بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
“لا سمحَ اللّه”
د.عبد العزيز الحربي
“لا سمحَ اللّه” جملة دعائيّة في صورة خبر، معناها: لا أذن اللّه، أو: لا قدَّر اللّه، وهي من الألفاظ الجارية على ألسنة العامّة والخاصّة في هذا العصر.. وفي جواب السؤال (10751) من فتاوى اللَّجنة الدَّائمة: “لا بأس بقول القائل: لا سمحَ الله.. إذا كان المراد بذلك طلب العافية مما يضره”، وفي فتاوى ابن عثيمين: “أكرهُ أن يقولَ القائلُ: لا سمحَ اللّه” وعلَّل الكراهةَ باحتمال أن يتوهّمَ أحدٌ أنّ أحداً يُجبر اللّهَ على شيء؛ لأن اللّهَ لا مكره له، كما ثبت ذلك في الصحيح، وقال الدكتور بكر أبو زيد في كتابه “المناهي اللَّفظية”: “والوضعُ اللّغويُّ لمادّة (سَمَحَ) لا يساعد عليه”.. والبحث الدقيق في معاجم اللّغة يكشف عن ثلاثة معانٍ للفظ “سمح” أحدها: الموافقة على المطلوب، والثاني: فعل الشيء في تسهّل وتيسير، والثالث: بمعنى جاد وأعطى عن كرمٍ وسخاء، وغالباً ما تكون هذه المعاني في المحبوب لا في المكروه، وقول القائل: لا سمحَ اللّه، إنّما يكون في المكروه عنده، غير أنّ تخريجه على أحد المعاني الثلاثة لاسيّما الأول ممكن، والسّماح في هذه الجملة موافقة على مطلوب القدر والأسباب، والله مسببها، لأن المصائب عن قدَر ولا تخلو من أسباب، وفوق ذلك تشتمل جملة “لا سمحَ اللّه” على معنىً بلاغيٍّ دقيقٍ يشتمل على أدب حسن؛ لأن المتكلم نزَّل المكروه منزلة المحبوب، ومن جليل الأدب أن لا ينسبَ الشّر إلى اللّه وإن كان من عنده، وتشتمل -أيضاً- على لطيفة أخرى، وهي ظن العبد أن القويَّ العزيزَ لطيفٌ بعبده، وقد يخرّج هذا على المعنى الثاني والثالث، والمجالُ لا يسمحُ بالبَسْطِ.. واللّهُ أعلم.