ان الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونسنغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، و سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبة وسلم، أما بعد:
فإن مما يحزن القلب، ويضيق بالنفس هو نشاط الروافض الضلال، منجم الجهال، ذاهبي الدين والعقل في بث كلامهم الخبيث في الطعن على أفضل الخلق بعد الانبياء والمرسلين، ألا وهم صحابة سيد الاولين والآخرين، عليه أفضل الصلاة والتسليم. وفي المقابل لهم بث النواصب طعونهم في علي بن أبي طالب وال البيت رضي الله عنهم أجمعين.
فالروافض الانجاس، والنواصب الارجاس، كلاهما في ضلال مبين.
وهاتان الطائفتان ضلوا في حق الصحابة رضي الله عنهم؛ فالرافضة غلوا في موالاة علي بن أبي طالب وال البيت رضي الله عنهم، وكفروا جمهور الصحابة، ظلما وعدوانا.
والنواصب غلوا في موالاة معاوية ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم، وكفروا عليا ومن معه من الصحابة، ظلما وعدوانا.
وأهل السنة والجماعة وسط بين الفريقين، كما انهم وسط بين الامم، فلله الحمد والمنة على ما هداهم اليه.
و يأخذك العجب مأخذه، عندما ترى جرأة فئام من المعاصرين ممن يحسبون زورا وبهتانا على أهل السنة يطعنون في بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم!!
وأعجب منهم ثناء آخرين على أولئك الذين طعنوا في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون التعرض ولو على أقل تقدير للتحذير من أقوالهم المشينة في الصحابة!!
فرأيت ان أُذكّر بفضل الصحابة، مما ورد في القران الكريم، وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والتسليم، وأقوال العلماء في القرون المفضلة، والتحذير من الطعن في أحد منهم، فضلا عن جماعتهم وجمهورهم؛ طاعة لله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحبا ونصرة لصحابته رضوان الله عليهم أجمعين، وعملا بمنهج الأئمة الربانيين أهل السنة والجماعة، وتحذيرا مما يقوله بعض ضلال العصر، ليأخذ المسلم الحذر والحيطة منهم، كائنا من كان، والسلامة من الطعن في أحد من الصحابة لا يعدله شيء.
وسوف يكون الكلام في ثلاثة مباحث مهمة عند أهل السنة والجماعة، وهي: فضل الصحابة عموما، وموقفنا مما جرى بين الصحابة، وحكم الطعن في أحدهم منهم، فضلا عن جماعتهم رضي الله عنهم.
المبحث الأول: فضل الصحابة رضي الله عنهم عموما عند أهل السنة والجماعة.
قال البيهقي: قال الله تبارك وتعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار) فأثنى عليهم ربهم، وأحسن الثناء عليهم، ورفع ذكرهم في التوراة والإنجيل والقران الكريم، ثم وعدهم المغفرة والأجر العظيم، فقال: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) وأخبر في آية أخرى برضاه عنهم ورضاهم عنه، فقال: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) ثم بشرهم بما أعد لهم، فقال: (وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعفو عنهم، والاستغفار لهم، فقال: (فاعف عنهم واستغفر لهم) وأمره بمشاورتهم تطيبا لقلوبهم، وتنبها لمن بعده من الحكام على المشاورة في الأحكام، فقال: (وشاورهم في الأمر) (وإذا عزمت فتوكل على الله) وندب من جاء بعدهم إلى الاستغفار لهم، وأن لا يجعل في قلوبهم غلا للذين آمنوا، فقال: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم).
وأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، وشبههم بالنجوم، ونبه بذلك أمته على الاقتداء بهم في أمور دينهم، كما يهتدون بالنجوم في ظلمات البر والبحر في مصالحهم.
ثم أخرج بإسناده وهو في صحيح مسلم وغيره عن أبي موسى رضي الله عنه قال: صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب، فقلنا: لو انتظرنا حتى نصلي معه العشاء، قال: ففعلنا، فخرج إلينا، فقال: "ما زلتم هاهنا؟ فقلنا نعم يا رسول الله، قلنا نصلي معك العشاء، قال: "أصبتم وأحسنتم" ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: "النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون"
وقال أيضا: وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحواريين والأصحاب الذين ينصرون دينه، ويأخذون بسنته، ويقتدون بأمره. فقال في رواية عبد الله بن مسعود عنه: "ما من نبي بعثه الله عز وجل في أمة إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره"
ثم إنه صلى الله عليه وسلم شهد بكونهم خير أمته، فقال في رواية عبد الله بن مسعود عنه، وفي رواية عائشة، وعمران بن الحصين، وأبي هريرة: "خير الناس قرني"، وفي بعضها: " خير أمتي القرن الذي بعثت فيه". وقال في رواية عمر بن الخطاب: "أكرموا أصحابي، فإنهم خياركم"، وفي رواية أخرى: "احفظوني في أصحابي".
وأمر فيما روي عنه بمحبتهم، ونهى عن سبهم، وأخبر أمته بأن أحدا منهم لا يدرك محلهم، ولا يبلغ درجتهم، وأن الله تعالى عفر لهم اهـ الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد ص437ـ441
قال الله عز وجل: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم و أموالهم يبتغون فضلا من الله و رضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون، والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان به خصاصه ومن يقى شح نفسه فأولئك هم المفلحون، والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم)
قال القرطبي: هذه الأية دليل على وجوب محبة الصحابة؛ لأنه جعل لمن بعدهم حظا في الفيء ما أقاموا على محبيتهم والاستغفار لهم، وأن من سبهم أو واحدا منهم أو اعتقد فيه شرا إنه لا حق له في الفيء؛ روي ذلك عن مالك وغيره اهـ الجامع في أحكام القران 18/32