المخالفون للسنة على درجات:لما كان العلم والعدل من شروط الكلام في المتبوعين والأتباع وفي أقوالهم وأعمالهم من أجل إلحاقها بالسنة أو البدعة ومن أجل عذر أصحابها أو عدمه، كان لزاما علينا معرفة أن الطوائف المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدين والكلام على درجات متفاوتة بحسب عظم الأصول ودقيقها؛ فمنهم من تكون مخالفته للسنة في أصول عظيمة، ومنهم من تكون في أمور دقيقة، وفيهم من رد على من هو أبعد عن السنة منه؛ فلا يبخس عمله، ويكون محمودا فيما رده من الباطل وقاله من الحق؛ لكن قد يجاوز العدل في رده بحيث يجحد بعض الحق الذي عليه مخالفه، ويقول بعض الباطل، فيكون قد رد بدعة كبيرة ببدعة أخف منها؛ ورد الباطل بباطل أخف منه، وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة والجماعة.والضاب في إلحاقهم بأهل الأهواء والبدع من عدمه، وفي عذرهم من عدمه؛ هو أن لا يجعلوا ما ابتدعوه الحد الذي من تعداه يعد مخالفا مفارقا للجماعة، فيوالي عليه ويعادي عليه ويمتحنون الناس به، قال شيخ الإسلام في المجموع: "ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولا يفارقون به جماعة المسلمين؛ يوالون عليه ويعادون؛ كان من نوع الخطأ، والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك، ولهذا وقع في مثل هذا كثير من سلف الأمة وأئمتها، لهم مقالات قالوها باجتهاد وهي تخالف ما ثبت في الكتاب والسنة؛ بخلاف من والى موافقه وعادى مخالفه وفرق بين جماعة المسلمين، وكفر وفسق مخالفه دون موافقه في مسائل الآراء والاجتهادات؛ واستحل قتال مخالفه دون موافقه؛ فهؤلاء من أهل التفرق والاختلافات".وله ذا كان أول من فارق جماعة المسلمين من أهل البدع الخوارج المارقون، وقد صح الحديث فيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه، وقد قاتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فلم يختلفوا في قتالهم، فالخوارج لما فارقوا جماعة المسلمين وكفروهم واستحلوا قتالهم جاءت السنة بالأمر بقتالهم وقتلهم؛ وقد كان أولهم خرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى قسمة النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد اعدل فإنك لم تعدل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لقد خبت وخسرت إن لم أعدل فقال له بعض أصحابه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال: "إنه يخرج من ضئضئ هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة"، فكان مبدأ البدع هو الطعن في السنة بالظن والهوى؛ كما طعن إبليس في أمر ربه برأيه وهواه.