا عرفوها لا يطيقونها، ولا يقومون كما ينبغي بأعبائها، وهذا نتاج المخطط المدروس الذي يعمل على دمج النساء بالرجال لتعطيل التكاليف الشرعية الخاصة بكل منهما، وليجعل من لباس المرأة والرجل شيئًا واحد، والتشابه في الظاهر يورث التشابه في الباطن. حين تضمر خصائص الرجولة بجناية الرجال أنفسهم يحل بالمجتمع العطب، وبالبيت الضياع، وبالأمة الضعف والهوان، تضيع القوامة، وتضعف الغيرة، فتتسع رقعة الفساد الخلقي، قال -تعالى-: {الرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (النساء: 34).
مفاهيم خطأ في الرجولة
لقد فقدت الرجولة اليوم كثيرًا من معانيها الحقيقية، فترى الناس اليوم يزعمون أنهم رجال، يقوم كل واحد منهم فيقول: أنا رجل، ولكن في الحقيقة عكس ذلك، ومن صور الرجولة الخطأ ما يلي:
إثبات الذات بطرائق خطأ
يسعى بعض الناس إلى تحقيق الرجولة والامتداح بها، ويحذرون من أن يوصموا بنقصها، لذا فأولئك الذين لا يسعفهم رصيدهم من الرجولة يلجئون إلى أساليب ترفع لهم هذا النقص وتسد لهم هذا الخلل، ومن ذلك إثبات الذات، وكثيراً ما يلجأ الشاب المراهق لذلك فيصر على رأيه ويركب رأسه وتغدو مخالفة رأي معلمه أو والده مطلباً بحد ذاته، فلسانه دومًا يردد: ألست رجلاً؟ ألست أدرك مصالح نفسي؟ كيف يكون مصيري بيد الآخرين؟ ويسهم رفاقه وأقرانه في دفعه إلى هذا التصلب مشيدين برجولته ونجاحه معيرين من لا يحالفهم الحظ في الانتصار على السلطة الغاشمة في نظرهم.
القسوة على الأهل
ثمة فئة من الأزواج يدير بيت الزوجية كما تدار المعركة، ويبني صوراً من الأوهام حوله، إن معالم الرجولة لدى هؤلاء استقرت في أن يقول: لا، وأن يرفض إعادة النظر في رأي رآه أو موقف اتخذه، أو يوصد الأبواب أمام الحوار أو الاستماع لشريكة عمره وحياته، إن البيوت لا تبنى إلا على التأني والطمأنينة، ولا تشاد أسوارها إلا بالرحمة الشفقة، لذا امتن الله -تبارك وتعالى- على عباده بهذه المنة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (الروم:21).