بسم الله الرحــمــــن الــرحـــيــم..

الحــمــــدلله رب العــــالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

أمـــابــعد..

فإن من أشرف العلوم وانفعها وأكثرها بركة على الإطلاق العلم بكتاب الله جل وعلا ومدارسته والعلم بحديث نبينا عليه الصلاة والسلام ومدارسته..كيف لا وقد قال عليه الصلاة والسلام(تركت فيكم شيئين ، لن تضلوا بعدهما : كتاب الله ، و سنتي) (صحيح الجامع2937)

ولا شك ان الله جل وعلا يحب منا أن نتعلّم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , وأن نفهم ونتدبر ونعقل ديننا من الكتاب والسنة الصحيحة وأن نأخذه بقوة , قال جل وعلا :(كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته) /29سورة ص,وقال جل جلاله:(أفلا يتدبرون القرآن)/82سورة النساء..

وقال جل وعلا:(بَلْ هُوَ آيَات بَيِّنَات فِي صُدُور الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْم )/سورةالعنكبوت 49 ..

وقال عليه الصلاة والسلام :(خيركم من تعلم القرآن وعلّمه) صحيح البخاري ..

وقال صلى الله عليه وسلم يوما لأصحابه ):......فلأن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خيرا له من ناقتين ,وإن ثلاث فثلاث مثل أعدادهن من الإبل) (أخرجه ابو داوود)..

قال صاحب عون المعبود رحمه الله تعالى:(..... والمعنى أن الآيتين خير له من ناقتين ,وثلاث من الآيات خير له من ثلاث من الإبل وأربع خير له من أربع من الإبل(وقال أيضا رحمه الله تعالى:(والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم أراد ترغيبهم في الباقيات وتزهيدهم عن الفانيات ,فذكره هذا على سبيل التمثيل والتقريب إلى فهم العليل ,وإلا فجميع الدنيا أحقر من ان يقابل بمعرفة آية من كتاب الله تعالى أو بثوابها من الدرجات العلى)- عون المعبود 4/194


ومن هنا أقول :إن تعلّم مقصود الله تعالى ومقصود رسوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة وضبط معاني وفقه النصوص خير ما أُفنيت فيه الاعمار واستهلكت فيه الأيام والساعات.. وكثير من همم طلاب العلم قد توجهت اليوم الى تكثير المحفوظات عن ضبط فقه النصوص ,ومالت النفوس الى النظر في المناقشات والمجادلات وعويص الكلام وجمع ذلك و اشتغلت به عن فهم مقصود الله تعالى ومقصود رسوله صلى الله عليه وسلم في النصوص .. ثم أين ما حصل المسلم من العلم ؟أين فهمه لنصوص القرآن والحديث ؟أين العلم الذي يورث عملا صالحا وخشية لله تعالى وإخباتا؟ قد لا تجد إلا قلة تحصّل لهم هذا المطلوب الأعظم والمقصد الأسمى..
..ففهم نصوص الكتاب والسنة والعقل عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم كما يريده الله تعالى وإدراك مقاصد التشريع وأسراره أمور مهمة جدا.. لا يكفي ان نحفظ او نقرأ ونجمع فقط, بل لابد من الفهم المتقن السليم للنصوص الشرعية الذي يورث يقينا واطمئنانا و زيادة رسوخ وإيمان ويقي بإذن الله تعالى من الزيغ والضلال..

واقرؤوا ما قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى فهذه كلمات تُكتب بأغلى مداد فجزاه الله خيرا على نصحه للأمة:

(
من الأمور المهمة في طلب العلم قضية الفهم، أي فهم مراد الله – عز وجل – ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن كثيراً من الناس أوتوا علماً ولكن لم يؤتوا فهماً. لا يكفي أن تحفظ كتاب الله وما تيسر من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون فهم. لابد أ ن تفهم عن الله ورسوله ما أراده الله ورسوله، وما أكثر الخلل من قوم استدلوا بالنصوص على غير مراد الله ورسوله فحصل بذلك الضلال.
وهنا أنبّه على نقطة مهمة ألا وهي: أن الخطأ في الفهم قد يكون أشد خطراً من الخطأ بالجهل؛ لأن الجاهل الذي يخطىء بجهله يعرف أنه جاهل ويتعلم، لكن الذي فهم خطأ يعتقد في نفسه أنه عالم مصيب، ويعتقد أن هذا هو مراد الله ورسوله، ولنضرب لذلك بعض الأمثلة ليتبين لنا أهمية الفهم:
..... المثال الثاني:إذا كان عندك وعاءان أحدهما فيه ماء ساخن دافىء، والآخر فيه ماء بارد قارس، والفصل فصل الشتاء، فجاء رجل يريد الاغتسال من الجنابة، فقال بعض الناس: الأفضل أن تستخدم الماء البارد، وذلك لأن الماء البارد فيه مشقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ، قالوا بلي يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره ...) الحديث.
يعني إسباغ الوضوء في أيام البرد فإذا أسبغت الوضوء بالماء البارد كان أفضل من أن تسبغ الوضوء بالماء المناسب لطبيعة الجو.
فالرجل أفتى بأن استخدام الماء البارد أفضل واستدل بالحديث السابق.
فهل الخطأ في العلم أم في الفهم ؟
الجواب: أن الخطأ في الفهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إسباغ الوضوء على المكاره) ولم يقل: أن تختار الماء البارد للوضوء، وفرق بين التعبيرين . لو كان الوارد في الحديث التعبير الثاني لقلنا نعم اختر الماء البارد. ولكن قال: ( إسباغ الوضوء على المكاره). أي أن الإنسان لا يمنعه برودة الماء من إسباغ الوضوء.
ثم نقول: هل يريد الله بعباده اليسر أم يريد بهم العسر ؟
الجواب: في قوله تعالي( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الدين يسر ))
(من كتاب العلم للشيخ العثيمين رحمه الله تعالى)


ويقول الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان:
(
فإعراض كثير من الأقطار عن النظر في كتاب الله وتفهمه والعمل به وبالسنة الثابتة المبينة له ، من أعظم المناكر وأشنعها ، وإن ظن فاعلوه أنهم على هدى .
ولا يخفى على عاقل أن القول بمنع العمل بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - اكتفاء عنهما بالمذاهب المدونة ، وانتفاء الحاجة إلى تعلمهما ; لوجود ما يكفي عنهما من مذاهب الأئمة - من أعظم الباطل .)(أضواء البيان 7/257وما بعدها)


ومن هنا فإني أشير بمنهج مقترح ميسر نعود من خلاله لنتجول في رياض الكتاب والسنة المزهرة نستنشق أريجها , ونمتع نواظرنا بجمال ربيعها , وتأنس نفوسنا بطيب نسيمها ,فنقتطف ثمرات شهية ندية من معاني النصوص وفقهها ونفهم مقاصد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فيها ..إن هذا المنهج مشروع الحياة حتى نلقى ربنا جل وعلا ,ثم نرجو من الكريم جل وعلا بعد أن نملأ قلوبنا من عبير وربيع هذه الرياض ان ننتقل إلى روضات الجنات ليمتد النعيم هناك ويتم ويكمل بفضل الله جل وعلا..اللهم آمين

· سأذكر تفاصيل هذا المنهج بالنسبة لمدارسة كتاب الله تعالى.. وهو ليس منهجا بالأصح وإنما هو اقتراح لتيسير الأمر على المسلمين أو هو تخطيط لكيفية المدارسة بطريقة ميسرة لا تتعارض مع ظروف الحياة بإذن الله تعالى ..وعليه يقاس المنهج المتبع في مدارسة الحديث النبوي والسيرة النبوية ..

· الأسس الرئيسية لهذا الاقتراح او المنهج :

يقوم هذا المنهج او هذه الخطة او هذا الاقتراح على عقد جلستين فردية أسبوعيا لتعلم وفهم كتاب الله تعالى, بحيث يكون العبد في خلوة مع ربه جل وعلا و كتاب ربه جل جلاله.. .ليتخير الواحد منا يومين لتلك المدارسة ولنفرض مثلا انها في يومي الإثنين والجمعة.. ويتخير وقتا مناسبا ايضا لنفرض مثلا انه بعد الفجر او بعد المغرب..وليحدد زمنا وليكن مثلا لمدة ساعة او 50 دقيقة ..ثم لنحدد عدد الآيات لكل جلسة لنفرض انها آيتين مثلا في كل جلسة ولا يثقل أحدنا على نفسه حتى لا ينقطع..
فهذه هي قواعد الخطة وأسسها وقوائمها ..

· ماذا نريد من وراء هذه الجلسات و لماذا نبذل الوقت والساعات والجهد لها؟

· يقصد العبد من وراء هذه الجلسات الوصول إلى مرتبة الخشية والإخبات لله جل وعلا ليرضى عنه الله جل وعلا..وأن تتمكن محبة الله جل وعلا ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ومحبة دين الإسلام في قلب العبد وتستقر وتثبت وتزداد وتزكو وتنمو..وأن يزداد قلبه يقينا بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبالدين الإسلامي وصدقه وكماله,وأن تنتفي شبهات الشيطان وتشكيكه وما يلقيه في الصدور من الريب والوساوس التي تورث سوء الظن بالله تعالى أو برسوله صلى الله عليه وسلم او بدينه .. ويقصد إكرام كتاب الله تعالى والفوز بصحبته ورفقته..وغير هذا من الخير الذي تحمله النوايا الحسنة الشريفة التي لا حد لها.

· يحذر المرء من دخن النية وغشها ودغلها ..فلا يجعل احدنا همه الناس وماذا يقول للناس.. إذا ما خلونا بكتاب الله تعالى في هذه الجلسة فليعلم كل واحد منا انه يقرأ كلام الملك جل وعلا الذي أنزله إلينا ليكون لنا نورا وهدى ومنجاة وشفاء, نحن نريد من خلال تعلم كتاب الله تعالى أن نعرف ربنا فنحبه وتخبت له قلوبنا.. فهذه المدارسة لإصلاح قلوبنا قبل قلوب الناس و تزكية نفوسنا وتربيتها قبل أن نعلم الناس ونوجههم, هذه الجلسات خبيئة صالحة بيننا وبين ربنا جل وعلا نرجو برها وذخرهاعنده جل وعلا..

· فإذا اجتمع حسن القصد مع طيب المنبع الذي تُستقى منه معاني النصوص مع حسن الفهم والإدراك أثمر ذلك للعبد رسوخا وثباتا على الإيمان والتوحيد ,وأثمر له يقينا صادقا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وكتابه العزيز ودينه القويم , سيرى عاجل البشرى بتنزل السكينة عليه وهو في جلسته ,وسيجد انشراح صدره بعد انقضاء تلك الجلسة ,وسيجد من البركة ما سيذهله ويزيده شوقا لتلك الجلسات, ومع تعاقب هذه الجلسات الشريفة يجد المرء قوة في دينه وزيادة في إيمانه وبركة في وقته وحلاوة لحياته .


· طريقة المدارسة (هو مجرد اقتراح وحسبي فقط أن أضيء لكم المصباح ):

· بالنسبة لمدارسة كتاب الله تعالى :
· فليتخير الإنسان الجزء الذي سيبدأ به,من الفاتحة ثم سورة البقرة,أو من جزء عمّ أو من جزء تبارك أو من المجادلة..ويحسن البدء بتعلم الأجزاء التي سبق لنا حفظها من كتاب الله تعالى..فإذا اخترنا موضع الانطلاق نبدأ فندرس الجزء سورة سورة, والسورة آية آية.

· نختارتفسيرين من تفاسير علمائنا الثقات كتفسير ابن كثير أوالبغوي اوالإمام السعدي او الشنقيطي ونحوها... فنبدأ بقراءة الآية بترتيل وتدبر أكثر من مرة ونستشعر أننا نقرأ كتاب الله تعالى الذي أٌنزل الينا ليكون لنا هدى ونورا ..ثم نبدأ نقرأ في تفسير الآية ونحاول ان نفهم مراد الله جل وعلا وما الذي يريده منا وما المطلوب منا ولماذا خوطبنا بها !!.. ثم تحسن الاستعانة بتفاسير علمائنا الثقات كابن عثيمين والفوزان والعجلان وغيرهم )الشيخ العجلان حفظه الله تعالى له تفسير صوتي من دروسه في الحرم المكي أظنه مكتمل)وذلك لنضبط المعنى دقيقا واضحا ملخصا فلا يلتبس علينا المعنى فنضل.. فهم يزيدون المعنى إيضاحا وبيانا فتطمئن الى ان فهمك لما في الكتب كان سليما صحيحا..ويمكن جعل هذا الأمر بعد تحصيل عدد من الآيات فنراجع بعدها مرة واحدة تفسيرأحد المعاصرين من الثقات جمعا للجهد واختصارا للوقت.

· ثم إن مررنا بآية فيها (ياايها الذين آمنوا)فلنتنبه لها ونتيقظ لها ولنستشعر ان الخطاب لكل واحد منا ولنحرص على فهم ماذا يريد ربنا جل وعلا هنا منا ....يقول الشيخ خالد المصلح حفظه الله تعالى : ( يقول ابن مسعود رضي الله عنه : إذا سمعت الله جل وعلا يقول في كتابه :يا أيها الذين آمنوافأرعها سمعك – يعني : أصغ إليها ، وأعطها أذنك - فهي إما خير تؤمر به أو شر تنهى عنه.وهذا لكونهم أخذوا القرآن للتلقي والعمل ، وأن كل ما فيه خطاب لكل من سمعه ، وخطاب لكل من بلغه وليس المخاطب به قوم مضوا ولم يبق لنا منه إلا أن نتعبد ونتقرب إلى الله جل وعلا بما فيه من الألفاظ وما فيه من الكلام الذي جرد عن معناه ولم يقصد ما تضمنه ، لا)

· ثم بعد هذا الجهاد وما أشرفه وألذّه من جهاد نقيد العلم بالكتابة ولا نكتب إلا مافهمناه وما يُنتج ثمرة وعملا ويورثنا لله خشية وتقوى ,ولا يكن هم أحدنا أن يكون عالم زمانه فيكتب كل شيء فهذا قد يفسد عليه نيته, فالمقصود التقرب الى الله تعالى ومعرفة ماذا يريد الله جل وعلا منا كعباد له فكلما كان المعنى دقيقا واضحا مركزا ملخصا كان أنفع وأيسر وأسهل.
.
· *لا تحمل نفسك فوق طاقتها فتقف وتنقطع ..بل قليل دائم خير من كثير منقطع::

· لا يكلف الإنسان نفسه مالاتطيق فثلاث آيات أو آيتين في الأسبوع مع حديث واحد او حديثين.. كنز عظيم وذخر ثمين مع إتقان فهم المعنى وضبط المقصود الشرعي وإتقان فقه النص..

· ثلاث ايات اسبوعيا تعني 12 اية شهريا و 120 آية سنويا (دون شهري رمضان والحج)وتعني بعد خمس سنوات 600 آية وإنها لنعمة عظيمة كبرى فسورة البقرة 286 آية ,وآل عمران 200 فكأنك تعلمت البقرة وآل عمران في خمس سنين وياله من فضل عظيم ..وحق هاتين السورتين اكثر من خمس سنين فمن استطاع ان يتأنى اكثر فهو احسن...وقد ورد عن عمر الفاروق رضي الله تعالى عنها أنه تعلم سورة البقرة في 12 سنة فلما ختمها نحر جزورا ..وابنه عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنه تعلم سورة البقرة في ثمان سنين . جاء في شرح الزرقاني على موطأ مالك رحمهما الله تعالى في كتاب القرآن:(مسألة:وح ثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها...
ثم قال : ليس ذلك لبطء معاذ الله ، بل لأنه كان يتعلم فرائضها وأحكامها وما يتعلق بها ، فقد: روي عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كراهة الإسراع في حفظ القرآن دون التفقه فيه ، ولعل ابن عمر خلط مع ذلك من العلم أبوابا غيرها ، وإنما ذلك مخافة أن يتأوله على غير تأويله ، قاله الباجي ونحوه قول أبي عمر لأنه كان يتعلمها بأحكامها ومعانيها وأخبارها....)ثم قال:.
(وأخرج الخطيب في رواية مالك عن ابن عمر قال : تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة فلما ختمها نحر جزورا .)

يقول الشيخ خالد المصلح حفظه الله تعالى :(وطول هذه المدة ليست فقط لحفظ ذلك وضبطه من جهة اللفظ بل إن المظنون فيهم رضي الله عنهم أنهم أسرع حفظاً من المتأخرين لكنهم كانوا يتفقهون وينظرون إلى ما تضمنه هذا الوحي من الخير العظيم الذي حصل لهم الفقه ) ثم قال :(قال أبو عبد الرحمن السلمي : كان الذين يقرؤوننا القرآن من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان وأبي بن كعب وغيرهم ممن كانوا يقرؤن التابعين يقولون: (كنا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نتجاوز العشر آيات حتى نعرف ما فيها من القرآن والعلم والعمل فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً.)(من محاضرة حال السلف مع القرآن)

فهؤلاء السلف الصالح لم يكن همهم من العلم الكم فقط فيأخذونه كله دفعة واحد كأحوالنا اليوم إلا من رحم الله تعالى, بل كانوا يأخذونه رويدا رويدا قطرة قطرة برفق وتلطف حتى يجتمع النهر العظيم الطيب فليس المهم الكثرة ..المهم الإتقان وحسن الثمرة والبركة في هذا العلم..فهل طريقتنا خير من طريقتهم!!

· ثم إن تعلُّم حديث واحد اسبوعيا حفظا وفهما صحيحا يعني أربعة احاديث شهريا و40 حديثا في سنة واحدة (دون شهري رمضان والحج)وتعني بعد خمس سنوات بإذن الله تعالى 200حديث
ومن تعلم حديثين أسبوعيا فسيحصّل 8 احاديث شهريا و80 حديث في سنة , و400 حديث بعد خمس سنوات ..

· وهكذا تنمو نبتة العلم رويدا رويدا ثابتة راسخة الجذور متمكنة الأصول الى ان تكبر فتصير شجرة تستظل بظلها وتنعم بثمارها في وقت تكون فيه اشد ما تكون الى العلم وما يورثه من سكينة واطمئنان..ولنتذك ر ان كل شجرة عظيمة كانت في بدايتها نبتة صغيرة ضعيفة تتمايل يمنةويسرة حتى اشتد عودها وطالت واستقامت وأثمرت وأينعت..

*إشارات على الطريق:

· عليكم بالاستعانة بالله جل وعلا فهو الموفق والزموا الدعاء بأن يجعل الله تعالى القرآن ربيع قلوبكم وان يفتح له مسامع قلوبكم وأن يجعله رفيق دنياكم واخراكم وحجة لكم لا عليكم.. وعليكم بالصبر واليقين والاستمرار وعدم الانقطاع فإن الإنقطاع الأول سيتكرر مرات وكرات فدافعوه قدر استطاعتكم ولو ان تجلسوا جلسة واحدة فقط في الأسبوع إن اعتصرتكم المشاغل..ومن صدق الله جل وعلا فإنه بعد مدة سيجد انه لا يستطيع ان يتخلى عن هذه الجلسة فإن فاتته يحس لفقدها ألما وحرارة تلهب صدره ..وشوقا وحنينا يتوق معه الى هذا النهر البارد ليرتوي منه ويغسل روحه وقلبه بل وحياته كلها من الادران وأوساخ الذنوب و الغفلة..

· إن هذا العلم أشرف العلوم وانفعها و سيجتمع لطالب العلم في هذه الجلسات من العلم بكتاب الله وحديث النبي صلى الله عليه وسلم وأسباب النزول وفقه النصوص ومعرفة الآداب الشرعية مالايخطر له على بال ولا يتصوره.. كل ذلك مع ضبط وإتقان وتسديد من الله جل وعلا, ولا يقلقك الشيطانبأنك ضعيف السير وتحصيلك قليل و ستأتيك من الهواجس والخواطر المخذلة والمحبطة الكثير فكن من ذلك على علم لئلا تلتفت اليها ولتحذرها لئلا تنقطع ..فالطريق طويل مما قد يجعلك تميل مع نزغ الشيطان وتخذيله
.
· لا يستعجل طالب العلم ذكرا كان أو انثى قطف الثمرة ..لا تستعجل شيئا قبل خمس سنوات أو سبع أو حتى عشر سنوات ...فالعبرة ليست بكثرة العلم وإنما العبرة ببركته ونفعه وثمرته ولو كان قليلا..وقليل مبارك نافع خير من كثير ممحوق البركة مبعثر لا نفع فيه ,ولنا في سلفنا الصالح قدوة حسنة..

· ثم الحفظ والتكرار والمراجعة أمر مهم جدا جدا فلا يثبت ماتعلمته إلا بالاستعانة بالله تعالى ودعائه ثم بذل السبب وهو الحفظ والمراجعة فراجع في كل اسبوع او اسبوعين ما حصّلته.. ثم كل شهرين أو ثلاثة توقف وراجع ما حصلته وتفقده.. وكلما كان تقييدك للمعلومات واضحا وسلسا ومركزا وملخصا فالحفظ سيكون أسهل وأكثر إتقانا ..

· لا يمنع هذا النظام ان يكون لك نصيب من كتب الفقه, وكذا تعلم امور العقيدة من خلال كتب العلماء الربانيين وشروح العلماء عليها بل هو امر مهم جدا ..لكن لابد من الحذر من فساد النيةوحب الجمع ومجرد تكثير المعلومات فإنها آفة طلاب العلم في هذا الزمان واحرص على تحصيل الأصول الضرورية وإتقانها و جني ثمار هذه الكتب تقربا الى الله تعالى.ثم إن هاتين الجلستين هي إعادة شحن لروحك.. وزاد لنفسك ..وغذاء لقلبك..لن تقطع عليك طريقك في طلب العلم او مشاغلك الاخرى بل هي بإذن الله ستكون عونا لك بها يشد الله عزمك ويثبت قلبك ويرسخ إيمانك..

· لا يقل احدنا فات العمر ولن ينفعني ان أبدأ الآن ..لا بل ان تبدأ وتنوي المواصلة والمداومة خير من العجز والكسل فإنك ستحصّل إحدى الحسنيين إما ان يكرمك الله تعالى فتتم مقصدك وتنجح في طريقك الذي ابتدأته بعد سنين وأعوام مباركات ..وإما ان تدركك المنية فيتم الله تعالى لك الأجر بنيتك الصالحة فيا سعدك في كلا الحالين.

· ثم عليك إن حصّلت شيئا من العلم وأتقنت فهمه وضبطت أصوله بالتبليغ بحسب ما يتيسر لك ببث شيء مما تعلمته عبر الشبكة أو بالكلمات الوعظية في المسجد او المدرسة و نحوذلك, ولا يشترط عقد المجالس لذلك فقد تبلغ وأنت في جلسة ودية مع صديق اوقريب,وقد تبلغ شيئا من هذا العلم وانت بين اهلك وفي بيتك او في السوق أو في الشارع او في المسجد أو برسالة جوال ,فتوجه وتنصح وترشد المخطئ وتعلم الجاهل وتنوي بذلك ابلاغ العلم الذي تعلمته , لا تحقر من المعروف شيئا وواصل البلاغ حتى تلقى ربك جل وعلا..

· ثم عليك بالعمل بما تعلّت فإنه ثمرة العلم ومن العيب والسفه ان يغرس الإنسان الأشجار ويجتهد في رعايتها وسقياها .. ثم يترك ثمارها تفسد وتسقط دون ان يستفيد منها شيئا اويُفيد غيره منها شيئا...

· > > إضاءة < < :

· نقطة اخيرة مهمة أسأل الله تعالى ان ينفع بها ألا فاعلموا ان قراءة كتاب الله تعالى وتلاوته من العالِم بكتاب الله تعالى المتفهم لمقصوده المدرك لمراد الله تعالى في كل آية.. تختلف كليا عن قراءة من هو دونه في الفهم والعلم والإدراك
ويدرك هذا الاختلاف القارئ نفسه ..فكلما ازداد علما بكتاب الله تعالى يدرك فرقا طرأ على قراءته بل وحتى على إيمانه,ويدرك هذا من يسمع للقارئ العالم العارف حين يقرأ..
تختلف التلاوة من حيث احتساب النية وتعددها ,ومن حيث معرفة عظمة الله تعالى وجلاله وجماله واستشعار ذلك , ومن حيث ما يقر في القلب من الخشية والإخبات بعد معرفة مقصود الله جل وعلا من كل آية يقرأها,وتختلف من حيث حسن الفهم والعقل الذي يدعم عجلة التفكر والتدبر فيفتح الله تعالى على القارئ فيدرك معاني دقيقة وإشارات لطيفة تنفعه في شؤونه كلها,تختلف من حيث الحلاوة واللذة التي يجدها القارئ العالم بكتاب الله تعالى تختلف من حيث السكينة والطمأنينة التي يجدها القارئ العالم بكتاب الله تعالى تختلف من حيث ما يستقر في القلب من استشعار ذل العبودية لله تعالى وجمال مناجاته جل وعلا بآياته العظيمة.. تختلف من حيث دمع العين وقشعريرة الجلد وانشراح الصدر لأنه يعلم معاني ما يقرأ ويدرك عقائد وآداب وأحاديث ومواقف وقصص تعلمها من هذه الآيات فتمر بخاطره حين يقرأ وتتسع في صدره معاني الآيات ودلالاتها ونسأل الله العظيم الكريم من فضله العظيم...

وأخيرا..أسأل الله الكريم الغني الحميد أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته ,وأن يجعله لنا قائدا وهاديا الى جنات النعيم ,وأن يرزقنا حسن الاعتصام به وأن يمنّ علينا بمحبته وتعظيمه وإكرامه والعمل به ابتغاء وجهه جل وعلا ,وأن يمنّ علينا بشفاعته لنا في قبورنا ويوم القيامة..وأن يرزقنا وهو جل وعلا خير الرازقين حسن الفهم والعقل عنه وعن رسوله صلى الله عليه وسلم..آمين


وما قرأتموه آنفا ماهو إلا جهد البشر الذي لا يسلم من خطأ وزلل فما كان من صواب فهو من الله جل وعلا وبتوفيقه,وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله وجزى الله خيرا من صوّب الخطأ ووضح ما أُبهم أو زاد فائدة تنفع .. والله أعلم ..و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..

ملاحظة:
ذكر الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى في أضواء البيان ..كلاما نفيسا جدا حول تعلم كتاب الله وعظيم اهميته وتيسره في زماننا ,وحول قول بعض متأخري الاصوليين أن تدبر كتاب الله تعالى وتفهمه لا يجوز إلا للمجتهدين ,وتناول هذا في صفحات متتابعة.. أحثكم على قراءتها وإن فيها نفعا كثيرا... من هنا http://www.islamweb.net/newlibrary/d...d=64&startno=1