|
الصُّـبْـحُ يُتْـكِـرُونِـي ، وأُنْـكِــرُهُ *** واللـيـلُ يطويـنـي ، وأنـشُــرُهُ |
والضَّوْءُ يَجْهَمُ لِي ، وبـي أَلـمٌ *** كالسـيـل يـغـزونـي وأزجُـــرُه |
ومشانـقُ التَّذْكـار قـد نُصِبَـتْ *** لا ذنــــبَ لـــــي إلاَّ تــذَكُّـــرُه |
الوُدُّ – كـلّ الـودُّ – فـي رجـل *** هـو ذا الـذي بالتـرب نَسْـتُـرُهُ |
هُـوَ لـي أبٌ ، وأخٌ ، وَمَرْحَمَـةٌ *** يشتـدُّ بـي كَسْـرِي فيجـبُـرُهُ |
ويزيـد بِـي هَـمِّـي فَيُسكِـنُـهُ *** ويــزلُّ بـــي ذنِـبــي فيـغـفُـرُه |
كم ساغ لي طعم الحياةِ بـه *** أأنـا الـذي أسعـى فأقْـبُـرُه ؟ |
ومُـوَدَّعٍ .. فـي القبـر أعظُمُـه *** يحـنـو علـيـه القَـبْـرُ .. يُكْـبِـرُهُ |
لو كان في جَفْنِ الثرى مُقَـلٌ *** لَـبَـكَـى ، وعـــاوَدَهُ تَـحَـسُّـرُهُ |
أو كــان يشـعُـرُ مــا يُـلِـمُّ بــه *** لتوجَّـعَـتْ بالشِّـعْـرِ أسـطُــرُهُ |
أو كـان دمـع العيـن يُنْصِفُنِـي *** لـرويــتــه بـالــدَّمــعِ أنـــثُـــرُهُ |
يا واحة الإحسان .. في زَمَنٍ *** أبْـــدَتْ لـنــا الأنـيــابَ أَنْـمُــرُهُ |
يـا مُسْتَقَـرَّ الطُّهْـرِ فـي زمَــنٍ *** يستنـزفُ الإنسـان ، يَعْـصِـرُهُ |
ها ، قَدْ تركـتَ الزَّيْـفَ يـا أبتـا *** فـــي عـالــم يـعـتـزُّ أحْــقَــرُهُ |
أنت الذي هاجـرتَ مـن وَطَـنٍ *** الــبــومُ والـغِـرْبَــان ُ تَـعْــمُــرُهُ |
لـو كـان فيـه الخيـر – يـا أبتـا *** بالله قُلْ : هل كنْتَ تَهْجُـرُهُ ؟ |
نحن الذيـن نعيـش فـي نكـد *** مـــا إنْ صـفــا دلَــــوٌ نُــكَــدِّرُه |
كُـلُّ السِّـقـامِ بـنـا وتحسَبُـنـا *** صَـقْـرُ الـهـواءِ لـنـا ، وأنْـسُـرُهُ |
نَحْنُ الدُّمَى ، والدَّهر يملكنـا *** كـلُّ الــذي نـرضـى .. يُغَـيِّـرُهُ |
لا أرى لـلــرائــي فـيـحـفـظَـه *** لا أمْــــرَ لـلـقـاضــي يُــدَبِّـــرُه ُ |
كُلُّ الـذي فـوق الثـرى جُثَـثٌ *** لا يُـغْـريَـنَّــ كَ مــــــا تُـــقَـــدِّرُ هُ |
موتـى .. ولكـن فيهـم نَـفَـسٌ *** لابُــــــدّ مِــــــنْ آتٍ يُـــدَمِّـــرُ هُ |
دَبَّ الثَّـرَى فـوق الثَّـرى زَمَنَـاً *** هل كان يعلمُ أن سيحْضُرُهُ ؟ |
هـل فَكَّـرَ العُريـانُ فـي غِيَرٍ *** - لــو كــان ينفَـعُـهُ تَـفَـكُّـرُهُ – |
مِـــنْ بَـعْــدِ أثـــوابٍ مـنـمَّـقَـةٍ *** ماذا سِوى الأكفانِ تَسْتُـرُهُ ؟ |
هــل كــان يهـنـأ نـائــمٌ أبـــداً *** والعـالـمُ المجـهـول ينْـظُـرُهُ ؟ |
خـلـف الجـنـازةِ ألــف مـتَّـبـعٍ *** مِـنْ مُسْتَحـثِّ السَّيْـرِ يَـزْبُـرُهُ |
هـــل قـــدَّر الـبـاكـون أنَّـهَــم *** كُــلٌّ لــه جِـسْـرٌ سيَـعْـبُـرُهُ ؟ |
للحفـرة الظَّلْـمـاءِ .. يحفـرهـا *** لكنهـا – حَتْمَـاً - سَتَحْـشُـرُهُ |
خـلـف الجـنـازة ألْــفُ مُـتَّـبـعٍ *** كُـــــلٌّ لـــــه أَمْـــــرٌ يُــقَـــدِّرُه ُ |
يـتـراحـمـون كـأنـهــم غَــنَــمٌ *** يـبــدو لـهــا ذِئْـــبٌ فَتـخْـفَـرُهُ |
حتَّـى إذا مـا الذِّئـبُ غَـادَرَهـا *** عـادت إلـى المَـرْعَـى يُغَـبِّـرُهُ |
عفواً – أبي – هذي مساوئنامَـنْ لا يخـافُ الشـيءَ يذكُـرُه |
عفواً – أبي – هـذي بضاعتنـا *** فيهـا سخيـفٌ الـقـولِ آشَــرُهُ |
مـا عـادَ فـي تِلْـكَ الرُّبَـا مـطـرٌ *** مـا الــذي قــد كــان يُمْـطِـرُهُ |
لـمَّـا أحــاط الـتُّــربُ أعـظُـمَـهُ *** واضَّوَّعَـتْ فـي التُّـربِ أَعْطُـرُهُ |
ضَلَّ القَريضَ فمي ، ونازعني *** فـيـه جلـيـلُ الـشـوقِ أكـبَـرُهُ |
كُـلُّ الـذي وافـاهُ مـنـه نَــدىً *** يثـنـي عـلـى الـبـاري يُكَـبّـره |
والـكُــلُّ يــدعــو اللهَ مـغـفــرةً *** وبـجـنـة الـفــردوس يَـغْـمُــرُه |
|