السلام عليكم،


خذ الكتاب بقوة *
(في سياق حقيقة التدين)
كتبته د.أ. فتيحة محمد بوشعالة
أستاذة محاضرة بجامعة الامير عبد القادر الإسلامية بقسم الكتاب والسنة بقسنطينة - الجزائر
بتاريخ 28 فبراير 2023م


حين تنحرف الفهوم، وتسود السطحية في التعاطي مع الفكرة، حين يهيمن فكر الكم على عمق النوع، لا يمكن للمسلمين إعادة انتاج حضارة، ولا إعادة صياغة وصناعة إنسان القيم، او كما يسميه طه عبد الرحمن الإنسان الكوثر.
لأن عقلنا توقف عند الظواهر وصار يحرص على شكل التدين لا على جوهره، على مظاهره لا على حقيقته، وبهذا نبقى نراوح مكاننا، لا نتقدم خطوة، لأننا لم نأخذ الكتاب بقوة، بل حرصنا على انتاج نسخ جديدة من المصاحف لا أكثر.
• عملية تلقي القرآن الكريم فيها وسائل ومحفزات ومقاصد.
وفي خضم اقبالنا على هذه العملية ذهلنا عن المقاصد، وركزنا مع المحفزات.
صار عندنا خلط بين المراحل الثلاثة، حيث اختزلناها كلها في واحدة وهي المحفزات.
حفظ القرآن الكريم ليس مقصدا بل هو وسيلة، ونيل الحسنات ليس مقصدا بل محفزا، لبلوغ المقصود.
المقصد هو العمل بهذا الكتاب واتخاذه منهجا للامة المسلمة تسير عليه حتى تحقق الاستخلاف والعبودية.
ولا نصل الى هذا المقصد الا بوسائل هي تلاوة هذا الكتاب وحفظه وحسن تدبره وفهمه، وما يرغبنا في ذلك ويحفزنا عليه هو ما بشرنا به الله ورسوله من جزاء وثواب في الدنيا والاخرة، فهذه محفزات لا غايات، ومن رحمة الله أنه حف كل مرحلة بجزيل العطاء حتى يرغبنا في المزيد.
ولكننا للأسف لقصر نظرنا وقفنا عند الوسائل، بل عند المحفزات فقط، فتجد الكثير يحرص على كثرة التلاوة لينال أكبر قدر ممكن من الحسنات ، وفي حال أفضل يحرص على الحفظ وختم القرآن ، ولكن يغفل الاغلب عن اتخاذ هذا الكتاب دستورا لصناعة الإنسان وبناء الأمة.
• القرآن فصل لنا كيف تُصنع النفس السوية، كيف يبنى المجتمع الفاعل، كيف تكون الأمة قوية، كيف تبنى العلوم، كيف نستخرج خيرات الكون، كيف وكيف وكيف...
ولكننا رضينا بالأسهل واستبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير....فضربت علينا الذلة.
• لا أهون من ظاهرة النشئ في اقباله على حفظ القرآن ، ولا على الاحتفاء بذلك من منافسات ومسابقات وغيرها.
بل ينبغي علينا قبل ذلك وبعده، تعهد هذا الجيل بتقويمه باخلاق القرآن وتدريبه على تدبره وحسن فهمه، والتخلق باخلاقه، واتخاذه منهجا للحياة، في سلوكنا، معاملاتنا، في دراستنا، في وظيفتنا، في تجارتنا، في علاقاتنا الاجتماعية ، في سياستنا الشرعية، في علاقتنا الدولية، بالمختصر دستور حياتنا.
أما ما تفعله كثير من الهيئات الرسمية وغير الرسمية من تكريمات ومهراجانات، وينتهي الامر، فمجرد فلكلور موسمي، وينتهي، كما ينتهي عيد الفراولة، ويوم العلم وعيد الثورة وعيد الاستقلال وغيرها من المناسبات، لا بد من آليات متابعة ذلك الانجاز ورعايته والعمل على الاستثمار فيه حتى يؤتي أكله في النفوس وفي المجتمع، في الوطن و الأمة {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} -البقرة:63- .
كلنا نرغب في نيل الشهادة، في الموت في سبيل الله لدخول الجنة، ولكننا نتكاسل عن الحياة في سبيل الله ، عن الجهاد في اعلاء كلمة الله، بالعلم بالقلم بالحجة بالبناء والتعمير، بعمارة الأرض واقامة العدل فيها {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} -آل عمران:110- .
رحم الله مالك بن نبي الذي فقه معنى (خذ الكتاب بقوة), فتركها لنا وصية على قبره. اهـ.
* المصدر الصفحة الرسمية على الفيسبوك.