الصراع مع اليهود (3) مسوغات الغرب في تبني الدولة الصهيونية
يهود اليوم هم الحمير التي ركبها الصليبيون الجدد لغزو العالم العربي والإسلامي؛ عملا بالمثل الصيني القائل: «لا يهمني ما لون القط، المهم أنه يأكل الفئران»
تمثلت أهداف الغرب من تأسيس الدولة اليهودية في هدفين أساسيين، لا ثالث لهما:
الأول: التخلص من العبء اليهودي في العالم الغربي بعد أن فزع الغرب من سيل الهجرات اليهودية المتوالية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وغرب أوروبا ووسطها فضلا عن «جيتو» هنا وهناك، فظهر ما اصطلح عليه الغرب بـ«الفائض البشري اليهودي» الذي كانت سببا في نظرهم في إشاعة كثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، التي تهدد أمن الدول المستضيفة.
لقد كان يوما وما زال كثير من دول أوروبا تحت التأثير والسيطرة اليهودية، وذلك ما قاله نصاً (سيريب سبيردوفيتش) في كتابه: «أصبح العالم تحكمه عملياً الأسرة اليهودية السرية للروتشيلديين الذين أصبحوا يحكمون ألمانيا والنمسا وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة، وهم الآن يحكمون روسيا بالقناصل المؤيدين لهم، أي اليهود».
أدرك الغرب أن اليهود نفايات بشرية سامة تسمم الفكر والأخلاق يجب التخلص منهم وفي وقت مبكر، بعد أن أدرك بعض الغرب بمكر شديد كيف لهم أن يتخلصوا من الفائض البشري اليهودي بما يخدم مصالحهم فيتحقق لهم الخلاص من اليهود ووبائهم بطريقة يسعد بها اليهود ويظنون أن بها خلاصهم.
لقد قال كلمته (مارتن لوثر) في اليهود وبعد خلاصة تجربة مريرة معهم كلفته الكثير، قال: «لا نعلم السبب في حلول اليهود بيننا وأي شيطان قادهم إلينا، فنحن لم نأت بهم من بيت المقدس... وإذا هم اختاروا الرحيل عنا، فمستعدون أن نقدم إليهم حسن المعونة، حتى نتخلص منهم، فهم عبء ثقيل علينا في وطننا، بل هم أشبه بالوباء والطاعون وما رأينا منهم إلا النكبات».
لقد ضاقت بهم روسيا وبولندا وغيرهما فأصبحتا من أكثر المناطق استيعابا لليهود مما حدا بهم إلى الانتشار في هجرات متتالية إلى دول أوروبية أخرى أدركت بعد برهة من الزمن أن الوافد الجديد إليهم ليس مما يطاق من البشر، وقبل فوات الأوان سعى الغرب إلى إعادة تصدير اليهود وما يحملون معهم من وباء وانحطاط في الأخلاق، إلى المشرق الإسلامي وتحديدا إلى فلسطين تلك الوجهة والقبلة التي توافق عليها كلا الطرفين، فبدأ قادة الصهيونية وبكل حماس الترانسفير الطوعي لقطعان اليهود الأغبياء دون أن يدركوا أبعاد هذا القرار الإستراتيجي الجريء والخطير، وترانسفير غير طوعي ليهود آخرين جاءوا مرغمين لا يعنينا كثيرا في هذا المقام طرق وكيفية إرغامهم، لكن دون ان يدرك اليهود مع ما فيهم من مكر ما حيك لهم من الغرب وقيادتهم الصهيونية التي كانت كل منطلقاتها مبنية على الحقد والكراهية وغاياتها التي بررت كل وسيلة.
بدأ الحراك الغربي باتجاه فكرة التخلص من هذه الكتل البشرية بأسرع وقت وأقل التكاليف وبرضا الطرفين، ومما ينقل من جهود حول هذه المسألة، أنه خلال الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية اجتمع الرئيس (روزفلت) مع الملك عبد العزيز آل سعود ملك السعودية آنذاك، وقال روزفلت للعاهل السعودي: «إن هتلر والنازيين اضطهدوا اليهود، فاليهود يحتاجون إلى وطن، ولكن ماذا عن فلسطين»؟!
فرد الملك عبد العزيز- رحمه الله - قائلا: «ليس الفلسطينيون هم الذين اضطهدوا اليهود، النازيون هم الذين فعلوا ذلك، إن من الخطأ معاقبة الفلسطينيين بسبب ما فعله النازيون، لا يمكن أن أوافق على سلخ وطن عن شعب لإعطائه لشعب آخر».
- الثاني: وظيفية الشعب والدولة «الصهيويهودية» لخدمة أهداف الغرب الصليبي في المشرق الإسلامي.
ليتحول هذا الفائض البشري غير المنسجم لينصهر في كيان سياسي على هيئة «دولة وظيفية» تحول دون بروز قوة عربية إسلامية تطل على الممرات المائية وتسيطر على خيرات المنطقة لتشكل تهديدا لأمن ومستقبل الدول الأوروبية، ولاسيما بعد الانقضاض على الدولة العثمانية لتكون تركة سهلة التوزيع والعبث بها على أيدي، (سايكس بيكو).
وتقسيم العالم العربي إلى قسمين، وتطل على الممرات المائية الإستراتيجية فتحول دون ظهور قوة محلية تملأ الفراغ الذي سينجم عن تقسيم الدولة العثمانية التي قد تهدد المصالح الغربية، وهذا هو الحل الصهيوني للمسألة اليهودية.
لقد كشف (السر بن غوريون) -أول رئيس لحكومة اليهود– عن مغزى تأسيس الحركة الصهيونية بقوله: إن الحركة الصهيونية كانت دعائم لإقامة البيت القومي، وإنه بعد إقامة الدولة، يجب فكها.
نعم هو مقلب وورطة وأزمة تاريخية لن تنفك عن اليهود ما بقوا في فلسطين وفخ وقعوا به لن يخرجوا منه بسلام، ففلسطين المحاطة بعمقها التاريخي الإسلامي والعربي بالنسبة لليهود فخ امتدادهم الديموغرافي مع من حولهم من دول تحيط بهم أطلق عليها دول الطوق عرفت بأصالتها العربية وأصوليتها الإسلامية منذ فجر تاريخ البشرية والإسلام، ولقد أتى اليهود على أمة كانت في لحظة غفلة من أمرها، ولم يدركوا أن هذه الأمة ليس كل أمرها غفلة.
لقد استطاع الغرب الأوروبي كعادته الاستفادة من النفايات وتحويلها إلى مواد يمكن إعادة استخدامها ويمكن الاستفادة منها، وهكذا كان الأمر لهم بالنسبة لليهود، فلقد نجحوا في تحويلهم من شعب ينبح عليهم إلى شعب ينبح لهم بعدما ألقوهم في فلسطين، ونسي اليهود بلحظة غباء منهم أنهم لن يستطيعوا أن يغيروا تاريخا ودينا متجذرين في منطقة من أهم المناطق الاسلامية العربية، فجعلوا من اليهود دولة وظيفية تسعى دائما ونيابة عنهم في تحقيق أهداف المستعمر الأوروبي.
ويؤيد ذلك ما كتبه وزير بريطانيا السابق المستر (إيموي) في مذكراته: «نحن نرى، من وجهة النظر البريطانية الخاصة، أن إقامة شعب يهودي ناجح في فلسطين يدين بوجوده وفرصته في التطور للسياسة البريطانية، هو كسب ثمين لضمان الدفاع عن قناة السويس من الشمال ولأداء دور محطة الطرق الجوية القبلة مع الشرق».
نعم، لقد نجحوا في جعل اليهود ودولتهم جماعة وظيفية أو بمفهوم عالم المقاولات والتجارة: مقاول في الباطن، يحقق للغرب أهدافه الاستعمارية ويكونون رأس حربة وفوهة مدفع يقاتلون ويحققون الأهداف القريبة والبعيدة نيابة عنهم، جاء في مجلة «بير سبكتيف» عدد أبريل /مايو1984م: «لقد أغرقنا إسرائيل بالمال والأسلحة، جعلنا من دولة الثلاثة ملايين تقريبا، ماردا عسكريا أكبر من أي من ألمانيا، وإنجلترا، وفرنسا، وأقوى من 21 دولة عربية مجتمعة».
باختصار.. يهود اليوم هم الحمير التي ركبها الصليبيون الجدد لغزو العالم العربي والإسلامي؛ عملا بالمثل الصيني القائل: «لا يهمني ما لون القط، المهم أنه يأكل الفئران».
ولتحقيق أهداف وطموحات إستراتيجية وتكتيكية لجشع عالم غربي مادي لا تنتهي أطماعه عند حد، فالدولة الصهيونية بمثابة شرطي يعمل بالإنابة وبتوكيل من الباطن يحمل عصا غليظة يعاقب بها كل من حاد عن الصراط الصليبي المرسوم لدول المنطقة.
وتمثلت الوظيفة المطلوبة من هذه الدولة الصهيونية اللقيطة، وخلال استقراء وتتبع ممارسات ساسة وسياسات الغرب تجاه مشرقنا العربي الإسلامي في التالي:
- تفتيت وتمزيق النسيج واللحمة التي تتمتع بها المنطقة من رابطة عقدية وتاريخية وفكرية ولغوية وسياسية وعسكرية، فضلا عن عادات وتقاليد ومصير مشترك بين شعوب المنطقة العربية.
- إبقاء المنطقة في حالة تأزيم دائم ومستمر؛ ليسهم ذلك في تعطيل وإجهاض كل أنواع التنمية الحضارية بأنواعها؛ لتبقى متخلفة عن ركب الحضارة، وعاجزة عن استغلال مواردها الكثيرة والمتنوعة، ولتبقى مواردنا مواد أولية منهوبة أو مبيعة بأبخس الأثمان؛ لتصبح أمتنا استهلاكية من الدرجة الأولى وعميلا نهما ودائما للصناعات الغربية.
اعداد: جهاد العايش