(1) توطئة
إن الوقوف مع معجم الحديث الشريف يعطينا لغة وفقها وحديثا؛ لذا سنقف هذه المرة مع حقل دلالي غريب عن اللغوي الذي لا صلة له بالحديث.
وأدعو الله تعالى أن تكثر مثل هذه المشاركات حتى يزداد الثراء اللغوي الفقهي الحديثي.

(2) المتن من كتب صحاح السنة
صحيح البخاري
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُخَاضَرَة ِ، وَالْمُلَامَسَة ِ، وَالْمُنَابَذَة ِ، وَالْمُزَابَنَة ِ.
صحيح البخاري
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ. قَالَ: وَالْمُزَابَنَة ُ أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَ بِكَيْلٍ إِنْ زَادَ فَلِي وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ.
صحيح مسلم
بَاب النَّهْيِ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَة ِ وَعَنْ الْمُخَابَرَةِ وَبَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَعَنْ بَيْعِ الْمُعَاوَمَةِ وَهُوَ بَيْعُ السِّنِينَ.

(3) الشرح من كتب شرح الحديث
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي
قَوْلُهُ: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) قَالَ النَّوَوِيُّ: النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ وَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَمَا لَمْ يَتِمَّ مِلْكُ الْبَائِعِ عَلَيْهِ، وَبَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ، وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَبَيْعِ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ، وَبَيْعِ بَعْضِ الصُّبْرَةِ مُبْهَمًا، وَبَيْعِ ثَوْبٍ مِنْ أَثْوَابٍ. وَشَاةٍ مِنْ شِيَاهٍ، وَنَظَائِرِ ذَلِكَ. وَكُلُّ هَذَا بَيْعٌ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ بَعْضَ الْغَرَرِ بَيْعًا إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ، كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الدَّارِ وَكَمَا إِذَا بَاعَ الشَّاةَ الْحَامِلَ وَاَلَّتِي فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْأَسَاسَ تَابِعٌ لِلظَّاهِرِ مِنْ الدَّارِ. وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ. وَكَذَا الْقَوْلُ فِي حَمْلِ الشَّاةِ وَلَبَنِهَا، وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ أَشْيَاءَ فِيهَا غَرَرٌ حَقِيرٌ. مِنْهَا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوُهَا وَلَوْ بِيعَ حَشْوُهَا بِانْفِرَادِهِ لَمْ يَجُزْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إِجَارَةِ الدَّارِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ شَهْرًا مَعَ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَمَّامِ بِالْأُجْرَةِ مَعَ اِخْتِلَافِ النَّاسِ فِي اِسْتِعْمَالِهِ مْ الْمَاءَ وَفِي قَدْرِ مُكْثِهِمْ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَدَارُ الْبُطْلَانِ بِسَبَبِ الْغَرَرِ وَالصِّحَّةِ مَعَ وُجُودِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ إِلَى اِرْتِكَابِ الْغَرَرِ وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ، وَكَانَ الْغَرَرُ حَقِيرًا جَازَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ بَيْعَ الْمُلَامَسَةِ وَبَيْعَ الْمُنَابَذَةِ وَبَيْعَ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَبَيْعَ الْحَصَاةِ وَعَسْبِ الْفَحْلِ وَأَشْبَاهِهَا مِنْ الْبُيُوعِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا نُصُوصٌ خَاصَّةٌ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَلَكِنْ أُفْرِدَتْ بِالذِّكْرِ وَنُهِيَ عَنْهَا لِكَوْنِهَا مِنْ بِيَاعَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ اِنْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ.
(وَبَيْعِ الْحَصَاةِ) فِيهِ ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَقُولَ بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِيهَا. أَوْ بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ هُنَا إِلَى مَا اِنْتَهَتْ إِلَيْهِ الْحَصَاةُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ بِعْتُك عَلَى أَنَّك بِالْخِيَارِ إِلَى أَنْ أَرْمِيَ بِهَذِهِ الْحَصَاةِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ الرَّمْيِ بِالْحَصَاةِ بَيْعًا فَيَقُولُ إِذَا رَمَيْت هَذَا الثَّوْبَ بِالْحَصَاةِ فَهُوَ مَبِيعٌ مِنْك بِكَذَا، قَالَهُ النَّوَوِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَمَعْنَى بَيْعِ الْحَصَاةِ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: إِذَا نَبَذْت ... إِلَخْ) وَقَعَ هَذَا التَّفْسِيرُ فِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ، قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ: وَلِلْبَزَّارِ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْهُ يَعْنِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ يَعْنِي إِذَا قَذَفَ الْحَصَاةَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ اِنْتَهَى. (وَهُوَ) أَيْ بَيْعُ الْحَصَاةِ (يُشْبِهُ) مِنْ الْإِشْبَاهِ أَيْ يُشَابِهُ (بَيْعَ الْمُنَابَذَةِ) هُوَ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَ الْآخَرُ بِثَوْبِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ.

فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْلُهُ: (عَنْ الْمُحَاقَلَةِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ بَيْعُ الطَّعَامِ فِي سُنْبُلِهِ بِالْبُرِّ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَقْلِ، وَقَالَ اللَّيْثُ: الْحَقْلُ الزَّرْعُ إِذَا تَشَعَّبَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَغْلُظَ سُوقُهُ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ إِدْرَاكِهِ، وَقِيلَ: بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَقِيلَ: بَيْعُ مَا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ، وَعَنْ مَالِكٍ هُوَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ أَوْ بِكَيْلِ طَعَامٍ أَوْ إِدَامٍ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُحَاقَلَةَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا تُنْبِتُ.
زَادَ الْإِسْمَاعِيلِ يُّ فِي رِوَايَتِهِ "قَالَ يُونُسُ بْنُ الْقَاسِمِ: وَالْمُخَاضَرَة ُ بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تُطْعَمَ، وَبَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ وَيُفْرَكَ مِنْهُ". وَلِلطَّحَاوِيّ ِ: قَالَ عُمَرُ بْنُ يُونُسَ: فَسَّرَ لِي أَبِي فِي الْمُخَاضَرَةِ قَالَ: "لَا يُشْتَرَى مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ حَتَّى يُونِعَ: يَحْمَرُّ أَوْ يَصْفَرُّ" وَبَيْعُ الزَّرْعِ الْأَخْضَرِ مِمَّا يُحْصَدُ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ مِمَّا يُهْتَمُّ بِمَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِيهِ، وَقَدْ أَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ مُطْلَقًا وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ إِذَا اُخْتُلِفَ، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَجُوزُ إِذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَلِلْمُشْتَرِي مَا يَتَجَدَّدُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَنْقَطِعَ، وَيُغْتَفَرُ الْغَرَرُ فِي ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، وَشَبَّهَهُ بِجَوَازِ كِرَاءِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ مَعَ أَنَّهَا تَتَجَدَّدُ وَتَخْتَلِفُ، وَبِكِرَاءِ الْمُرْضِعَةِ مَعَ أَنَّ لَبَنَهَا يَتَجَدَّدُ وَلَا يُدْرَى كَمْ يَشْرَبُ مِنْهُ الطِّفْلُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَصِحُّ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ مُطْلَقًا، وَقَبْلَهُ يَصِحُّ بِشَرْطِ الْقَطْعِ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحَبِّ فِي سُنْبُلِهِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ.
صحيح مسلم بشرح النووي
وَأَمَّا (الْمُخَابَرَة) فَهِيَ وَالْمُزَارَعَة مُتَقَارِبَتَان ِ وَهُمَا الْمُعَامَلَة عَلَى الْأَرْض بِبَعْضِ مَا يَخْرُج مِنْهَا مِنْ الزَّرْع كَالثُّلُثِ وَالرُّبُع وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاء الْمَعْلُومَة. لَكِنْ فِي الْمُزَارَعَة يَكُون الْبَذْر مِنْ مَالِك الْأَرْض وَفِي الْمُخَابَرَة يَكُون الْبَذْر مِنْ الْعَامِل. هَكَذَا قَالَهُ جُمْهُور أَصْحَابنَا، وَهُوَ ظَاهِر نَصّ الشَّافِعِيّ. وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا وَجَمَاعَة مِنْ أَهْل اللُّغَة وَغَيْرهمْ: هُمَا بِمَعْنًى. قَالُوا: وَالْمُخَابَرَة مُشْتَقَّة مِنْ الْخَبَر وَهُوَ الْأَكَّار أَيْ الْفَلَّاح. هَذَا قَوْل الْجُمْهُور. وَقِيلَ: مُشْتَقَّة مِنْ الْخِبَار وَهِيَ الْأَرْض اللَّيِّنَة. وَقِيلَ: مِنْ الْخِبْرَة وَهِيَ النَّصِيب. وَهِيَ بِضَمِّ الْخَاء. وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ: قَالَ أَبُو عُبَيْد: هِيَ النَّصِيب مِنْ سَمَك أَوْ لَحْم، يُقَال: تُخْبِرُوا خِبْرَة إِذَا اِشْتَرَوْا شَاة فَذَبَحُوهَا وَاقْتَسَمُوا لَحْمهَا. وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ: مَأْخُوذَة مِنْ خَيْبَر؛ لِأَنَّ أَوَّل هَذِهِ الْمُعَامَلَة كَانَ فِيهَا. وَفِي صِحَّة الْمُزَارَعَة وَالْمُخَابَرَة خِلَاف مَشْهُور لِلسَّلَفِ. وَأَمَّا النَّهْي عَنْ بَيْع الْمُعَاوَمَة وَهُوَ بَيْع السِّنِينَ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَبِيع ثَمَر الشَّجَرَة عَامَيْنِ أَوْ ثَلَاثَة أَوْ أَكْثَر، فَيُسَمَّى بَيْع الْمُعَاوَمَة وَبَيْع السِّنِينَ وَهُوَ بَاطِل بِالْإِجْمَاعِ، نَقَلَ الْإِجْمَاع فِيهِ اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْره لِهَذِهِ الْأَحَادِيث. وَلِأَنَّهُ بَيْع غَرَر وَلِأَنَّهُ بَيْع مَعْدُوم وَمَجْهُول غَيْر مَقْدُور عَلَى تَسْلِيمه وَغَيْر مَمْلُوك لِلْعَاقِدِ. وَاَللَّه أَعْلَم.