( لاأشبع الله بطنه . يعني معاوية ) ([1]).حكم من دعى عليه النبي r وهو لا يستحق ذلك ؟! معاويةرضي الله عنه مثلاً
قال العلامة الألباني رحمه الله في صحيحته برقم :(82)
معاويةكاتب النبي r
و قد يستغل بعض الفرق هذاالحديث ليتخذوا منه مطعنا في معاوية رضي الله عنه ،و ليس فيه ما يساعدهم على ذلك ،كيف و فيه أنه كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ! و لذلك قال الحافظ ابن عساكر( 16 / 349 / 2 ) " إنه أصح ما ورد في فضل معاوية" >
فالظاهر أن هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم غير مقصود ، بل هو ما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية كقوله صلى الله عليه وسلم في بعض نسائه " عقرى حلقى " و " تربت يمينك ". و يمكن أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم بباعث البشرية التي أفصح عنها هو نفسه عليه السلام في أحاديث كثيرة متواترة .
منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت :" دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رج لان ، فكلماه بشيء لاأدري ما هو فأغضباه ، فلعنهما و سبهما ، فلما خرجا قلت : يا رسول الله من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان ؟ قال : و ما ذاك ؟ قالت : قلت : لعنتهما و سببتهما ،قال :
83 – ( أو ما علمت ما شارطت عليه ربي ؟قلت : اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة و أجرا) .
رواه مسلم مع الحديث الذي قبله في باب واحد هو " باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه و ليس هو أهلا لذلك كان له زكاة وأجرا و رحمة ".
ثم ساق فيه من حديث أنس بن مالك قال :" كانت عند أم سليم يتيمة و هي أم أنس فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة فقال : آنت هي ؟ لقد كبرت لا كبر سنك فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي فقالت أم سليم : ما لك يا بنية ؟
فقالت الجارية : دعا علي نبي الله صلى الله عليه وسلم أن لا يكبر سني أبدا ، أو قالت : قرني فخرجت أم سليم مستعجله تلوث خمارها حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لك يا أم سليم ؟ فقالت يا نبي الله ، أدعوت على يتيمتي ؟ قال : و ما ذاكيا أم سليم ؟ قالت : زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها ، و لا يكبر قرنها .
قال : فضحك رسول الله صلىالله عليه وسلم ، ثم قال :
84 – ( يا أم سليم ! أما تعلمين أن شرطيعلى ربي ؟ أني اشترطت على ربي فقلت : إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر و أغضب كمايغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة و قربة يقربه بها منه يوم القيامة) .
ثم أتبع الإمام مسلم هذا الحديث بحديث معاوية و به ختم الباب ، إشارة منه رحمه الله إلى أنها من باب واحد ،و في معنى واحد ، فكما لا يضر اليتيمة دعاؤه صلى الله عليه وسلم عليه بل هو لها زكاة و قربة ، فكذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم على معاوية .
و قد قال الإمام النووي في " شرحه على مسلم " ( 2 / 325طبع الهند ) :" و أما دعاؤه صلى الله عليه وسلم على معاوية ففيه جوابان :
أحدهما : أنه جرى على اللسان بلا قصد .
والثانى: أنه عقوبة له لتأخره ، و قد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقا الدعاء عليه ، فلهذا أدخله في هذا الباب ، و جعله غيره من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له " .
و قد أشار الذهبي إلى هذا المعنى الثاني فقال في " سير أعلام النبلاء"( 9 / 171 / 2 ) :"
قلت : لعل أن ، يقال : هذه منقبة لمعاوية لقوله صلى الله عليه وسلم : اللهم من لعنته أوسببته فاجعل ذلك له زكاة و رحمة " .
و اعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث : " إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر .. "إنما هو تفصيل لقول الله تبارك و تعالى : ( قل إنما أنا بشر مثلكم ، يوحى إلي ....) الآية .
و قد يبادر بعض ذوي الأهواء أو العواطف الهوجاء ، إلى إنكار مثل هذا الحديث بزعم تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم و تنزيهه عن النطق به ! و لا مجال إلى مثل هذا الإنكار فإن الحديث صحيح، بل هو عندنا متواتر ، فقد رواه مسلم من حديث عائشة و أم سلمة كما ذكرنا ، و من حديث أبي هريرة و جابر رضي الله عنهما و ورد من حديث سلمان و أنس و سمرة و أبي الطفيل و أبي سعيد و غيرهم . انظر " كنزالعمال " ( 2 / 124 ) .
و تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما مشروعا، إنما يكون بالإيمان بكل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم صحيحا ثابتا ، و بذلك يجتمع الإيمان به صلى الله عليه وسلم عبدا و رسولا ، دون إفراط و لا تفريط ، فهو صلى الله عليه وسلم بشر ،بشهادة الكتاب و السنة ، و لكنه سيد البشر و أفضلهم إطلاقا بنص الأحاديث الصحيحة .
و كما يدل عليه تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم وسيرته ، و ما حباه الله تعالى به من الأخلاق الكريمة و الخصال الحميدة ، التي لم تكتمل في بشر اكتمالها فيه صلى الله عليه وسلم ، و صدق الله العظيم ، إذ خاطبه بقوله الكريم : (و إنك لعلى خلق عظيم ) .
(السلسلةالصحيحة ج1_ص 164_167) القسم الأول .
([1])رواهأبو داود الطيالسي في " مسنده " ( 2746 ) : حدثنا هشام و أبو عوانة عنأبي حمزة القصاب عن ابن عباس : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلىمعاوية ليكتب له : فقال : إنه يأكل ثم بعث إليه ، فقال : إنه يأكل ، فقال رسولالله صلى الله عليه وسلم " فذكره. قلت : و هذا إسناد صحيحرجاله كلهم ثقات رجال مسلم ، و في أبي حمزة القصاب و اسمه عمران بن أبي عطاء كلاممن بعضهم لا يضره فقد وثقه جماعة منالأئمة منهم أحمد و ابن معين و غيرهما ، و من ضعفه لم يبين السبب ، فهو جرح مبهمغير مقبول ، و كأنه لذلك احتج به مسلم ، و أخرج له هذا الحديث في " صحيحه" ( 8 /27 ) من طريق شعبة عن أبي حمزة القصاب به . و أخرجه أحمد ( 1 / 240 ،291 ، 335 ، 338 ) عن شعبة و أبي عوانة عنه به ، دون قوله : " لا أشبع اللهبطنه " و كأنه من اختصار أحمد أو بعض شيوخه ، و زاد في رواية : " و كانكاتبه " و سندها صحيح .