قال تعالى في صفة المحبين المحبوبين: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} [المائدة: 45]، فوصف المحبوبين المحبين بأنهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين وأنهم يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم
فإن المحبة مستلزمة للجهاد، لأن المحب يحب ما يحب محبوبه ويبغض ما يبغض محبوبه ويوالي من يواليه ويعادي من يعاديه ويرضي لرضاه ويغضب لغضبه ويأمر بما يأمر به وينهي عما ينهى عنه فهو موافق له في ذلك، وهؤلاء هم الذين يرضى الرب لرضاهم ويغضب لغضبهم، إذ هم إنما يرضون لرضاه ويغضبون لما يغضب له) [مجموعة الفتاوى 5/204].
والمجاهدون هم صفوة الخلق وسادتهم والناصحون لهم والباذلون نفوسهم ومهجهم لإسعادهم في الدنيا بالتمتع بهذا الدين الذي لا سعادة لهم بدونه، وفي الآخرة بنيل رضوان الله ودخول جناته.
قوم باعوا نفوسهم وأموالهم لله ورغبوا في عاجل لقاه، لينالوا الحياة الآجلة الأبدية التي لا يصطفي الله لها من خلقه إلا خيارهم، الذين يتخذهم شهداء.
قوم يختارون الجوع والعطش والخوف على الشبع والريِّ والأمن في الحياة الدنيا ليسبقوا إلى نعيم الله الدائم في دار كرامته، ينام الناس وهم يسهرون ويتمتع الناس بملذات الدنيا وطيباتها وهم منها محرومون، إذا تغطى القاعدون على سررهم بأنواع الثياب وافترشوا أجود الزرابي وتوسدوا ألين النمارق كان غطاء المجاهدين نقع غبار التحامهم بالأعداء وكان فرشهم الحصى والشوك وكانت وسائدهم أسلحتهم التي يقارعون بها الكفار، لذلك يكرمهم الله إذا انتقلوا إلى دار كرامته بما يتمنون أن يحييهم الله من أجله مرات ليقتلوا في سبيله، بل هذا ما تمناه الرسول صلى الله عليه وسلم! وما ذاك إلا لمكان المجاهد الشهيد الذي يقاتل لإعلاء كلمة الله [الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته للدكتور عبد الله القادري 1/12].
ما ذا أقول بوصف ما قاموا به عجز البيان وجفّت الأقلام
فطوبى - والله - ثم طوبى لمن سابق وبادر والتحق بقافلتهم وانخرط في صفوفهم مجاهداً في سبيل الله، فالزمن يسرع ولا انتظار لبطيء أو متثاقل أو قاعد، ومن ينفر مع بزوغ الفجر فسيسبق من توقظه الشمس لأن الطريق سيزدحم!