أولاً : حقيقة الصيام
ذكرت آيات الصيام في سورة البقرة حقيقة الصيام، وذلك من جهتي الإجمال والتفصيل :
- فأما من جهة الإجمال : ففي قوله تعالى ﭽﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭼ ووجه الدلالة : أن الألف واللام في قوله : ﭽﭨﭼ للعهد الذهني، أي : كتب عليكم الصيام المعهود عندكم . قال الطاهر بن عاشور – رحمه الله - :" فالتعريف في الصيام في الآية تعريف العهد الذهني ، أي كتب عليكم جنس الصيام المعروف . وقد كان العرب يعرفون الصوم ..... فالمأمور به صوم معروف زيدت في كيفيته المعتبرة شرعاً قيودُ تحديد أحواله وأوقاته ... وبهذا يتبين أن في قوله : ﭽ ﭦ ﭧ ﭨﭼ إجمالاً وقع تفصيله في الآيات بعده " ([1]).
فالصيام المأمور به هو المعهود عند العرب في لغتهم وأحوالهم، لأن القاعدة في التفسير : أن نصوص الكتاب تُحمل على معهود الأميين في الخطاب([2]) . قال ابن تيمية – رحمه الله - :"كان معقولا عندهم أن الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع ولفظ (الصيام) كانوا يعرفونه قبل الإسلام ويستعملونه كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها " أن يوم عاشوراء كان يوما تصومه قريش في الجاهلية"([3])، وقد ثبت عن غير واحد أنه قبل أن يفرض شهر رمضان أمر بصوم يوم عاشوراء وأرسل مناديا ينادي بصومه فعلم أن مسمى هذا الاسم كان معروفا عندهم" ([4]) .
- وأما من جهة التفصيل : فإن الفقهاء - رحمهم الله - اتفقوا من حيث الجملة على أن الصيام الشرعي هو : الإمساك عن شهوتي البطن الفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ([5]) .
وهذا التعريف الذي ذكره الفقهاء دلت عليه آخر آية من آيات الصيام، وذلك في قوله تعالى : ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅﭼ .
فالإمساك عن شهوة البطن قد دلت عليه الآية في قوله تعالى : ﭽﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭼ، ووجه الدلالة من الآية : أن الله أباح الأكل والشرب حتى يتبين الفجر، فإذا طلع الفجر لم يجز الأكل والشرب، للقاعدة الأصولية : أن ما قبل الغاية مخالف لما بعدها في الحكم ([6]) .
والإمساك عن شهوة الفرج قد دلت عليه الآية في قوله تعالى : ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭼ ، ووجه الدلالة : أن الله أباح الاستمتاع بالأهل ليلة الصيام، ومفهوم المخالفة أن ذلك لا يباح نهارًا، وكذلك دلت عليه الآية في قوله تعالى : ﭽ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭼ ، ووجه الدلالة من الآية : أن الله أباح الجماع حتى يتبين الفجر، فدل على أنه بطلوع الفجر لم يجز الجماع ، للقاعدة الأصولية : أن ما قبل الغاية مخالف لما بعدها في الحكم .
وأما تحديد الإمساك بطلوع الفجر إلى غروب الشمس فقد دل عليه قوله تعالى في آيات الصيام : ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅﭼ ووجه الدلالة : أن الليل محل للطعام والنكاح ومفهوم المخالفة له أن ذلك ممتنع في النهار، فدل على أن وقت الصيام هو النهار، وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه .
فدلت الآية على حقيقة الصوم الشرعي قال الجصاص – رحمه الله - :" فالمتفق عليه هو الإمساك عن الجماع والأكل والشرب في المأكول والمشروب والأصل فيه قوله تعالى ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅﭼ فأباح الجماع والأكل والشرب في ليالي الصوم من أولها إلى طلوع الفجر ثم أمر بإتمام الصيام إلى الليل وفي فحوى هذا الكلام ومضمونه حظر ما أباحه بالليل مما قدم ذكره من الجماع والأكل والشرب فثبت بحكم الآية أن الإمساك عن هذه الأشياء الثلاثة هو من الصوم الشرعي " ([7]) .


[1] . التحرير والتنوير ( 2 /154 - 156) .

[2] . مختصر قواعد التفسير ( ص : 7) .

[3] . رواه البخاري برقم (2002)، ومسلم برقم ( 1125) .

[4] . مجموع الفتاوى ( 25/220) .

[5] . انظر: الثمر الداني ( ص: 293)، حاشية الجمل على منهج الطلاب (2/303)، الموسوعة الكويتية (4/270) .

[6] . انظر : العدة في أصول الفقه ( 2/476)، نهاية السول (2/136)، القواعد والفوائد الأصولية (ص: 262)، إرشاد الفحول (ص : 154) .

[7] . أحكام القرآن (1/237) .