تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: نَحْنُ وَالمُزَاحُ

  1. #1

    افتراضي نَحْنُ وَالمُزَاحُ

    نَحْنُ وَالمُزَاحُ
    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وبعد :
    فإن الإنسان مدني بطبعة ، ومع إتساع المدن وكثرة الفراغ لدى بعض الناس ، وإنتشار أماكن التجمعات العامة كالمنتزهات والاستراحات ، وكثـرة الرحلات البرية ، والاتصالات الهاتفية ، واللقاءات المدرسية ، والتجمعات الشبابية ، توسع كثير من الناس في المزاح مع بعضهم البعض ، دون ضابط لهذا ؛ الأمر الذي ( قد ) يؤدي إلى المهالك ، ويورث العداوة والبغضاء .. والمراد بالمزاح : الملاطفة والمؤانسة ، وتطييب الخواطر ، وإدخال السرور ، وقد كان هذا من هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما ذكر ذلك البخاري في باب الإنبساط إلى الناس مستدلاً بحديث: ( يا أبا عمير ما فعل النغير ؟! ) ، وكذلك ما رواه أبو داود عن أنس أن رجلاً أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله إحملني ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إنا حاملوك على ولد الناقة ) ! ، قال : وما أصنع بولد الناقة ؟! ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( وهل تلد الإبل إلا النوق ) ؟ ، وعن أنــس أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال له : ( يا ذا الأذنين ) ـ يمازحه ـ ( رواه الترمذي ) . ولا شك أن التبسط لطرد السأم والملل ، وتطيب المجالس بالمزاح الخفيف ؛ فيه خير كثير ، قال إبن تيمية ـ رحمه الله ـ : ( فأما من إستعان بالمباح الجميل على الحق ؛ فهذا من الأعمال الصالحة ) ، وقد إعتبر بعض الفقهاء المزاح من المروءة وحسن الصحبة ، ولاشك أن لذلك ضوابط منها : 1 ـ ألا يكون فيه شيء من الإستهزاء بالدين : فإن ذلك من نواقض الإسلام ! ، قال الله ـ تعالى ـ : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ {65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ... { 66} }( سورة التوبة /65- 66 ) ، قــال ابن تيمـــــية ـ رحــمه الله ـ : ( الإستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه ) ، وكذلك الاستهزاء ببعض السنن ، ومما إنتشر كالإستهزاء باللحية أو الحجاب ، أو بتقصير الثوب .. أو غيرها. 2 ـ ألا يكون المزاح إلا صدقا : قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ويل للذي يحدث فيكذب ؛ ليضحك به القوم ! ، ويل له ! ) ( رواه أبو داود ) ، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ محذراً من هذا المسلك الخطير الذي إعتاده بعض المهرجين: ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه ؛ يهوي بها في النار أبعد من الثريا ) ( رواه أحمد ) . 3 ـ عدم الترويع : خاصة ممن لديهم نشاط وقوة ، أو بأيديهم سلاح أو قطعة حديد ، أو يستغلون الظلام وضعف بعض الناس ليكون ذلك مدعاة إلى الترويع والتخويف ، عن ابن أبي ليلى قال : حدثنا أصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنهم كانوا يسيرون مع النبي ، فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا يحل لمسلم أن يروع مسلما ) ( رواه أبو داود ) . 4 ـ الإستهزاء والغمز و اللمز : الناس مراتب في مداركهم وعقولهم ، وتتفاوت شخصياتهم ، وبعض ضعاف النفوس ـ أهل الاستهزاء والغمز واللمز ـ قد يجدون شخصاً يكون لهم سلما للإضحاك والتندر ـ والعياذ بالله ـ ، وقد نهى الله ـ عز وجل ـ عن ذلك فقال الله ـ تعالى ـ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُســُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ }( سورة الحجرات/11 ) ، قال ابن كثير ـ في تفسيره ـ : ( المراد من ذلك إحتقارهم وإستصغارهم والإستهزاء بهم ، وهذا حرام ، ويُعد من صفات المنافقين ) ، والبعض يستهزي بالخِلقة أو بالمِشية أو المركب ، ويُخشى على المستهزىء أن يجازيه الله ـ عز وجل ـ بسبب استهزائه ؛ قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا تُظهر الشماتة بأخيك ؛ فيرحمه الله ويبتليك ) ! . ( رواه الترمذي ) ، وحذَّر من السخرية والإيذاء ؛ لأن ذلك طريق العداوة والبغضاء قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( المسلم أخو المسلم ؛ لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ، التـقوى ها هـنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ ، بحسب إمرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام ، دمه ، وماله ، وعرضه ) ( رواه مسلم ) . 5 ـ أن لا يكون المزاح كثيراً : فإن البعض يغلب عليهم هذا الأمر ويصبح ديدنا لهم ، وهذا عكس الجَد الذي هو من سمات المؤمنين ، والمزاح فسحة ورخصة لإستمرار الجَد والنشاط والترويح عن النفس ، قال عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ : ( إتقوا المزاح ؛ فإنه حمقة تورث الضغينة ) ، قال الإمام النـــووي ـ رحمه الله ـ : ( المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ، ويداوم عليه ؛ فإنه يورث الضحك وقسوة القلب ، ويشغل عن ذكر الله ـ تعالى ـ ، ويؤول ـ في كثير من الأوقات ـ إلى الإيــذاء ، ويورث الأحقاد ، ويُسقط المهابة والوقار ، فأما من سَلِمَ من هذه الأمور ؛ فهو المباح الذي كان رسـول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفعله ) . 6 ـ معرفة مقدار الناس : فإن البعض يمزح مع الكل بدون إعتبار ، فللعالم حق ، وللكبير تقديره ، وللشيخ توقيره ، ولهذا يجب معرفة شخصية المقابل فلا يمازِح السفيه ولا الأحمق ولا من لا يعرف ، وفي هذا الموضوع قال عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ : ( اتقو المزاح ؛ فإنه يذهب المروءة ) ، وقال سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ : ( اقتصر في مزاحك ؛ فإن الإفراط فيه يذهب البهاء ، ويجريء عليك السفهاء ) . 7 ـ أن لا يكون المزاح إلا بمقدار الملح للطعام : قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا تكثر الضحك ؛ فإن كثرة الضحك ؛ تميت القلب ) ( صحيح الجامع :7312 ) ، وقال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ : ( من كَثُرَ ضحكه ؛ قَلَّتْ هيبته ، ومن مزح ؛ إستُخِفَّ به ، ومن أكثر من شيءٍ ؛ عُرِفَ به ) ..
    فَإِيَّــــاكَ إِيَّــــاكَ ، المُــــزَاحَ فَإِنَّــهُ يُجَرِّيءَ عَلَيْكَ الطِّفْلَ وَالدَنِسَ النَّذِلَا
    وَيُذْهِبَ مَاءَ الوَجْهِ بَعْــــدَ بَهَــــاءِهِ وَيُــوْرِثِهُ مِنْ بَعْـــــدِ عِزَّتِـــــهِ ذُلَّا
    8 ـ ألا يكون فيه غيبة: وهذا مرض خبيث ، ويُزين لدى البعض إنه يحكى ويقال بطريقة المزاح ، وإلا فهو داخـل في حديث النبي ـ صــلى الله عليه وسلم ـ : ( الغيبة ذكرك أخاك بما يكره ) ( رواه مسلم ) . 9 ـ إختيار الأوقات المناسبة للمزاح : كأن تكون في رحلة برية ، أو في حفلِ سَمَرٍ ، أو عند ملاقاة صديق ، تتبسط معه بنكتة لطيفة ، أو طرفة عجيبة ، أو مزحة خفــيفة ؛ لتدخل المودة على قلبه والسرور على نفسه ، أو عندما تتأزم المشاكل الأسرية ويغضب أحد الزوجين ، فإن الممازحة الخفيفة تزيل الوحشة وتعيد المياه إلى مجاريها . أخي المسلم ـ أختي المسلمة : قال رجل لسفيان بن عيينة ـ رحمه الله ـ : المزاح هَجِنَةٌ ـ أي : مستنكر ! ـ ؛ فأجابه ـ قائلاً ـ : ( بل هو سنة ، لكن لمن يحسنه ويضعه في مواضعه ) ، والأمة ـ اليوم ـ وإن كانت بحاجة إلى زيادة المحبة بين أفرادها ، وطرد السأم من حياتها ، إلا أنها أغرقت في جانب ( الترويح والضحك والمزاح ) ! ؛ فأصبح ديدنها وشغل مجالسها وسمرها ، فتضيع الأوقات ! ، وتفنى الأعمار !! ، وتمتلىء الصحف بالهزل واللعب !!! ، قال ـ صلى الله عليه وســـلم ـ : ( لو علمتم ما أعلم ؛ لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ) قال إبن حجر ـ رحمه الله ـ في فتح الباري : ( المراد بالعلم ـ هنا ـ : ما يتعلق بعظمة الله وإنتقامه ممن يعصيه ، والأهوال التي تقع عند النزع والموت وفي القبر ويوم القيامة ) ، وعلى ( المسلم والمسلمة ) أن يرجعوا إلى إختيار الرفقة الصالحة الجادة في حياتها ممن يعينون على قطع ساعات الدنيا والسير فيها إلى الله ـ عز وجل ـ بجد وثبات ، ممن يتأسون بالأخيار والصالحين ، قال بلال بــن سعد ـ رحمـــــه الله ـ : ( أدركتهم يشتدون بين الأغراض ، ويضحك بعضهم إلى بعض، فإذا كان الليل كانوا رهبانا ) !! ، وسئل إبن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : ( هل كان أصحاب رسول الله يضحكون ) ؟! ، قال : ( نعم ، والإيمان في قلوبهم مثل الجبال ) !! ، فعليك بأمثال هؤلاء ، فرسان النهار ، رهبان الليل ، جعلنا الله وإياكم ووالدينا من الآمنين يوم الفزع الأكبر ، ممن ينادَون في ذلك اليوم العظيم : { ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ }( سورة الأعراف / 49 ) ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . كتبه : الشيخ عبدالملك القاسم ـ بتَصرفٍ يسيرٍ ـ

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    المشاركات
    336

    افتراضي رد: نَحْنُ وَالمُزَاحُ

    حفظك الله من كل سوء اخي الحبيب

  3. #3

    افتراضي رد: نَحْنُ وَالمُزَاحُ

    اللهم آمين .. وإياك أخي .. ( جُزيتَ خَيراً .. وكُفيتَ شَرَّاً ) ..

  4. #4

    افتراضي رد: نَحْنُ وَالمُزَاحُ

    اللهم آمين .. وإياك أخي .. ( جُزيتَ خَيراً .. وكُفيتَ شَرَّاً ) ..

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •