تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الفاتحة والدعاء

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,841

    افتراضي الفاتحة والدعاء

    الفاتحة والدعاء (1)
    محمد بن سند الزهراني


    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبي بعده،



    أما بعد:
    فإنَّ المتدبر لهذه السورة العظيمة الخاشع عند تلاوتها، المستظهر لمعانيها - ليدرك أنَّ الآيات الأوائل من هذه السورة العظيمة إلى قول الله جَلَّ وَعَلَا: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[الفاتحة:5]، يدرك تمامًا أنها تتضمن حمد الله والثناء عليهِ، وتمجيدَه، وإقراره وحده لا شريك له بالعبادة والاستعانة بهِ.
    ثم يأتي بعد ذلك الدعاء ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، فالدعاء بوابة الدخول الكبرى على الله، وبهِ تتجلى حقيقة الافتقار والتوحيد، فما أعظم هذه السورة حين يلهم الله -جَلَّ وَعَلَا - عبده قلبًا خاشعًا عند تلاوتها والصلاة بها، فيدرك أنَّ من أعظم العطايا العظيمة له في هذه الحياة أنْ يلهمهُ الله جَلَّ وَعَلَا الدعاء، وأنْ ييسر ذلك له؛ صح عن النبيّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديث أبي هريرة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل»، ثم جاء في الحديث: «إذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل»[1]، إنهُ دعاء الفاتحة.
    خُتمت هذه السورة العظيمة بالدعاء، أهم ما يحتاجهُ العبد في دينهِ ودنياه، حاجة العبد إلى أنْ يهديهُ الله جَلَّ وَعَلَا الصراط المستقيم، أعظم من حاجتهِ إلى الطعام والشراب والنفس، ولا نجاة من العذاب، ولا وصول إلى السعادة إلا بهذه الهداية؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اَللَّهُ: (دعاءُ الفاتحة هو أجلُّ مطلوب، وأعظم مسؤول، ولو عرف الداعي قدر هذا السؤال، لجعلهُ ديدنَه وقرنَه بأنفاسهِ، فإنه لم يدَع شيئًا من خير الدنيا والآخرة إلا تضمَّنه).
    الفاتحة نورٌ فُتِح لها باب من السماء لم يُفتَح من قبلُ، ونزل بها ملكٌ لم ينزل قط، واختص بها نبينا صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون سائر الأنبياء والرسل عَلَيْهِم اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ووعد بإعطاء ما احتوت عليهِ من المعاني، فإذا سألت الله تعالى الصراط المستقيم، صراط اَلذِين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، فاعلم أنهم عرفوا الحق وعمِلوا بهِ، فجمعوا ما بين العلم والعمل.
    فلندعو الله جَلَّ وَعَلَا صدقًا وإخلاصًا ويقينًا أنْ يهدينا الله جَلَّ وَعَلَا طريقهم، وأنْ يجنبنا طريق المغضوب عليهم، وهم اليهود اَلذِين عرفوا الحقَّ، ولم يعملوا بهِ، فذمَّهم الله جَلَّ وَعَلَا، ثم ندعو الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أنْ يجنِّبنا طريق النصارى اَلذِين ضلوا في باب العمل بلا حُجَّةٍ ولا دليلٍ ولا برهان، ولذلك قال العلماء: (مَنْ فسد من علمائنا ففيهِ شبهٌ من اليهود اَلَّذِين يعلمون ولا يعملون، ومَنْ فسَد من عبادنا ففيهِ شبهٌ من النصارى اَلَّذِين يعملون بلا علم)، ولا نجاة إلا بتوفيق الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ولزوم هذا الدعاء العظيم، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.




    [1] حديث صحيح (أخرجه مسلم) رواه أبو هريرة.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,841

    افتراضي رد: الفاتحة والدعاء

    الفاتحة والدعاء (2)
    محمد بن سند الزهراني





    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
    تحدثنا في الدرس الماضي عن الفاتحة والدعاء، ولنعلم أنَّ من أشرف مقامات العبودية بين يدي الله أنْ يقف العبد خاضعًا خاشعًا وهو يرددُ في الفاتحة هذا الدعاء العظيم: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، ما أجمل مناجاة العبد لربه بهذا الدعاء، وهو يستشعر فقرَه وذلَّه ومسكنته، وحاجتَه إلى هداية الله له، وإلى صراط الله المستقيم.
    إننا ندعو الله جَلَّ وَعَلَا بهذا الدعاء كل يوم،ما لا يقل عن سبع عشرة مرة، ونؤمن عليهِ؛ طلبًا للهداية إلى الصراط المستقيم اَلذِي سلكهُ الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون، فجديرٌ بنا جميعًا أنْ نعلم أنَّ سورة الفاتحة اشتملت على شروط الدعاء وآدابهِ اَلتِي إذا تحلَّى بها المؤمن واتصف بها، أُجيب بإذن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى دعاءَه، وحقِّق رجاؤهُ، وأُعطي سؤالَهُ.
    فأوَل هذه الشروط اَلَّتِي تضمنتها سورة الفاتحة:هو الإخلاص لله جَلَّ وَعَلَا، وهو شرطُ الدعاء الأعظم، وقد جاء ذكرهُ مقدمًا بين يدي الدعاء في سورة الفاتحة بقول الله جَلَّ وَعَلَا: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ:
    اهدنا: أنت يا ألله، فلا ندعو، ولا نرجو، ولا نستعين، ولا نستغيث إلا بك يا الله، فمَنْ صرف الدعاء لغير الله، فقد أشرك، ودعاؤهُ باطلٌ مردودٌ.
    فأين مَنْ يقرؤون الفاتحة ويرددون: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وهم يدعون الحسين وفاطمة، ولربما ذرَف أو ذرفوا دموعهم عندما يرفعون الحاجات أنْ تُقبَل أمام عتبات المشاهد وقبور الصالحين والأولياء، سبحانك اللهم هذا بهتانٌ عظيمٌ!
    ثم لنعلم أنَّ من شروط الدعاء المتابعة للرسول عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وقد اشتملت الفاتحة على قول الله جَلَّ وَعَلَا: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ أي: الطريق القويم والمسلك الرشيد اَلذِي كان عليهِ نبينا صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعظم الدعاء بركةً وأثرًا هو الدعاء بالمأثور عن النبيّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنْ يتحرَّى العبدُ فيهِ جوامع الدعاء، ولا يدعو فيهِ بمعصيةٍ ولا قطيعة رحمٍ؛ اقتداءً بالنبي عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
    ومن شروط الدعاء في الفاتحة: الإلحاح على الله جَلَّ وَعَلَا، وألا ييأس العبد وينقطع ويقول: دعوت ودعوت ولم يُستجب لي، وقد دلَّت الفاتحةُ على هذا الشرط، فهي السبع المثاني تُقرأ وجوبًا في كل ركعة.
    ومن شروط الدعاء: الجزم بالدعاء، والعزمُ في الطلبِ والمسألة، ورسولنا صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «لا يقولنَّ أحدُكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إنْ شئت، ليعزم المسألة، فإنهُ لا مستكره له»[1]، ودلَّت الفاتحةُ على ذلك؛ من حيث العزمِ والصدق في طلب الهداية رجاءَ ذلك من الله، مع البعد عن الارتخاء والفتور في السؤال والطلب.
    ومن شروط الدعاء: حضور القلب وعدم الغفلة عند الدعاء، قال صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْعُوا اللهَ وأنتمْ مُوقِنُونَ بالإجابةِ، واعلمُوا أنَّ اللهَ لا يَستجيبُ دُعاءً من قلْبٍ غافِلٍ لَاهٍ»[2].
    والفاتحة اشتملت على هذا الشرط؛ من حيث التهيؤ اَلَّذِي يأتي الداعي في تلك المقدمة العظيمة بين يدي السؤال: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الفاتحة:2]، فلم يبدأ الدعاء مباشرةً ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ[الفاتحة:6]، وإنما جاء ذكر الله جَلَّ وَعَلَا وتعظيمه وتمجيده جَلَّ وَعَلَا، والثناء عليهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
    وهكذا أيها الأخوة، اشتملت الفاتحةُ على كل معاني القرآن من عبادةٍ وعقيدةٍ ومنهج حياة، ولذلك عندما نقرأ الفاتحة ينبغي لنا أنْ نستشعر هذه المعاني العظيمة الجليلة، فاللهم اهدِنا الصراط المستقيم، صراط اَلذِين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، والحمد لله رب العالمين.




    [1]صحيح.
    [2]صحيح.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •