بحث ممتع للشيخ سعد الحميد في عطاء الخراسانيهو: عطاء بن أبي مسلم الخراساني البلخي، نزيل الشام، مولى المهلب بن أبي صُفرة الأزدي، صدوق؛ إلا أنه كثير الإرسال، ولم يسمع من أحد من الصحابة، وإنما روى عن سعيد بن المسيب والحسن البصري وسعيد بن جبير وغيرهم من التابعين، روى عنه نجم العطار وسفيان الثوري وشعبة ومالك وغيرهم.
وقد وثقه الإمام أحمد وابن معين وابن سعد والعجلي والترمذي والدارقطني ويعقوب بن أبي شيبة وزاد: "معروف بالفتوى والجهاد". ونقل عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه أنه قال: "لا بأس به، صدوق". قال عبد الرحمن: قلت: "يحتج بحديثه؟" قال: "نعم". وقال النسائي: "ليس به بأس" ، وقال شعبة: "حدثنا عطاء الخرساني وكان نسيا" وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال: "ما أعرف لمالك رجلا يروي عنه يستحق أن يترك غير عطاء الخرساني". قلت: ما شأنه؟ قال: "عامة أحاديثه مقلوبة". ثم قال الترمذي: "عطاء ثقة، روى عنه مثل مالك ومعمر ولم أسمع أن أحدًا من المتقدمين تكلم فيه". اهـ.
قلنا رحم الله البخاري! فإن مالكًا روى عن عبد الكريم بن أبي المخارق المجمع على ضعفه، وأين عبد الكريم من مثل عطاء الذي وثقه جمع من الأئمة ممن تقدم ذكرهم، ونص على الاحتجاج بحديثه أبو حاتم الرازي، وهو معروف بتشدده! ولذا لم يقنع الترمذي رضي الله عنه بكلام شيخه البخاري؛ فعقب على عبارته بعد حكايته لها بقوله: "عطاء ثقة ..."إلخ. وقد ذكر البخاري بعض ما ينتقده على عطاء، ومنه ما رواه عن ابن المسيب في كفارة الوطء في نهار رمضان، وقدح سعيد بن المسيب في عطاء لذلك، وتأثر البخاري به، وذلك أنه - أي البخاري - أورد عطاء في "الضعفاء الصغير"، ولم يتكلم عنه بشيء، وإنما أورد بسنده عن القاسم بن عاصم قوله: قلت لسعيد بن المسيب: إن عطاء الخرساني حدثني عنك أن النبي صلى الله عليه وسلم: «أمر الذي وقع على امرأته في رمضان بكفارة الظهار؟» فقال: كذب علي عطاء، ما حدثته، إنما بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «تصدق تصدق». أهـ. وكلمة "كذب" بلغة أهل الحجاز بمعنى "أخطأ"، ونحن لا ننكر أن عطاء أخطأ في بعض ما روى، ولكن لم يصل به الخطأ إلى ترك الاحتجاج بحديثه، وإنما يعرف ما أخطأ فيه فيجتنب، ويحتج بما سوى ذلك، وحديثه في مرتبة الحسن كما تفيده عبارة أبي حاتم والنسائي، وهذا هو الذي رجحه الذهبي بقوله في "المغني في الضعفاء" : "صدوق مشهور"، وجميع من ذكر عطاء في الضعفاء -كأبي زرعة والعقيلي وغيرهما - إنما أعتمد كلام سعيد بن المسيب وشعبة وموقف البخاري، ويجاب عنه بما تقدم.
وقد أسرف ابن حبان رحمه الله كعادته، فقال: "أصله من بلخ، وعداده في البصريين، وإنما قيل له الخراساني؛ لأنه دخل خراسان وأقام بها مدة طويلة، ثم رجع إلى العراق، فنسب إلى خراسان، وكان من خيار عباد الله، غير أنه رديء الحفظ، كثير الوهم، يخطئ ولا يعلم، فيُحمل عنه، فلما كثر ذلك في روايته؛ بطل الاحتجاج به" . وتعقبه الذهبي في "ميزان الاعتدال" بقوله: "فهذا القول من ابن حبان فيه نظر" ولا سيَّما قوله: "وإنما قيل له الخراساني..."، فيا هذا! أي حاجة بك إلى هذه الدورة؛ أليست بلخ من أمهات مدن خراسان بلا خلاف؟!". ومما يدل على مجازفة ابن حبان بقوله هذا؛ أنه لم يورد في ترجمة عطاء شيئا من الأحاديث التي تنتقد عليه مع أن عادته إذا أورد الراوي وتكلم فيه ذكر بعض ما ينتقد عليه من الحديث. ولعل ما أشكل على ابن حبان وقوفه على بعض الأحاديث التي يرويها عثمان بن عطاء عن أبيه، ويروي فيها شيئا من النكارة؛ فإنه أورد عثمان بن عطاء هذا في "المجروحين" وقال: "أكثر روايته عن أبيه، وأبوه لا يجوز الاحتجاج بروايته؛ لما فيها من المقلوبات التي وهم فيها، فلست أدري: البلية في تلك الأخبار منه أم من ناحية أبيه؟!..." إلى آخر ما قال؛ مما يدل على تردده فيمن يتحمل تبعة هذه الأحاديث بين عثمان الضعيف وأبيه الذي وثقه جمع من الأئمة.
انظر: "الضعفاء الصغير" للبخاري (ص89-90 رقم278)، و "تاريخ الثقات للعجلي" (ص 334 رقم736)، و "العلل الكبير للترمذي" (2/704-706)، و "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (6/334-335 رقم1850)، و "المجروحين" لابن حبان (2/100 و130-131)، و "تهذيب الكمال" للمزي (20/106-117)، و "ميزان الاعتدال" (3/73-75)، و "المغني في الضعفاء" (2/434 رقم4122)([1]).
[1] ـ انظر هذه الترجمة في تخريج الحديث رقم (1278/التفسير) من سنن سعيد بن منصور.