مبحث في ماء الأذنين
دبيان محمد الدبيان
اختلف العلماء في ماء الأذنين:
فقيل: السنة أن تمسح الأذنان بماء الرأس.
وهو مذهب الحنفية[1].
وقيل: بل يستحب أخذ ماء جديد لهما، وهو مذهب المالكية[2]، والشافعية[3]، والحنابلة[4].
ولو مسحهما بماء الرأس أجزأ عندهم، لكن الخلاف في تحصيل السنة.
وقيل: الأذنان من الوجه، فيغسلان معه[5].
وقيل: ما أقبل منهما من الوجه، وظاهرهما من الرأس[6].
دليل من قال: إن الأذنين من الرأس فيمسحان بماء الرأس:
الدليل الأول: (870-99) ما رواه النسائي من طريق ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس قال: توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فغرف غرفة فمضمض واستنشق، ثم غرف غرفة فغسل وجهه، ثم غرف غرفة فغسل يده اليمنى، ثم غرف غرفة فغسل يده اليسرى، ثم مسح برأسه وأذنيه، باطنهما بالسباحتين وظاهرهما بإبهاميه، ثم غرف غرفة فغسل رجله اليمنى، ثم غرف غرفة فغسل رجله اليسرى[7]. [رجاله ثقات إلا ابن عجلان فإنه صدوق، وأكثر الرواة على عدم ذكر مسح الأذنين][8].
الدليل الثاني: (871-100) ما رواه أحمد من طريق عباد بن منصور، عن عكرمة بن خالد المخزومي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعًا في حديث طويل في مبيته عند خالته ميمونة وصلاته مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: "ومسح برأسه وأذنيه مرة واحدة"[9]. [إسناده ضعيف، والحديث في الصحيحين، وفيه ذكر الوضوء، إلا أنه لم يُفَصَّل وضوءُه][10].
الدليل الثالث: (872-101) ما رواه عبدالرزاق، عن إسرائيل، عن عامر بن شقيق، عن شقيق بن سلمة، قال: رأيت عثمان بن عفان توضأ، فغسل كفيه ثلاثًا ثلاثًا، ومضمض واستنشق واستنثر، وغسل وجهه ثلاثًا، قال: وحسبته قال: وذراعيه ثلاثًا، ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وغسل قدميه ثلاثًا ثلاثًا، وخلل أصابعه، وخلل لحيته حين غسل وجهه قبل أن يغسل قدميه[11]. [إسناده ضعيف][12].
الدليل الرابع: (873-102) ما رواه أحمد، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن عبدالله بن محمد بن عقيل، عن الرُّبَيِّع بنت معوذ ابن عفراء، قالت: أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعنا له الميضأة، فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه مرتين، بدأ بمؤخره وأدخل أصبعيه في أذنيه[13]. [انفرد ابن عقيل بهذا الحديث عن الربيع، وعبدالله بن عقيل مختلف فيه، والأكثر على ضعفه، وأميل إلى تحسين حديثه بثلاثة شروط: ألا يخالف أو يأتي بما ينكر عليه، أو يكون حديثه أصلاً في الباب ولم يتابع][14].
الدليل الخامس: حديث عبدالله بن زيد: (874-103) رواه أحمد، قال: حدثنا هاشم بن القاسم، قال: حدثنا عبدالعزيز؛ يعني ابنَ عبدالله بن أبي سلمة الماجشون، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبدالله بن زيد صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: جاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخرجت إليه ماء فتوضأ، فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه مرتين مرتين، ومسح برأسه أقبل به وأدبر، ومسح بأذنيه، وغسل قدميه[15]. [رجاله ثقات، إلا أن ذكر مسح الأذنين في حديث عبدالله بن زيد شاذ][16].
الدليل السادس: حديث عبدالله بن عمرو: (875-104) أخرجه أبو داود، قال: حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، كيف الطهور؟ فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثًا، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعيه ثلاثًا، ثم مسح برأسه فأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه، وبالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: ((هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص، فقد أساء وظلم - أو ظلم وأساء))[17]. [إسناده حسن، وزيادة (أو نقص) وهم من الراوي][18].
الدليل السابع: ما جاء صريحًا في أن الأذنين من الرأس، وهي أحاديث كثيرة: ولا يخلو كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - إما أن يكون المراد به تعريفنا بمواضع الأذنين، فهذا لا يجوز؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلمنا المشاهدات، وإنما يعلمنا الأحكام.
أو يريد: أنهما يمسحان كالمسح بالرأس، وهذا أيضًا لا يجوز كما لا يجوز أن يقال: الخفان من الرأس، على معنى أنهما يمسحان كما يمسح الرأس، والرجلان من الوجه، على معنى أنهما يغسلان كالوجه.
فثبت أن المراد من الأحاديث أنهما تابعان للرأس في باب المسح، وأنهما يمسحان بالماء الذي يمسح به الرأس[19]، ومن هذه الأحاديث: (876-105) ما رواه البزار في مسنده، قال: ثنا أبو كامل الجحدري، ثنا غندر، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الأذنان من الرأس))[20]. [الحديث معلول، ولا يصح حديث مرفوع في الباب، وإنما هو موقوف على بعض صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -][21].
الدليل الثامن على أن الأذنين يمسحان مع الرأس: (877-106) ما رواه مالك في الموطأ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبدالله الصنابحي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا توضأ العبد المؤمن، فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار رجليه، قال: ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة))[22].
[رجاله ثقات إلا أنه مرسل، الصنابحي لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم -][23].
وجه الاستدلال: أن خروج الخطايا من الأذنين إنما كان ذلك بمسح الرأس، وهذا دليل على أنهما يمسحان معه بمائه، ولو كانا عضوين مستقلين يمسحان بماء جديد، لما رتب على مسح الرأس خروج خطايا الأذنين.
دليل من قال: يسن أخذ ماء جديد للأذنين:
الدليل الأول: (878-107) ما رواه الحاكم من طريق الحسن بن سفيان، حدثنا حرملة بن يحيى، ثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن حبان بن واسع، أن أباه حدثه أنه سمع عبدالله بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح أذنيه بغير الماء الذي مسح به رأسه[24]. [المحفوظ في لفظ هذا الحديث: أنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه][25].
الدليل الثاني: (879-108) ما رواه عبدالرزاق، عن ابن جريج، قال: أخبرني نافع، أن ابن عمر كان يغسل ظهور أذنيه وبطونهما إلا الصماخ مع الوجه مرة أو مرتين، ويدخل إصبعيه بعد ما يمسح برأسه في الماء، ثم يدخلهما في الصماخ مرة، وقال: فرأيته وهو يموت توضأ، ثم أدخل إصبعيه في الماء، فجعل يريد أن يدخلهما في صماخه فلا يهتديان ولا ينتهي، حتى أدخلت أنا إصبعي في الماء، فأدخلتهما في صماخه[26]. [وسنده صحيح].
ويجاب عنه: بما قاله ابن المنذر: وقد كان ابن عمر يشدد على نفسه في أشياء من أمر وضوئه، من ذلك أخذه لأذنيه ماء جديدًا، ونضحه الماء في عينيه، وغسل قدميه سبعًا سبعًا، وليس على الناس ذلك. ثم قال: حدثنا علي بن عبدالعزيز، حدثنا أبو نعيم، ثنا سفيان، عن عمر بن محمد، عن نافع، قال: كان ابن عمر يغسل قدميه سبعًا سبعًا[27]. قال الحافظ: رواه ابن المنذر بإسناد صحيح[28].
الدليل الثالث: قال الأصمعي والمفضل بن سلمة: الأذنان ليستا من الرأس، وهما إمامان من أئمة اللغة، والمرجع في اللغة إلى نقل أهلها[29].
الدليل الرابع: قال النووي: الإجماع منعقد على أنه لا يجزئ مسحهما عن الرأس، يعني: فهذا دليل على أنهما ليسا من الرأس[30].
الدليل الخامس: قال النووي: لو قصر المحرم من شعرهما لم يجزئه عن تقصير الرأس بالإجماع، يعني: ولو كانا من الرأس لأجزأ[31].
الدليل السادس: قال النووي: ولأن الإجماع منعقد على أن البياض الدائر حول الأذن ليس من الرأس مع قربه، فالأذن أولى، ولأنه لا يتعلق بالأذن شيء من أحكام الرأس سوى المسح، فمن ادعى أن حكمها في المسح حكم الرأس، فعليه البيان[32].
ويجاب عن ذلك كله: القول بأنهما عضوان مستقلان نظر عقلي في مقابل النص، فيكون نظرًا فاسدًا، وكون الأذنين لا يؤخذ لهما ماء جديد، هذا حكم تلقيناه من الشارع في الوضوء، ولا يطرد هذا الحكم في كل العبادات كالإحرام وغيره إلا بنص، وكونهما عضوين مستقلين لا يمنع هذا من مسحهما من ماء واحد، يقابل ذلك أن الأنف والفم عضوان مستقلان، ومع ذلك يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، والله أعلم.
دليل من قال: الأذنان من الوجه:
لعله نظر إلى أن الأذنين تحصل بهما المواجهة، فأدخلهما في مسمى الوجه، وفي هذا نظر كبير. وكذلك من قال: إن باطنهما من الوجه، وظاهرهما من الرأس، أيضًا ليس له دليل أعلمه، والله أعلم.
__________________________
[1] بدائع الصنائع (1/5)، المبسوط (1/10)، حاشية ابن عابدين (1/21)، البحر الرائق (1/9)، اللباب شرح الكتاب (1/1).
[2] المدونة (1/19)، التمهيد (3/209)، مواهب الجليل (1/112).
[3] روضة الطالبين (1/4).
[4] المغني (1/4)، المبدع شرح المقنع (1/4).
[5] هذا قول الزهري، انظر التمهيد لابن عبدالبر (3/209)، والمجموع (1/443)، والبحر المحيط، تفسير سورة المائدة (ص: 4).
[6] انظر المراجع السابقة.
[7] سنن النسائي (102).
[8] الحديث مداره على زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس.
ويرويه عن زيد بن أسلم عشرة من الرواة؛ بل يزيدون، وبعضهم يرويه مختصرًا، وبعضهم يرويه مطولاً، فقد وقفت على ثلاثة رواة يروون الحديث بذكر مسح الأذنين، ورواه جماعة مطولاً ومختصرًا، ولم يذكروا مسح الأذنين، أشهرهم سفيان الثوري، وسليمان بن بلال، ومعمر بن راشد، وإليك بيان طرق كل رواية، ومن خرجها.
ذكر الرواة الذين ذكروا مسح الأذنين:
الأول: ابن عجلان كما في إسناد الباب:
عند ابن أبي شيبة (1/17) رقم 64، وأبي يعلى (2486)، والنسائي (102)، وابن ماجه (439)، وابن خزيمة (148)، وابن حبان (1078، 1086)، والبيهقي (1/55، 73) وغيرهم.
الثاني: هشام بن سعد:
رواه أبو داود (137) والحاكم (1/147)، والبيهقي في السنن (1/73) وفي المعرفة (1/222).
الثالث: عبدالعزيز بن محمد الدراوردي:
كما في سنن النسائي (101)، وابن ماجه (403)، والدارمي (697)، ومسند أبي يعلى (2670، 2672)، والطحاوي (1/32) والبيهقي (1/50)، وابن حبان (1076).
إلا أن ابن ماجه والدارمي وابن حبان والبيهقي اختصروا لفظه، ولم يذكروا مسح الأذنين.
وأما من رواه عن زيد بن أسلم ولم يذكر مسح الأذنين، فمنهم:
الأول: سفيان الثوري، كما عند البخاري (157) وأبو عبيد في كتابه الطهور (103)، وأبو داود (138) والنسائي (80)، والترمذي (42) وابن ماجه (411)، والطحاوي (1/29)، وابن حبان (1195) والدارمي (696، 711) والبغوي في شرح السنة (226).
الثاني: سليمان بن بلال، كما في مسند أحمد (1/286)، والبخاري (140)، والبيهقي (1/72).
الثالث: معمر، كما في مصنف عبدالرزاق (126)، وأحمد (1/336)، والبيهقي (1/80).
الرابع: داود بن قيس، كما عند عبدالرزاق (127)، وأحمد (1/336)، والبيهقي (1/80).
الخامس: ورقاء بن عمر، كما عند البيهقي (1/67، 73) بسند حسن، رجاله كلهم ثقات إلا ورقاء بن عمر، فإنه صدوق. وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح.
السادس: محمد بن جعفر بن أبي كثير، كما عند البيهقي (1/73).
السابع: أبو بكر بن محمد، كما عند عبدالرزاق (129).
فلا تطمئن النفس إلا أن ذكر مسح الأذنين محفوظٌ في الحديث، والله أعلم.
وحديثنا هذا فيه زيادات كثيرة لم أتعرض لها؛ لأن الكلام على ذكر مسح الأذنين، وتعرضت لبعضها في كتابي أحكام المسح على الحائل، في معرض الكلام على المسح على النعل؛ لأن في بعض ألفاظها ذكر المسح على النعل، وفي بعضها الرش، فإن رأيت أنك بحاجة إلى الاطلاع على المزيد عن متن هذا الحديث، فارجع إليه غير مأمور. والله الموفق.
وانظر لمراجعة طرق الحديث: أطرف المسند (3/177، 178)، إتحاف المهرة (8224، 8226، 8227) تحفة الأشراف (5976، 5978).
[9] المسند (1/369، 370).
[10] في إسناده عباد بن منصور، جاء في ترجمته:
جاء في الجرح والتعديل: روى عن القاسم بن محمد وعطاء بن أبي رباح والحسن وعكرمة وأيوب السختياني، وفي روايته عن عكرمة وأيوب ضعف. (6/86).
وقال الدوري وأبو بكر بن أبي خيثمة: عن يحيى بن معين: عباد بن منصور ليس بشيء ضعيف. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: كان ضعيف الحديث يكتب حديثه ونرى أنه أخذ هذه الأحاديث عن ابن أبي يحيى، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس. المرجع السابق.
وسئل أبو زرعة عن عباد بن منصور فقال: بصري لين. المرجع السابق.
[تخريج الحديث]:
والحديث أخرجه أبو داود (133) من طريق يزيد بن هارون.
وأخرجه ابن خزيمة (1094) من طريق النضر بن شميل.
ورواه الطبراني (12504) من طريق أبي بكر الحنفي، ثلاثتهم عن عباد به.
وقد رواه عبدالرزاق (3868)، ومن طريقه أحمد (1/366)، وعبد بن حميد (692)، وأبو داود (1365)، والنسائي في الكبرى (1425)، والطبراني (11272)، والبيهقي (3/8) من طريق ابن طاوس، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عباس، ولم يذكر ما ذكره عباد، كما أنه لم يذكر سعيد بن جبير بين عكرمة وابن عباس.
كما أن الحديث من طريق سعيد بن جبير في البخاري، (117، 697، 699) وليس فيه ما ذكره عباد بن منصور.
ورواه البخاري ومسلم من طرق كثيرة عن ابن عباس، ولم يذكروا مسح الأذنين، والله أعلم.
انظر لمراجعة طرق الحديث: أطراف المسند (3/94)، تحفة الأشراف (5579)، إتحاف المهرة (7440).
[11] المصنف (125).
[12] سبق تخريجه، انظر حديث (845) وفي إسناده عامر بن شقيق، فيه مقال، وسبق بيانه في مسألة تخليل اللحية، ومدار الحديث على إسرائيل، عن عامر، عن شقيق بن سلمة، عن عثمان.
وممن رواه عن إسرائيل بذكر مسح الرأس والأذنين عبدالرزاق كما سقته.
وابن مهدي كما في رواية ابن الجارود في المنتقى (72)، وابن خزيمة.
وخلف بن الوليد كما في رواية ابن خزيمة (151).
وعبدالله بن نمير ومصعب بن المقدام كما في سنن الدارقطني (1/86).
وأبو عامر كما في صحيح ابن خزيمة (167).
وأسد بن موسى كما عند الطحاوي (1/32).
ورواه جماعة بذكر تخليل اللحية فقط؛ انظر تخريج الحديث في مسألتي تخليل اللحية وتخليل الأصابع، والله أعلم.
[13] المسند (6/359).
[14] جاء في ترجمة عبدالله بن محمد بن عقيل:
قال ابن حبان: كان عبدالله من سادات المسلمين، من فقهاء أهل البيت وقرائهم، إلا أنه كان رديء الحفظ، كان يحدث على التوهم فيجيء بالخبر على غير سننه، فلما كثر ذلك في أخباره، وجب مجانبتها، والاحتجاج بضدها. المجروحين (2/3).
قال أبو معمر القطيعي: كان ابن عيينة لا يحمد حفظ ابن عقيل.
قال سفيان: كان ابن عقيل في حفظه شيء، فكرهت أن ألقاه، كما في رواية الحميدي عنه. الجرح والتعديل (5/154).
وقال يعقوب: ابن عقيل صدوق، وفي حديثه ضعف شديد جدًّا، وكان ابن عيينة يقول: أربعة من قريش يترك حديثهم، فذكره فيهم.
وقال ابن المديني عن ابن عيينة: رأيته يحدث نفسه، فحملته على أنه قد تغير. تهذيب التهذيب (6/13). تهذيب الكمال (16/78).
سئل يحيى بن معين عن عبدالله بن محمد بن عقيل، فقال: ليس بذاك، كما في رواية أبي بكر بن أبي خيثمة.
قال مسلم بن الحجاج: قلت ليحيى بن معين: عبدالله بن محمد بن عقيل أحب إليك أو عاصم بن عبيدالله؟ فقال: ما أحب واحدًا منهما في الحديث.
وقال أيضًا: عبدالله بن محمد بن عقيل ضعيف في كل أمره، كما في رواية الدوري عنه. الجرح والتعديل (5/153). تهذيب التهذيب (6/13).
وقال عبدالرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن عبدالله بن محمد بن عقيل، فقال: لين الحديث ليس بالقوي، ولا ممن يحتج بحديثه، يكتب حديثه، وهو أحب إليَّ من تمام بن نجيح. الجرح والتعديل (5/153).
وقال ابن المديني: كان ضعيفًا، كما في رواية محمد بن عثمان بن أبي شيبة. تهذيب الكمال (16/78)، تهذيب التهذيب (6/13).
وقال أحمد: منكر الحديث، كما في رواية حنبل عنه. المرجع السابق.
وقال النسائي: ضعيف. المرجع السابق.
وقال ابن خزيمة: لا أحتج به؛ لسوء حفظه. المرجع السابق.
وقال الخطيب: كان سيِّئ الحفظ. المرجع السابق
وقال عبدالرحمن بن الحكم بن بشير بن سليمان: خير فاضل، ووصفه بالعبادة، وقال: إن كانوا يقولون فيه شيء، ففي حفظه. الضعفاء الكبير - العقيلي (2/298).
وقال أبو أحمد الحاكم: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه يحتجان بحديثه، وليس بذاك المتين المعتمد. تهذيب الكمال (16/78)، تهذيب التهذيب (6/13).
وقال الترمذي: صدوق وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديث ابن عقيل، قال محمد بن إسماعيل: وهو مقارب الحديث. سنن الترمذي (1/9).
وقال ابن عدي: روى عنه جماعة من المعروفين الثقات، وهو خير من ابن سمعان ويكتب حديثه. الكامل (4/127)، تهذيب التهذيب (6/13).
وقال ابن عبدالبر: هو أوثق من كل من تكلم فيه. قال الحافظ: وهذا إفراط. تهذيب التهذيب (6/13).
ولا أعلم أين ذكر ذلك ابن عبدالبر، والموجود في التمهيد (20/125): "ليس بالحافظ". فعلى هذا الأكثر على تضعيفه، فابن عيينة، ويحيى بن معين، وابن خزيمة، وابن حبان، ويعقوب بن شيبة، وأبو حاتم الرازي، وابن المديني، والنسائي، والخطيب، كل هؤلاء تكلموا في حفظ ابن عقيل، ومن رفعه لم يرفعه إلى درجة الضبط، بل قال: مقارب الحديث، والله أعلم.
قلت: ومن أخطائه ما رواه الإمام أحمد (1/ 102) من طريق حماد بن سلمة، عن
عبدالله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن الحنفية، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفن في سبعة أثواب.
فإن هذا مخالف لما في الصحيحين من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفن في ثلاثة أثواب.
[تخريج الحديث]:
الحديث مداره على محمد بن عقيل، عن الربيع، رواه جماعة عن ابن عقيل، وهم كما يلي:
الأول: ابن عجلان، عن محمد بن عقيل: أخرجه أحمد (6/359) والطحاوي (1/33) من طريق ابن لهيعة. وأبو داود (129) والترمذي (34) والطحاوي (1/33) من طريق بكر بن مضر. وأخرجه الطحاوي أيضًا (1/33) من طريق همام. وأخرجه الطحاوي (1/33) من طريق سعيد بن أبي أيوب، أربعتهم عن ابن عجلان به.
الثاني: شريك عن ابن عقيل به: أخرجه ابن ماجه (440) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا شريك به، بلفظ: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح ظاهر أذنيه وباطنهما. ولم يذكر مسح الرأس.
ورواه ابن ماجه أيضًا (390) من طريق الهيثم بن جميل، عن شريك به، وفيه: "فمسح به رأسه مقدمه ومؤخره" الحديث، ولم يذكر مسح الأذنين.
ورواه الطحاوي (1/33) من طريق محمد بن سعيد، أنا شريك به، بلفظ: أتانا النبي - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ، فمسح ظاهر أذنيه وباطنهما". وشريك سيئ الحفظ، ولكنه صالح في المتابعات إن شاء الله - تعالى -.
الطريق الثالث: سفيان بن عيينة، عن ابن عقيل به: أخرجه أحمد (6/358) عنه، وبه ذكر صفة الوضوء، وفيه: "ويمسح برأسه، قال: مرة أو مرتين مقبلاً ومدبرًا"، وليس فيه مسح الأذنين.
وأخرجه أبو داود (127) من طريق سفيان به.
الطريق الرابع: بشر بن المفضل، كما في سنن أبي داود (126) ومستدرك الحاكم (1/253)، والبيهقي (1/64).
الطريق الخامس: الحسن بن صالح، عن ابن عقيل به: كما في مسند أحمد (6/359) وسنن أبي داود (131) وابن ماجه (441).
الطريق السادس: سفيان الثوري، عن ابن عقيل: كما في مسند أحمد (6/358)، وابن ماجه (418).
الطريق السابع: أخرجه الطحاوي (1/36) من طريق عبيدالله بن عمرو، عن ابن عقيل به.
الطريق الثامن: أخرجه الدارقطني (1/106) من طريق مسلم بن خالد، عن ابن عقيل به.
الطريق التاسع: أخرجه الطحاوي (1/33) من طريق روح بن القاسم، عن ابن عقيل به.
وانظر لمراجعة بعض طرق هذا الحديث: أطراف المسند (8/417)، تحفة الأشراف (15837 إلى (15843)، وإتحاف المهرة (21425، 21426).
[15] المسند (4/40).
[16] الحديث مداره على عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن عبدالله بن زيد.
رواه عن عمرو جماعة: منهم عبدالعزيز بن أبي سلمة الماجشون، واختلف عليه فيه:
فرواه هاشم بن القاسم، عن عبدالعزيز بن أبي سلمة به، بذكر مسح الأذنين. وخالفه جماعة، فرووه عن عبدالعزيز بن أبي سلمة، ولم يذكروا مسح الأذنين، منهم:
- أحمد بن يونس، كما في رواية البخاري (197).
- وأبو الوليد وسهل بن حماد، كما في رواية أبي داود (100).
- وأحمد بن عبدالله، كما في رواية ابن ماجه (1093).
- وصالح بن مالك الخوارزمي، كما عند ابن حبان (1093).
كما رواه جماعة عن عمرو بن يحيى، ولم يذكروا مسح الأذنين، منهم:
- مالك، كما في الموطأ (1/18)، ومن طريقه أخرجه عبدالرزاق (5)، وأحمد (4/38، 39)، والبخاري (185)، ومسلم (235)، والترمذي (32)، والنسائي (98، 97)، وابن ماجه (434)، وابن حبان (1084)، والبيهقي (1/59).
- ووهيب بن خالد، كما في صحيح البخاري (186)، ومسلم (235)، وابن حبان (1077)، والبيهقي (1/80).
- وابن عيينة، كما في مصنف ابن أبي شيبة (1/16)، وأحمد (4/40)، والترمذي (47)، والنسائي (99)، والدارقطني (1/81)، والبيهقي (1/63).
- وخالد بن عبدالله الطحان، كما في صحيح البخاري (191)، وسنن أبي داود (119)، ومسلم (235)، والترمذي (28)، وابن ماجه (405).
- وسليمان بن بلال، كما في صحيح البخاري (199)، ومسلم (235).
- محمد بن فليح بن سليمان، كما في سنن الدارقطني (1/82).
كلهم رووه عن عمرو بن يحيى، فلم يذكروا مسح الأذنين.
فهؤلاء جمع كثير من الرواة رووه بدون ذكر مسح الأذنين، أكثرهم في الصحيحين، وانفرد عنهم هاشم بن القاسم بذكر مسح الأذنين، فلا أشك في وهمه في هذه الزيادة، خاصة أنه قد روي الحديث أيضًا من طريق آخر إلى عبدالله بن زيد غير طريق عمرو بن يحيى، رواه حبان بن واسع، عن أبيه، عن عبدالله بن زيد، كما في مسند أحمد (4/41)، وصحيح مسلم (236)، وأبو داود (120)، والترمذي (35)، وسنن الدارمي (709).
كما رواه عباد بن تميم، عن عبدالله بن زيد الأنصاري، كما في مسند أحمد، ولم يذكروا فيه مسح الأذنين، والله أعلم.
انظر: أطراف المسند (3/21) تحفة الأشراف (5308)، إتحاف المهرة (7135، 7141، 7143).
[17] سنن أبي داود (135).
[18] سبق تخريجه، انظر رقم: (68) من كتاب أحكام المسح على الحائل، وهو جزء من هذه السلسلة.
[19] رؤوس المسائل الخلافية (1/31).
[20] ومن طريق البزار أخرجه الدارقطني (1/98، 99).
[21] الإسناد رجاله كلهم ثقات، لكن الحديث معلول:
الأول: قد اختلف فيه على ابن جريج:
فرواه أبو كامل عن غندر، عن ابن جريج، عن موسى موصولاً، وتابعه الربيع بن بدر كما في سنن الدارقطني (1/99)، إلا أن الربيع متروك.
ورواه جماعة عن ابن جريج مرسلاً، فقد رواه الدارقطني (1/99) من طريق وكيع وعبدالرزاق وسفيان وصلة بن سليمان وعبدالوهاب، كلهم عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الأذنان من الرأس)).
كما تابعهم حجاج عند أبي عبيد في كتاب الطهور (360).
وقد صرح ابن جريج بالتحديث في الرواية المرسلة، وقد صوب الدارقطني إرساله.
وكذلك رجح الحافظ إرساله، فقال في النكت (1/412): "ومن هذا الوجه رواه الدارقطني، وهذا رجاله رجال مسلم، إلا أن له علة؛ فإن أبا كامل الجحدري تفرد به عن غندر، وتفرد به غندر عن ابن جريج، وخالفه من هو أحفظ منه وأكثر عددًا، فرواه عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - معضلاً.
ثانيًا: ما ذكره الحافظ في النكت (1/413): أن سماع غندر عن ابن جرير كان بالبصرة، وابن جريج لما حدث بالبصرة حدث بأحاديث وهم فيها، وسماع من سمع منه بمكة أصح.
ثالثًا: ما قاله ابن عدي في الكامل (4/196)، ونقله الحافظ عنه في النكت معتدًّا به، عن أبي كامل، قال: لم أكتب عن غندر إلا هذا الحديث، أفادنيه عنه عبدالله بن سليمان الأفطس. اهـ. والأفطس قد قال فيه يحيى بن سعيد القطان: ليس بثقة. وقال النسائي وغيره: متروك. انظر الميزان (2/431).
رابعًا: أن الرواية الموصولة فيها عنعنة ابن جريج، وهو مدلس، بخلاف الرواية المرسلة، والله أعلم.
وقد قبل ابن الجوزي في التحقيق (1/385) الرواية الموصولة، فقال: أبو كامل لا نعلم أحدًا طعن فيه، والرفع زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، كيف وقد وافقه غيره؟ فإن لم يعتد برواية الموافق اعتبر بها، ومن عادة المحدثين أنهم إذا رأوا من وقف الحديث ومن رفعه، وقفوا مع الواقف احتياطًا، وليس هذا مذهب الفقهاء، ومن الممكن أن يكون ابن جريج سمعه من عطاء مرفوعًا، ورواه له سليمان عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير مسند. ا. هـ.
ونقل ابن عبدالهادي في التنقيح (1/385) عن ابن القطان تصحيحه، فقال: وقد زعم ابن القطان أن إسناد هذا الحديث صحيح؛ لثقة رواته وإيصاله، وإنما أعله الدارقطني بالاضطراب في إسناده، فتبعه عبدالحق على ذلك، وهو ليس بعيب فيه، والذي قال فيه الدارقطني هو أن أبا كامل تفرد به عن غندر، ووهم فيه عليه، هذا ما قال، ولم يؤيده بشيء، ولا عضده بحجة غير أنه ذكر أن ابن جريج الذي دار الحديث عليه يروى عنه، عن سليمان بن موسى، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً، قال: وما أدري ما الذي يمنع أن يكون عنده في ذلك حديثان: مسند ومرسل؟ ا. هـ.
فتعقبه ابن عبدالهادي، وقال: فيه نظر كثير، ثم ساق كلام ابن عدي، وأن أبا كامل سمعه من الأفطس، ثم تعقب ابن الجوزي قائلاً: وهذه الطريقة التي سلكها المؤلف ومن تابعه - يعني: ابن الجوزي وابن القطان الفاسي وغيرهما - في أن الأخذ بالمرفوع والمتصل في كل موضع طريقة ضعيفة، لم يسلكها أحد من المحققين وأئمة العلل في الحديث"ا. هـ، فالراجح من حديث ابن عباس كونه مرسلاً، والله أعلم (1/385).
كما تعقب ابن حجر ابن القطان في إتحاف المهرة (7/403) فقال: "صحح ابن القطان حديث غندر، عن ابن جريج، فقال: هذا الإسناد صحيح بثقة رواته واتصاله، وإنما أعله الدارقطني بالاضطراب، وما أدري ما المانع أن يكون عند ابن جريج في ذلك حديثان: مسند ومرسل؟ قال الحافظ: لكن في سماع أهل البصرة من ابن جريج نظر، ومنهم غندر، فرواية من رواه عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى سالمة من هذه العلة، فلهذا رجحها الدارقطني، والله أعلم".
وقد جاء عن ابن عباس مرفوعًا من غير هذا الطريق، فقد رواه الطبراني في الكبير (10/391) ح 1084، ثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، ثنا أبي، ثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن قارض بن شيبة، عن أبي غطفان، عن ابن عباس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((استنشقوا مرتين، والأذنان من الرأس)).
زيادة والأذنان من الرأس وهم في الحديث، ولست أدري من أين الوهم، فقد اختلف على وكيع في ذكرها: فانفرد الطبراني بهذه الزيادة، وأخشى أن يكون الوهم منه، عن عبدالله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عن وكيع.
ورواه ابن أبي شيبة (1/33).
وأبو داود (141) عن إبراهيم بن موسى.
وابن ماجه (408) عن علي بن محمد، ثلاثتهم عن وكيع، بلفظ: ((استنثروا اثنتين بالغتين أو ثلاثًا))، وليس فيه ذكر "والأذنان من الرأس".
كما رواه جماعة عن ابن أبي ذئب، ولم يذكروا الأذنين، منهم أبو داود الطيالسي (2725) ومن طريقه البيهقي (1/49).
وإسحاق الرازي كما في مصنف ابن أبي شيبة (1/33).
وخالد بن مخلد كما في مستدرك الحاكم (1/148).
وعبدالله بن المبارك كما في سنن النسائي نقلاً من تحفة الأشراف (5/278).
وأسد بن موسى كما في رواية ابن الجارود في المنتقى (77).
وهاشم بن القاسم كما في مسند أحمد (1/352)، فاتفاقهم على عدم ذكر زيادة "والأذنان من الرأس" وانفراد الطبراني بذكرها، دليل على وهم الطبراني وحفظهم، والله أعلم.
فتبين من هذا شذوذ طريق الطبراني، والذي يظهر لي - والله أعلم - أن الحمل عليه، وما ينفرد به الطبراني دون غيره يحتاج إلى تمحيص من الباحث، والله أعلم.
يتبع