هل شعرتَ يوماً أنكَ شاهدُ زُوْرٍ ؟!
هل انتابك شعورٌ بالقلق يوماً ما , فجفاك الكرى , وهجرك الوسَنُ , وهرب من جفنيك الرقادُ , وأضناك الأرقُ , وهدّك والسّهادُ ؟أشعرتَ يوماً ما أن الحياة أصبحت ثقيلةً عليك , وأن الشيء الوحيد الذي يُخفف عنك أعباءها , ويُريحك من محنها , وينتشلك من مخالب لأوائها هو الموتُ ؟!هل مرت بك ساعاتٌ أو أيام وأنت تنظر شزْراً إلى نفسك , وتعاتبها عتاباً رقيقاً ... ومن ثَم يتحول العتابُ الرقيق إلى تأنيبٍ وتوبيخ ؟!هل سيطر عليك الإحباطُ , وماتَ في عينيك وميضُ الأمل, وتغشتك سحبُ الكآبة , وغَطتكَ غيومُ الهموم ...هل شعرت يوماً أنك شاهدُ زور , ثُم لم تعلم أنك شاهدُ زور إلا قبل الموت بقليل ...هذا طبعاً إذا أردا الله أن يُعرّفَكَ عيوبَ نفسك , ويختمَ لك بالحسنى ؟! هل ارتشفتَ أُجاجَ الحسرات, وتجرّعت مرارة البؤس , والتقفتَ آهاتِ اليأس , وارتويتَ من كدَر الحرمان , وتضلَّعت من مستنقع الإحباط والخمول ؟!هل اتخذتَ من الدموعِ مطيّةً تُوصلك إلى بيداء الأسى , وجعلت من الأنين فُلكا تُقِلك إلى يَمِّ الشجَن , وترسو بك في جزيرة الآلام والأحزان ؟!لا ريب ولا شك أن كلَّ واحد منا قد يصل إلى مرحلة من المراحل السابقة , من شعور بالقلق إلى هجرٍ للكرى , ومن إحباطٍ وكآبة إلى بؤسٍ ومرارة, ومن يأسٍ وخمولٍ , وإلى حسراتٍ وحرمانٍ...ولكنّ المتأملّ في الحياة , والمفكّرَ فيها , يرى أن من أصعب مواقفها : أن تعيشَ الحياةَ ضَياعاً , وتفاخراً وتكاثراً ومتاعاً ..أن تعيشَها شاهدَ زُور , ولكن , على مَن ؟!.. على نفسك التي بين جنبيكَ ! أن تعلمَ يقيناً أن شهورَك وسنينك تركض لاهثةً لاهيةً وراءَ السراب , ولكنك تحاول دائماً إقناعَ نفسكَ بأنّك لا تُضيّعُ العمرَ سُدى , ولا تسعى إلا وراء الحق واليقين... أن تحاولَ النهوضَ بنفسك الخاملة , والارتقاءَ بعزيمتك الفاترة , والتجلّدَ بقوتك الواهنةِ... فإذا ما شارفت على بلوغ القمة , وكدتَ أن تصلَ إلى الذّروة هَوَتْ بك نفسك إلى الحضيضِ من جديد !..أن تدعوَ نفسك إلى الخير, ولكنها تُصِمُّ آذانَها عن السماع , وأن تُرشدها إلى اليقين فتتبعَ الوهمَ والخرافة , وأن تُجنبَها الشبهاتِ فتُزينَ لك المحرماتِ ... أن توصلَها إلى قارعة طريق الهداية , ولكنها ترجع بك القهقرى , ولا تزالُ تُغويك وتسوّل لك حتى تتركَك في مدرجةِ الضلال , وتوصلَك إلى ساحة المآثم , وترمي بك في مهاويِ العصيان...أن تُرضي أحبابَك , وتغضبَ خالقك , أن تتزينَ لأصحابك , وتظهرَ بالمظهر الشنيع في عين مَنْ خلقكَ فسوّاك فعدلك , أن تتقلب في الشهوات والنعيم , ونفسك تُجِدّ بك السير إلى الهاوية والجحيم...أن ترضى عن نفسك عندما تُسوّل لك الشرَّ , وتُبغضها عندما تُحبب إليك الخير , وأن ترضى عنها عندما تغرقَك ببراثنها في بحار المعاصي , وتغضبَ منها عندما تنقذك من تلك الأمواج الغاضبة , والمياه الصاخبة...فعجباً مِمّن يُقَبِّلُ براثنَ مَن يُغرقه , وينفرُ مِمّن ينقذُه ومن الموتِ الْمُحتمَّ ينجّيه !أخي الحبيب : وحتى لا أطيلَ عليك , فإني أقول لنفسي ولك :إذا أردتَ أن تعيش حياةً مُثلى , وأن لا تكونَ شاهدَ زور على نفسك , وإذا أردتَ أن تشعرَ باطمئنانٍ وسعادةٍ حقيقية , وتتنعّمٍ بنعيم ما بعده نعيمٌ , فما عليك إلا أن تُحسن إلى المسيء , وتتجاوزَ عن المخطئ , وتقيلَ عثرةَ العاثر , وتستر عورةَ المبتَلى , وتخالفَ النفس وهواها , وتحثَّ على الخير وتفعلَه , وتُحذر من الشر وتجتنبه , وأن تحاسب نفسك كلَّ ساعة , وأن تكبحَ جِماحها عن المعاصي , وتحفزها على العبادة والطاعة ....واجعل من السؤال التالي نبراسَ هدايةٍ , وسراجَ تقى , وبدرَ توبةٍ وإنابة , وليكن دائماً نصب عينيك :هل شعرتَ يوماً أنكَ شاهدُ زُوْرٍ ؟!
الشيخ الأديب :مصطفى قاسم عباس
هل شعرتَ يوماً أنكَ شاهدُ زُوْرٍ ؟!
هل انتابك شعورٌ بالقلق يوماً ما , فجفاك الكرى , وهجرك الوسَنُ , وهرب من جفنيك الرقادُ , وأضناك الأرقُ , وهدّك والسّهادُ ؟أشعرتَ يوماً ما أن الحياة أصبحت ثقيلةً عليك , وأن الشيء الوحيد الذي يُخفف عنك أعباءها , ويُريحك من محنها , وينتشلك من مخالب لأوائها هو الموتُ ؟!هل مرت بك ساعاتٌ أو أيام وأنت تنظر شزْراً إلى نفسك , وتعاتبها عتاباً رقيقاً ... ومن ثَم يتحول العتابُ الرقيق إلى تأنيبٍ وتوبيخ ؟!هل سيطر عليك الإحباطُ , وماتَ في عينيك وميضُ الأمل, وتغشتك سحبُ الكآبة , وغَطتكَ غيومُ الهموم ...هل شعرت يوماً أنك شاهدُ زور , ثُم لم تعلم أنك شاهدُ زور إلا قبل الموت بقليل ...هذا طبعاً إذا أردا الله أن يُعرّفَكَ عيوبَ نفسك , ويختمَ لك بالحسنى ؟! هل ارتشفتَ أُجاجَ الحسرات, وتجرّعت مرارة البؤس , والتقفتَ آهاتِ اليأس , وارتويتَ من كدَر الحرمان , وتضلَّعت من مستنقع الإحباط والخمول ؟!هل اتخذتَ من الدموعِ مطيّةً تُوصلك إلى بيداء الأسى , وجعلت من الأنين فُلكا تُقِلك إلى يَمِّ الشجَن , وترسو بك في جزيرة الآلام والأحزان ؟!لا ريب ولا شك أن كلَّ واحد منا قد يصل إلى مرحلة من المراحل السابقة , من شعور بالقلق إلى هجرٍ للكرى , ومن إحباطٍ وكآبة إلى بؤسٍ ومرارة, ومن يأسٍ وخمولٍ , وإلى حسراتٍ وحرمانٍ...ولكنّ المتأملّ في الحياة , والمفكّرَ فيها , يرى أن من أصعب مواقفها : أن تعيشَ الحياةَ ضَياعاً , وتفاخراً وتكاثراً ومتاعاً ..أن تعيشَها شاهدَ زُور , ولكن , على مَن ؟!.. على نفسك التي بين جنبيكَ ! أن تعلمَ يقيناً أن شهورَك وسنينك تركض لاهثةً لاهيةً وراءَ السراب , ولكنك تحاول دائماً إقناعَ نفسكَ بأنّك لا تُضيّعُ العمرَ سُدى , ولا تسعى إلا وراء الحق واليقين... أن تحاولَ النهوضَ بنفسك الخاملة , والارتقاءَ بعزيمتك الفاترة , والتجلّدَ بقوتك الواهنةِ... فإذا ما شارفت على بلوغ القمة , وكدتَ أن تصلَ إلى الذّروة هَوَتْ بك نفسك إلى الحضيضِ من جديد !..أن تدعوَ نفسك إلى الخير, ولكنها تُصِمُّ آذانَها عن السماع , وأن تُرشدها إلى اليقين فتتبعَ الوهمَ والخرافة , وأن تُجنبَها الشبهاتِ فتُزينَ لك المحرماتِ ... أن توصلَها إلى قارعة طريق الهداية , ولكنها ترجع بك القهقرى , ولا تزالُ تُغويك وتسوّل لك حتى تتركَك في مدرجةِ الضلال , وتوصلَك إلى ساحة المآثم , وترمي بك في مهاويِ العصيان...أن تُرضي أحبابَك , وتغضبَ خالقك , أن تتزينَ لأصحابك , وتظهرَ بالمظهر الشنيع في عين مَنْ خلقكَ فسوّاك فعدلك , أن تتقلب في الشهوات والنعيم , ونفسك تُجِدّ بك السير إلى الهاوية والجحيم...أن ترضى عن نفسك عندما تُسوّل لك الشرَّ , وتُبغضها عندما تُحبب إليك الخير , وأن ترضى عنها عندما تغرقَك ببراثنها في بحار المعاصي , وتغضبَ منها عندما تنقذك من تلك الأمواج الغاضبة , والمياه الصاخبة...فعجباً مِمّن يُقَبِّلُ براثنَ مَن يُغرقه , وينفرُ مِمّن ينقذُه ومن الموتِ الْمُحتمَّ ينجّيه !أخي الحبيب : وحتى لا أطيلَ عليك , فإني أقول لنفسي ولك :إذا أردتَ أن تعيش حياةً مُثلى , وأن لا تكونَ شاهدَ زور على نفسك , وإذا أردتَ أن تشعرَ باطمئنانٍ وسعادةٍ حقيقية , وتتنعّمٍ بنعيم ما بعده نعيمٌ , فما عليك إلا أن تُحسن إلى المسيء , وتتجاوزَ عن المخطئ , وتقيلَ عثرةَ العاثر , وتستر عورةَ المبتَلى , وتخالفَ النفس وهواها , وتحثَّ على الخير وتفعلَه , وتُحذر من الشر وتجتنبه , وأن تحاسب نفسك كلَّ ساعة , وأن تكبحَ جِماحها عن المعاصي , وتحفزها على العبادة والطاعة ....واجعل من السؤال التالي نبراسَ هدايةٍ , وسراجَ تقى , وبدرَ توبةٍ وإنابة , وليكن دائماً نصب عينيك :هل شعرتَ يوماً أنكَ شاهدُ زُوْرٍ ؟!
الشيخ الأديب :مصطفى قاسم عباس