طبعا بعد الفوز التاريخي لأستاذنا (د. محمد مرسي) تلاشت كلمة «الفلول» إلى غير رجعة، وصار نسيج المجتمع المصري لحمة واحدة، والمفروض من كل الإخوة أن لا يعير المنتصر منهم المهزوم، لأننا بواقع الحال بلد واحد وشعب واحد وقضية واحدة ومصير واحد.
لكن اسمحوا لي أن أستخدم تعبير «فلول» لآخر مرة في حياتي، ليس لتبكيت أتباع شفيق، ولكن لرصد المعاناة التي لاقيناها من أبناء محافظتنا «الغربية» في المناقشة والإقناع، وسرد فتوى العلماء وآراء الساسة المنصفين، من أجل تطويع طوفان بشري عارم من المحيطين بنا للحيلولة دون إجهاض الثورة وضياع مكتسباتها واستنساخ نظام الطاغية من جديد على يد أحمد شفيق.
هذا الرصد أعتبره من وجهة نظري مهم جدا في أي مرحلة تمر بها أمتنا، ويتلخص في عجالة في النقاط التالية:
- هذه الثورة ثورة مباركة، تتلمس في كل أحداثها لطف الله الخفي بهذه الأمة المطحونة، فمن أول يوم بدأت وحتى نهايتها -إن شاء الله- يرى كل منصف أنها ثورة تتربى في كنف الله عز وجل، ولذلك عندما تشتد الأمور وتعظم المكائد والدسائس كان المخلصون يعتصمون بلطف الله ويستضيئون بالأمارات الربانية التي ترعى هذه الثورة المصرية، قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً}[الطارق:15-16].
- مصر أمة كبيرة، ليس تحيزا لبلدي ولكنه واقع صمد أمام كل محاولات التشويه الضارية، حيث غلب صوت الإيمان والحكمة والعقل كل صوت، رغم ضجيج الأبواق الإعلامية المغرضة الذي لم ينقطع صباح مساء، ورغم حجم الأموال التي أنفقها المغرضون والمخربون، وهذا الرصد إنما هو أولا شكرا لله تعالى، وثانيا تبكيتا لكل فكر أو يد تحاول عبثا أن تدمر هذا البلد «مصر المحروسة» كما يسميها أهلها، قال تعالى: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ } [الرعد:17]
- محافظتي «الغربية» كانت من المحافظات الرائدة في التصويت لمرشح الفلول أحمد شفيق، رغم أنها محافظة ريفية الطابع، وهذا التأييد أرجعه بعض المحللين إلى التيار الصوفي الذي ينتشر فيها بقوة لوجود ضريح السيد البدوي، لكن أنا بتقديري أن التراجع الثقافي والفكري كان هو السبب، فالمحافظة من المحافظات الفقيرة، ونسبة البطالة والأمية الثقافية فيها عالية، وهذا ما جعل أبنائها لقمة سائغة في فك الإعلام المغرض التخريبي، لكن لا أستطيع أن أصف لكم حجم المحنة وأنت تعايش جيش بشري جرار يختلف معك بعنف وفظاظة، وينجرف نحو حتفه وهو لا يشعر، فإذا انضاف إلى هؤلاء العدد الكلي الذي صوت لشفيق على مستوى مصر كلها والذي كاد يقارب نسبة د. محمد مرسي يتضح لكل ذي عين حجم التخريب الفكري الذي أحدثته الأنظمة السابقة في العقول، فضلا عن التخريب الاقتصادي .. لقد تفشت فينا العلمنة بصورة لافته، وتبجح الكثيرون في الجهر بمعاداة الدين، وأعجب كل ذي رأي برأيه في غياب المعايير والمرجعيات السوية التي يرجع الكل إليها، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَه ُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً } [النساء:83].
- دور الإعلام الفلولي التحريضي كان له أثرا ملموسا وواضحا جدا في توجيه الرأي العام، وخير مثال قناة الفراعين بقيادة المدعو توفيق عكاشة التي استطاع بإفكه استمالة أعداد لا يستهان بها من البسطاء، وصدق من قال: «أعطني شاشة أغير بها وجه العالم»، ولذلك العتب كل العتب على القنوات الإسلامية التي تقاعست في أداء دورها، وأفضلها دخل مضمار السباق الرأسي متأخرا، لذلك كان الاستهان بدور الإعلام خطأ حركي ينبغي أن نتفطن له في المراحل القادمة.
- أيضا تقاعس مشايخنا ونخبنا عن التواجد بقوة وسط الجموع كان خطأ فادحا، حيث أن مسألة (عدم الزج بالدعاة والمشايخ في العملية السياسية) ليست صحيحة على الدوام، ولابد أن تقدر كل حالة بقدرها، وطالما أن الإعلام الفلولي قد فتح النار بافتراءاته فكان يجب الدفع بقوة بجيوشنا الجرارة من الدعاة والنخب السياسية المخلصة لمواجهة الرأي بالرأي والحجة بالحجة.
- نجاح الثورة جماهيريا قد حسم وصار واقع لا ينكره أحد، لكن المعركة لم تنته بعد، ومازال للفلول نفس سيحاولون به عزل الدور الشعبي وتحييد نخب الشعب سياسيا، والالتفاف على الثورة عبر القوانين والتشريعات لتفريغ الثورة من محتواها وقيادتها الشعبية، ومن هذا المنطلق بدأ حل مجلس الشعب، رغم أنه المجلس النيابي الوحيد في تاريخ مصر الذي يتمتع بالنزاهة والكفاءة، وحدث ولا حرج عن منظومة التشريعات الخاصة برئيس الجمهورية –حفظه الله- التي أفرغته من كل الصلاحيات وجعلته كخيال المآته، جسد بلا روح، وقائد بلا سلطة، وهذه لعبة ساذجة لا تنطلي على أحد، ومن شأنها أن تنقلب على لاعبيها، خاصة وأن تأييد الله لهذا الشعب ورموزه لا ينكره حكيم، فمن وجد الله ماذا فقد، ومن فقد الله فماذا وجد، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]

د/ خالد سعد النجار

alnaggar66@hotmail.com