هذه هي المجموعة الأولى من أجوبة الشيخ الدكتور أحمد معبد عبد الكريم، وسوف تعلن باقي الأجوبة تباعاً بإذن الله تعالى.
---------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
- سؤال: من الأخ عبد الله العلي، ويَتَضَمَّن جواب سؤال آخر للأخ عبدالرحمن بن ناصر.
- وسؤال الأخ عبد الله يقول: ما آخر مَشاريعكم العِلْميَّة؟
الجواب: وهذا السَّؤال وجيهٌ جدًّا بالنِّسْبَة إلى غيري ممن يكون في مُقْتَبل العمر من جِهَة، ومن جِهَة أُخْرى تكون مسئوليَّاته أقل. فعندما عُدْتُ إلى مصر بعد استقالتي من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة عام 1418هـ كنت مُتَصَوِّرًا أني سأخلو إلى مكتبتي، وأنهي - بعون الله - إخراج بقيَّة "النفح الشَّذِيّ" لابن سيِّد الناس، ثم تكملته للحافظ العراقي اللَّذَيْن حَقَّقْت نصوصهما، وَوَثَّقْت أكثرها على مَخْطُوطات المصادر منذ كنت مُدَرِّسًا مُساعِدًا بكليَّة أصول الدين، جامِعَة الأزهر، وكذلك أُتِمُّ تحقيق كتاب "تهذيب التَّهذيب" الذي كنت فَرغْتُ من قسم كبير منه في أواخر أيَّامي بالرياض؛ ولكن بمُجَرَّد عودتي إلى القاهرة حَدَث ما لم أتوقَّعْه، فَفُرِض عليَّ فَرْضًا أدبيًّا أن أعود مرة أخرى إلى رحاب جامعة الأزهر؛ وفاءً بسابق حقِّها عليَّ، فعدت فعلاً وبهذه الخُطْوَة انفتح عليَّ من الأعباء ما يضيق به وقت أي باحث مهما كان جهده، ومِن ثَمَّ أصبح عملي في الكتابَيْن السَّابق ذكرهما بطيئًا عمَّا كنت أتوقَّع.
وما ذُكِر من تلف تحقيق كتاب "التهذيب" فهذا ظهر أنَّه كان عُطْلاً في الجهاز، وفي الصورة المُخَزَّنة على أنها الطَّبعة الهنْدِيَّة، وظَهَر أنها خلاف ذلك.
- سؤال آخر من الأخ/ عبدالله العلي أيضًا يقول: المُتَابعات إذا كانت قاصِرَة هل تُفِيد الحديث قُوَّة؟
الجواب: نعم تفيد الحديث قوة، فلم يذكر في هذا المبحث في كتب المصطلح تفريقٌ في التَّقْوية بين التامَّة والقَاصِرَة، لكن التَّامَّة أفضل فقط، ويستفاد منها في غير التَّقْوِية؛ كمعالجة التَّصْحِيف؛ والتَّحْريف في رجال الإسناد مثلاً.
- سؤال من الأخ / عامر بن بهجت يقول:
ذُكِر أنكم أشْرَفْتُم على برنامج "جوامع الكلم" لشركة (أُفُق). فهل هذا صحيح ؟ وما هي طريقتكم في الإشراف؟ وما تقييمكم للبرنامج؟ وإلى أي مدى يمكن الاستغناء به عن المطبوعات؟ وإلى أي مدى يُعْتَمَد على ما يذكرونه في تصحيح الأسانيد وتضعيفها؟
الجواب: هذا السُّؤال تَكَرَّر تَوْجِيهه إليَّ بهذه الصِّيغة وبغيرها.
وبدايةً أريد التأكيد على نقطتَيْن مُهِمَّتَيْن في هذا الموضوع
النُّقْطة الأولى: أنَّ الحاسوب وبرامجه عُمُومًا حتى الآن عِبَارة عن وسيلة من وسائل البحث فقط، وإن كانت فعَّالة جدًّا لكنها ليست غاية يَنْتَهِي عندها عمل الباحث وجهوده، وأيضًا كل برنامج له مُمَيِّزات، وعليه مآخذ مثل: طبعات الكتب تمامًا، وعلى الباحث أن يأخذ ما يفيده، ويَتْرك ما لا يفيده.
لكن الحاصل أنَّ كثيرًا من الباحثين - وطلبة العلم الآن للأسف - يُريدون تحويل، أو يحولون فعلاً الوسيلة إلى غاية، ويريدون من الحاسب أنْ يَنُوب عنهم، حتى إنَّ بعض الباحثين كتب بحثًا لقب فيه الكمبيوتر (بحافظ عصرنا)، وباحث آخر كتب بحثًا بعُنْوان: "توظيف آليَّات المنْطق المضبب في نقد مراتب رواة الحديث النبوي"؛ وخُلاصة هذا البحث: أنَّ صاحبه يرى أنَّ على المُخْتَصِّين بعُلُوم الحديث أن يُصَمِّمُوا طريقة آليَّة أو برنامجًا آليًّا حسب قواعد المنطق الحديث، يمكن بواسطته ذكر حكم مُحَدَّد على أيِّ راوٍ من حيث قَبُول روايته أو ردُّها، بمجرد إدخال اسم الراوي ونسبه، وما يُعْرَف من كُنْيَة أو لقب ونحوهما، ويُقَرِّر الباحث في هذا البحث أيضًا أن تأخر المُخْتَصِّين في إخراج هذا البرنامج يُعَدُّ جمودًا على القديم، وتخلفًا عن رَكْبِ التَّطور العِلْمِيّ.
النقطة الثانية: أنَّ استخدام الحاسوب وبرامجه في خدمة النُّصوص الدينيَّة بدأ في الغرب؛ كما هو معلوم كعمل خيريٍّ، فلمَّا وصل إلينا تَحَوَّل إلى عمل تِجَاري، وبالتالي لم يَعُد الإشراف العلمي هو كل شيء. كما أنَّ الإشراف العلمي على البرامج يختلف عن الإشراف العلْمِيّ على الرسائل والبحوث الجامعيَّة. فالأخير يَقْتَضِي المُرَاجَعَة التفصيليَّة للرسالة، والأَوَّل يَقْتَضِي مُرَاجَعَة الإطار والمُحْتَوى العام للبرنامج وخطوطه العامة، والمطالب البحثيَّة التي يوفرها للباحث، وعرض نماذج على الشاشة من ذلك، وفي هذه الحدود يكون التَّوْجيه من المُشْرِف. وبالنِّسْبة لبرنامج أُفُق فالأخ المهندس محمود المراكبي كما عَرَفْتُه قبل ثلاثينَ سنةً في الرِّياض يُعَدُّ من أكْفَأ، وأقدم العاملين في هذا الحقل.
وبدأ مع البرامج منذ كانت قاصرة على الصَّحِيحَيْن فقط، وقد عرض برنامجهما علينا في قِسْم السُّنَّة وعلومها بجامعة الإمام بالرياض قبل ثلاثين سنة.
والمُشْرِف الأصلي، والمتابع له بالتَّفصيل في كل خُطُواته: هو الأخ الفاضل الأستاذ الدكتور/ مروان شاهين، أستاذ الحديث بكليَّة أصول الدِّين، وعضو لجنة الحديث العلميَّة الدائمة لترقية أعضاء هيئة التدريس. وقد كان له المَسْعَى الأَوَّل والمشكور في تجويد العَلاقة العلميَّة بيني وبين المهندس محمود المراكبي، وهذه العَلاقة تَنْحَصر في المخطوطات الحديثيَّة غالبًا، حيث جعل المُهَنْدس المراكبي من مميِّزات برنامجه اشتماله على مجموعة من الأجزاء والفوائد والأمالي الحديثيَّة المخطوطة التي لم تكن مُدخَلَة حينذاك عند غيره، أو مُدْخَلَة من طبعة غير مُعْتَنًى بتحقيقها، وظروفي الصحية ومسئوليَّاتي لا تسمح بأكثر من زيارتَيْن في الشهر، وأحيانًا أقل، وفي كُلِّ زيارة أقابل مع أحد الباحثين ما كَتَبَه، مقابلة تفصيليَّة بما يَتَّسِع له الوقت من أوراق المخطوط، للتأكُّد من سلامة النَّصِّ المُثْبَت في البرنامج من أي سقط، أو تحريف، أو قراءة أي لفظة يكون في رسمها في المخطوط صعوبة.
أمّا تقويمي العامّ لأيّ برنامج سواء من إنتاج شركة "أفق" أو غيرها، فهو أنه فيه الصَّواب وفيه الخطأ، وليس هناك ما يخلو من الخطأ، وقد قَرَّر لي المهندس المراكبي بنفسه أنه مُسْتَعِدٌّ لتَقَبُّل أي ملحوظة، أو تصويبٍ من طالبِ علمٍ مع حِرْصِهِ - ابتداءً - على إخراج النُّصوص مُصَحَّحَة من الأخطاء، ومُتَابَعَة التَّصويب بصفة دائمة.
وعليه، فإن طالب العلم يُمْكِنُه الاستفادة من كل البرامج التي يجد فيها ما يفيده، ويستفيد بالبرامج في جَمْع المادَّة العلميَّة فقط، لأنَّ هذه أهم فوائدها، وقدرة البرامج على ذلك مع توفير الوقت أمرٌ لا خلاف عليه.
ثم بعد الحصول على المادَّة لابد للباحث من التَّأكُّد من وجودها في المصادر المُحَال عليها، وخاصَّة المطبوعة وهي الأكثر.
ولابدَّ من التَّأكُّد من بيانات الطَّبعة من حيث التاريخ، والمكان، والمُحَقِّق إن وُجِد.
ثم يبدأ الباحث بصياغة بحثه وترتيبه، واستخلاص نتائجه بجهده الخاص، ومشورة من يثق بعلمه وخبرته.
وفي مقدمة ذلك سلامة النَّصِّ، وتحقيق أحوال الرُّواة، وتحقيق بيان درجات الأحاديث، وضبط العِلَل، والله المُوَفِّق.