تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 16 من 16

الموضوع: شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,356

    افتراضي شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((القواعد المثلى)):
    فصل:
    اعلم أن بعض أهل التأويل أورد على أهل السنة شبهة في نصوص من الكتاب والسنة في الصفات، ادعى أن أهل السنة صرفوها عن ظاهرها، ليلزم أهل السنة بالموافقة على التأويل، أو المداهنة فيه. وقال: كيف تنكرون علينا تأويل ما أولناه مع ارتكابكم لمثله فيما أولتموه؟
    ونحن نجيب بعون الله تعالى عن هذه الشبهة بجوابين: مجمل ومفصل.
    أما المجمل فيتلخص في شيئين:
    أحدهما: أن لا نسلم أن تفسير السلف لها صرف عن ظاهرها، فإن ظاهر الكلام ما يتبادر منه من المعني، وهو يختلف بحسب السياق، وما يضاف إليه الكلام، فإن الكلمات يختلف معناها بحسب تركيب الكلام، والكلام مركب من كلمات وجمل، يظهر معناها ويتعين بضم بعضها إلى بعض.
    ثانيهما: أننا لو سلمنا أن تفسيرهم صرف عن ظاهرها، فإن لهم في ذلك دليلاً من الكتاب والسنة، إما متصلاً، وإما منفصلاً، وليس لمجرد شبهات يزعمها الصارف براهين وقطعيات يتوصل بها إلى نفي ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
    وأما المفصل: فعلى كل نص ادعى أن السلف صرفوه عن ظاهره.
    ولنمثل بالأمثلة التالية: فنبدأ بما حكاه أبو حامد الغزالى عن بعض الحنبلية أنه قال: "إن أحمد لم يتأول إلا في ثلاثة أشياء: الحجر الأسود يمين الله في الأرض. وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن. وإني أجد نَفَسَ الرحمن من قبل اليمن".
    نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيميه (ص 398، ج 5) من "مجموع الفتاوى" وقال: (هذه الحكاية كذب على أحمد) .
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,356

    افتراضي رد: شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

    الشبهة الأولى والرد عليها:
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
    المثال الأول: الحجر الأسود يمين الله في الأرض.

    والجواب عنه: أنه حديث باطل، لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن الجوزى في "العلل المتناهية": (هذا حديث لا يصح) . وقال ابن العربي: "حديث باطل، فلا يلتفت إليه". وقال شيخ الإسلام ابن تيميه: (روى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا يثبت) اه. وعلى هذا: فلا حاجة للخوض في معناه.
    لكن قال شيخ الإسلام ابن تيميه: (والمشهور [يعني: في هذا الأثر] إنما هو عن ابن عباس، قال: الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه. ومن تدبر اللفظ المنقول تبين له أنه لا إشكال فيه، فإنه قال: يمين الله في الأرض، ولم يطلق فيقول يمين الله، وحكم اللفظ المقيد يخالف حكم المطلق، ثم فمن صافحه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يمينه، وهذا صريح في أن المصافح لم يصافح يمين الله أصلاً، ولكن شبه بمن يصافح الله. فأول الحديث وآخره يبين أن الحجر ليس من صفات الله تعالى، كما هو معلوم عند كل عاقل) اه (ص 398، ج 6) مجموع الفتاوى.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,356

    افتراضي رد: شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

    الشبهة الثانية والرد عليها:
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
    المثال الثاني: "قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن".
    والجواب: أن هذا الحديث صحيح، رواه مسلم في الباب الثاني من كتاب القدر، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء"، ثم قال رسول صلى الله عليه وسلم: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ".
    وقد أخذ السلف أهل السنة بظاهر الحديث، وقالوا: إن لله تعالى أصابع حقيقة، نثبتها له كما أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا يلزم من كون قلوب بني آدم بين إصبعين منها أن تكون مماسة لها، حتى يقال: إن الحديث موهم للحلول فيجب صرفه عن ظاهره. فهذا السحاب مسخر بين السماء والأرض وهو لا يمس السماء ولا الأرض. ويقال: بدر بين مكة والمدينة، مع تباعد ما بينها وبينهما. فقلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن حقيقة، ولا يلزم من ذلك مماسة ولا حلول.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,356

    افتراضي رد: شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

    الشبهة الثالثة والرد عليها:
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
    المثال الثالث: "إني أجد نَفَسَ الرحمن من قبل اليمن ".
    والجواب: أن هذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند من حديث أبي هريرة رضى الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إن الإيمان يمان، والحكمة يمانية، وأجد نَفَسَ ربكم من قبل اليمن".
    قال في "مجمع الزوائد": (رجاله رجال الصحيح، غير شبيب وهو ثقة) . قلت وكذا قال في "التقريب" عن شبيب: (ثقة، من الثالثة، وقد روى البخاري نحوه في التاريخ الكبير) .
    وهذا الحديث على ظاهره، والنفَس فيه اسم مصدر ينفس تنفيسا، مثل فرّج يفرج تفريجا وفَرَجا. هكذا قال أهل اللغة، كما في "النهاية" و"القاموس" و"مقاييس اللغة"، قال في مقاييس اللغة: (النَّفس: كل شيء يفرج به عن مكروب) . فيكون معنى الحديث: أن تنفيس الله تعالى عن المؤمنين يكون من أهل اليمن. قال شيخ الإسلام ابن تيميه: "وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار، فبهم نَفَّسَ الرحمن عن المؤمنين الكربات" اه (ص 398، ج 6) "مجموع فتاوى شيخ الإسلام: لابن قاسم.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,757

    افتراضي رد: شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة
    الشبهة الثالثة والرد عليها:
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
    المثال الثالث: "إني أجد نَفَسَ الرحمن من قبل اليمن ".
    والجواب: أن هذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند من حديث أبي هريرة رضى الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إن الإيمان يمان، والحكمة يمانية، وأجد نَفَسَ ربكم من قبل اليمن".
    قال في "مجمع الزوائد": (رجاله رجال الصحيح، غير شبيب وهو ثقة) . قلت وكذا قال في "التقريب" عن شبيب: (ثقة، من الثالثة، وقد روى البخاري نحوه في التاريخ الكبير) .
    وهذا الحديث على ظاهره، والنفَس فيه اسم مصدر ينفس تنفيسا، مثل فرّج يفرج تفريجا وفَرَجا. هكذا قال أهل اللغة، كما في "النهاية" و"القاموس" و"مقاييس اللغة"، قال في مقاييس اللغة: (النَّفس: كل شيء يفرج به عن مكروب) . فيكون معنى الحديث: أن تنفيس الله تعالى عن المؤمنين يكون من أهل اليمن. قال شيخ الإسلام ابن تيميه: "وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار، فبهم نَفَّسَ الرحمن عن المؤمنين الكربات" اه (ص 398، ج 6) "مجموع فتاوى شيخ الإسلام: لابن قاسم.
    نفع الله بك أبا يوسف .
    والحديث متكلم فيه ، وقد ضعفه الألباني في الضعيفة ، ثم رجع عن تضعيفه وصححه في الصحيحة ، وقال تحت حديث (3367) ـ في الحاشية ـ : وكنت خرجته في المجلد الرابع (1935)، فأعدت تخريجه هنا لحديث الترجمة، مستدركاً به على تخريجي إياه في "الضعيفة" في المجلد الثالث (1097)، لكن من حديث أبي هريرة، فهذا شاهد قوي له من حديث سلمة بن نفيل، أوجب علي تخريجه هنا، والتنبيه على أن الحديث صار به صحيحاً ، والحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله.
    هذا؛ ويبدو أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يذهب إلى ثبوت الحديث، فقد رأيته سئل عن حديث: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض "، وعن هذا الحديث في "مجموع الفتاوى" (6/397 ـ 398 ) ؟ فضعف الأول، دون هذا، وقال مبيناً معناه، وأنه ظاهر فيه ، فقال: .....إلخ .أهـ


  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,356

    افتراضي رد: شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

    جزاكم الله خيرًا شيخنا
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,356

    افتراضي رد: شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

    الشبهة الرابعة والرد عليها:
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
    المثال الرابع: قوله: تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} .
    والجواب: أن لأهل السنة في تفسيرها قولين:
    أحدهما: أنها بمعنى ارتفع إلى السماء. وهو الذي رجحه ابن جرير قال في تفسيره بعد أن ذكر الخلاف: (وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ} : علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته، وخلقهن سبع سماوات) اه. وذكره البغوي في تفسيره قول ابن عباس وأكثر مفسري السلف، وذلك تمسكا بظاهر لفظ {اسْتَوَى} ، وتفويضا لعلم كيفية هذا الارتفاع إلى الله عز وجل.
    القول الثاني: أن الاستواء هنا بمعنى القصد التام. وإلى هذا القول ذهب ابن كثير في تفسير سورة البقرة، والبغوي في تفسير سورة فصلت، قال ابن كثير: (أي: قصد إلى السماء، والاستواء هاهنا ضُمِّنَ معنى القصد والإقبال، لأنه عدي بإلى) . وقال البغوى: (أي: عمد إلى خلق السماء) .
    وهذا القول ليس صرفا للكلام عن ظاهره، لأن الفعل {اسْتَوَى} اقترن بحرف يدل على الغاية والانتهاء، فانتقل إلى معنى يناسب الحرف المقترن به. ألا ترى إلى قوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} حيث كان معناها يَروَى بها عباد الله، لأن الفعل {يَشْرَبُ} اقترن بالباء فانتقل إلى معنى يناسبها وهو يروى، فالفعل يُضَمَّن معنى يناسب معنى الحرف المتعلق به ليلتئم الكلام.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,356

    افتراضي رد: شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

    الشبهة الخامسة, والرد عليها:
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
    المثال الخامس والسادس: قوله تعالى في سورة الحديد: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} ، وقوله في سورة المجادلة: {وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} .والجواب: أن الكلام في هاتين الآيتين حق على حقيقته وظاهره. ولكن ما حقيقته وظاهره؟.
    هل يقال: إن ظاهره وحقيقته أن الله تعالى مع خلقه معية تقتضي أن يكون مختلطا بهم، أو حالاً في أمكنتهم؟
    أو يقال: أن ظاهره وحقيقته أن الله تعالى مع خلقه معية تقتضي أن يكون محيطا بهم علما وقدرةً وسمعا وبصرًا وتدبيرًا وسلطانا، وغير ذلك من معاني ربوبيته، مع علوه على عرشه فوق جميع خلقه؟.
    ولا ريب أن القول الأول لا يقتضيه السياق، ولا يدل عليه بوجه من الوجوه، وذلك لأن المعية هنا أضيفت إلى الله عز وجل، وهو أعظم وأجل من أن يحيط به شيء من مخلوقاته، ولأن المعية في اللغة العربية التي نزل بها القرآن لا تستلزم الاختلاط أو المصاحبة في المكان، وإنما تدل على مطلق المصاحبة، ثم تفسر في كل موضع بحسبه.
    وتفسير معية الله تعالى لخلقه بما يقتضي الحلول والاختلاط باطل من وجوه:
    الأول: أنه مخالف لإجماع السلف. فما فسرها أحد منهم بذلك، بل كانوا مجمعين على إنكاره.
    الثاني: أنه مناف لعلو الله تعالى الثابت بالكتاب، والسنة، والعقل، والفطرة، وإجماع السلف. وما كان منافيا لما ثبت بدليل كان باطلاً بما ثبت به ذلك المنافي. وعلى هذا فيكون تفسير معية الله لخلقه بالحلول والاختلاط باطلاً بالكتاب والسنة والعقل والفطرة وإجماع السلف.
    الثالث: أنه مستلزم للوازم باطلة لا تليق بالله سبحانه تعالى.
    ولا يمكن لمن عرف الله تعالى وقدره حق قدره، وعرف مدلول المعية في اللغة العربية التي نزل بها القرآن، أن يقول: إن حقيقة معية الله لخلقه تقتضي أن يكون مختلطا بهم أو حالاً في أمكنتهم، فضلاً عن أن تستلزم ذلك. ولا يقول ذلك إلا جاهل باللغة، جاهل بعظمة الرب جل وعلا.
    فإذا تبين بطلان هذا القول تعين أن يكون الحق هو القول الثاني، وهو أن الله تعالى مع خلقه معية تقتضي أن يكون محيطا بهم علما وقدرة وسمعا وبصرًا وتدبيرًا وسلطانا، وغير ذلك مما تقتضيه ربوبيته مع علوه على عرشه فوق جميع خلقه.
    وهذا هو ظاهر الآيتين بلا ريب، لأنهما حق، ولا يكون ظاهر الحق إلا حقا، ولا يمكن أن يكون الباطل ظاهر القرآن أبدًا.
    قال شيخ الإسلام ابن تيميه في "الفتوى الحموية" (ص 103، ج 5) من "مجموع الفتاوى" لابن القاسم: (ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد، فلما قال: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} إلى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} دل ظاهر الخطاب على أن حكم هذه المعية ومقتضاها: أنه مطلع عليكم، شهيد عليكم، ومهيمن، عالم بكم، وهذا معنى قول السلف إنه معهم بعلمه، وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته. وكذلك في قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ} إلى قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} الآية.
    ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه في الغار: "لا تحزن إن الله معنا" كان هذا أيضا حقا على ظاهره، ودلت الحال على أن حكم هذه المعية هنا معية الإطلاع والنصر والتأييد) .
    ثم قال: "فلفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع يقتضي في كل موضع أمورًا لا يقتضيها في الموضع الآخر. فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع، أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها، وإن امتاز كل موضع بخاصية، فعلى التقديرين ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب عز وجل مختلطة بالخلق، حتى يقال: قد صرفت عن ظاهرها" اهـ.
    ويدل على أنه ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب عز وجل مختلطة بالخلق: أن الله تعالى ذكرها في آية المجادلة بين ذكر عموم علمه في أول الآية وآخرها، فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ
    مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .
    فيكون ظاهر الآية: أن مقتضى هذه المعية علمه بعباده، وأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، لا أنه سبحانه مختلط بهم، ولا أنه معهم في الأرض.
    أما في آية الحديد فقد ذكرها الله تعالى مسبوقة بذكر استوائه على عرشه، وعموم علمه متلوة ببيان أنه بصير بما يعمل العباد، فقال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .
    فيكون ظاهر الآية: أن مقتضى المعية علمه بعباده وبصره بأعمالهم مع علوه عليهم واستوائه على عرشه، لا أنه سبحانه مختلط بهم، ولا أنه معهم في الأرض، وإلا لكان آخر الآية مناقضا لأولها، الدال على علوه واستوائه على عرشه.
    فإذا تبين ذلك أن مقتضى كونه تعالى مع عباده أنه يعلم أحوالهم، ويسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ويدبر شؤونهم، فيحي ويميت، ويغني ويفقر، ويؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، إلى غير ذلك مما تقتضيه ربوبيته وكمال سلطانه، لا يحجبه عن خلقه شيء. ومن كان هذا شأنه فهو مع خلقه حقيقة، ولو كان فوقهم على عرشه حقيقة1.
    قال شيخ الإسلام ابن تيميه في "العقيدة الواسطية" (ص 142، ج 3) من "مجموع الفتاوى" لابن قاسم، في فصل الكلام على المعية، قال: "وكل هذا الكلام الذي ذكره الله سبحانه من أنه فوق العرش، وأنه معنا، حق على حقيقته، لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة"اه.
    وقال في "الفتوى الحموية" (ص 102 103، ج 5) من المجموع المذكور: "وجماع الأمر في ذلك: أن الكتاب والسنة يحصل منهما كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله وسنة نبيه، وقصد اتباع الحق، وأعرض عن تحريف الكلم عن مواضعه، والإلحاد في أسماء الله وآياته.
    ولا يحسب الحاسب أن شيئا من ذلك يناقض بعضه بعضا البتة، مثل أن يقول القائل: ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه الظاهر من قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قِبَلَ وجهه" ونحو ذلك، فإن هذا غلط. وذلك: أن الله معنا حقيقة، وهو فوق العرش حقيقة، كما جمع الله بينهما في قوله سبحانه تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} .
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,356

    افتراضي رد: شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

    فأخبر أنه فوق العرش يعلم كل شيء، وهو معنا أينما كنا، كما قال النب يصلى الله عليه وسلم في حديث الأوعال: "والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه " اهـ
    واعلم أن تفسير المعية بظاهرها على الحقيقة اللائقة بالله تعالى لا يناقض ما ثبت من علو الله تعالى لذاته على عرشه، وذلك من وجوه ثلاثة:
    الأول: أن الله تعالى جمع بينهما لنفسه في كتابه المبين المنزه عن التناقض، وما جمع الله بينهما في كتابه فلا تناقض بينهما.
    وكل شيء في القرآن تظن فيه التناقض فيما يبدو لك فتدبره حتى يتبين لك لقوله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} ، فإن لم يتبين لك فعليك بطريق الراسخين في العلم، الذين يقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} . وكِلِ الأمر إلى مُنْزِلِه الذي يعلمه.
    واعلم أن القصور في علمك أو في فهمك وأن القرآن لا تناقض فيه.
    وإلى هذا الوجه أشار شيخ الإسلام في قوله فيما سبق: (كما جمع الله بينهما) .
    وكذلك ابن القيم كما في "مختصر الصواعق" لابن الموصلي (ص 410، ط الإمام) في سياق كلامه على المثال التاسع مما قيل إنه مجاز، قال: "وقد أخبر الله أنه مع خلقه مع كونه مستويا على عرشه، وقرن بين الأمرين كما قال تعالى:" وذكر آية سورة الحديد، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، ثم قال: "فأخبر أنه خلق السماوات والأرض، وأنه استوى على عرشه، وأنه مع خلقه يبصر أعمالهم من فوق عرشه،كما في حديث الأوعال: "والله فوق العرش يرى ما أنتم عليه"، فعلوه لا يناقض معيته، ومعيته لا تبطل علوه، بل كلاهما حق" اهـ.
    الوجه الثاني: أن حقيقة معنى المعية لا يناقض العلو، فالاجتماع بينهما ممكن في حق المخلوق، فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا. ولا يعد ذلك تناقضا، ولا يفهم منه أحد أن القمر نزل في الأرض. فإذا كان هذا ممكنا في حق المخلوق، ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه من باب أولى، وذلك لأن حقيقة المعية لا تستلزم الاجتماع في المكان.
    وإلى هذا الوجه أشار شيخ الإسلام ابن تيميه في "الفتوى الحموية" (ص 103) المجلد الخامس من "مجموع الفتاوى" لابن القاسم، حيث قال: (وذلك أن كلمة (مع) في اللغة إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة، من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى، فإنه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا أو النجم معنا. ويقال: هذا المتاع معي، لمجامعته لك وإن كان فوق رأسك، فالله مع خلقه حقيقة، وهو فوق عرشه حقيقة) اه.
    وصدق رحمه الله تعالى، فإن من كان عالما بك، مطلعا عليك، مهيمنا عليك، يسمع ما تقول، ويرى ما تفعل، ويدبر جميع أمورك؛ فهو معك حقيقة، وإن كان فوق عرشه حقيقة، لأن المعية لا تستلزم الاجتماع في المكان.
    الوجه الثالث: أنه لو فرض امتناع اجتماع المعية والعلو في حق المخلوق، لم يلزم أن يكون ذلك ممتنعا في حق الخالق، الذي جمع لنفسه بينهما، لأن الله تعالى لا يماثله شيء من مخلوقاته، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
    وإلى هذا الوجه أشار شيخ الإسلام ابن تيميه في "العقيدة الواسطية" (ص 143، ج 3) من "مجموع الفتاوى"، حيث قال: (وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته، فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته، وهو عليٌّ في دنوه، قريب في علوه) اه.
    تتمة
    انقسم الناس في معية الله تعالى لخلقه ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: يقولون: إن معية الله تعالى لخلقه مقتضاها العلم والإحاطة في المعية العامة، ومع النصر والتأييد في المعية الخاصة، مع ثبوت علوه بذاته، واستوائه على عرشه.
    وهؤلاء هم السلف. ومذهبهم هو الحق، كما سبق تقريره.
    القسم الثاني: يقولون: إن معية الله لخلقه مقتضاها أن يكون معهم في الأرض، مع نفي علوه واستوائه على عرشه.
    وهؤلاء هم الحلولية من قدماء الجهمية وغيرهم. ومذهبهم باطل منكر، أجمع السلف على بطلانه وإنكاره، كما سبق.
    القسم الثالث: يقولون: إن معية الله لخلقه مقتضاها أن يكون معهم في الأرض، مع ثبوت علوه فوق عرشه. ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيميه (ص 229، ج 5) من "مجموع الفتاوى".
    وقد زعم هؤلاء أنهم أخذوا بظاهر النصوص في المعية والعلو. وكذبوا في ذلك فضلوا، فإن نصوص المعية لا تقضي ما ادعوه من الحلول، لأنه باطل، ولا يمكن أن يكون ظاهر كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم باطلاً.
    تنبيه
    اعلم أن تفسير السلف لمعية الله تعالى لخلقه بأنه معهم بعلمه لا يقتضي الاقتصار على العلم، بل تقتضي أيضا إحاطته بهم سمعا وبصرًا وقدرةً وتدبيرًا، ونحو ذلك من معاني ربوبيته.
    تنبيه آخر
    أشرت فيما سبق إلى أن علو الله تعالى ثابت بالكتاب والسنة والعقل والفطرة والإجماع:
    أما الكتاب: فقد تنوعت دلالته على ذلك.
    فتارة بلفظ العلو والفوقية والاستواء على العرش، وكونه في السماء، كقوله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِه} {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} .
    وتارة بلفظ صعود الأشياء وعروجها ورفعها إليه، كقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} .
    وتارة بلفظ نزول الأشياء منه، ونحو ذلك، كقوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ} .
    وأما السنة: فقد دلت عليه بأنواعها القولية والفعلية والإقرارية في أحاديث كثيرة تبلغ حد التواتر، وعلى وجوه متنوعة، كقوله صلى الله عليه وسلم في سجوده: "سبحان ربي الأعلى". وقوله: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي". وقوله: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟ ". وثبت عنه أنه رفع يديه وهو على المنبر يوم الجمعة يقول: "اللهم أغثنا". وأنه رفع يده إلى السماء وهو يخطب الناس يوم عرفة حين قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال: "اللهم اشهد". وأنه قال للجارية: "أين الله؟ " قالت: في السماء. فأقرها، وقال لسيدها: "أعتقها، فإنها مؤمنة ".
    وأما العقل: فقد دل على وجوب صفة الكمال لله تعالى وتنزيهه عن النقص. والعلو صفة كمال، والسفل نقص، فوجب لله تعالى صفة العلو، وتنزيهه عن ضده.
    وأما الفطرة: فقد دلت على علو الله تعالى دلالة ضرورية فطرية، فما من داع أو خائف فزع إلى ربه تعالى إلا وجد في قلبه ضرورة الاتجاه نحو العلو، لا يلتفت عن ذلك يمنة ولا يسرة.
    واسأل المصلين، يقول الواحد منهم في سجوده: "سبحان ربي الأعلى" أين تتجه قلوبهم حينذاك؟.
    وأما الإجماع: فقد أجمع الصحابة والتابعون والأئمة على أن الله تعالى فوق سماواته، مستوٍ على عرشه. وكلامهم مشهور في ذلك نصا وظاهرًا، قال الأوزاعي: (كنا والتابعون متوافرون نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما جاءت به السنة من الصفات) ، وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم، ومحال أن يقع في مثل ذلك خلاف، وقد تطابقت عليه هذه الأدلة العظيمة، التي لا يخالفها إلا مكابر طمس على قلبه، واجتالته الشياطين عن فطرته. نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
    فعلو الله تعالى بذاته وصفاته من أبين الأشياء وأظهرها دليلاً، وأحق الأشياء وأثبتها واقعا.
    تنبيه ثالث
    اعلم أيها القارئ الكريم أنه صدر مني كتابة لبعض الطلبة، تتضمن ما قلته في بعض المجالس في معية الله تعالى لخلقه، وذكرت فيها:
    أن عقيدتنا: أن لله تعالى معية حقيقية ذاتية تليق به، وتقتضي إحاطته بكل شيء علما وقدرةً وسمعا وبصرًا وسلطانا وتدبيرًا، وأنه سبحانه منزه أن يكون مختلطا بالخلق أو حالاً في أمكنتهم، بل هو العلي بذاته وصفاته، وعلوه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها، وأنه مستوٍ على عرشه كما يليق بجلاله، وأن ذلك لا ينافي معيته، لأنه تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
    وأردت بقولي (ذاتية) توكيد حقيقة معيته تبارك تعالى.
    وما أردت أنه مع خلقه سبحانه في الأرض، كيف؟، وقد قلت في نفس هذه الكتابة كما ترى: أنه سبحانه منزه أن يكون مختلطا بالخلق أو حالاً في أمكنتهم، وأنه العلي بذاته وصفاته، وأن علوه من صفاته الذاتية التي لا ينفك عنها. وقلت فيها أيضا ما نصه بالحرف الواحد:
    "ونرى أن من زعم أن الله بذاته في كل مكان فهو كافر أو ضال إن اعتقده، وكاذب إن نسبه إلى غيره من سلف الأمة أو أئمتها"اهـ.
    ولا يمكن لعاقل عرف الله وقدره حق قدره أن يقول: إن الله مع خلقه في الأرض. ومازلت ولا أزال أنكر هذا القول في كل مجلس من مجالسي، جرى فيه ذكره. وأسأل الله تعالى أن يثبتني وإخواني المسلمين بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
    هذا، وقد كتبت بعد ذلك مقالاً نشر في مجلة (الدعوة) التي تصدر في الرياض، نشر يوم الاثنين الرابع من شهر محرم، سنة 1404 هـ أربع وأربعمائة وألف، برقم: 911، قررت فيه ما قرره شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى: من أن معية الله تعالى لخلقه حق على حقيقتها، وأن ذلك لا يقتضي الحلول والاختلاط بالخلق، فضلاً عن أن يستلزمه. ورأيت من الواجب استبعاد كلمة (ذاتية) 1، وبينت أوجه الجمع بين علو الله تعالى وحقيقة المعية.
    واعلم أن كل كلمة تستلزم كون الله تعالى في الأرض، أو اختلاطه بمخلوقاته، أو نفي علوه، أو نفي استوائه على عرشه، أو غير ذلك مما لا يليق به تعالى؛ فإنها كلمة باطلة، يجب إنكارها على قائلها كائنا من كان، وبأي لفظ كانت.
    وكل كلام يوهم ولو عند بعض الناس ما لا يليق بالله تعالى فإن الواجب تجنبه، لئلا يظن بالله تعالى ظن السوء، لكن ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه أو على لسان رسولهصلى الله عليه وسلم فالواجب إثباته، وبيان بطلان وهم من توهم فيه ما لا يليق بالله عز وجل.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,356

    افتراضي رد: شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

    الشبهة السادسة، والرد عليها:
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
    المثال السابع والثامن: قوله تعالى {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} وقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} حيث فسر القرب فيهما بقرب الملائكة.
    والجواب: أن تفسير القرب فيهما بقرب الملائكة ليس صرفا للكلام عن ظاهره لمن تدبره.
    أما الآية الأولى: فإن القرب مقيد فيها بما يدل على ذلك، حيث قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَا نِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ، ففي قوله: {إِذْ يَتَلَقَّى} دليل على أن المراد به: قرب الملكين المتلقيين.
    وأما الآية الثانية: فإن القرب فيها مقيد بحال الاحتضار، والذي يحضر الميت عند موته هم الملائكة، لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} ، ثم إن في قوله: {أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} دليلاً بينا على أنهم الملائكة، إذ يدل على أن هذا القريب في نفس المكان ولكن لا نبصره، وهذا يعين أن يكون المراد قرب الملائكة، لاستحالة ذلك في حق الله تعالى.
    بقى أن يقال: فلماذا أضاف الله القرب إليه، وهل جاء نحو هذا التعبير مرادًا به الملائكة؟.
    فالجواب: أضاف الله تعالى قرب ملائكته إليه لأن قربهم بأمره، وهم جنوده ورسله.
    وقد جاء نحو هذا التعبير مرادًا به الملائكة، كقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} ، فإن المراد به قراءة جبريل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أن الله تعالى أضاف القراءة إليه، لكن لما كان جبريل يقرؤه على النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى صحت إضافة القراءة إليه تعالى. وكذلك جاء في قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}، وإبراهيم إنما كان يجادل الملائكة الذين هم رسل الله تعالى.
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,356

    افتراضي رد: شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

    الشبهة السابعة والرد عليها:
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
    المثال التاسع والعاشر: قوله تعالى عن سفينة نوح: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} ، وقوله لموسى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} .

    والجواب: أن المعنى في هاتين الآيتين على ظاهر الكلام وحقيقته، لكن ما ظاهر الكلام وحقيقته هنا؟.
    هل يقال: إن ظاهره وحقيقته أن السفينة تجري في عين الله، أو أن موسى عليه الصلاة والسلام يُرَبَّى فوق عين الله تعالى؟.
    أو يقال: إن ظاهره أن السفينة تجري وعين الله ترعاها وتكلؤها، وكذلك تربية موسى تكون على عين الله تعالى يرعاه ويكلؤه بها.
    ولا ريب أن القول الأول باطل من وجهين:
    الأول: أنه لا يقتضيه الكلام بمقتضى الخطاب العربي، والقرآن إنما نزل بلغة العرب، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ، وقال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} ، ولا أحد يفهم من قول القائل: فلان يسير بعيني. أن المعني: أنه يسير داخل عينه. ولا من قول القائل: فلان تخرج على عيني. أن تخرجه كان وهو راكب على عينه. ولو ادعى مدع أن هذا ظاهر اللفظ في هذا الخطاب لضحك منه السفهاء فضلاً عن العقلاء.
    الثاني: أن هذا ممتنع غاية الامتناع، ولا يمكن لمن عرف الله وقدره حق قدره أن يفهمه في حق الله تعالى، لأن الله تعالى مستو على عرشه بائن من خلقه، لا يحل فيه شيء من مخلوقاته، ولا هو حال في شيء من مخلوقاته، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.
    فإذا تبين بطلان هذا من الناحية اللفظية والمعنوية، تعين أن يكون ظاهر الكلام هو القول الثاني: أن السفينة تجري وعين الله ترعاها وتكلؤها، وكذلك تربية موسى تكون على عين الله يرعاه ويكلؤه بها.
    وهذا معنى قول بعض السلف: (بمرأى منى) ، فإن الله تعالى إذا كان يكلؤه بعينه لزم من ذلك أن يراه، ولازم المعنى الصحيح جزء منه، كما هو معلوم من دلالة اللفظ، حيث تكون بالمطابقة والتضمن والالتزام.
    ((القواعد المثلى)) (66، 67).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,356

    افتراضي رد: شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

    الشبهة الثامنة، والرد عليها:
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
    المثال الحادي عشر: قوله تعالى في الحديث القدسي: "وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".
    والجواب: أن هذا الحديث صحيح، رواه البخاري في باب التواضع، الثامن والثلاثين من كتاب الرقاق.
    وقد أخذ السلف أهل السنة والجماعة بظاهر الحديث، وأجروه على حقيقته. ولكن ما ظاهر هذا الحديث؟.
    هل يقال: إن ظاهره أن الله تعالى يكون سَمْعَ الوَلِيّ وبصره ويده ورجله؟.
    أو يقال: إن ظاهره أن الله تعالى يسدد الولي في سمعه وبصره ويده ورجله، بحيث يكون إدراكه وعمله لله وبالله وفي الله؟.
    ولا ريب أن القول الأول ليس ظاهر الكلام، بل ولا يقتضيه الكلام لمن تدبر الحديث، فإن في الحديث ما يمنعه من وجهين:
    الأول: أن الله تعالى قال: " وما يزال عبدي يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه"، وقال: "لئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ". فأثبت عبدًا ومعبودًا، ومتقربا ومتقربا إليه، ومحبا ومحبوبا، وسائلاً ومسئوولاً، ومعطيا ومعطى، ومستعيذًا ومستعاذًا به، ومعيذًا ومعاذًا. فسياق الحديث يدل على اثنين متباينين، كل واحد منهما غير الآخر. وهذا يمنع أن يكون أحدهما وصفا في الآخر أو جزءًا من أجزائه.
    الوجه الثاني: أن سمع الولي وبصره ويده ورجله كلها أوصاف أو أجزاء في مخلوق حادث بعد أن لم يكن، ولا يمكن لأي عاقل أن يفهم أن الخالق الأول الذي ليس قبله شيء يكون سمعا وبصرًا ويدًا ورجلاً لمخلوق، بل إن هذا المعنى تشمئز منه النفس أن تتصوره، ويحسر اللسان أن ينطق به ولو على سبيل الفرض والتقدير، فكيف يسوغ أن يقال إنه ظاهر الحديث القدسي، وأنه قد صرف عن هذا الظاهر؟. سبحانك اللهم وبحمدك، لا نحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
    وإذا تبين بطلان القول الأول وامتناعه، تعين القول الثاني، وهو: أن الله تعالى يسدد هذا الولي في سمعه وبصره وعمله، بحيث يكون إدراكه بسمعه وبصره وعمله بيده ورجله كله لله تعالى إخلاصا، وبالله تعالى استعانةً، وفي الله تعالى شرعا واتباعا، فيتم له بذلك كمال الإخلاص والاستعانة والمتابعة، وهذا غاية التوفيق، وهذا ما فسره به السلف، وهو تفسير مطابق لظاهر اللفظ، موافق لحقيقته، متعين بسياقه، وليس فيه تأويل، ولا صرف للكلام عن ظاهره. ولله الحمد والمنة.
    ((القواعد المثلى)) (67- 69).
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,505

    افتراضي رد: شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

    رحمة الله عليك يا أبا يوسف، ورزقنا حسن الخاتمة.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,610

    افتراضي رد: شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

    آمين
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة
    الشبهة الثامنة، والرد عليها:
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
    المثال الحادي عشر: قوله تعالى في الحديث القدسي: "وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".
    والجواب: أن هذا الحديث صحيح، رواه البخاري في باب التواضع، الثامن والثلاثين من كتاب الرقاق.
    وقد أخذ السلف أهل السنة والجماعة بظاهر الحديث، وأجروه على حقيقته. ولكن ما ظاهر هذا الحديث؟.
    هل يقال: إن ظاهره أن الله تعالى يكون سَمْعَ الوَلِيّ وبصره ويده ورجله؟.
    أو يقال: إن ظاهره أن الله تعالى يسدد الولي في سمعه وبصره ويده ورجله، بحيث يكون إدراكه وعمله لله وبالله وفي الله؟.
    ولا ريب أن القول الأول ليس ظاهر الكلام، بل ولا يقتضيه الكلام لمن تدبر الحديث، فإن في الحديث ما يمنعه من وجهين:
    الأول: أن الله تعالى قال: " وما يزال عبدي يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه"، وقال: "لئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ". فأثبت عبدًا ومعبودًا، ومتقربا ومتقربا إليه، ومحبا ومحبوبا، وسائلاً ومسئوولاً، ومعطيا ومعطى، ومستعيذًا ومستعاذًا به، ومعيذًا ومعاذًا. فسياق الحديث يدل على اثنين متباينين، كل واحد منهما غير الآخر. وهذا يمنع أن يكون أحدهما وصفا في الآخر أو جزءًا من أجزائه.
    الوجه الثاني: أن سمع الولي وبصره ويده ورجله كلها أوصاف أو أجزاء في مخلوق حادث بعد أن لم يكن، ولا يمكن لأي عاقل أن يفهم أن الخالق الأول الذي ليس قبله شيء يكون سمعا وبصرًا ويدًا ورجلاً لمخلوق، بل إن هذا المعنى تشمئز منه النفس أن تتصوره، ويحسر اللسان أن ينطق به ولو على سبيل الفرض والتقدير، فكيف يسوغ أن يقال إنه ظاهر الحديث القدسي، وأنه قد صرف عن هذا الظاهر؟. سبحانك اللهم وبحمدك، لا نحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك.
    وإذا تبين بطلان القول الأول وامتناعه، تعين القول الثاني، وهو: أن الله تعالى يسدد هذا الولي في سمعه وبصره وعمله، بحيث يكون إدراكه بسمعه وبصره وعمله بيده ورجله كله لله تعالى إخلاصا، وبالله تعالى استعانةً، وفي الله تعالى شرعا واتباعا، فيتم له بذلك كمال الإخلاص والاستعانة والمتابعة، وهذا غاية التوفيق، وهذا ما فسره به السلف، وهو تفسير مطابق لظاهر اللفظ، موافق لحقيقته، متعين بسياقه، وليس فيه تأويل، ولا صرف للكلام عن ظاهره. ولله الحمد والمنة.
    ((القواعد المثلى)) (67- 69).
    رحمكم الله وجزاكم خيرا
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,505

    افتراضي رد: شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    آمين


    رحمكم الله وجزاكم خيرا
    اللهم آمين
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    May 2012
    المشاركات
    33

    افتراضي رد: شبهات في الأسماء والصفات والرد عليها

    نفع الله بكم وجزاكم خيرا.
    ورحم الله الإمام العلامة ابن عثيمين رحمة واسعة وأسكنه فسيح الجنان.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •