من شبهات اليهود وأباطيلهم «أن المسجد الأقصى هو مسجد في السماء»



كيف هو في السماء، وقد بارك الله حوله؟ وقد بشر
النبي صلى الله عليه وسلم بفتحه، وأوضح فضله بقوله: «ولنعم المصلى هو»؟ وهو ثالث المساجد التي تُشد إليها الرحال، وأول قبلة للمسلمين

لم يشك أحد من المسلمين أن المسجد الأقصى هو مسجد القدس الذي أسري بنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم إليه، ولم ينقل لنا أحد من الصحابة قال ذلك عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم



قرر (بوهل) -المستشرق اليهودي الذي كتب مادة (القدس في الموسوعة الإسلامية)، تحت مادة (القدس في الموسوعة الإسلامية)-: «أن ما حدث للرسول [ في رحلته إلى بيت المقدس يدخل في باب الرؤية والكشف، ورجح أن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم ربما فهم منذ البداية أن المسجد المذكور في الآية الكريمة إنما هو مكان في السماء، وليس المسجد الذي بني فيما بعد في مدينة بيت المقدس».


وكرر هذه الأكذوبة إسحاق حسون(1) في مقدمة تحقيقه لكتاب «فضائل البيت المقدس» لأبي بكر محمد بن أحمد الواسطي، والذي قامت بطباعته الجامعة العبرية في القدس باللغة العربية، حيث قال:
«كانت ثمة اتجاهات لتعظيم حرمة مكة والمدينة، والتقليل من حرمة القدس، وأن علماء المسلمين لم يتفقوا جميعاً على أن المسجد الأقصى هو مسجد القدس؛ إذ رأى بعضهم أنه مسجد في السماء يقع مباشرة فوق القدس أو مكة»، وهو يستعين في هذا الصدد بأقوال كاتب فرنسي هو ديمومين(2)، حاول من خلاله التمييز بين القدس السماوي، والقدس السفلي!!
هذا الزعم مما ادعاه اليهود في بحوثهم ودراساتهم، وبعض الفرق الباطنية في مراجعهم وتفاسيرهم وسيرهم وأدبياتهم، ودللوا على ذلك بنصوص واهية موضوعة لا تصح سنداً ولا متناً، وتلقف تلك الأقوال كل من أراد أن يشكك في مكانة المسجد الأقصى والقدس والأرض المباركة، من باحثين يهود، ومستشرقين غربيين، وكتّاب علمانيين تبنوا وجهة نظر اليهود؛ ليقولوا كلمتهم جميعاً: أن المسجد الأقصى ليس هو مسجد القدس الذي أُسري بخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم إليه، بل هو مسجد آخر في السماء، وتتردد هذه المقولة في كتابات العديد من المستشرقين المشككين في مكانة المسجد الأقصى في النصوص الإسلامية، ويُستشهد بها كحقيقة مسلّمة دون مناقشة أو تقويم، للتدليل على مركزية القدس في التصورات اليهودية، وإثبات مكانتها الثانوية في العقيدة الإسلامية.
وخرج علينا كذلك القاديانيون -فرقة باطنية ضالة- بقدسية «قاديان» في الهند، فهم يعتقدون أن المسجد الأقصى هو مسجد الميرزا في قاديان، وليس الذي في بيت المقدس؛ فقد جاء في صحيفة «الفضل» القاديانية: «لقد قدس الله هذه المقامات الثلاث: مكة، والمدينة، وقاديان، واختار هذه الثلاث لظهور تجلياته»(3).
وفي عدد آخر(4): «إن المراد بـ {المسجد الأقصى} (الإسراء:1) هو: مسجد قاديان»!!
ولم يكتف المشككون بتلك المزاعم، بل كتب أحدهم مقالاً بعنوان: (المسجد الأقصى هو: المسجد النبوي)، حاول فيه إبعاد المسجد الأقصى عن أي فضيلة، وزعم أنه لم يكن للمسجد الأقصى وجود قبل عمارة عبد الملك.
وخلص الآتي: «أن المسجد الذي بناه عبد الملك في القدس وسمي بالمسجد الأقصى، لم يكن له وجود من قبل»، وقد رد عليه الأستاذ أحمد الريماوي -عضو اتحاد المؤرخين العرب- ببحث جميل ننصح بقراءته، وسمى كاتبه: «أحد عبادلة ابن سبأ».
وسنجمل الرد على تلك الأكذوبة بالآتي:
1- أنهم نسبوا ذلك الفهم إلى مصادر إسلامية دون تحديد لأسمائها؛ لأنه في الحقيقة كذب صريح، فلم يرد في أي مصدر من المصادر المعتمدة، ولم يَقُل به أي عالم من علماء المسلمين المتبعين للكتاب والسنة أنه مسجد غير مسجد القدس.
2- المسجد الأقصى كيف يكون في السماء، وقد بارك الله فيه وما حوله من البلاد، قال تعالى: {إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} (الإسراء:1)! ولفظ: (البركة) قد أطلق في القرآن الكريم سبع مرات على أرض فلسطين، أرض بيت المقدس.
3- رَد الدكتور محمود إبراهيم على تلك الأكذوبة بقوله: «فإن أحداً من المسلمين لم يأخذ به، ولم يتقبله منذ أن تـنزلت سورة الإسراء وإلى يومنا هذا، وما فسرت به الآية القرآنية وما أخذ به المسلمون منذ أن نزلت آية الإسراء في تفسيراتهم، ولم نسمع أو نقرأ أي تصور للرسول [ أو لصحابته والتابعين من بعدهم بأن المسجد الأقصى مجرد تخيل في السماء، وليس على الأرض، وفي مدينة القدس على وجه التحديد.
وأجمع المفسرون على فضل المسجد الأقصى، ولم يقتصروا على آية الإسراء الأولى فيما يتعلق بمكانة القدس والمسجد الأقصى، بل جمعوا إلى هذه الآية التي لا خلاف على دلالتها آيات قرآنية أخرى»(5).
4- كيف هو في السماء، وقد بارك الله حوله؟ وكيف هو في السماء وقد بشر
النبي صلى الله عليه وسلم بفتحه، وأوضح فضله بقوله: «ولنعم المصلى هو»؟ وهو ثالث المساجد التي تُشد إليها الرحال، وأول قبلة للمسلمين.

5- كيف هو في السماء؛ وقد أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته حين سألوه: أيهما أفضل أمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أم بيت المقدس؟ فقال: «صلاة في مسجدي هذا بأربع صلوات فيه»؟
6- كيف هو في السماء، ومضاعف للمسلمين أجر الصلاة فيه؛ وقد شد الصحابة الكرام الرحال إليه، وهو مقام الطائفة المنصورة، وعقر دار المؤمنين، وأرض المحشر والمنشر؟
7- كيف هو في السماء، وقد كان ملجأ الأنبياء ومحل دعوتهم لتوحيد الله
-تعالى- وقد أسري بنبي الله إليه، ومنه عرج إلى السموات العلا، وقد أخبرنا الصادق - عليه أفضل الصلاة والتسليم-: أن الدجال لن يدخله، وفيه يتحصن المؤمنون منه؟

8- كيف هو في السماء، وقد ثبت له أسماءٌ متعددة تدل كثرتها على شرف وعلو مكانة المسمى، وأشهرها كما جاء في الكتاب والسنة: «المسجد الأقصى، وبيت المقدس، وإيلياء»، ولم يشكك أحد علماء المسلمين في تلك الأسماء أنها مما اختص بها المسجد الأقصى الذي بارك الله فيه وفيما حوله؟
9- كيف هو في السماء، وقد نص الحديث الصحيح على أنه ثـاني المساجد وضعاً في الأرض بعد المسجد الحـرام، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام»، قال: قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى»، قلت: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بعدُ فصله، فإن الفضل فيه».
10- كيف هو في السماء، وحديث: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد...» حديث صحيح متواتر، رواه جمعٌ من الصحابة، ورواه عنهم جمع من الثقات، وتلقته الأمة بالقبول، وعمل به السلف، وأتباعهم إلى يومنا هذا؟
ولم يشك أحد من المسلمين أن المسجد الأقصى هو مسجد القدس الذي أسري بنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم إليه، إلا بعض الروايات التي ذكرها الشيعة في أن المسجد الأقصى هو مسجد في السماء، وتلك الروايات لم تنتشر كثيراً إلا بعد أن تلقفها المستشرقون من اليهود والباحثون منهم، وبنوا عليها أن مكانة المسجد الأقصى في الإسلام هي موضع خلاف، وجعلوها مسلّمة من المسلمات التي لا جدال فيها، وبنوا عليها قاعدة: أن القدس ليست مقدسة عند المسلمين؛ لكون المسجد الأقصى ليس مسجد القدس؛ لذا لا اعتبار للأقصى ولا للقدس، ولا فضيلة لمسجد القدس ولا للقدس!!
11- لم ينقل لنا أحد من الصحابة فهماً عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن المسجد الأقصى هو: مسجد في السماء، وهو الذي وصفه أمامهم، وكان يصدقه من زار المسجد الأقصى، والنبي وصفه الله -تعالى- بأنه: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم:3-4).
12- إن كانوا يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أسري به من المسجد الحرام إلى مسجد في السماء اسمه: المسجد الأقصى، فإنهم بذلك ينكرون المعراج من المسجد الأقصى إلى السموات العلا، أو ينكرون الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؛ لأنهما
-بوجهة نظرهم- انتقال واحد، وليسا انتقالين!!

لا شك أننا -بهذا الدفاع- لن نبحث عن علل لتقديس المسجد الأقصى؛ فقداسته ربانية، ولن نبحث عن علل لتبريك المسجد الأقصى؛ فبركته ربانية، ولسنا نحن الذين سميناه: المسجد الأقصى، وإنما الذي سماه هو الله السميع البصير، ولسنا نحن الذين نزعم أن الرسول الأعظم جاء إليه ليلاً مع أحد الملائكة راكباً دابةً سماويةً، إنما هي الحقيقة الناصعة في صريح كلام الله -تعالى- في كتابه الكريم، وفي صريح السنة الصحيحة المتواترة عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
الهوامش:
1- عضو في معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية في الجامعة العبرية، وهو باحث ومؤلف يهودي.
2- انظر: مقدمة إسحق حسون في تحقيقه لكتاب «فضائل بيت المقدس» للواسطي.
3- صحيفة «الفضل»، عدد (3) (سبتمبر، سنة 1935م).
4- المرجع السابق، عدد (23).
5- «فضائل بيت المقدس في مخطوطات عربية قديمة»، د. محمود إبراهيم، (ص49).



اعداد: عيسى القدومي