خلاصة أطروحة دكتوراه بعنوان: الكتابة القصصية النسائية المغربية
د. صفاء درويش





خاتمة:

ما يلفت النظر من خلال تتبع مسار السرد النسائي المغربي - تحقق تراكمٍ يؤشر على ارتفاع وتيرة نشر الكاتبات المغربيات لإبداعاتهن، وتنوع تضاريس كتابتهن وأجناسها، وقد صاحب هذا التراكم ظهور وعي نسائي يتوخى تشخيص الواقع بمنظورٍ جديد، على نحوٍ يمكن للمرأة نقل أحاسيسها وتطلعاتها، فتبين عن موقفها وفلسفتها من الوجود.

أصبحت الكتابة النسائية ظاهرة تسرق الأنظار؛ لما تميزت به من خصوصيات فنية وموضوعية؛ إذ تعد ملمحًا من ملامح إبداع المرأة، وتعبيرها عما يجول بخاطرها، وما خزنته ذاكرتها من صور الماضي، فقد بذلت الجهد لتدخل إلى ميدان الكتابة الإبداعية، وإن كان متأخرًا فله نتائج إيجابية كثيرة، رغم ما واجهته من صعوباتٍ، مثل:
تأخرها في ولوج المدارس.
تأخرها في العمل.
تأخر اكتشاف موهبتها وتقبلها في الساحة الأدبية.

ظلت المرأة لسنواتٍ أساس الأسرة الصغيرة، التي تتمحور مهمتها في الزواج والإنجاب، والتربية والطاعة، إلا أنها كسرت هذه القاعدة، وعمدت إلى الدراسة والتفوق، والبحث عن فرص الشغل، وكذا التعرف على موهبتها شيئًا فشيئًا، فوضعت لنفسها شهادة ميلاد كاتبة بمعية الرجل الذي كان لها في العديد من المراحل الداعم والمحفز لتبذل الجهد المضاعف، وتفجر كل مكبوتها؛ لتكتب أدبًا يوازي ما كتبه الرجل، وكما لاحظنا فقد اكتسحت الكاتبة المغربية - على وجه الخصوص - الساحة الأدبية المغربية، وإن كانت لها تعثراتها في البداية؛ حيث انشغلت بمبادئ المصطلح، ومحاولة العديد من الأشخاص تحويل اهتمامها من الإبداع إلى الحرب والمنافسة ضد الرجل، إلا أنها سرعان ما اكتشفت أن الأساس هو الإبداع.

وتبين تميزها واجتهادها في تقديم الأحسن على كل المستويات: الدراسية والعملية، والمنزلية والإبداعية، فكانت النتيجة صنفين من النساء:
أولهما: من لم تستطع المواكبة والموازنة بين هذه المسؤوليات، فتوارت عن الإبداع.
وثانيهما: من نجحت في مواصلة الإبداع والعمل والمشاركة في الندوات.

تعد كتابة المرأة المغربية من الخطوات المهمة في تاريخ الإبداع المغربي بشكلٍ عام، لا سيما وأنها بذلت مجهودًا لتبرز موهبتها، وفي الوقت نفسه المحافظة على المكانة التي وصلت إليها إلى جانب الرجل في الإبداع، وإن كانت إبداعاتها القصصية - كما لاحظنا - تشكل نسبة قليلة مقارنة بإنتاج الرجل الذي سبقها في هذا الميدان؛ حيث كانت له الخبرة والدربة في الكتابة، والحصول على الجوائز الأدبية التقديرية، التي حُرم منها العديد من الأقلام النسائية المغربية، فقد كان همها الأول: الكتابة ونشرها محليًّا ووطنيًّا وعربيًّا، لتبرز موهبتها على مستوى الكتابة الأدبية والقصصية على الخصوص.

إن الجرد الذي قدمته لمجموعات القاصات يبرز مدى اهتمام المرأة المغربية بفرض قلمها، ومحاولتها السير قدمًا لإعلاء كلمتها، والتعبير عن مشاكلها، ورؤاها لبعض الظواهر الاجتماعية التي تشغل بالها، ومحاولتها التعبير عنها بقلمها؛ حيث أضافت لمسةً خاصة إلى جانب كتابة الرجل؛ فكانت بذلك المواضيع متنوعة ومكملة لأعمال القاصين المغاربة، غير بعيدة عن هموم المواطن المغربي والعربي، لا سيما هم المرأة المغربية التي عانت الكثير في الزمن الماضي من الحرمان والسيطرة؛ لذا وجدنا أقلامًا كثيرة ترد الاعتبار لها بفرض رغبتها وكفاءتها في الدراسة والعمل والإبداع.

ولعل المجموعات القصصية قد أبانت عن العديد من المواقف التي تعيشها المرأة، والتي تستطيع هي وحدها الكشف والحديث عنها بتفصيل؛ مثل حالات الولادة وما يصاحبها من أحداث، والغضب الذي تشعر به المرأة جراء خيانة الزوج لها؛ فالقاصات المغربيات توغلن في عمق الذات النسائية، وعبَّرن بلغتهن عن همهن وأحلامهن، وهواجسهن وطموحاتهن، وخوفهن ورغباتهن.

عالجت القاصات المغربيات مواضيع متنوعة نابعة من عمق المجتمع، فكانت بمثابة الكاشف والمصلح للظاهرة في الوقت نفسه؛ قصص عبرت عن الحزن والفرح، والخوف والصراع، والتسامح والحرب، والخداع والخيانة والحب...

مواضيع صاحبها عددٌ من القاصات بصورٍ ورسوم معبرة عن المشهد، محفزة القارئ على التمتع بأحداث قصص نسجت خيوطها من واقعٍ نعيشه يوميًّا، واقع اختصر في صفحاتٍ وأسطر بإمكان أي قارئ أن يطلع عليها لصغر حجمها، ولغتها القريبة من لغته اليومية في عدد من المجموعات القصصية النسائية المغربية، وإن كانت المواضيع مصورة لأحداث وقعت وتقع في الشارع والمجتمع المغربي.

فقد استعانت القاصات المغربيات بأساليب متنوعة لتأثيث المعاني، وتأكيدها في ذهن المتلقي، وهي متنوعة بين: اقتباسٍ واستشهاد، وحوارٍ ووصف؛ اقتباس قرآني صاحب الكتابة والمعاني المبتغاة، واستشهادات من الموروث الشعبي، وحوارات أحيت كلمات النص، وقربته من حياة القارئ بدخوله عمق النص وأحداثه، ووصف اجتمعت فيه كل الحواس لتسبر أغوار القصة، وتتتبع أحداثه عن قرب.

لقد عالجت القاصات المغربيات في مجموعاتهن أحداثًا واقعية ألبستها رداء القص المعبر، وقد تشارك في هذه الجمالية القاص والقاصة، فلكليهما هدفٌ واحد؛ نشر الثقافة المغربية، وانتشار الأعمال الإبداعية المغربية عن طريق أقلام حفرت اسمها في مسار القصة المغربية، ومن أهم هذه الأسماء - لا سيما النسائية -: الكاتبة خناثة بنونة التي اتخذتها نموذجًا هامًّا للكتابة النسائية؛ فهي القلم النسائي الأول في مجال القصة، والقلم الوحيد المحافظ على نفسه القصصي والإبداعي، فهي المناضلة المبدعة الحاملة هم العرب والإنسانية، المعبرةعن:
هموم المواطن المغربي والعربي المحب وطنه.
وهموم المرأة المغربية: المديرة والمُدرِّسة والمتعلمة، الزوجة والأم والابنة (الصالحة والطالحة).
وهموم الزوج والأب والابن (الصالح والطالح).

مواضيع تشاركت فيها جميع الأقلام؛ فهي مواضيع وطنية واجتماعية، تثير أي إنسانٍ، وتجذب الأقلام إليها، عبر عنها كل من القُصَّاص والقاصات، وخناثة بنونة؛ كل بطريقته ووجهة نظره الخاصة، مقدمين بذلك أعمالاً خالدة كثيفة ومتنوعة أَثْرَتِ الساحة الأدبية المغربية، وفتحت المجال للبحث، والنقد البناء الذي تدارس العديد من النقاط المتعلقة بالكتابة المغربية بشكلٍ عام، والكتابة النسائية المغربية بشكلٍ خاص، فكانت النتيجة بحوثًا ودراسات متنوعة، أبانت عن نقط الضعف والقوة في الأعمال القصصية المغربية.

وخلاصة القول:
إن الكتابة النسائية المغربية استطاعت أن تفرض ذاتها ولو بنسب ضعيفة مقارنة بإبداع الرجل، الذي أخذ زمنًا في الكتابة والتأليف، وقد فسح المجال الآن للمرأة التي تشكل جزءًا هامًّا من حياته، فكلاهما يعتبران أساس تكون المجتمع تربويًّا وثقافيًّا وأخلاقيًّا؛ فقد استنتجت من خلال أطروحتي مدى الارتباط الوثيق بين الرجل والمرأة، ومدى التناقض الذي خلف لنا عددًا من الظواهر المتعددة، التي استفادت منها المرأة، فوجهت لها كل الأنظار بكشفها والحديث عنها بلغة سردية ووصفية معبرة، والجدير بالذكر أنني سجلت عددًا من نقط الالتقاء والاختلاف بين كتابات القاصات، وكتابة "خناثة بنونة"، والمتمثلة فيما يلي:
توحد همهن وموضوعاتهن التي غلب عليها نزعتهن الذاتية وآراؤهن الخاصة، وتصورهن لعدد من الظواهر.

حضور الزمان والمكان باعتباره من المكونات الأساسية في الكتابة القصصية، والمساعد على صبغ العمل بواقعية.

توظيف اللغة المتنوعة بين العربية الفصحى والعامية؛ بتوظيف بعض الألفاظ المعتمدة في الشارع المغربي.

الدفاع عن حقوق المرأة، ورد الاعتبار لها، بتسليط الضوء على عدد من القضايا المتعلقة بالرجل: من شذوذٍ جنسي، وتراجع شخصيته أمام زوجته، واعتباره في عدد من القصص البطل الثاني، البطل الغائب، عكس المرأة التي كانت في كثير من القصص محور القص النسائي المغربي.

رصد أهم الجوانب المتعلقة بالرجل والمرأة بطرق متفاوتة، وملامسة أهم القضايا الحرجة بطريقةٍ جريئة.

مواضيع تبنتها المرأة الكاتبة، ودافعت عنها في قصصها وإبداعاتها المتنوعة، إلى جانب كتابة الرجل التي كانت بالنسبة لها الأرضية الأولى والمدرسة الأولى في الكتابة القصصية.

أما نقط الاختلاف فتمثلت فيما يلي:
تميز كتابة خناثة بنونة من حيث المواضيع الوطنية والسياسية أكثر.

اعتماد خناثة بنونة في جل قصصها اللغة العربية الفصحى الصعبة نوعًا ما، والأساليب الفلسفية والقانونية، أكثر من اللغة البسيطة العاطفية.

تكرار خناثة بنونة في العديد من القصص عددًا من الكلمات، عدت بمثابة الكلمات المفاتيح لمجموعاتها القصصية، من مثل: الكأس، والصبح.

غياب ألفاظ السب والإهانة والكلام النابي في قصص خناثة بنونة، عكس كتابات بعض القاصات المغربيات بذكر ألفاظٍ نابية، وسردهن تفاصيل العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، أو العكس.

ومن المآخذ التي أخذت على كتابة بعض القاصات المغربيات استخدامهن للغة نابية، كان يتعذر علي في حالات كثيرة قراءة مقاطع حوارية أو قصصية علنًا للسرد المفصل والدقيق في وصف بعض المقاطع الجنسية، وكذا ذكر بعض الألفاظ النابية التي هي فعلاً موجودة في الشارع المغربي، فقد سعت القاصات للنقل الدقيق الحرفي في أحيان كثيرة لمظاهر مجتمعية نعاني منها، وفي الوقت نفسه أبانت لغير العارف بعض الألفاظ النابية المغربية التي يقولها عددٌ من المتشردين، أو السكارى، أو سكان بعض الأحياء الشعبية...

إن القاصات المغربيات، وعلى رأسهن الكاتبة خناثة بنونة باعتبارها من الأوائل التي أخذت على عاتقها مشعل القصة المغربية النسائية، والكتابة النسائية المغربية على وجه العموم - أثبتن غير ما مرة قدرتهن على الابتكار والإبداع وتقديم المزيد؛ ذلك بأن الإحصائيات تبين التزايد الإبداعي للمرأة، والاهتمام الخاص الذي تتلقاه إبداعاتها المتنوعة بين الشعر والقصة، والرواية والمسرح، وإن كانت إسهاماتها في هذا الأخيرة ضعيفة، فهي ما تزال في بداية الطريق، طريق اكتشاف مواهبها وخفاياها الإبداعية، إن أتيح لها المجال للكتابة والتعبير دون القيود، والخطوط الحمراء الوهمية، التي تعرقل مسيرة أي كاتب، رجلاً كان أو امرأة، كل يحاول إثبات ذاته والتعبير عما يجول بخاطره؛ الرجل بتجربته الطويلة في هذا الميدان، ومواضيعه المتنوعة بين مواضيع الوطن والمجتمع المغربي، الذي يتمحور على ثلاثة أسس: الرجل، السلطة، المرأة، والمرأة تكتب هروبًا من ماضيها، وأملاً في مستقبل تكون فيه صاحبة القرار، تقرر فيه مصيرها، وتكتب دون خوفٍ من إسقاط أبطالها على حياتها الحقيقية، أو استخدام اسمٍ مستعارٍ بدل الاسم الحقيقي.

إن كتابة المرأة تعد مجازفةً كبرى، وفي الوقت نفسه حقًّا من حقوقها، التي حرمت منها لظروف اجتماعية وبيئية، وهي تحاول الآن التعبير عن معاناتها وآلامها التي لطالما تقبلها دون الرضا بها، وهي الآن تحاول بكتاباتها فك الحصار الذي أقيم على كلمتها، والمضي قدمًا لتصل إلى المستوى الذي ترغبه، بتحقيق التميز على المستوى الكمي والكيفي، الكمي بوصول عدد القاصات المغربيات لإحدى وخمسين قاصة مغربية في حدود 2009، وهن في تزايد مستمر، لا سيما بعد تشجيع المواهب الصغرى للكتابة من قبل مجموعة البحث للقصة القصيرة بالمغرب، وبعض المسابقات التي تقيمها التلفزة المغربية للكشف عن المواهب، والبرنامج الخاص المقام للتعريف بالإبداع والمواهب النسائية - كلها مؤشرات تنم على أن المرأة فعلاً أصبحت لها مكانة مهمة في المجتمع؛ وذلك بسبب جهودها ونجاحها ومثابرتها من أجل تقديم الجديد على مختلف المستويات؛ منها الكتابة القصصية النسائية المغربية التي شهدت تطورًا على مستوى المضامين والأساليب.


من هنا؛ فإن الأطروحة تعد قراءةً للكتابة النسائية المغربية، والتأكيد على بعض خصوصياتها التي تميزت بإعطاء المرأة حقها، باعتبارها بطلتها المفضلة، وإضافتها إلى جانب الرجل القاص للساحة الأدبية المغربية والعربية: أعمالاً قد تلتقي في مواضيع، وتختلف في أخرى، الأساس فيها هو التعبير بأقلام متنوعة، والاعتراف بأحقية الاختلاف والتعبير، وتقبل اختلاف الآخر وتميزه؛ لذا كان تعاملي نظريًّا وتطبيقيًّا - كما اتضح ذلك - للإلمام بكل الجوانب التي سبق وتم الحديث عنها سابقًا في العديد من المقالات والكتب؛ فقد حاولت جمع ما أمكنني في جانب الاختلاف في المصطلح وضم الجديد له، وفي الوقت نفسه مقاربة الأعمال القصصية النسائية المغربية عن قرب؛ بجردها وتحليل بعضها، مركزةً على أهم التيْمات الغالبة والجوانب الفنية المؤسسة للعمل القصصي، والموصلة للموضوع في قالب فني وموضوعي محكم.

وقد اتخذت خناثة بنونة نموذجًا للدراسة والتحليل، باعتبارها رائدة في هذا المجال، وكاتبةً من الطراز الرفيع؛ بلغتها، ومواضيعها، وإنتاجاتها، فقد ركزت على دراسة أعمالها القصصية وتحليلها، بوصف أهم المواضيع التي عالجتها، مبعدةً التحليل عن أي إسقاطٍ حزبي أو سياسي.

وختامًا:
يمكن القول:
إن القاصة والكاتبة المغربية استطاعت بحق أن تدون شهادة ميلاد كاتبة مغربية وعربية، بسبب جهودها ومثابرتها، وصبرها في مواصلة دراستها، وتوسيع مداركها الثقافية، وفتح مجال موهبتها للإبداع، وفي الوقت نفسه الاعتراف بمساعدة الرجل لها، وفتحه المجال للتنافس والكتابة؛ بغية تعرف كل منهما على عمقه وإبداعه، وكلما اختلفت الطريقة أكسبت القارئ حبًّا ورغبةً أكثر في القراءة والإبداع في الوقت نفسه.

لذا يمكن اعتبار الكتابة على حد تعبير (نجاة الزباير): "إعصارًا تشمخ فيه اللغة التي تحول أصابع المبدع إلى روح توغل في كل ما هو فني تخييلي وفلسفي وتاريخي..."[1].

فهي ذلك الإعصار الذي يأتي دون سابق إنذار، كلما حسنت لغته، ارتفع أكثر فأكثر لتصل إلى الطرف الآخر، الذي تختلف طريقة تعامله مع العمل الإبداعي، فهو إما قارئ، وإما ناقد؛ لذا فهناك علاقة تبادلية بين قطبين في العمل الإبداعي: بين المبدع والقارئ؛ إذ لا بد أن يراعي الكاتب ثقافة واهتمام قرائه، الذين يتوزعون بين القارئ العاشق والملم بالجنس الأدبي، وبين القارئ المبتدئ الذي يتعلم مبادئ الكتابة من قلم المبدع؛ امرأةً كانت أو رجلاً.



[1] همس اليراع، رئيسة التحرير، نجاة الزباير، مخاضات تجديد القصة القصيرة بالمغرب، أفروديت، العدد 4، 2006، ص 10.