تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: محور الشر

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,766

    افتراضي محور الشر

    محور الشر (1-2)






    كتبه/ علاء بكر

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
    بدأت عداوة الشيطان للإنسان مع بدء تاريخ البشرية، فقد خلق الله -تعالى- أبانا آدم -عليه السلام- وكرمه، وعلمه ما لم يعلمه غيره، وأمر الملائكة بالسجود له، ومعهم إبليس فأبى حسداً وكبراً وتمرداً، واستحق غضب الله -تعالى- عليه وطرده من رحمته، فملأت نفسَه العداوةُ لآدم وذريته، وتمادى في تلك العداوة فتوعد آدم وذريته بالإضلال والإغواء إن أمهله الله إلى يوم يبعثون، قال -تعالى- عنه: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً)(الإسراء: 62).
    ووسوس الشيطان لآدم -عليه السلام- وزوجه وكاد لهما حتى ذاقا من الشجرة التي نُهيا عنها، ولكن آدم وزوجه سارعا بالتوبة والندم والإقرار بالذنب، فغفر الله -تعالى- لهما، وأمرهما بالهبوط إلى الأرض والخروج من الجنة إلى حين. وكان قصد إبليس إسقاط آدم من رتبته وإبعاده عن رحمة الله، فلم ينل مراده وخاب ظنه قال -تعالى-: (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى)(طـه: 122)، ولكن بقيت حياة الإنسان على الأرض صراعاً بينه وبين الشيطان.
    وقد تكررت قصة أبينا آدم -عليه السلام- مع إبليس في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، تنبيهاً لبني آدم كي لا ينسوها أو يتغافلوا عنها، فيسالموا إبليس أو يهادنوه، أو ينخدعوا بكيده، وفي هذه القصة العظيمة الكثير من الدروس والعبر والفوائد التي ينبغي أن تكون عالقة بالأذهان وتستحضرها النفوس ومنها:

    1- أن أول معصية ظهرت كان سببها الحسد، إذ حسد إبليسُ آدمَ، ثم الكبر، حيث تكبر إبليس عن السجود مخالفاً الأمر الرباني له بذلك، ولما لم يتب من ذلك استحق الطرد من رحمة الله.
    2- أن الله -تعالى- غفور رحيم، يقبل توبة عبده وأوبتـَه، فيغفر له زلته ويتجاوز عنه.
    3- أن عداوة إبليس تستدعي الحذر من الانخداع بوسوسته، وعدم تصديقه، والركون إليه.
    4- أن عداوة الشيطان للإنسان عداوة دائمة لا تنقطع إلي يوم القيامة.
    5- أن الحياة الدنيا حياه مؤقتة، فيها الابتلاء والاختبار، وهي صراع مع الشيطان، وبعد البعث والنشور يكون الحساب والجزاء.
    6- أن الإنسان قد كتب عليه الشقاء والتعب في الدنيا، فيعمل ليسد جوعه، ويستر بدنه، أما في الجنة فلا شقاء ولا جوع ولا حرمان.
    7- أن قضاء الله ينفذ لا محالة، ولا يرد.
    8- أن إبليس تسبب في إبداء سوءة الأبوين في الجنة، وهو الذي يزين لبني آدم إبداء العورات في الدنيا.
    9- أنه لا يُحتـَج بالقدر على المعصية، وإنما الواجب عند الذنب المسارعة إلى التوبة، وذلك بالإقلاع عن الذنب، والندم على اقترافه، والعزم على عدم العودة إليه.
    10- أن من أساليب الشيطان تزيين الباطل، وذلك بإظهار الباطل في غير صورته، ليقع فيه الإنسان، فقد زين لآدم -عليه السلام- الأكل من الشجرة المنهي عنها، بزعم أنها هي شجرة الخلد (قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى)(طـه: 120)، فسمى الأمر المحرم بغير اسمه ليحبب آدمَ فيه خداعاً وتزويراً، وهذا دأبه -لعنه الله- كما قال لرب العزة (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّه ُمْ أَجْمَعِينَ . إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)(الحجر: 39-40)، وقال الله -تعالى- عنه (تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ)(النحل: 63).
    وهذا ما يفعله أولياء الشيطان في إضلال العباد، يسمون المحرمات بغير اسمها ويحببون العباد فيها ليجترئوا عليها، فالخمر مشروبات روحية، والربا فوائد، والرقص والغناء فن وإبداع، وخروج النساء كاسيات عاريات حرية.
    11- وعود الشيطان كاذبة وأمانيه باطلة، فوعد آدم بالخلود إن أكل من الشجرة كاذباً، وكذلك يفعل مع ذريته -يعني ذرية آدم عليه السلام- لينقادوا له، فإذا أطاعوه، وجدوها وعود وأماني باطلة (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُوراً)(النساء: 120).
    12- من أساليب الشيطان إظهار النصح وإرادة الخير لمن أراد أن يغويه، حيث أقسم لأبينا آدم -عليه السلام- أنه له من الناصحين المريدين له الخير (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ)(لأعراف: 21)، وما زال هذا دأبه ودأب أوليائه من الإنس، إظهار إرادة الخير وحقيقة الأمر إرادة الإفساد في الأرض والصد عن سبيل الله -تعالى-.
    13- من أساليب الشيطان إيقاع الإنسان في الغفلة والنسيان بمواصلة الوسوسة حتى ينسى العبد ما أمره الله -تعالى- به، كما فعل مع آدم -عليه السلام- (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(طـه: 115)، وكما قال فتى موسى لموسى -عليه السلام-: (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ)(الكهف: 63)، وكما قال -تعالى- في شأن من أضلهم الشيطان: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)(المجادلة: 19)، ودفع ذلك إنما يكون بذكر الله -عز وجل- الذي يطرد الشيطان، ويقطع وسوسته للعبد قال -تعالى-: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ)(الكهف: 24).

    14- من أساليب الشيطان الدخول للنفس عن طريق ما تهواه، فإذا علم الشيطان عن العبد حبه لشيء، ربط اقترافه لما حُرم عليه بما يحبه ويهواه، ودخل إليه عن طريقه، فلما علم ميل أبينا آدم -عليه السلام- وزوجه إلى الخلود في الجنة لما فيها، دخل إليه من هذا الباب فقال لهما: (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)(لأعراف: 20).

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,766

    افتراضي رد: محور الشر

    محور الشر (2-2)



    كتبه/ علاء بكر



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،

    إبليس اللعين هو العدو الأكبر والدائم للإنسان، الذي جعل هدفه الأكبر هو إضلال بني آدم جميعهم، منذ بدء الخليقة إلى الآن وحتى قيام الساعة، وهو لا يرضى منهم إلا بالكفر الأكبر المخرج من دائرة الإسلام، كما قال -تعالى- عنه: (إنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)(فاطر: 6)، وهذه هي الطاعة التامة للشيطان التي يسعى إليها، أما طاعته فيما هو دون الكفر فهذه ليست بطاعة تامة، فلا يكفر بها الإنسان، وإن انتقصت من إيمانه وعرضته عند ارتكاب الكبائر من الذنوب للوعيد بدخول النار مع عصاة الموحدين.

    والشيطان في لغة العرب اسم يطلق على كل عاتٍ متمرد، من شطن إذا بَعُد عن الخير، وشطنت داره أي بعدت، والشطن يطلق على الحبل، لبعد طرفيه وامتداده، وكل عاتٍ متمردٍ من الجن والإنس يعد شيطاناً، قال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)(الأنعام: 112)، وسُمي الشيطان باسم "إبليس" لكونه أُبلِس من رحمه الله، والبَلَس من لا خير فيه، وأبلس تحير ويئس.

    وقد جاءت آيات كثيرة في القرآن الكريم تحذر من عداوة الشيطان، قال -تعالى-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ للإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ)(يوسف: 5)، وقال -تعالى-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً)(الإسراء: 53)، وقال -تعالى-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً)(فاطر: 6)، وقال -تعالى-: (وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)(الزخرف: 62).

    ورغم معرفة البشر بذلك فإن كثيراً منهم -إلا من رحم الله- قد وقعوا في المحذور وسالموا الشيطان، وأطاعوه فيما يدعوهم إليه من الكفر والفسوق والعصيان -وإنا لله وإنا إليه راجعون-.

    ولم يقتصر الشرع على بيان عداوة الشيطان والتحذير منه، بل أرشدنا كذلك إلى السبل التي يسلم بها الإنسان من عدوه اللعين، ومنها:

    1- الاستعاذة بالله -تعالى- من الشيطان، فهي خير وسيلة للاحتماء من الشيطان ودفع شره فإن العبد إذا لجأ إلى الله -تعالى- أجاره الله وخلصه من عدوه، قال -تعالى-: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(لأعراف: 200)، وقال -تعالى- موجها نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ)(المؤمنون: 97)، وهمزاتهم هي نزغاتهم ووساوسهم.

    وورد الترغيب في الاستعاذة من الشيطان في مواضع كثيرة، منها عند قراءة القرآن، وعند الغضب، وقبل دخول الخلاء، وعند الجماع وغير ذلك، وأفضل ما يُتعوذ به على وجه الإجمال قراءة المعوذتين سورة الفلق وسورة الناس.

    2- المداومة على ذكر الله -تعالى-، فإن الشيطان يخنس عند ذكر الله فهو"وسواس خناس"، يوسوس للعبد إذا غفل، ويخنس إذا ذكر العبد ربه، فعن أبي تميمة عن أبي المليح عن رجل قال: (كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فعثرت دابته فقلت تعس الشيطان فقال لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول بقوتي ولكن قل بسم الله فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب)(رواه أبو داود وأحمد في مسنده وصححه الألباني)، ولهذا شرعت أذكار الصباح والمساء، والأذكار المتعلقة بأحوال العبد المختلفة المتكررة في ليله ونهاره.

    3- التمسك بالكتاب والسنة فهذا هو الصراط المستقيم، من سلكه نجا قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)(البقرة: 208)، والمراد الدخول في الإسلام كله، أي العمل بجميع شرائعه، فمن ترك من الإسلام شيئاً عرض نفسه لاتباع بعض خطوات الشيطان، ومن عمل بالإسلام كله اجتنب ذلك، ومدار ذلك على تعلم الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، والعمل بهذا العلم.

    4- ملازمة العقيدة الصحيحة، ومشاركة أهل الإيمان في العمل الصالح، فلا نجاة مع الابتداع في الدين، ولا فلاح في مرافقة أهل السوء، فيلزم المرء عقيدة أهل السنة والجماعة، ويرافق العاملين بمقتضاها من أهل الصلاح، وفي الحديث (فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)(رواه أبو داود والنسائي وحسنه الألباني)، والشيطان هو الذئب بالنسبة للإنسان.

    5- المسارعة إلى التوبة والاستغفار عند اقتراف الذنوب فإذا نجح الشيطان في إغواء الإنسان وليس أحد بمعصوم، فعليه أن يسارع بالتوبة والاستغفار، فلا يخرج بذلك عن الصالحين المتقين قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)(لأعراف: 201)، أما الإصرار على المعاصي بلا توبة واستغفار والتمادي فيها، فإنه يعرض العبد لأن يكون من أولياء الشيطان والعياذ بالله -تعالى-.

    6- الحرص على مخالفة الشيطان بألا يتشبه العبد بالشيطان في أفعاله وما يتصف به، بل يخالفه في ذلك، فيأكل العبد بيمينه ولا يأكل بشماله لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ليأكلأحدكم بيمينه وليشرب بيمينه وليأخذبيمينه وليعط بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله ويأخذبشماله)(رواه ابن ماجه وصححه الألباني).

    والشيطان يحب الإسراف، وإضاعة المال فيما لا خير فيه، فيقتصد العبد ولا يكون من المبذرين الذين هم إخوان الشياطين، والشيطان يحب العجلة والتسرع ليقع الزلل والخطأ، فيتأنى العبد ويتروى، ويتمسك بالحلم والأناة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (التأني من الله والعجلة من الشيطان)(رواه البيهقي وحسنه الألباني)، ويكتم العبد تثاؤبه لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (التثاؤب من الشيطان فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان) متفق عليه.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •