الحث على لزوم الآ داب الإسلامية
الفرقان




في خطبة للشيخ عبدالرزاق عبدالمحسن البدر بعنوان: (الحث على لزوم الآداب الإسلامية)، أكد الشيخ أن الآداب الإسلامية من الأمور العظيمة التي ندبت إليها الشريعة الإسلامية وحثت على فعلها والعناية بها، وتحسين الخلق وتهذيبه؛ إذ إن ذلك هو عنوان سعادة المرء وفلاحه في الدنيا والآخرة، فما استُجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استُجلب حرمانهما بمثل تضييع الأدب وإهماله.
حقيقة الأدب
وعن حقيقة الأدب قال الشيخ البدر: تكمن حقيقة الأدب في استخراج الكامن في الإنسان من الكمال من القوة إلى الفعل، فإن الله -سبحانه- قد هيأ الإنسان لقبول الكمال بما أعطاه من الأهلية والاستعدادات التي جعلها فيه كامنة، فألهمه ومكَّنه وعرَّفه وأرشده، وأرسل إليه رسله، وأنزل إليه كتبه لاستخراج تلك القوة التي أهلَّه بها لكماله، قال الله -تعالى-: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس:٧-١٠)، فأخبر -سبحانه- عن قبول النفس للفجور والتقوى، وأن ذلك نالها منه امتحاناً واختبارا، ثم خصَّ بالفلاح من زكاها فنمَّاها وعلاَّها ورفعها بآدابها التي أدَّب الله -عز وجل- بها رسله وأنبياءه وأولياءه، ثم حكم بالشقاء على من دسَّى نفسه فأخفاها وحقّرها وصغّرها وقمعها بالخِسَّة والفجور.
الأدب كلمة عظيمة
ثم بين الشيخ أن الأدب كلمة عظيمة ذات دلالاتٍ عميقة، وهي تعني اجتماعَ خصال الخير في العبد في هيئته ومظهره، وقومته وقعدته، وحركته وسكونه، وحديثه وسكوته، وحِلّه وارتحاله، وجميع شؤونه، وهو إصلاحٌ للمنطق واللسان والجوارح والجنان وصيانة كاملة للإنسان، به تتهذّب النفوس، وتزكو القلوب، ويتجمل الظاهر والباطن، وبه تبتعد النفوس عن رعونتها، والقلوب عن شرورها، والجوارح عن آفاتها، والأخلاق عن منغصاتها وخوارمها.
فبالأدب تعلو منارات الدين، وتتسع رقعته، ويعظم إقبال الناس عليه، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران:١٥٩)، قال الله -تعالى- لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:٤)؛ قال الحسن البصري رحمه الله: هو آداب القرآن.
لقد تأدَّب - صلى الله عليه وسلم - بآداب القرآن فكمَّلها، وتحلى بتوجيهاته وإرشاداته فتممها، فكان خلقه - صلى الله عليه وسلم - الذي يتخلق به وأدبه الذي يتأدب به هو القرآن الكريم، كما في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- لما سُئلت عن خُلقه - صلى الله عليه وسلم - قالت: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ»؛ أي أنه - صلى الله عليه وسلم - كان متأدباً بآداب القرآن متخلقاً بأخلاقه واقفاً عند حدوده عاملاً بأوامره منتهياً عن نواهيه؛ بحيث لا ترى في القرآن من خُلُق ولا أدب إلا وهو متمسك به ملازم له على أتم وجه وأحسن حال، فكان بذلك أسوة لأمته وقدوة في كل خير {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:٢١).
أنواع الأدب
- والأدب ثلاثة أنواع: أدب مع الله -سبحانه-، وأدب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشرعه، وأدب مع الخلق.
الأدب مع الله -عز وجل
أما الأدب مع الله -عز وجل- فيكون بالحياء منه -سبحانه- وتعظيم أمره ونهيه والوقوف عند حدوده، والإقبال عليه وحده رغباً ورهبا وخوفاً وطمعا: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} (الإسراء:٥٧)، إن الأدب مع الله هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهراً وباطنا، ولا يستقيم لأحدٍ قطُّ الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء: معرفته -سبحانه- بأسمائه وصفاته، ومعرفةٍ بدينه وشرعه وما يحب ويكره، وثالث ذلك: نفسٌ مستعدة قابلةٌ لينة متهيئةٌ لقبول الحق علماً وعملا.
الأدب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم
وأما الأدب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم -: فالقرآن مملوء به، ورأس ذلك - عباد الله -: التسليم له والانقياد لأمره وتلقي خبره بالقبول والتصديق، وألا يتقدَّم بين يديه بأمر ولا نهي ولا إذنٍ ولا تصرف حتى يأمر هو وينهى ويأذن، كما قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } (الحجرات:١)، أي لا تقولوا حتى يقول ولا تفعلوا حتى يأمر. عباد الله: وهذا باقٍ إلى يوم القيامة؛ فالتقدم بين يدي سنته - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته كالتقدمُ بين يديه هو - صلى الله عليه وسلم - في حياته.
الأدب مع الخَلْقِ
وأما الأدب مع الخَلْقِ فهو معاملتهم على اختلاف مراتبهم بما يليق بهم؛ فلكلٍ مرتبته من الأدب، فمع الوالدين أدب خاص، ومع العالِم أدب خاص، ومع الأقران أدب وهكذا، ولكل حالٍ من الأحوال أدب، فللأكل آدابه، وللشرب آدابه، وللركوب والدخول والخروج والسفر والإقامة والنوم آدابها، ولقضاء الحاجة آدابه، وللكلام آدابه، وللسكوت والاستماع آدابه، والأدب هو الدين كله، إذ الدين الإسلامي الحنيف هو دين الأدب الرفيع في أوامره الحكيمة وإرشاداته القويمة وتوجيهاته العظيمة.
أصول المعاملة
ثم بين الشيخ البدر أن المعاملة -أياً كانت- لها أصول؛ فالمعاملة مع الله -تبارك وتعالى- لها أصولها، والمعاملة مع النفس لها أصولها، والمعاملة مع الخلق باختلاف أجناسهم وأخلاقهم وآدابهم لها أصولها، وقد جمع صلوات الله وسلامه عليه أصول المعاملة في حديث فذٍّ جامع هو من جوامع كلِمه - صلى الله عليه وسلم -، يقول - صلى الله عليه وسلم - في وصيته لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» فهذا الحديث - عباد الله - جمع فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أصول المعاملة: المعاملة مع الله، والمعاملة مع النفس والمعاملة مع عباد الله:
أساس المعاملة مع الله
أما المعاملة مع الله؛ فإن أساسَ بنائها وأصلَ قيامها أن تكون مؤسسة ومبنية على تقوى الله -جلّ وعلا- أينما كان الإنسان وأينما حل « اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ »، وتقوى الله -جلّ وعلا- ليست كلمة يقولها المرء بلسانه أو عبارةً يتلفظ بها، وإنما تقوى الله -جلّ وعلا- أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله، بذلك عباد الله يكون المرء من المتقين.
أساس المعاملة مع النفس
وأما المعاملة مع النفس؛ فإنها تبني على ما قاله - صلى الله عليه وسلم -: «وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا »، وهذا - عباد الله - فيه إشارة إلى أن الإنسان لابد له من الخطأ والتقصير «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ»، فالإنسان بطبعه مخطئ وتعتريه الغفلة ويعتوره النسيان، ولكن عليك أن تقبِل على الله -عز وجل- إقبالاً صادقا، وأن تكثِر من الحسنات، وأن تقبِل على الله -عز وجل- تائبا منيبا، وأن تجعل نصب عينيك طاعة الله -عز وجل- والإقبال عليه والتماس رحمته -سبحانه وتعالى- ورجاء فضله والخوف من عقابه؛ وهذا هو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ» بأن يكون العبد دائماً وأبدا مقبلاً على الحسنات مكثراً من الطاعات تائبا منيبا إلى الله -جلّ وعلا.
أساس المعاملة مع الخلق
وأما المعاملة مع الخلق، فأصل بنائها وأساس قيامها هو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ »، وتحت هذه الجملة العظيمة تدخل جميع الآداب وجميع الأخلاق، فيدخل تحت هذه الجملة: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، والوفاء بالوعد، وطلاقة الوجه، وحسن الكلام إلى غير ذلك من الأخلاق العظيمة والآداب الكريمة التي دعا إليها ديننا الحنيف.
فهذا حديثٌ عظيم جامع، جمع فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أصول المعاملة مع الله -عز وجل- ومع النفس ومع عباد الله -تبارك وتعالى.
الشيخ ابن باز: المؤمن عليه أن يتأدب بالآ داب الشرعية
في أقواله وأعماله وعباداته وسائر تصرفاته
الله -سبحانه وتعالى- بين الآداب الإسلامية وأوضحها في كتابه الكريم، وبينها لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - في سنته المطهرة؛ فالمؤمن عليه أن يتأدب بالآداب الشرعية في أقواله وأعماله وعباداته وسائر تصرفاته الأخرى، ولابد أن يلتزم بهذه الآداب الإسلامية التي تقربه من الله -سبحانه وتعالى- ومن جنته، وتباعده من أسباب غضبه وعقابه، وعلى المسلم أن يتدبر القرآن الكريم ويعرف مواضع المدح والذم ويتبين معاني الآيات الكريمة ويأخذ منها الآداب الإسلامية التي ينبغي أن يتبعها، ويترك كل ما ذمه الله -سبحانه وتعالى- ويترفع عنه، كما أنه يجب على المسلم أن يخاف الله في جميع أعماله وعبادته، ومعاملاته، والخوف من الله يكون في كل وقت وفي كل مكان وزمان؛ فإذا خاف المسلم الله خوفا حقيقيا لم يقدم على أي معصية، بل يجتهد في عباداته لله راغبا في جنته مبتعدا عن أعمال أهل النار.