تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,108

    افتراضي العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته

    العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (1-10)



    العمل التطوعي أسسه ومهاراته، سلسلة مقالات أردت منها إحياء سنة التطوع،
    فهو من أنبل الأعمال وأفضلها؛ لما فيه عظيم الأجر، والنفع والخير للبلاد والعباد، به يستقر المجتمع وتحصل به المحبة والألفة والوئام بين المسلمين وتتحقق به مواساة أهل العوز والحاجة وإزالة أسباب الأحقاد من الصدور، وفيه نشر الألفة بين الناس، والتعاون على البر والخير بعيداً عن الفردية أو الأنانية أو السلبية. وحينما تقلب صفحات تاريخنا الإسلامي تجد نماذج رائعة من الأعمال التطوعية التي كان لها الدور الفاعل في التنمية والحضارة، والتي وفرت الحياة الكريمة لكل إنسان في المجتمع المسلم، وتخفيف معاناة أهل الحاجة والعوز، ودفعت الطاقات البشرية لتسخر جهودها لمنفعة البلاد والعباد، وهذا ما حثت عليه شريعتنا الغراء، فالعمل التطوعي هو جزء من عقيدة المسلم وحياته اليومية. ولتبيان الحقائق نقدم سلسلتنا في العمل التطوعي، وستكون حلقتنا الأولى في مفهوم ومشروعية العمل التطوعي.
    العمل التطوعي.. مشروعيته وآثاره
    التطوع من نعم الله تعالى على عباده، بأن هيأ لهم من الأعمال التي يؤجرون عليها، ويقدمون من خلالها إمكاناتهم وقدراتهم وطاقاتهم التي وهبها الله لهم في حياتهم التي يعيشوها، من أجل منفعة الآخرين.
    والعمل التطوعي دعت إليه الشريعة الإسلامية، وجاء الحث على فعله في كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وله وفير الأجر والمثوبة من الله تعالى. وقد امتثل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لهذا الترغيب والحث على منفعة الناس والمجتمع، وسار على نهجهم التابعون والسلف الصالح، والمسلمون على مر العهود. ومن خلال التشريع الرباني، والامتثال لهذا التشريع، وثق التاريخ منذ القرن الأول وإلى أيامنا التي نعيشها أعمالا تطوعية ومؤسسات وهيئات وأوقافا وخيرات شهد لها القريب والبعيد.
    وتاريخ المسلمين كان ولا يزال ثرياً بالجهود التطوعية التي يبذلها المسلمون في كافة المجالات، فأقاموا حضارة إسلامية كانت الأولى في العهد الأموي وفي العهد العباسي وفي الثلاثمائة سنة الأولى من العهد العثماني.
    وقد أولى فقهاء الأمة ومحدثوهم العمل التطوعي والخيري والوقفي اهتماماً واضحاً، فبوبوا له الأبواب وقعدوا له القواعد، وبحثوا في مسائله ومستجداته، فأصلوه تأصيلاً شرعياً، وحددوا له الشروط والضوابط والمقاصد والغايات، وطرق إحيائه في النفوس ورعايته وحسن إدارته.
    والمسلم كما هو مطالب بالركوع والسجود والحياة الخالصة لله، فإنه مطالب بفعل الخير على مستوى الفرد والمجتمع؛ قال تعالى: {يأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}، الشيخ السعدي في تفسيره للآية قال الآتي: «لا طريق للفلاح سوى الإخلاص في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده فمن وفق لذلك فهو الموفق»، وصاحب النعمة والغني لا يهنأ بنعمته وماله إذا لم يشارك الآخرين ويتعايش معهم ويخفف من آلامهم.
    والعمل التطوعي به تقاس حضارة الأمم وتقدمها واستشعارها لمسؤولياتها، ومشاركتها للعمل بما يخدم البلاد والعباد، لتنعم الأمم بالحياة الكريمة الهانئة.
    معنى التطوع:
    - التطوع في اللغة: تقديم ما ينفع الآخرين، وفي الاصطلاح: طاعة غير واجبة يقدمها المسلم تقرباً إلى الله تعالى، أي بذل للخير تقرباً إلى الله بغير عوض.
    ويمكننا أن نجمل تعريف العمل التطوعي من تعاريف علماء اللغة والفقه والاجتماع بأنه: «الجهد الذي يتبرع الإنسان به طواعية، لعمل مشروع، يخدم المجتمع، وينمي أفراده ومؤسساته؛ تقرباً إلى الله تعالى».
    ماهية التطوع:
    التطوع هو المجهود الذي يقوم به الفرد بصفة اختيارية عن طريق الإسهام بخدمات للمجتمع دون مقابل مادي، وقد يكون على شكل عمل أو علم أو رأي أو تمويل أو غير ذلك مما يخدم المجتمع.
    العمل التطوعي في القرآن الكريم:
    ديننا الإسلامي الحنيف يحث على القيام بالأعمال التطوعية والخيرية، يقول الله تعالي: {فَمَن تَطَوّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لّهُ} (البقرة: 184 ) و قال تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}( الحشر:9) وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}(ال بينة:7)، وقال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}، وقال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} (آل عمران: 10)، وقال الله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً} (النساء:114)، يعني: لا خير في كثير من كلام الناس وأحاديثهم ومحاوراتهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، وقال تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، ومهما دق ذلك العمل فإنه مثاب عليه إذا كان خالصاً صوابا.
    وقال الله تعالى: {ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله} (البقرة:282)، فهنا ترغيب للكاتب أن يتطوع بكتابته ولا يمتنع إذا طلب منه، فالكتابة من نعم الله على العباد التي لا تستقيم أمورهم الدينية ولا الدنيوية إلا بها، وأن من علمه الله الكتابة فقد تفضل الله عليه بفضل عظيم، فمن تمام شكره لنعمة الله تعالى أن يقضي بكتابته حاجات العباد ولا يمتنع من الكتابة، وفي هذه الآيات دلالة واضحة على فضل التطوع وأجره العظيم؛ لما فيه من نفع للناس وإحسان إليهم.
    العمل التطوعي في السنة النبوية:
    وردت أحاديث صحيحة صريحة في فضل العمل التطوعي في العبادات والنوافل, وفي أعمال البر والمعروف، قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه» رواه البخاري، وعنه صلى الله عليه وسلم قال: «يا بن آدم إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك» رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته» رواه مسلم.
    وقال صلى الله عليه وسلم: «كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل على دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة، ودل الطريق صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة» صحيح الجامع.
    فبعدد مفاصل الإنسان الثلاثمائة وستين مفصلاً، يستحب له أن يؤدي شكر نعمة كل مفصل من هذه المفاصل كل يوم بصورة من صور العمل التطوعي.
    ومن محبة النبي صلى الله عليه وسلم البالغة لأهل الأعمال التطوعية وعنايته بهم، وتفقده لهم. ما رواه البخاري ومسلم وابن ماجه بإسناد صحيح واللفظ له:
    عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها بعد أيام فقيل له: إنها ماتت فقال: «فهلا آذنتموني، فأتى قبرها فصلى عليها».

    والعمل التطوعي كان أساساً في بناء الحضارة الإسلامية، فجهد العلماء والفقهاء والنساخ وطلبة العمل في شتى العلوم لم يكن إلا تطوعاً. وما كان عملهم وعطاؤهم يقابل بالأجور، بل كانوا يتورعون من أخذ المال إلا ما يحسن معيشتهم، فبرز في العمل التطوعي العلماء والأطباء والصيادلة والفلكيون والرياضيون وغيرهم.


    اعداد: عيسى القدومي

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,108

    افتراضي رد: العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته

    العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (2/10)



    العمل التطوعي أسسه ومهاراته، سلسلة مقالات أردت منها إحياء سنة التطوع، فهو من أنبل الأعمال وأفضلها؛ لما فيه عظيم الأجر، والنفع والخير للبلاد والعباد، فبه يستقر المجتمع وتحصل به المحبة والألفة والوئام بين المسلمين وتتحقق به مواساة أهل العوز والحاجة وإزالة أسباب الأحقاد من الصدور، وفيه نشر الألفة بين الناس، والتعاون على البر والخير بعيداً عن الفردية أو الأنانية أو السلبية.
    وحينما تقلب صفحات تاريخنا الإسلامي تجد نماذج رائعة من الأعمال التطوعية التي كان لها الدور الفاعل في التنمية والحضارة؛ والتي وفرت الحياة الكريمة لكل إنسان في المجتمع المسلم، وتخفيف معاناة أهل الحاجة والعوز، ودفعت الطاقات البشرية لتسخر جهودها لمنفعة البلاد والعباد، وهذا ما حثت عليه شريعتنا الغراء، فالعمل التطوعي هو جزء من عقيدة المسلم وحياته اليومية. ولتبيان الحقائق نقدم سلسلتنا في العمل التطوعي، وستكون حلقتنا الثانية في الحكمة من مشروعيته، واهتمام الإسلام بالعمل الاجتماعي.
    الإسلام والعمل الاجتماعي
    العمل التطوعي والتطوع مندوب، أي مستحب، ونوع من أنواع الهبة، وقد تعامل بها الصحابة رضوان الله عليهم في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وشرع بالكتاب والسنة، ودعا إليه وحث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وامتثل وبادر للتطوع صحابته الكرام رضوان الله عليهم، وكان عليه إجماع الأمة على مر العصور، والحكمة من مشروعية العمل التطوعي متعددة نلخصها بالآتي:
    1- اكتساب رضا الله ومحبته: وذلك بتحقيق العبودية لله تبارك وتعالى، فالعمل التطوعي نافلة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قال: «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه». صحيح البخاري.
    2- تحقيق معنى الاستخلاف: بأن يعمر الأرض، ويحرص على نفع الناس، وأن يكون صاحب دور إيجابي في هذه الحياة، ويسعى لهداية الناس ودعوتهم إلى الإسلام، ونشر النافع من العلم، وإغاثة الملهوف والإنفاق والبذل، قال الله تعالى: {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}.
    3- توثيق الروابط بين الناس، والحث على التكافل والتعاون: ولا يتحقق ذلك إلا بالتكافل والتعاون والحرص على منفعة الآخرين، ومساعدتهم بما يخفف الآلام، ويوفر الحاجات الضرورية لمن يحتاجها، وبذلك تهنأ المجتمعات وتسعد بهذه الألفة والمحبة الشعوب والأمم، قال تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى}، وفي الحديث: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته».
    دعوة الشريعة إلى العمل التطوعي:
    دعت الشريعة الإسلامية المسلم إلى البذل والعطاء والإيجابية والتفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه، ومع العالم من حوله، يقول د. أحمد الشرباصي في كتابه «موسوعة أخلاق القرآن»، عن العمل التطوعي بأنه: « خلق من أخلاق القرآن الكريم، وصفة من صفات أهل الإيمان، وفضيلة من الفضائل التي أرشد إليها هدي الرسول صلى الله عليه وسلم»(1). والقيم والأخلاق التي دعت إليها الشريعة الإسلامية، وحثت المسلمين على سلوكها والعمل بها لبذل المعروف والخير في خدمة البلاد والعباد، كثيرة ومتعددة، وهي في حقيقتها عمل تطوعي نجملها بالآتي:
    1- الإحسان: بأن يحسن الإنسان إلى الآخرين، فيقدم لهم العون والعطف والرحمة.
    2- التعاون: التعاون في حقيقته تطوع، والأفراد المتعاونون على الخير، يؤثرون بالإيجاب على مجتمعاتهم.
    3- التكافل الاجتماعي: وبه يتحقق الأمن الاجتماعي والشعور بالمسؤولية.
    4- الأخوة: وفيه بذل ما يستطع لمساعدة الإنسان للإنسان ونصرته لإخوانه.
    5- الرحمة: ليتراحم الناس فيما بينهم، قال صلى الله عليه وسلم: « لا يرحم اللهُ من لا يرحم الناسَ»(2). فإذا أردت أن تكون أهلاً لرحمة الله فربِّ نفسك على رحمة الناس.
    6- فعل الخيرات والمسارعة فيها: ليبذل الإنسان كل ما في وسعه من الخيرات ويسارع فيها ويتسابق إليها.
    7- المعروف والعمل الصالح: وكل معروف صدقة من عمل أو قول أو توجيه، والابتسامة والمساعدة صدقة.
    8- البر والإنفاق: والبر ما فيه الأجر والمثوبة من إنفاق مال وغيره، والإنفاق بابه واسع، فالموفق من وفق إلى أبواب البر والإنفاق التي لا حصر لها(3).
    اهتمام الإسلام بالعمل الاجتماعي:
    العمل الاجتماعي يأخذ أهمية ومكانة واسعة في كتاب الله تعالى وفي سنة نبيه الكريم, ويتصدر هذا الجانب لتكون مكانته بعد العقيدة مباشرة في آيات وأحاديث كثيرة, بل وفي السيرة التاريخية للتشريع الإسلامي:
    فمن الآيات قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (الماعون:1-7).
    إن ديننا الإسلامي دين عظيم جعل الرحمة الاجتماعية والتعاون الإنساني والحرص على نفع الآخرين أساساً يبنى عليه تقويم الإنسان وجزاؤه، وتقرر السورة في آياتها الثلاث الأولى أن الذي يزجر اليتيم وينهره, ويهمل المسكين الذي أذلته الحاجة، ولا يحض نفسه ولا أهله ولا غيرهم على إطعام المسكين بخلاً بالمال، هو إنسان مكذب بلقاء الله وحسابه وجزائه، فأكرم اليتيم وأعط المحتاج مما أنعم الله به عليك.
    وفي آية أخرى قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } يدعو الله تعالى المؤمنين أن يصبروا ويرحموا ويتواصوا فيما بينهم بذلك؛ ليكون الصبر خلقاً اجتماعياً شائعاً بين الناس، ويتشبع به الجو الإسلامي كله في جميع معاملاته وسياساته وتصرفاته.
    والقارئ لسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم سيجد روائع في التشريع الاجتماعي لا تخطر على بال إنسان. عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من لا يرحم الناس لا يرحمه الله» متفق عليه.
    ولا شك أن الجوانب الاجتماعية هي جوانب تعبدية كالصلاة والصيام والزكاة والحج وقراءة القرآن والذكر وقيام الليل, بل بعضها يفوق في ثوابه كثيراً من أنواع التعبد المعتادة، ولهذا فالجوانب الخيرية والتطوعية – إن فعلت لوجه الله تعالى – فهي عبادة, وإن أخلصت النية فستكون كل حركة وكل كلمة وكل جهد وكل تفكير وكل سلوك في دائرة ذلك المقصد، ستكون تجارة مع الله تعالى.
    والأجر والثواب يتفاوت في العمل التطوعي بتفاوت الأوقات والأحوال، وأفضله ما كان أكثر حاجة للناس ونفعاً لهم في زمنهم، والتطوع يكون بالجهد أو بالمال أو بالوقت أو بالنفس أو بالخبرة أو ببعض منها أو بها مجتمعة.
    وللتطوع متعة لا ينالها إلا من عمل عملاً متطوعاً، به وخالصاً لله تعالى، محققاً من خلاله مصلحة من قصدهم في عمله التطوعي.
    الهوامش:
    1- موسوعة أخلاق القرآن د. أحمد الشرباصي ( 6/21).
    2 - أخرجه البخاري في صحيحه، برقم 7376.
    3- انظر للاستزادة: دراسة توثيقية للعمل التطوعي، د. خالد الشطي، الأمانة العامة للأوقاف، الكويت 1428- 2007هـ. بتصرف واختصار.


    اعداد: عيسى القدومي
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,108

    افتراضي رد: العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته

    العمل التطوعي … أسسه ومهاراته (3/10) أثر العمل التطوعي على المتطوعين


    العمل التطوعي أسسه ومهاراته، سلسلة مقالات أردت منها إحياء سنة التطوع،
    فهو من أنبل الأعمال وأفضلها، لما فيه عظيم الأجر، والنفع والخير للبلاد والعباد، به يستقر المجتمع وتحصل به المحبة والألفة والوئام بين المسلمين وتتحقق به مواساة أهل العوز والحاجة وإزالة أسباب الأحقاد من الصدور، وفيه نشر الألفة بين الناس، والتعاون على البر والخير بعيداً عن الفردية أو الأنانية أو السلبية .

    وحينما تقلب صفحات تاريخنا الإسلامي تجد نماذج رائعة من الأعمال التطوعية التي كان لها الدور الفاعل في التنمية والحضارة؛ التي وفرت الحياة الكريمة لكل إنسان في المجتمع المسلم، وتخفيف معاناة أهل الحاجة والعوز، ودفعت الطاقات البشرية لتسخر جهودها لمنفعة البلاد والعباد، وهذا ما حثت عليه شريعتنا الغراء، فالعمل التطوعي هو جزء من عقيدة المسلم وحياته اليومية. ولتبيان الحقائق نقدم سلسلتنا في العمل التطوعي، وستكون حلقتنا الثانية في الحكمة من مشروعية، واهتمام الإسلام بالعمل الاجتماعي .
    للمتطوعين عند الله خير الجزاء في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا تطمئن النفوس وتسعد القلوب، ويبارك الله لهم في أعمالهم وأعمارهم وأموالهم، ويجبب الله الناس إليهم، ويقدرون في مجتمعاتهم، وتفرج كروبهم، ويتيسر عسيرهم، وهذا كله مشروط بإخلاص النية لله تعالى، حتى ينعموا بذلك الجزاء في الدنيا.
    أما في الآخرة، فلهم الأجر الجزيل من رب العالمين، وتثقل موازينهم بالحسنات، وتكون أعمالهم التي بذلوها وتطوعوا بها في الدنيا شفيعاً لهم، ووقاية من نار جهنم، وتولجهم الجنة، ويشهد لهم كل عضو في أجسادهم على فعلهم للخير، وبذلهم لأنفسهم في خدمة البلاد والعباد فلهم غاية الإكرام من الله تعالى، ويقال لهم: «كلوا وأشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية» الحاقة : 24.
    وفي الشريعة الإسلامية المتطوعون ينعمون بالآتي:
    1- محبة الله للمتطوعين : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا» صحيح الجامع.
    2- محبة الناس لهم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا نادى جبريل إن الله قد أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في السماء إن الله قد أحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في أهل الأرض». صحيح البخاري. ومما فطر عليه الناس محبة المحسن:
    أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
    فطالما استعبد الإنسان إحسان
    3- حفظ الله ورعايته: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قال:«وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته : كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه». صحيح البخاري.
    4- من أحسن الناس قولاً وفعلاً : قال تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت:33)
    5- اغتنام الأوقات بالنافع من الأعمال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم». السلسلة الصحيحة.
    6- خلفاء في الأرض : قال تعالى:{وَلْتَكُن ْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (104/آل عمران).
    وقال سبحانه : {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}
    7-ينعمون بالسعادة والاطمئنان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن رجلاً شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسوة قلبه، فقال: امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين». مسند أحمد.
    8- تفرج كروبهم، ويتيسر عسيرهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه». سنن أبي داود
    9- غاية الإكرام من الله تعالى: قال الله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ}. وقال صلى الله عليه وسلم : « إذا أراد الله بعبد خيرا عسله ، قيل : و ما عسله ؟ قال : يفتح له عملا صالحا قبل موته ، ثم يقبضه عليه». صحيح الجامع
    10- ينالون أعلى الدرجات في جنات النعيم : قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}
    أهمية العمل التطوعي :
    للعمل التطوعي أهمية على مستوى الفرد والمجتمع وتتركز بالآتي :
    (1) باب للأجر والمثوبة من الله تعالى.
    (2) زيادة النماء الاجتماعي، والتقارب بين فئات المجتمع و تماسكهما و تنمية الروابط بينها.
    (3) تنمية القدرات والمهارات الشخصية والعلمية والعملية للأفراد في المجتمع.
    (4) يوفر الفرص للمشاركة والتفاعل، وتحديد الأولويات التي يحتاجها المجتمع، والمشاركة في اتخاذ القرارات.
    (5) زيادة الثقة بالنفس وتطوير القدرة على أداء الأعمال والتخطيط لها.
    (6) يتيح الفرص للتعبير عن الأداء والأفكار في القضايا العامة التي تهم المجتمع.
    (7) التوعية باحتياجات المجتمع لفئات التي تحتاج مساعدة.
    (8) يوفر الفرصة لتأدية الخدمات وحل المشاكل بالجهد الشخصي.
    (9) الولاء للمجتمع وإدراك عملية التنمية.
    (10) توفير الجهد الحكومي لما هو أهم من المسئوليات الكبرى.
    فالغاية من العمل التطوعي والخيري تأسيس نهضة وتنمية اجتماعية شاملة تستلهم المقومات المعنوية الراسخة في الدين, والخلق القويم , والقيم الإنسانية السامية , وإحياء مبادئ التكافل والتراحم والتعاون والتعاضد.

    الدوافع في العمل التطوعي :
    • الدينية: وهو دافع أساس، يقصد به الثواب والأجر من الله، امتثالاً لما دعت له الشريعة الإسلامية.
    • الشخصية: ويرتبط بأسباب وأغراض موجودة داخل نفس المتطوع. فهي التي تسيره وتدفعه للانخراط في العمل التطوعي.
    • الاجتماعية: ويرتبط بأهمية إسهام الفرد في المجتمع وتأكيد دورة في الحراك الاجتماعي والعطاء الايجابي وانتمائه لهذا المجتمع.
    • القيمية: نتيجة لوجود قيمه المشاركة والإحساس بالمسؤولية تجاه المجتمع.
    أنواع العمل التطوعي:
    1. العمل التطوعي الفردي: هو ذلك العمل الذي يمارسه الفرد بذاته، كالطبيب الذي يخصص ساعة كل يوم لعلاج الفقراء في عيادته بالمجان، وكالمعلم الذي يفرغ نفسه يوماً ليراجع دروس الطلبة الأيتام مجاناً، وكالمستشار الذي يقدم دراسة تحليلية للأسباب والعلاج لظاهرة أبناء الشوارع ويقدمها للجهات العاملة في علاج تلك الظاهرة.
    2. العمل التطوعي المؤسسي: وهو أكثر تماسكاً وتقدماً واستمراراً من التطوع الفردي، وأكثر تنظيماً، وأوسع تأثيراً في المجتمع، ومن خلال المؤسسة الخيرية أو التطوعية، يتطوع الفرد ليكون مشاركاً مع مجاميع العمل التطوعي، فيحدد المجال الذي يرغب، ويقدم فيه جهده وخبرته وإمكاناته بساعات أسبوعية أو يومية معينة.
    العمل التطوعي ماذا يحقق للفرد ؟
    العمل التطوعي مطلب شرعي ديني وحاجة إنسانية، وضرورة اجتماعية، يحقق للفرد الآتي:
    1. الثواب من الله تعالى.
    2. السعادة.
    3. الراحة النفسية.
    4. الثقة بالنفس.
    5. بناء القدرات.
    6. التعامل مع الناس.
    7. الثقافة والإدارة.
    8. فتح آفاق جديدة.
    9. الإبداع والتجديد.
    أهداف مؤسسات العمل التطوعي :
    ولمؤسسات العمل التطوعي أهداف لابد أن تكون حاضرة في أذهان العاملين في هذا المجال ، نذكر أهمها :
    • تنشيط الحركة الاجتماعية الذاتية بمضاعفة المؤسسات الخيرية والاجتماعية والتطوعية ورفع كفايتها.
    • غرس المفهوم الصحيح للعمل الخيري والطوعي الذي يتجاوز المفهوم الضيق الحالي, وليشمل النهضة والتنمية وكل معاني البر والإحسان والعدل والرحمة , وكل المعاني المرتبطة بتكريم الإنسان.
    • إحياء قيم التكافل والتعاون, ورعاية ذوي القربى, والجار وذوي الحاجة في المجتمع.
    • ترسيخ العمل تضامني بين المواطن والدولة والمجتمع ، فالتنمية الاجتماعية جهد مشترك.
    • مساعدة الفقراء وذوي الدخل المنخفض , ومحاربة الفقر , ودرء المخاطر الاجتماعية والأخلاقية المترتبة علية , ومحوها محواً كاملاً.
    • دعم ومساندة الفئات الخاصة في المجتمع من المسنين والمعاقين والأيتام وغيرهم.
    • تحقيق مبدأ التنمية بالمشاركة , وضرورة المشاركة الشعبية والتي تهد ركيزة من ركائز الرعاية والتنمية الاجتماعية.
    • توسيع نطاق العمل الخيري والطوعي ليتجاوز نطاق المحلية إلى إطار الإقليمية والعالمية.



    اعداد: عيسى القدومي
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •