د.محمد سالم سعد الله
non_alshekh@yahoo.com
تنطلق المشاريع الثقافية الضخمة من أحلام وليدة ، لا تمتلك في البدء سوى الأنين والهمس الذي لا يثير صدى ، وما تلبث هذه الأحلام ـ بعد اكتمال رؤيتها حول الواقع المعرفي الممكن للتحقق ـ إعطاء تصوراتها إمكانيات فعلية لتحويل مرحلة الولادة إلى مرحلة فتية تدرك المسار ، وتصنع القرار ، وتؤسس الخطاب ، وتبني المدركات المتسمة بالخصوصية ، والمتجهة نحو استقلال مضموني ، وإبداع شكلي ، إنها خطوة مهمة للسعي نحو تحقيق الذات ، وتكوين النهج الثقافي المتميز .
لقد اتسمت جامعة الموصل ذات المسيرة التاريخية والمعرفية الجادة والرصينـة ، اتسمت ـ مع مثيلاتها من الجامعات العراقية ـ بمتابعة كلّ جديد ، وملاحقة كلّ ما يمنح العلم تطورا ونفعا وازدهارا ، وقد قدمت هذه الجامعة إمكانياتها في رفد مسيرة التوجهات العلمية البانية والمحملة بمدركات وتصورات معرفية وثقافية ، فضلا عن منح فرص لطلبة العلم من اقتناء موضوعات علمية جديدة تسهم في دفع عجلة التطور ، وتغني النهج العلمي المتبع فيها .
إنّ من بين التوجهات العلمية الجديدة في الساحة الدولية الثقافية والمعرفية : ميدان التصور الإسلامي في الجانبين : ( الإنساني والعلمي ) ، ونعني بقولنا ميدان التصور الإسلامي المعاصر : تلك الرؤية المنفتحة والمتفتحة على التوجهات العالمية ، دون أي إحساس بالدونية ، هي توجه يحاور الآخر ، وينهل من حكمته ، ويقدم الأنا ، ويعلي من تصوراتها ، إنها رؤية خالية من ( العُقَد ) ، شمولية ، وعالمية ، وخُلقية ، لا تقيد نفسها إلا بحدود الشريعة ، ولا تداهن في تقديم نتاجاتها ، غرضها الإسهام في البناء العالمي الحضاري الجديد ـ بعد غياب لعدة قرون ـ ، وهدفها تقديم المعطيات الإسلامية التي تحمل خزيناً معرفيا ، وتجربة حضارية وإبداعا متواصلا ، إنه التصور للحياة وللكون وللإنسان ، من خلال رؤية إسلامية كونية ، تبدأ مع الوحي ، وتعمل بالنص ، وتبدع بالعقل .
مرّت جامعة الموصل في ظروف صعبة جداً ـ وكذا الجامعات العراقية كلها ـ من حصار علمي وثقافي ومعرفي فرضته قِوى الجهل والظلام ، وقد منع هذا الحصار من إطلاع الجامعة على مستجدات الساحة العربية والعالمية ، ومنها نتاجات الأدب الإسلامي ، ولم تعرف ذلك إلا من خلال نشاطات رابطة الأدب الإسلامي العالمية / مكتب العراق ، إذ بدأ العمل أولا بتشكيل ( جمعية رابطة الأدب الإسلامي في العراق ) ومقرها الموصل ، ثم ما لبثت أن انضمت إلى رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، وهي الآن تابعة للمكتب الإقليمي في الأردن ، على أمل تشكيل مكتب إقليمي في العراق بعد أن يهدأ الوضع في البلد إن شاء الله تعالى ، وقد عقدت الرابطة في العراق مؤتمرات عدة عن الأدب الإسلامي ونقده ، ومهرجانات شعرية في مناسبات دينية متنوعة ، حضرها جمهرة من رواد الأدب الإسلامي في الوطن العربي ، وقد حمل المؤتمر الأول اسم : ( مؤتمر البردة الأول للأدب الإسلامي ) ، والآخر : ( مؤتمر البردة الثاني للأدب الإسلامي ) ، والثالث : ( مؤتمر الإسراء ) ، هذا فضلا عن ندوات أقيمت في دار الأرقم للدراسات والبحوث الإستراتيجية التي ينهض بها مجموعة من الفتية اللذين آمنوا بربهم وزادهم هدى ، وجاء اللقاء الأول للأدب الإسلامي في هذه الدار بعنوان : ( المناهج النقدية : المثاقفة والممانعة ) ، ثم ما لبثت أن عصفت بنا الأحداث تباعا من تدمير واحتلال وتخريب وفتن ، أدت إلى توقف بعض النشاطات .
وتحمل رابطة الأدب الإسلامي العالمية / مكتب العراق على كاهلها الآن مهمة إقامة محاضرات نصف شهرية ، وإصدار مجلة شهرية ، ونشرات داخلية نصف شهرية ، ومهرجانات شعرية ، وأمسيات ثقافية .
ومن النشاطات المهمة التي نهضت بها الرابطة في العراق ، تشجيع طلبة الدراسات العليا على تسجيل موضوعات في الأدب الإسلامي المعاصر ، ومحاولة توفير المصادر المناسبة التي تعينهم في الكتابة ، وقد تمّ ذلك بعونه تعالى ، إذ تم تسجيل أربعة أعمال أكاديمية في جامعة الموصل حسب ، ما بين رسالة ماجستير وأطروحة دكتوراه ، ونأمل أن يزداد العدد في السنوات القالبة إن شاء الله ، والأعمال الأكاديمية المسجلة هي :
1. الخطاب النقدي عند نجيب الكيلاني ، رسالة ماجستير ، ديوالي حجي ، 2005 .
2. الشخصية في روايات نجيب الكيلاني الإسلامية ، أطروحة دكتوراه ، أحمد طه ، 2005 .
3. البناء السردي في روايات عبد الله عيسى السلامة ، رسالة ماجستير ، بان صلاح الدين ، 2005 .
4. جهود الدكتور عماد الدين خليل في النقد الأدبي الإسلامي ، أطروحة دكتوراه ، ورقاء البزاز ، 2005 .
ويمكننا تقديم موجز علمي عن تلك الأعمال ، كما يأتي :
تناولت رسالة الخطاب النقدي نتاجات الكاتب والروائي الإسلامي الكبير نجيب الكيلاني بالدرس والتحليل ، مقسمة إياها على محاور ومرتكزات منها : ما يتعلق بالمناهج النقدية، ومنها ما يتعلق بالرواية الإسلامي ، وأخرى بميزات النص الإسلامي الأدبي ، وما هي سمات القصيدة الإسلامية المعاصرة ، وقد قدّم لنا الباحث قائمة بأعمال الكيلاني النقدية والإبداعية ، ويمكن القول أنّ الباحث قد بذل جهدا كبيرا في استقصاء كل ما كتبه الناقد الكيلاني ، وكلّ ما كُتب عنه أيضاً .
ويتحدث العمل الثاني عن البناء القصصي للشخصية في روايات الكيلاني الإسلامية ، مقدما تصوراته حول البناء النفسي والموضوعي والفني والواقعي للشخصيات وارتباطهم بالأحداث ، وموقعهم في العمل السردي الروائي ، بوصفهم ثيمات أساسية في العمل الروائي ، وقد قسم الباحث عمله هذا على قسمين : قسم تناول فيه الشخصيات الرئيسة ودورها في بناء الحدث ، وتقديم الزمان والمكان ، وحوى القسم الثاني الشخصية الثانوية ودورها في تقديم الشخصية الرئيسة ، ويمكن وصف هذا العمل الأكاديمي بأنّه مشروع بحث علمي جاد ، سيغني المكتبة الإسلامية الأدبية والنقدية ، ويغدو محفزا للأقلام البحثية الواعدة من دراسة الموضوع من كافة جوانبه .
أما العمل الثالث فيمارس مغامرة نقدية في ميدان الرواية الإسلامية المعاصرة من خلال رائد من روادها وهو : ( عبد الله عيسى السلامة ) ، ويحاول هذا العمل أن يكتشف سر البناء السردي ، وقدرته على تقديم المضمون ، بمعنى بيان الآصرة التي تربط الشكل بالمضمون في النتاج الإبداعي الإسلامي ، وكما هو معروف فقد شغلت قضية الشكل والمضمون في التنظير والنقد الإسلامي مساحة مهمة ، ما بين معارض ومتبنٍ ، لإمكانيات اتحاد الشكل بالمضمون في تقديم الأعمال الإسلامية الإبداعية ، في مقابل الأصوات التي تدعو إلى أن يكون الأدب الإسلامي أدب مضمون وحسب ، لأنه يتجه في الأساس نحو تبليغ رسالة ذات قصد وهدف ، وقد منح هذا العمل الأكاديمي نفسه الحق في التوجه نحو تقسيم منهجه على العناصر السردية المعروفة ، لاكتشاف البناء السردي وتقديم معطياته .
ويتجـه العمـل الأخيـر إلى المفكر الإسلامي الكبير ، والرائـد في ميدان الأدب الإسلامي ( الدكتور : عماد الدين خليل ) ، الرجل الذي قدّم أعمالاً نقدية وإبداعيـة وتنظيريـة عدة : منها ما يتعلق بفلسفة التاريخ ، وأخرى بالعمارة الإسلامية ، وأخرى بالفن والموسيقى والرسم والتشكـيل .. الخ ، وقد قسمت الباحثة عملها على قسمين اثنين : كان الأول منهما لدراسة النقد التنظيري ، والثاني لدراسة النقد التطبيقي ، ويعد هذا العمل هو الأول من نوعه ، إذ تناول بالدرس والتحليل مبدعا من مبدعي الأدب الإسلامي المعاصر ، بشكل شمولي ونقدي ، ويمكن القول أنّ هذه الدراسة ستضفي ظلالا على الدراسات المستقبيلة التي ستأخذ الدكتور عماد الدين خليل بالدرس والتحليل ، لا سيما وان الباحثة تجهد نفسها في سبيل تقديم قائمة كبيرة جدا من أعمال عماد الدين خليل والدراسات التي كتبت عنه ، وهي بذلك تمنح خدمة جليلة لطلبة الدراسات العليا ، والباحثين الذين سيقبلون على هذا النوع من الدراسات .
وفي الختام يمكن القول : إنّ التدرج في صناعة الإبداع ، هو سنة ربانيـة كونية في الخَلق ، وأنّ العجلة نزوة شيطانية ، وبذلك ارتسمت معطيات الكون الإبداعي في مختلف الميادين بخطوات وأقسام ، يشير كل منها إلى مرحلة معينة ، تتسم بإفرازات الواقع المشكل لها ، وينهض الأدب الإسلامي في هذا السياق بوصفه ممكنات متحققة في حقل الميدان التخصصي يمتلك رؤية متميزة ، ويحمل بطاقات دلالية تنتسب بشكل أصيل لمعطيات موغلة في القدم ، وتستند إلى ميراث إسلامي محمل بقيم السماء ، وسعادة الإنسان على صعيدي الفن والجمال والرقي السلوكي .د.محمد سالم سعد الله
non_alshekh@yahoo.com
تنطلق المشاريع الثقافية الضخمة من أحلام وليدة ، لا تمتلك في البدء سوى الأنين والهمس الذي لا يثير صدى ، وما تلبث هذه الأحلام ـ بعد اكتمال رؤيتها حول الواقع المعرفي الممكن للتحقق ـ إعطاء تصوراتها إمكانيات فعلية لتحويل مرحلة الولادة إلى مرحلة فتية تدرك المسار ، وتصنع القرار ، وتؤسس الخطاب ، وتبني المدركات المتسمة بالخصوصية ، والمتجهة نحو استقلال مضموني ، وإبداع شكلي ، إنها خطوة مهمة للسعي نحو تحقيق الذات ، وتكوين النهج الثقافي المتميز .
لقد اتسمت جامعة الموصل ذات المسيرة التاريخية والمعرفية الجادة والرصينـة ، اتسمت ـ مع مثيلاتها من الجامعات العراقية ـ بمتابعة كلّ جديد ، وملاحقة كلّ ما يمنح العلم تطورا ونفعا وازدهارا ، وقد قدمت هذه الجامعة إمكانياتها في رفد مسيرة التوجهات العلمية البانية والمحملة بمدركات وتصورات معرفية وثقافية ، فضلا عن منح فرص لطلبة العلم من اقتناء موضوعات علمية جديدة تسهم في دفع عجلة التطور ، وتغني النهج العلمي المتبع فيها .
إنّ من بين التوجهات العلمية الجديدة في الساحة الدولية الثقافية والمعرفية : ميدان التصور الإسلامي في الجانبين : ( الإنساني والعلمي ) ، ونعني بقولنا ميدان التصور الإسلامي المعاصر : تلك الرؤية المنفتحة والمتفتحة على التوجهات العالمية ، دون أي إحساس بالدونية ، هي توجه يحاور الآخر ، وينهل من حكمته ، ويقدم الأنا ، ويعلي من تصوراتها ، إنها رؤية خالية من ( العُقَد ) ، شمولية ، وعالمية ، وخُلقية ، لا تقيد نفسها إلا بحدود الشريعة ، ولا تداهن في تقديم نتاجاتها ، غرضها الإسهام في البناء العالمي الحضاري الجديد ـ بعد غياب لعدة قرون ـ ، وهدفها تقديم المعطيات الإسلامية التي تحمل خزيناً معرفيا ، وتجربة حضارية وإبداعا متواصلا ، إنه التصور للحياة وللكون وللإنسان ، من خلال رؤية إسلامية كونية ، تبدأ مع الوحي ، وتعمل بالنص ، وتبدع بالعقل .
مرّت جامعة الموصل في ظروف صعبة جداً ـ وكذا الجامعات العراقية كلها ـ من حصار علمي وثقافي ومعرفي فرضته قِوى الجهل والظلام ، وقد منع هذا الحصار من إطلاع الجامعة على مستجدات الساحة العربية والعالمية ، ومنها نتاجات الأدب الإسلامي ، ولم تعرف ذلك إلا من خلال نشاطات رابطة الأدب الإسلامي العالمية / مكتب العراق ، إذ بدأ العمل أولا بتشكيل ( جمعية رابطة الأدب الإسلامي في العراق ) ومقرها الموصل ، ثم ما لبثت أن انضمت إلى رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، وهي الآن تابعة للمكتب الإقليمي في الأردن ، على أمل تشكيل مكتب إقليمي في العراق بعد أن يهدأ الوضع في البلد إن شاء الله تعالى ، وقد عقدت الرابطة في العراق مؤتمرات عدة عن الأدب الإسلامي ونقده ، ومهرجانات شعرية في مناسبات دينية متنوعة ، حضرها جمهرة من رواد الأدب الإسلامي في الوطن العربي ، وقد حمل المؤتمر الأول اسم : ( مؤتمر البردة الأول للأدب الإسلامي ) ، والآخر : ( مؤتمر البردة الثاني للأدب الإسلامي ) ، والثالث : ( مؤتمر الإسراء ) ، هذا فضلا عن ندوات أقيمت في دار الأرقم للدراسات والبحوث الإستراتيجية التي ينهض بها مجموعة من الفتية اللذين آمنوا بربهم وزادهم هدى ، وجاء اللقاء الأول للأدب الإسلامي في هذه الدار بعنوان : ( المناهج النقدية : المثاقفة والممانعة ) ، ثم ما لبثت أن عصفت بنا الأحداث تباعا من تدمير واحتلال وتخريب وفتن ، أدت إلى توقف بعض النشاطات .
وتحمل رابطة الأدب الإسلامي العالمية / مكتب العراق على كاهلها الآن مهمة إقامة محاضرات نصف شهرية ، وإصدار مجلة شهرية ، ونشرات داخلية نصف شهرية ، ومهرجانات شعرية ، وأمسيات ثقافية .
ومن النشاطات المهمة التي نهضت بها الرابطة في العراق ، تشجيع طلبة الدراسات العليا على تسجيل موضوعات في الأدب الإسلامي المعاصر ، ومحاولة توفير المصادر المناسبة التي تعينهم في الكتابة ، وقد تمّ ذلك بعونه تعالى ، إذ تم تسجيل أربعة أعمال أكاديمية في جامعة الموصل حسب ، ما بين رسالة ماجستير وأطروحة دكتوراه ، ونأمل أن يزداد العدد في السنوات القالبة إن شاء الله ، والأعمال الأكاديمية المسجلة هي :
1. الخطاب النقدي عند نجيب الكيلاني ، رسالة ماجستير ، ديوالي حجي ، 2005 .
2. الشخصية في روايات نجيب الكيلاني الإسلامية ، أطروحة دكتوراه ، أحمد طه ، 2005 .
3. البناء السردي في روايات عبد الله عيسى السلامة ، رسالة ماجستير ، بان صلاح الدين ، 2005 .
4. جهود الدكتور عماد الدين خليل في النقد الأدبي الإسلامي ، أطروحة دكتوراه ، ورقاء البزاز ، 2005 .
ويمكننا تقديم موجز علمي عن تلك الأعمال ، كما يأتي :
تناولت رسالة الخطاب النقدي نتاجات الكاتب والروائي الإسلامي الكبير نجيب الكيلاني بالدرس والتحليل ، مقسمة إياها على محاور ومرتكزات منها : ما يتعلق بالمناهج النقدية، ومنها ما يتعلق بالرواية الإسلامي ، وأخرى بميزات النص الإسلامي الأدبي ، وما هي سمات القصيدة الإسلامية المعاصرة ، وقد قدّم لنا الباحث قائمة بأعمال الكيلاني النقدية والإبداعية ، ويمكن القول أنّ الباحث قد بذل جهدا كبيرا في استقصاء كل ما كتبه الناقد الكيلاني ، وكلّ ما كُتب عنه أيضاً .
ويتحدث العمل الثاني عن البناء القصصي للشخصية في روايات الكيلاني الإسلامية ، مقدما تصوراته حول البناء النفسي والموضوعي والفني والواقعي للشخصيات وارتباطهم بالأحداث ، وموقعهم في العمل السردي الروائي ، بوصفهم ثيمات أساسية في العمل الروائي ، وقد قسم الباحث عمله هذا على قسمين : قسم تناول فيه الشخصيات الرئيسة ودورها في بناء الحدث ، وتقديم الزمان والمكان ، وحوى القسم الثاني الشخصية الثانوية ودورها في تقديم الشخصية الرئيسة ، ويمكن وصف هذا العمل الأكاديمي بأنّه مشروع بحث علمي جاد ، سيغني المكتبة الإسلامية الأدبية والنقدية ، ويغدو محفزا للأقلام البحثية الواعدة من دراسة الموضوع من كافة جوانبه .
أما العمل الثالث فيمارس مغامرة نقدية في ميدان الرواية الإسلامية المعاصرة من خلال رائد من روادها وهو : ( عبد الله عيسى السلامة ) ، ويحاول هذا العمل أن يكتشف سر البناء السردي ، وقدرته على تقديم المضمون ، بمعنى بيان الآصرة التي تربط الشكل بالمضمون في النتاج الإبداعي الإسلامي ، وكما هو معروف فقد شغلت قضية الشكل والمضمون في التنظير والنقد الإسلامي مساحة مهمة ، ما بين معارض ومتبنٍ ، لإمكانيات اتحاد الشكل بالمضمون في تقديم الأعمال الإسلامية الإبداعية ، في مقابل الأصوات التي تدعو إلى أن يكون الأدب الإسلامي أدب مضمون وحسب ، لأنه يتجه في الأساس نحو تبليغ رسالة ذات قصد وهدف ، وقد منح هذا العمل الأكاديمي نفسه الحق في التوجه نحو تقسيم منهجه على العناصر السردية المعروفة ، لاكتشاف البناء السردي وتقديم معطياته .
ويتجـه العمـل الأخيـر إلى المفكر الإسلامي الكبير ، والرائـد في ميدان الأدب الإسلامي ( الدكتور : عماد الدين خليل ) ، الرجل الذي قدّم أعمالاً نقدية وإبداعيـة وتنظيريـة عدة : منها ما يتعلق بفلسفة التاريخ ، وأخرى بالعمارة الإسلامية ، وأخرى بالفن والموسيقى والرسم والتشكـيل .. الخ ، وقد قسمت الباحثة عملها على قسمين اثنين : كان الأول منهما لدراسة النقد التنظيري ، والثاني لدراسة النقد التطبيقي ، ويعد هذا العمل هو الأول من نوعه ، إذ تناول بالدرس والتحليل مبدعا من مبدعي الأدب الإسلامي المعاصر ، بشكل شمولي ونقدي ، ويمكن القول أنّ هذه الدراسة ستضفي ظلالا على الدراسات المستقبيلة التي ستأخذ الدكتور عماد الدين خليل بالدرس والتحليل ، لا سيما وان الباحثة تجهد نفسها في سبيل تقديم قائمة كبيرة جدا من أعمال عماد الدين خليل والدراسات التي كتبت عنه ، وهي بذلك تمنح خدمة جليلة لطلبة الدراسات العليا ، والباحثين الذين سيقبلون على هذا النوع من الدراسات .
وفي الختام يمكن القول : إنّ التدرج في صناعة الإبداع ، هو سنة ربانيـة كونية في الخَلق ، وأنّ العجلة نزوة شيطانية ، وبذلك ارتسمت معطيات الكون الإبداعي في مختلف الميادين بخطوات وأقسام ، يشير كل منها إلى مرحلة معينة ، تتسم بإفرازات الواقع المشكل لها ، وينهض الأدب الإسلامي في هذا السياق بوصفه ممكنات متحققة في حقل الميدان التخصصي يمتلك رؤية متميزة ، ويحمل بطاقات دلالية تنتسب بشكل أصيل لمعطيات موغلة في القدم ، وتستند إلى ميراث إسلامي محمل بقيم السماء ، وسعادة الإنسان على صعيدي الفن والجمال والرقي السلوكي .