النوازل







لعظيم شأن الفتوى في النوازل المعاصرة، وتقريبا للعلم والاستفادة منه؛ استحدثت هذه الصفحة المباركة - في كل عدد - من أجل عرض نازلة معينة، بالوقوف على مصادرها، ومظانها المختلفة، وتجلية صورها، وبيان أحكامها، وأدلتها.

إعداد: د. محمود محمد الكبش

الباحث بوحدة البحث العلمي

(إدارة الإفتاء)






حكم استعمال مياه المجاري بعد تنقيتها


- عنوان النازلة: حكم استعمال مياه المجاري بعد استحالتها، وزوال أعراض النجاسة منها.

- الخلاصة الحكمية: يجوز استعمال المياه التي كانت نجسة (كالمجاري، والعطورات التي تحتوي على الكحول، وسائر المائعات النجسة) بعد تطهيرها، وإزالة النجاسة منها. وذلك في الشرب، والتطهير، ورفع الحدث، وإزالة الحدث، إلا إذا نشأ عنها ضرر صحي، فلا يجوز إذن.

وتحفظ عضو المجمع الفقهي الإسلامي بمكة: د. بكر أبو زيد على قرار المجمع، وقضى بتحريم استعمال هذه المياه، لعلل سيأتي ذكرها.

< القرارات، والتوصيات، والبحوث الصادرة من المجامع واللجان الفقهية، والهيئات الشرعية بخصوص هذا الموضوع:

- أولا: ملخص بحث اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

وفيه: أن الماء الكثير المتغير بنجاسة يطهر إذا زال تغيره بصب ماء طهور فيه باتفاق، أو بطول مكث، أو تأثير الشمس، ومرور الرياح عليه، أو برمي تراب ونحوه فيه، على الراجح عند الفقهاء، لزوال الحكم بزوال علته.

وعلى هذا: فإذا كانت مياه المجاري المتنجسة - وهي بلا شك كثيرة - تتخلص بالطرق الفنية الحديثة مما طرأ عليها من النجاسات، فإنه يمكن حينئذ أن يحكم بطهارتها، لزوال علة تنجسها، وهي تغير لونها، أو طعمها، أو ريحها بالنجاسة، والحكم يدور مع علته وجودا وعدما.

وبذلك تعود هذه المياه إلى أصلها، وهو الطهورية، ويجوز استعماله في الشرب ونحوه، وفي إزالة الأحداث والأخباث، وتحصل بها الطهارة من الأحداث والأخباث، إلا إذا كانت هناك أضرار صحية تنشأ عن استعمالها، فيمتنع استعمالها فيما ذكر محافظة على النفس، وتفاديا للضرر، لا لنجاستها، ولكن لو استعملها في إزالة الأحداث، أو الأخباث صحت الطهارة.

وينبغي للمسلمين أن يستغنوا عن ذلك ويجتنبوه، اكتفاء بالمياه الأخرى، ما وجدوا إلى ذلك سبيلا، احتياطا للصحة، واتقاء للضرر، وتنزها عما تستقذره النفوس، وتنفر منه الطباع والفطر السليمة. انتهى الملخص.

- ثم صدر بعد ذلك قرار هيئة كبار العلماء رقم: (64)، في (25/10/1398هـ)، والذي جاء فيه: بناء على ما ذكره أهل العلم من أن الماء الكثير المتغير بنجاسة يطهر إذا زال تغيره بنفسه، أو بإضافة ماء طهور إليه، أو زال تغيره بطول مكث، أو تأثير الشمس، ومرور الرياح عليه، أو نحو ذلك، لزوال الحكم بزوال علته.

وحيث إن المياه المتنجسة يمكن التخلص من نجاستها بعدة وسائل، وحيث إن تنقيتها وتخليصها مما طرأ عليها من النجاسات، بواسطة الطرق الفنية الحديثة لأعمال التنقية يعتبر من أحسن وسائل الترشيح والتطهير، حيث يبذل الكثير من الأسباب المادية لتخليص هذه المياه من النجاسات، كما يشهد بذلك ويقرره الخبراء المختصون بذلك، ممن لا يتطرق الشك إليهم في عملهم وخبرتهم وتجاربهم.

لذلك، فإن المجلس يرى طهارتها بعد تنقيتها التنقية الكاملة، بحيث تعود إلى خلقتها الأولى، لا يرى فيها تغير بنجاسة من طعم، ولا لون، ولا ريح، ويجـوز استعمالها في إزالة الأحـداث والأخـباث، وتحصل الطهارة بها منها، كما يجوز شربها، إلا إذا كانت هناك أضرار صحية تنشأ عن استعمالها، فيمتنع ذلك، محافظة على النفس، وتفاديا للضرر لا لنجاستها.

والمجلس إذ يقرر ذلك: يَستحسن الاستغناء عنها في استعمالها للشرب متى وجد إلى ذلك سبيل، احتياطا للصحة، واتقاء للضرر، وتنزها عما تستقذره النفوس، وتنفر منه الطباع.

والله الموفق. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

انتهى القرار.

< التعليق:

في القرارين السابقين تعلق واضح ببعضهما، فإن اللجنة الدائمة قد أعدت بحثا حول هذه النازلة، وهو الملخص الذي عرضناه، ثم تبنته هيئة كبار العلماء بعد اطلاع مجلسها عليه، وعلى خطاب معالي وزير الزراعة والمياه المتعلق بالمياه المتنجسة بعد تطهيرها، وقد خلصا إلى جواز شرب هذه المياه، واستعمالها في التطهير، ورفع الحدث وإزالة الخبث، بشرط ألا يترتب على ذلك ضرر صحي.

إلا أن كلا القرارين استحسنا الاستغناء عن هذه المياه في استعمالها للشرب متى وجد إلى ذلك سبيل، احتياطا للصحة، واتقاء للضرر، وتنزها عما تستقذره النفوس، وتنفر منه الطباع.

- وفي عام (1989م) اجتمع مجلس (المجمع الفقهي الإسلامي) لرابطة العالم الإسلامي في دورته الحادية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من يوم الأحد (13 رجب 1409هـ - الموافق 19 فبراير 1989م)، إلى يوم الأحد (20 رجب 1409هـ - الموافق 26 فبراير1989م)، ونظر في السؤال عن حكم ماء المجاري بعد تنقيته، هل يجوز رفع الحدث بالوضوء والغسل به؟ وهل تجوز إزالة النجاسة به؟

وبعد مراجعة المختصين بالتنقية بالطرق الكيماوية، وما قرروه من أن التنقية تتم بإزالة النجاسة منه على مراحل أربعة:

وهي الترسيب، والتهوية، وقتل الجراثيم، وتعقيمه بالكلور، بحيث لا يبقى للنجاسة أثر في طعمه ولونه وريحه، وهم مسلمون عدول موثوق بصدقهم وأمانتهم.

قرر المجمع ما يأتي:

إن ماء المجاري إذا نقي بالطرق المذكورة، أو ما يماثلها، ولم يبق للنجاسة أثر في طعمه، ولا في لونه، ولا في ريحه، صار طهورا، يجوز رفع الحدث وإزالة النجاسة به. بناء على القاعدة الفقهية التي تقرر: (أن الماء الكثير الذي وقعت فيه نجاسة يطهر بزوال هذه النجاسة منه، إذا لم يبق لها أثر فيه). والله أعلم.

انتهى القرار.

(وجهة نظر فـي الاستعمالات الشرعية والمباحة لميــاه المجــاري المنقـاة)

عضو المجمع الفقهي الإسلامي بمكة: بكر أبو زيد

الحمد لله، وبعد... فإن المجاري معدة، في الأصل، لصرف ما يضر الناس، في الدين والبدن، طلبا للطهارة، ودفعا لتلوث البيئة. وبحكم الوسائل الحديثة لاستصلاح ومعالجة مشمولها، لتحويله إلى مياه عذبة، منقاة، صالحة للاستعمالات المشروعة، والمباحة مثل: التطهر بها، وشربها، وسقي الحرث منها، بحكم ذلك، صار السبر للعلل، والأوصاف القاضية بالمنع، في كل أو بعض الاستعمالات، فتحصل أن مياه المجاري قبل التنقية معلة بأمور:

الأول: الفضلات النجسة بالطعم واللون والرائحة.

الثاني: فضلات الأمراض المعدية، وكثافة الأدواء والجراثيم (البكتريا).

الثالث: علة الاستخباث والاستقذار، لما تتحول إليه باعتبار أصلها، ولما يتولد عنها في ذات المجاري، من الدواب والحشرات المستقذرة طبعا وشرعا.

ولذا صار النظر بعد التنقية في مدى زوال تلكم العلل، وعليه: فإن استحالتها من النجاسة - بزوال طعمها ولونها وريحها - لا يعني ذلك زوال ما فيها من العلل والجراثيم الضارة. والجهات الزراعية توالي الإعلام بعدم سقي ما يؤكل نتاجه من الخضار، بدون طبخ، فكيف بشربها مباشرة؟ ومن مقاصد الإسلام: المحافظة على الأجسام، ولذا لا يورد ممرض على مصح، والمنع لاستصلاح الأبدان واجب، كالمنع لاستصلاح الأديان. ولو زالت هذه العلل، لبقيت علة الاستخباث والاستقذار، باعتبار الأصل، والماء يعتصر من البول والغائط، فيستعمل في الشرعيات والعادات على قدم التساوي.

وقد علم من مذهب الشافعية، والمعتمد لدى الحنبلية، أن الاستحالة هنا لا تؤول إلى الطهارة، مستدلين بحديث النهي عن ركوب الجلالة وحليبها، رواه أصحاب السنن وغيرهم، ولعلل أخرى.

مع العلم: أن الخلاف الجاري بين متقدمي العلماء، في التحول من نجس إلى طاهر، هو في قضايا أعيان، وعلى سبيل القطع، لم يفرعوا حكم التحول على ما هو موجود حاليا في المجاري، من ذلك الزخم الهائل من النجاسات، والقاذورات، وفضلات المصحات، والمستشفيات، وحال المسلمين لم تصل بهم إلى هذا الحد من الاضطرار، لتنقية الرجيع، للتطهر به، وشربه، ولا عبرة بتسويغه في البلاد الكافرة، لفساد طبائعهم بالكفر.

وهناك البديل، بتنقية مياه البحار، وتغطية أكبر قدر ممكن من التكاليف، وذلك بزيادة سعر الاستهلاك للماء، بما لا ضرر فيه، وينتج إعمال قاعدة الشريعة في النهي عن الإسراف في الماء. والله أعلم.




انتهت وجهة النظر.