الناس أجناس ، بل هم معادن كمعادن الذهب والفضة ، وهذا أمر طبيعي جبلي تتجلى من خلاله عظمة الخالق في تباين الطبائع واختلافها ، ولا أدل على ذلك من قوله تعالى ( واختلاف ألوانكم ) ، وعليه فإن تصنيف الناس انعكاس لتباين أجناسهم واختلاف معادنهم ، فمنهم السهل ، والحزن ، والشهم ، والنبيل ، والوفي ، والفظ ، والغليظ ، والماكر ، والمفوه ، والفطن ، و ... الخ . مما نتج عن هذا التصنيف نشوء عبارات ومفردات وجمل ومصطلحات من شانها ترجمة تلك الأفعال باعتبارها صفات إلى مدلولات تدل عليها ؛ كالمدح ، والثناء ، والجرح والتعديل ، والقدح ، ... الخ ، مدلولات لفظية لصفات يتجاذبها الناس لغرض تصنيف بعضهم بعضا في إطار اختلاف المعدن والجوهر ، وهذا لا يضير ما دام يفضي لمعرفة تفاوت القدرات وتمايز الإمكانيات لأجل اختيار الأصلح والأنفع ، وتقديم الأفضل ، واستصلاح الرديء ، ورد الأمور إلى نصابها على أساس من الحكمة ، وسداد الرأي ، ومعرفة الآخر مع عدم الغلو في الذات .. كل ذلك تحت راية البناء والاستصلاح لا العكس ، أي إن الباعث هو التقييم مع التقويم ، لا التقييم بدون تقويم ، وهو ما يسمى بالنقد البناء . فمن المؤسف أن يصنف الناس ويوصفوا بحسب رغبة المصنف أو الواصف أو بالأصح وفق قواعد المصلحة الذاتية ، والتي غالبا ماترى بعين الآن ؛ فربما وصف شخص من قبل شخص واحد بأوصاف عدة في زمن ليس بالكثير ، فتارة بالكريم ، وأخرى باللئيم ، وحقبة بالشهم المقدام ، وأخرى بالخوار الجبان ، وفينة يستحق المدح ، وأخرى هو أهل للقدح ، في ظل تخبط واضح تتضح من خلاله قلة البصيرة وانعدام التقوى عند إلصاق الأوصاف بالناس .
إن تصنيف الناس على أساس المصلحة الذاتيه ، أو بمنظور عين الرضا وعين السخط ليس إلا إنما هو خور وضعف في شخصية مطلق التصنيف ، علاوة إلى الفوضى الاجتماعية التي تترتب على ذلك من قطع الصلات ، ووسد الأمر إلى غير أهله ، وفساد ذات البين ، وهشاشة الصداقات ، إلى غير ذلك مما لا يخفى على ذوي الألباب .
كتبه / ياسرشعبين