تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: فوائد من صيد الخاطر لابن الجوزي

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,746

    افتراضي فوائد من صيد الخاطر لابن الجوزي

    فوائد من صيد الخاطر لابن الجوزي (1-4)


    فهد بن عبد العزيز الشويرخ



    الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فقد اشتهر الحافظ ابن الجوزي رحمه الله بالوعظ, وتاب على يديه الكثيرون, وله مصنفات كثيرة, من أشهرها: كتابه " صيد الخاطر " وهو كتاب مفيد, لا يخلو من ملاحظات, قال الشيخ عمر بن عبدالله المقبل:* قال العلامة عبدالرحمن السعدي : كلامه في الفصول التي في أول صيد الخاطر...يجب الحذر منها, والتحذير, ولولا أن هذه الكتب موجودة بين الناس لكان للإنسان مندوحة عن الكلام فيه, لأنه من أكابر العلم وأفاضلهم, وهو معروف بالدين والورع والنفع, ولكن لكل جواد كبوة, نرجو الله أن يعفو عنا وعنه, وفي صيد الخاطر أيضاً أشياء تُنتقد عليه, ولكنها دون كلامه في الصفات مثل كلامه عن أهل النار, وفي الخوض في بعض مسائل القدر.
    فيوجد في كتابه أشياء مفيدة, وأشياء منتقدة, وقد انتقيت من كتابه بعض الفوائد, أسأل الله الكريم أن ينفع بها, ويبارك فيها.

    الحذر من تزهيد الشيطان في طلب العلم:
    ليس في الوجود شيء أشرف من العلم كيف لا وهو الدليل فإذا عدم وقع الضلال
    وإن من خفي مكائد الشيطان أن يُزين في نفس الإنسان التعبد ليشغله عن أفضل التعبد وهو العلم, وهذا من خفي حيل إبليس...وإنما فعل ذلك وزينه...لسببين:
    أحدهما: أنه أرادهم يمشون في الظلمة.
    والثاني: أن تصفح العلم كل يوم يزيد في علم العالم, ويكشف له ما كان خفي عنه, ويقوي إيمانه ومعرفته, ويريه عيب كثير من مسالكه خصوصاً إذا تصفح منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة.
    فأراد إبليس سدَّ تلك الطرق بأخفى حيلة, فأظهر أن المقصود العمل, لا العلم لنفسه, وخفي على المخدوع أن العلم عمل وأي عمل.
    فاحذر من هذه الخديعة الخفية, فإن العلم هو الأصل الأعظم, والنور الأكبر.
    الحرص على العلماء العاملين بعلمهم:
    لقيت مشايخ أحوالهم مختلفة, يتفاوتون في مقاديرهم في العلم, وكان أنفعهم لي في صحبته: العامل منهم بعلمه, وإن كان غيره أعلم منه.
    لقيت عبدالوهاب الأنماطي فكان على قانون السلف, لم يسمع في مجلسه غيبة, ولا كان يطلب أجراً على سماع الحديث, وكنتُ إذا قرأتُ عليه أحاديث الرقائق بكى واتصل بكاؤه, فكان – وأنا صغير السن حينئذ – يعمل بكاؤه في قلبي.
    ولقيت الشيخ أبا منصور الجواليقي فكان كثير الصمت, شديد التحري فيما يقول, متقناً محققاً, وربما سئل المسألة الظاهرة التي يبادر بجوابها بعض غلمانه فيتوقف فيها حتى يتيقن, وكان كثير الصوم والصمت, فانتفعت برؤية هذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما.ففهمت من هذه الحالة أن الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول.
    حلاوة طلب العلم ولذة تحصيله:
    لقد تأملت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الذين أنفقوا أعمارهم في اكتساب الدنيا, وأنفقت زمن الصبوة والشباب في طلب العلم, فرأيتني لم يفتني مما نالوه إلا لو حصل لي ندمت عليه.
    ثم تأملت حالي فإذا عيشي في الدنيا أجود من عيشهم, وجاهي بين الناس أعلى من جاههم, وما نلته من معرفة العلم لا يقاوم.
    لقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل لأجل ما أطلب وأرجو.
    همة المؤمن متعلقة بالآخرة:
    همة المؤمن متعلقة بالآخرة, فكل ما في الدنيا يحركه إلى ذكر الآخرة, وكل من شغله شيء فهمته شغله.
    والمؤمن إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر.
    وإن رأى مؤلماً ذكر العقاب.
    وإن سمع صوتاً فظيعاً ذكر نفخة الصور.
    وإن رأى الناس نياماً ذكر الموتى في القبور.
    وإن رأى لذة ذكر الجنة...
    وأعظم ما عنده أنه يتخايل دوام البقاء في الجنة, وأن بقاءه لا ينقطع ولا يزول, ولا يعتريه منغص, فيكاد إذا تخايل نفسه متقلباً في تلك اللذات الدائمة التي لا تفنى يطيش فرحاً, ويسهل عليه ما في الطريق إليها من ألم ومرض وابتلاء وفقد محبوب, وهجوم الموت, ومعالجة غصصه....
    نسأل الله عز وجل يقظة تامة تحركنا إلى طلب الفضائل, وتمنعنا من اختيار الرذائل.
    أعظم العقوبة:
    أعظم المعاقبة أن لا يحس المعاقبُ بالعقوبة, وأشدَّ من ذلك أن يقع السرور بما هو عقوبة, كالفرح بالمال الحرام, والتمكن من الذنوب, ومن هذه حاله لا يفوز بطاعة
    وربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله فظن أن لا عقوبة وغفلته عما عوقب به عقوبة
    وقد قال الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية.
    الحذر من عقوبة المعاصي والذنوب:
    ينبغي لكل ذي لب وفطنة أن يحذر عواقب المعاصي, فإنه ليس بين الآدمي وبين الله تعالى قرابة ولا رحم, وإنما قائم بالقسط حاكم بالعدل.
    وإن كان حلمه يسع الذنوب, إلا أنه إذا شاء عفا, فعفا كل كثيف من الذنوب, وإذا شاء أخذ, وأخذ باليسير, فالحذر الحذر.
    فالله الله في مراقبة الحق عز وجل..فإن عليكم من الله عينا ناظرة, وإياكم والاغترار بحلمه وكرمه فكم استدرج, وكونوا على مراقبة الخطايا مجتهدين في محوها, وما شيء ينفع كالتضرع مع الحمية من الخطايا.
    فالله الله, اسمعوا ممن قد جرب, كونوا على مراقبة, وانظروا في العواقب.
    عقوبات الذنوب المعنوية:
    وربما كان العقاب معنوياً, كما قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني ؟ فقيل له: كم أعاقبك ولا تدري, أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي ؟
    قال وهب بن الود وقد سئل: أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: ولا من همَّ.
    فرب شخص أطلق بصره فحرم اعتبار بصيرته, أو لسانه فحرم صفاء قلبه, أو آثر شبهة في مطعمه...فحرم قيام الليل وحلاوة المناجاة إلى غير ذلك.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,746

    افتراضي رد: فوائد من صيد الخاطر لابن الجوزي

    فوائد من صيد الخاطر لابن الجوزي (2-4)


    فهد بن عبد العزيز الشويرخ

    عقوبات الذنوب الحسية:
    من تأمل عواقب المعاصي وجدها قبيحة,...فأف للذنوب ما أقبح آثارها, وما أسوأ أخبارها, فمتى رأيت تكديراً في حالٍ فاذكر نعمة ما شكرت أو زلة قد فعلت.
    وأنا أقول عن نفسي: ما نزلت بي آفة أو غم أو ضيق صدر إلا بزلل أعرفه حتى يمكنني أن أقول: هذا بالشيء الفلاني, وربما تأولت فيه بعد, فأرى العقوبة, فينبغي للإنسان أن يترقب جزاء الذنوب فقلَّ أن يسلم منه.
    العقوبة قد تتأخر:
    الواجب على العاقل أن يحذر مغبة المعاصي, فإن نارها تحت الرماد, وربما تأخرت العقوبة ثم فجأت.فمن الاغترار أن تسيء فترى إحساناً, فتظن أنك قد سومحت, وتنسى: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء:123]
    وقد تتأخر العقوبة وتأتي في أخر العمر, فيهان الشيخ في كبره حتى ترحمه القلوب, ولا يدري أن ذلك لإهماله حق الله تعالى في شبابه, فمتى رأيت مُعاقباً فاعلم أنه لذنوب.فبادر بإطفاء ما أوقدت من نيران الذنوب, ولا ماء يطفئ تلك النار إلا ما كان من عين العين.
    ذنوب الخلوات تجعل القلوب تبغض فاعلها وتمقته:
    من هاب الخلق, ولم يحترم خلوته بالحق, فإنه على قدر مبارزته بالذنوب وعلى مقادير تلك الذنوب, يفوح منه ريح الكراهية فتمقته القلوب
    فإن قلَّ ما جنى قلَّ ذكر الألسن له بالخير, وبقي مجرد تعظيمه.
    وإن كثر كان قصارى الأمر سكوت الناس عنه لا يمدحونه ولا يذمونه.
    قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى فيلقى الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر.
    الخوف والخجل من الذنوب بعد التوبة منها:
    ينبغي للعاقل أن يكون على خوف من ذنوبه وإن تاب منها, وبكى عليها, وإني رأيت أكثر الناس قد سكنوا إلى قبول التوبة, وكأنهم قد قطعوا على ذلك, وهذا أمر غائب, ثم لو غفرت بقي الخجل منها, وهذا أمر قلّ أن ينظر فيه تائب لأنه يرى أن العفو قد غفر الذنب بالتوبة الصادقة.وما ذكرته يوجب دوام الحذر والخجل.
    تأخر استجابة الدعاء بلاء يحتاج إلى صبر:
    رأيت من البلاء العجاب أن المؤمن يدعو فلا يجاب, فيكرر الدعاء وتطول المدة, ولا يرى أثراً للإجابة, فينبغي له أن يعلم أن هذا من البلاء الذي يحتاج إلى الصبر.
    وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب.
    ولقد عَرَض لي من هذا الجنس, فإنه نزلت بي نازلة فدعوتُ وبالغتُ فلم أر الإجابة, فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده.
    فقلت له: إخسأ, يا لعين,...ثم عدت إلى نفسي فقلت: إياك...ووسوسته, فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك..في محاربة العدو لكفى في الحكمة.
    الدعاء والذنوب:
    لقد رأيت من نفسي عجباً تسأل الله عز وجل حاجاتها وتنسى جنايتها
    فقلتُ: يا نفسُ السوء أو مثلك ينطق ؟
    فقالت: فمن أطلب مراداتي ؟ قلتُ: ما أمنعك من طلب المراد, إنما أقول حققي التوبة, وانطقي...ونظفي طرق الإجابة من أوساخ المعاصي.
    فالله الله من جراءة على طلب الأغراض مع نسيان ما تقدم من الذنوب التي توجب تنكيس الرأس, ولئن تشاغلت بإصلاح ما مضى والندم عليه جاءتك مراداتك.
    أسباب تأخر إجابة الدعاء:
    لقد ثبت بالبرهان أن الله عز وجل مالك, والمالك يتصرف بالمنع والعطاء, فلا وجه للاعتراض عليه.
    والثاني: أنه ثبتت حكمته بالأدلة القاطعة, فربما رأيت الشيء مصلحة, والحق أن الحكمة لا تقتضيه, وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر يقصد بها المصلحة فلعل هذا من ذاك.
    والثالث: أنه قد يكون في التأخير مصلحة, والاستعجال مضرة, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال العبد في خير ما استعجل, يقول: دعوت فلم يستجب لي.
    الرابع: قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيك, فربما يكون في مأكولك شبهة, أو قلبك وقت الدعاء غفلة أو تزداد عقوبتك في منع حاجتك لذنب ما صدقت في التوبة منه
    الخامس: أنه ينبغي أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب, فربما كان في حصوله زيادة إثم, أو تأخير مرتبة خير, فكان المنع أصلح.
    السادس: أنه ربما كان فقد ما تفقدينه سبباً للوقوف على الباب واللجأ, وحصوله سبباً للاشتغال به عن المسئول, وهذا الظاهر بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجأ,
    فإياك أن تستطيل مدة الإجابة, وكن ناظراً أنه المالك, وإلى أنه الحكيم في التدبير والعالم بالمصالح, وإلى أنه يريد اختبارك, و أن يرى تضرعك, وإلى أنه يريد أن يأجرك بصبرك إلى غير ذلك, وإلى أنه يبتليك بالتأخير لتحارب وسوسة إبليس
    وكل واحدة من هذه الأشياء تقوى الظن في فضله وتوجب الشكر له, إذ أهلك بالبلاء الالتفات إلى سؤاله, وفقر المضطر إلى اللجأ إليه غنى كله.
    من اتقى الله في الخلوة ظهر أثر ذلك في الجلوة:
    إن للخلوة تأثيرات تبين في الجلوة, كم من مؤمن بالله عز وجل يحترمه عند الخلوات فيترك ما يشتهي حذراً من عقابه, أو رجاء لثوابه, أو إجلالا له, فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عوداً هندياً على مجمر فيفوح طيبه, فيستنشقه الخلائق ولا يدرون أين هو, وعلى قدر المجاهدة في ترك ما يهوى تقوى محبته...فترى عيون الخلق تعظم هذا الشخص وألسنتهم تمدحه ولا يعرفون لِم,...وقد تمتد هذه الأرابيح بعد الموت على قدرها, فمنهم من يُذكرُ بالخير مدة مديدة ثم ينسى, ومنهم من يذكر مائة سنة ثم يخفى ذكره..ومنهم أعلام يبقى ذكرهم أبداً.
    والإنسان قد يخفي..الطاعة فتظهر عليه, ويتحدث الناس بها, وبأكثر منها, حتى إنهم لا يعرفون له ذنباً, ولا يذكرونه إلا بالمحاسن ليعلم أن هناك رباً لا يضيعُ عمل عامل
    وإن قلوب الناس لتعرف حال الشخص وتحبه أو تأباه, وتذمه أو تمدحه, وفق ما يتحقق بينه وبين الله تعالى فإنه يكفيه كل هم, ويدفع عنه كل شر.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •