تعريف الحكمة:-
هي أعلى مراتب العقل و هي كما عرفها ابن القيم: فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي, قال تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} البقرة:٢٦٩ , فمن هم الذين يمُن الله عليهم بهذه النعمة العظيمة قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} آل عمران:١٦٤ .

كيفية تعلم الحكمة:-
من أراد أن يتعلم الحكمة فعليه بإتباع دين الإسلام بسنة النبي صلى الله عليه و سلم فهي الحكمة, قال صلى الله عليه وسلم (قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك و من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ و عليكم بالطاعة و إن عبدا حبشيا فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما انقيد انقاد) ومما بينه الحديث أيضا الطاعة لولي الأمر وان كان عبدا حبشيا, و من شروط اتيان الحكمة التواضع فقد قال صلى الله عليه و سلم: (ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك فإذا تواضع قيل للملك ارفع حكمته و إذا تكبر قيل للملك: دع حكمته) و العقل قد تواجهه مواقف يعجز عن حسن التصرف فيها و لكنه لو كان له منهجاً يريه كيف يتصرف في كل الأمور لأحسن التصرف, و لا يوجد منهجاً شاملاً كاملاً يبين لك التصرف الأمثل في كل مناحي الحياة كمنهج الإسلام الصالح لكل زمان و مكان, و سنة النبي صلى الله عليه و سلم فالإسلام هو دين الحكمة.

وللننظر إلى قصة موسى و الخضر عليهما السلام ألم تر كيف تصرف نبي الله الخضر عليه السلام تصرفات غير مفهومة لموسى عليه السلام كخرق سفينة المساكين و قتل الغلام وبناء الحائط لأهل القرية البخلاء الذين لم يضيفوهما فهذه فعلاً تصرفات غير منطقية ولكن لأن الخضر عليه السلام آتاه أحكم الحاكمين علماً غيبياً من لدنه فهو يعلم مألات هذه الحالات ونهاياتها و يتصرف وفق هذه المعلومات و هذه الأفعال غير مفهومة في بادئ الأمر ولكنها هي عين الحكمة, فقس على ذلك الأمور الدينية التي لا تفهم مغزاها و أعلم أنه مهما أوتيت من علم ورشد وحكمة فعقلك قاصر (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً), فلذلك المسلم يُسلِّمِ عقله لدين أحكم الحاكمين عالم الغيب, ولنا في ذلك أسوة حسنة بابراهيم وابنه اسماعيل عليهما الصلاة والسلام قال تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ - فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ - وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ - قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ - إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ - وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ), فعندما رأى ابراهيم عليه الصلاة والسلام في المنام أنه يذبح إبنه واخبره بذلك, أسلما لأمر الله بدون جدال, وهذا أعظم درس في التسليم يخبرنا بأن نُسلم عقلنا للدين حتى ولو لم نفهم المغزى من الأمر, و عندما نتبع منهج الإسلام و نتق الله يجعل لنا مخرجاً لكل ما يواجهنا من صعاب كما قال أحكم الحاكمين: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب), والمؤمن راضٍ بقضاء الله وقدره كما قال صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير و ليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر و كان خيرا له و إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).