تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: فحص المحتوى الوراثي (البصمة الوراثية )

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,798

    افتراضي فحص المحتوى الوراثي (البصمة الوراثية )

    فحص المحتوى الوراثي (البصمة الوراثية )(1-3)
    د. محمد بن هائل المدحجي



    قبل كل شيء لا بد أن نعرف المقصود بالمحتوى الوراثي أو البصمة الوراثية ، ولتوضيح ذلك أقول وبالله التوفيق :



    الخلية هي وحدة البناء الأساسية للكائنات الحية. ويتكون جسم الإنسان مما يزيد على 10 تريليون خلية_ التريليون ألف مليار_ ، وتتركب الخلية الحية من ثلاثة أجزاء رئيسة هي: غشاء الخلية، وسائل الخلية (السيتوبلازم)، والنواة ، وتحتوي النواة على المادة الوراثية ، حيث يوجد داخل النواة أجسام خيطية تعرف بالكروموسومات ، وتتكون هذه الكروموسومات من سلسلة طويلة، مطوية طياً محكماً، ومصفوفة بشكل بديع، وتحمل المورثات (الجينات) التي تنتقل عبرها الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء.



    وتحتوي خلايا الجسم كافة على (46) كروموسوماً، أما الخلايا الجنسية (الحيوانات المنوية والبويضات) فتحتوي على (23) كروموسوماً فقط، واحد منها هو الكروموسوم الجنسي، ويختلف حسب نوع الخلية الجنسية, فيكون في البويضة أنثوياً, أما في الحيوان المنوي فإنه قد يكون ذكريا أو أنثويا, وعندما يلتقي الحيوان المنوي بالبويضة ويخترق جدارها تتحد كروموسوماته مع كروموسوماتها، فيكون عدد الكروموسومات الكلي في اللقيحة (46) كروموسوماً، نصفها يأتي من المرأة ونصفها من الرجل، ويتوقف جنس الجنين على نوع الحيوان المنوي الملقح للبويضة، فإن كان حاملاً للكروموسوم الجنسي الذكري فإن المولود يكون ذكراً، وإن كان حاملاً للكروموسوم الجنسي الأنثوي فإن المولود يكون أنثى.



    فأصل الخلايا أتى من خلية واحدة، وهي البويضة الملقحة بالحيوان المنوي التي تنقسم إلى خليتين، والخليتان إلى أربع، والأربع إلى ثمان، وهكذا توالي انقساماتها عند بداية تكوين الإنسان، ثم بعد ذلك تتنوع إلى مجموعات من الخلايا المتباينة التي تكون الأنسجة.



    ويتكون الكروموسوم من سلسلتين من الحامض النووي - الذي يعرف باسم: (dna) أو الدَّنـا- تلتفان على بعضهما البعض بشكل حلزوني وتكوِّنان لولباً مزدوجاً، ويوجد على هذا الحامض الجينات، وهي الأجزاء التي تحمل الصفات الوراثية الموجودة بالجنين منذ بداية نشأته وتكوينه.



    ويتحكم الجين عن طريق توجيه الخلية بأن تصنع بروتينات معينة، وبكميات محددة في أماكن معينة من جسم الإنسان في الصفات الوراثية من طول الجسم وقصره وشكله ولونه، ونبرة الصوت ولون العين، وحدَّة شمّ الأنف، وغير ذلك، وكذا الإصابة بالمرض الوراثي، ويشترك في إبراز كل صفة من الصفات جينات متعددة، وتنتقل هذه الصفات بواسطة الجينات من الآباء إلى الأبناء.



    والجين له صورتان: إحداهما تأتي من الأب، والأخرى من الأم، وكل واحدة توجد على الموقع نفسه من الكروموسومين المتماثلين، وتنقسم الجينات إلى ثلاثة أنواع:



    1- جينات سائدة.



    2- جينات متنحية.



    3- جينات مرتبطة بالجنس.



    ويظهر المرض الوراثي بسبب خلل في الجين نتيجة تغيرات تطرأ على الحمض النووي، وهو ينقسم بحسب طريقة انتقاله إلى ثلاثة أنواع:



    الأول: مرض وراثي سائد: وهو المرض الذي ينتقل بواسطة أحد الجينين الحاملين للصفة الواحدة, وهذا الجين إما أن يكون منتقلاً من أحد الأبوين أو كليهما، فوجود جين واحد مريض يتسبب في ظهور المرض سواء أكان من الأب أم من الأم.



    الثاني: مرض وراثي متنحي: وهو المرض الذي لا ينتقل إلا بوجود زوج من الجينات المريضة، فيظهر المرض في حالة توارث الجين المعتل من كلا الأبوين.



    الثالث: مرض وراثي مرتبط بالجنس: وهو المرض الذي ينتقل عبر الكروموسوم الجنسي، وهذا الكروموسوم وظيفته الأساسية هي تحديد جنس المولود، لكن الصبغي الأنثوي يحمل عدداً من الجينات التي تتحكم في إظهار صفات أخرى غير الجنس.



    كانت هذه إطلالة على المحتوى الوراثي أو البصمة الوراثية التي يعتبر التمكن من فحصها من نوازل هذا العصر ، وفحص المحتوى الوراثي هو: " الكشف الذي يتم على البنية الجينية لفرد بعينه، للكشف عن هوية صاحبها، أو الوقوف على ما تحمله هذه البنية من تشوهات, أو أمراض وراثية".



    ويمكن الحصول على المحتوى الوراثي من أي جزءٍ من أجزاء الإنسان: كاللحم، والعظم، والجلد، والظفر، والشعر، والدم، والبول، والمني، واللعاب، كما أن من أهم خصائصه أنه يقاوم التحلل والعفن والعوامل الجوية المختلفة من حرارة ورطوبة وجفاف لفترات طويلة، ويمكن أخذه من الآثار الحديثة والقديمة، كما أن نتيجة فحصه سهلة القراءة والحفظ والتخزين في الحاسب الآلي إلى حين الاحتياج إليها.



    ويتميز المحتوى الوراثي - أو البصمة الوراثية - بالخصائص التالية:



    1- يتميز كل إنسان بمحتوى وراثي خاص به، ومن المستحيل أن يتطابق المحتوى الوراثي لشخص مع المحتوى الوراثي لغيره إلا في حالة التوأمين المتطابقين الذين أصلهما بويضة واحدة وحيوان منوي واحد، ويبدأ المحتوى الوراثي مع الإنسان منذ تكوينه إلى وفاته، ويمكن التعرف على صاحبه حتى بعد وفاته، وتحليل شيء من هيكله.



    2- المحتوى الوراثي لا يتغير من مكان لآخر في جسم الإنسان، ويمكن استخراجه من جميع العينات البيولوجية من أعضاء الجسم أو سوائله كالدم، والمني، واللعاب، والأنسجة، والجلد، والعظم، ويكفي في ذلك تحليل عينة ضئيلة ولو كانت بحجم رأس الدبوس.



    3- المحتوى الوراثي له القدرة على تحمل الظروف الجوية السيئة المحيطة، وهو مقاوم للتحلل والتعفن إلى حدٍ كبير، ومن هنا يمكن عمل فحص المحتوى الوراثي من التلوثات المنوية أو الدموية الجافة التي مضى عليها وقت طويل، كما يمكن أيضاً تخزين الحمض النووي بعد استخلاصه من العينات مدة طويلة جداً.



    4- نتائج فحص المحتوى الوراثي شبه قطعية، إذ لا تقل نسبة صحتها في تحديد هوية صاحبها عن (99% ) إذا أجريت طبق معايير وضوابط معينة، كما يمكن تخزين هذه النتائج وحفظها في الكمبيوتر أو على الأفلام إلى أمد غير محدد أو لحين الحاجة إلى المقارنة.



    وإذا كانت نتائج فحص المحتوى الوراثي بهذه الدقة فلا يظهر مانع شرعي في الأخذ بموجبها، وترتيب الأحكام الشرعية عليها، إذا تم ذلك وفق الضوابط المعتبرة، متى ما دعت الحاجة إلى ذلك.



    وقد صدر بشأن البصمة الوراثية ومجالات الاستفادة منها قرار المجمع الفقهي الإسلامي، المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي، في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة من (12-26/10/1422هـ) الموافق (5-10/1/2002م) وفيه:



    " أولاً: لا مانع شرعاً من الاعتماد على البصمة الوراثية في التحقيق الجنائي، واعتبارها وسيلة إثبات في الجرائم التي ليس فيها حد شرعي ولا قصاص لخبر: " ادرؤوا الحدود بالشبهات " وذلك يحقق العدالة والأمن للمجتمع، ويؤدي إلى نيل المجرم عقابه وتبرئة المتهم، وهذا مقصد مهم من مقاصد الشريعة.



    ثانياً: إن استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب لا بد أن يحاط بمنتهى الحذر والحيطة والسرية، ولذلك لا بد أن تقدم النصوص والقواعد الشرعية على البصمة الوراثية.



    ثالثاً: لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان.



    رابعاً: لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعاً، ويجب على الجهات المختصة منعه، وفرض العقوبات الزاجرة؛ لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصوناً لأنسابهم.



    خامساً: يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية:



    أ*- حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.



    ب*- حالات الاشتباه في المواليد والمستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.



    ج- حالات ضياع الأطفال واختلاطهم، بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب، وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين.



    سادساً: لا يجوز بيع الجينوم البشري لجنس، أو لشعب، أو لفرد، لأي غرض من الأغراض، كما لا تجوز هبتها لأي جهة، لما يترتب على بيعها أو هبتها من مفاسد.



    سابعاً: يوصي المجمع بما يأتي:



    أ*- أن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء، وأن يكون في مختبرات للجهات المختصة، وأن تمنع القطاع الخاص الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص، لما يترتب على ذلك من المخاطر الكبرى.



    ب*- تكوين لجنة خاصة بالبصمة الوراثية في كل دولة، يشترك فيها المتخصصون الشرعيون، والأطباء، والإداريون، وتكون مهمتها الإشراف على نتائج البصمة الوراثية، واعتماد نتائجها.



    ج*- أن توضع آلية دقيقة لمنع الانتحال والغش، ومنع التلوث وكل ما يتعلق بالجهد البشري في حقل مختبرات البصمة الوراثية، حتى تكون النتائج مطابقة للواقع، وأن يتم التأكد من دقة المختبرات، وأن يكون عدد المورثات (الجينات المستعملة للفحص) بالقدر الذي يراه المختصون ضرورياً دفعاً للشك".



    وظاهر من القرار السابق أنه يجوز ترتيب الأحكام الشرعية على فحص المحتوى الوراثي في المجال الجنائي، وفي مجال إثبات النسب، ويمكن أن سنسلط مزيداً من الضوء على ذلك فيما يلي :



    أولاً: في المجال الجنائي:



    يمكن الاستفادة من فحص المحتوى الوراثي في إثبات أو نفي الجرائم، والتعرف على الجاني في كثير من القضايا والجرائم الجنائية كجرائم الدم، أو جرائم الاعتداءات الجنسية، أو السرقة، أو الاختطاف، وذلك من خلال ما يتركه الجاني في مكان الجريمة من آثار - كالدم، أو الشعر، أو المني، أو اللعاب الموجود على بقايا الأكل أو أعقاب السجائر، أو على طوابع البريد، ونحو ذلك - ، وهذه الآثار تدل على هوية الجاني بعد فحصها ومقارنتها بالمحتوى الوراثي للمشتبه به.



    ويمكن القول بأن العمل بنتائج فحص المحتوى الوراثي في إثبات الجرائم هو من قبيل العمل بالقرائن، والذي عليه الحكام قديماً وحديثاً هو العمل بالقرائن، والاعتماد عليها في إثبات الجنايات، قال ابن القيم رحمه الله: "ولم يزل حذَّاق الحكَّام والولاة يستخرجون الحقوق بالفراسة والأمارات، فإذا ظهرت لم يقدموا عليها شهادةً تخالفها ولا إقراراً" [الطرق الحكمية ص 34 ] .



    والأخذ بفحص المحتوى الوراثي في المجال الجنائي فيه تحقيق لمصالح كثيرة، ودرء لمفاسد ظاهرة، فهو وسيلة لغاية مشروعة، وللوسائل حكم الغايات، وإذا كانت القرائن متفاوتة قوة وضعفاً، فإن فحص المحتوى الوراثي يعدّ من أقواها وأعلاها منزلة وقدراً؛ لأنه بمعزلٍ عن الخطأ وبمأمنٍ من الاشتباه، وما كان كذلك من القرائن فإنه يعدُّ وسيلةً صالحةً للإثبات. قال ابن القيم رحمه الله: " فإذا ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه، والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء، ثم ينفي ما هو أظهر وأقوى دلالة وأبين أمارة، فلا يجعله منها، ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها، بل بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده، وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة له " [الطرق الحكمية ص 19 ] .



    ثانياً: في مجال إثبات النسب:



    حدَّد المجمع الفقهي الإسلامي في قراره السابق حالات معينة يجوز الاعتماد فيها على فحص المحتوى الوراثي لإثبات النسب، وهي الحالات التي تدعو الحاجة إلى اعتماد فحص المحتوى الوراثي فيها، حيث جاء في قراره: " يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات الآتية:



    1- حالات التنازع على مجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع على مجهول النسب بسبب انتفاء الأدلة أو تساويها، أم كان بسبب الاشتراك في وطء الشبهة ونحوه.



    2- حالات الاشتباه في المواليد في المستشفيات ومراكز رعاية الأطفال ونحوها، وكذا الاشتباه في أطفال الأنابيب.



    3- حالات ضياع الأطفال واختلاطهم بسبب الحوادث أو الكوارث أو الحروب، وتعذر معرفة أهلهم، أو وجود جثث لم يمكن التعرف على هويتها، أو بقصد التحقق من هويات أسرى الحروب والمفقودين".



    و الشريعة إنما وضعت لمصالح العباد ودرء المفاسد عنهم، وفي القول بإثبات النسب بفحص المحتوى الوراثي تحصيل لمصلحة ظاهرة وهي انتماء الولد إلى أب شرعي وعدم ضياعه، ودرء لمفسدة وهي نسبته لمن لا ينتمي إليه زوراً وبهتاناً.



    يقول ابن القيم رحمه الله: "وأصول الشرع وقواعده والقياس الصحيح تقتضي اعتبار الشبه في لحوق النسب، والشارع متشوف إلى اتصال الأنساب وعدم انقطاعها، ولهذا اكتفى في ثبوتها بأدنى الأسباب: من شهادة المرأة الواحدة على الولادة، والدعوى المجردة مع الإمكان، وظاهر الفراش، فلا يستبعد أن يكون الشبه الخالي عن سبب مقاوم له كافياً في ثبوته" [الطرق الحكمية ص323 ].



    فإذا كان الشارع قد اعتبر القيافة في إثبات النسب في بعض الحالات، فإن اعتبار فحص المحتوى الوراثي في هذا المجال من باب أولى؛ لأن القيافة قائمةٌ على مراعاة الصفات الخارجية للإنسان غالباً، وكثيراً ما يحصل التشابه في هذه الصفات، أمَّا فحص المحتوى الوراثي فإنه يراعي الصفات الداخلية التي يتميز بها كل إنسان عن غيره ويختصُّ بها، ولذلك فهو أدقُّ من القيافة وأضبط منها.



    وقد جاء في توصية ندوة الوراثة والهندسـة الوراثية المنـبثقة عن المنظمة الإسـلامية للعلوم الطبية ما نصه:



    " البصمة الوراثية من الناحية العملية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية والتحقق من الشخصية، ولا سيما في مجال الطب الشرعي، وهي ترقى إلى مستوى القرائن القوية التي يأخذ بها أكثر الفقهاء في غير قضايا الحدود الشرعية، وتمثل تطوراً عصرياً عظيما في مجال القيافة التي يذهب إليها جمهور الفقهاء في إثبات النسب المتنازع فيه، ولذلك ترى الندوة أن يؤخذ بها في كل ما يؤخذ فيه بالقيافة من باب أولى ".



    وقد ذكر بعض الباحثين ضوابط الاعتماد على نتيجة فحص المحتوى الوراثي في مجال النسب، وهي كما يلي:



    1- أن يكون استخدام فحص المحتوى الوراثي في إثبات النسب لا في نفيه: وقد جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي: " لا يجوز شرعاً الاعتماد على البصمة الوراثية في نفي النسب، ولا يجوز تقديمها على اللعان ".



    2- ألا يستخدم فحص المحتوى الوراثي في التأكد من نسب ثابت: وذلك لأن استخدامه في مثل هذا يؤدي إلى التشكيك في أنساب الناس، وينشر سوء الظن بين الأزواج، ويقوي الريبة بين أفراد المجتمع.



    3- ألا يستخدم فحص المحتوى الوراثي بديلاً عن الوسائل المنصوص عليها: فيجب تقديم الوسائل والطرق المنصوص عليها في إثبات النسب ولا سيما المتفق عليها كالفراش والإقرار والبينة؛ لأن هذه الطرق أقوى في تقدير الشرع، فلا يلجأ إلى غيرها كفحص المحتوى الوراثي والقيافة إلا عند التنازع في الإثبات، وعدم الدليل الأقوى، أو عند تعارض الأدلة.



    و من أجل ضمان صحة نتائج فحص المحتوى الوراثي هناك ضوابط لا بد من تحققها، وهذه الضوابط تتعلق بخبراء الفحص، وبطريقة إجراء التحاليل، وبالمعامل الخاصة بذلك، وهذه الضوابط كما يلي:



    1- أن تكون المختبرات والمعامل الفنية مزودة بأحسن الأجهزة ذات التقنيات العالمية، والمواصفات الفنية القابلة للاستمرار والتفاعل مع العينات والظروف المحيطة بها.



    2- أن تكون هذه المختبرات والمعامل تابعة للدولة، أو تشرف عليها إشرافاً مباشراً؛ لئلا يتم التلاعب فيها لمجرد المصالح الشخصية، والأهواء الدنيوية، وبالتالي يكون النسب عرضةً للضياع، وقد أوصى المجمع الفقهي الإسلامي المنبثق عن رابطة العالم الإسلامي بـ: " أن تمنع الدولة إجراء الفحص الخاص بالبصمة الوراثية إلا بطلب من القضاء، وأن يكون في مختبرات للجهات المختصة، وأن تمنع القطاع الهادف للربح من مزاولة هذا الفحص؛ لما يترتب على ذلك من المخاطر الكبرى".



    3- أن يكون جميع العاملين في المختبرات الخاصة بفحص المحتوى الوراثي من خبراء أو مساندين في أعمال الفحص ممن تتوفر فيهم أهلية قبول الشهادة، إضافة إلى معرفتهم وخبرتهم في مجال تخصصهم الدقيق في المختبر، حتى لا يؤدي عدم ذلك إلى تدهور النتائج الفنية، وبالتالي ضياع الحقوق.



    4- أن يتم عمل فحص المحتوى الوراثي بطرق متعددة، وبعدد أكبر من الأحماض الأمينية ضماناً لصحة النتائج، وتوثيق كل خطوة من خطوات الفحص بدءاً من نقل العينات إلى ظهور النتائج النهائية؛ حرصاً على سلامة تلك العينات، وضماناً لصحة نتائجها، مع حفظ نتائج الفحص للرجوع إليها عند الحاجة.



    فإذا توفرت هذه الشروط والضوابط في خبراء ومعامل ومختبرات فحص المحتوى الوراثي، فإنه لا مجال للتردد - فيما يظهر - في مشروعية ترتيب الأحكام على نتيجة فحص المحتوى الوراثي.



    والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,798

    افتراضي رد: فحص المحتوى الوراثي (البصمة الوراثية )






    حكم فحص المحتوى الوراثي للمقبلين على الزواج (2-3)
    د. محمد بن هائل المدحجي



    إن فحص المحتوى الوراثي قبل الزواج هو إجراء طبي يساعد - بإذن الله تعالى - على الحد من انتشار الأمراض الوراثية، بأخذ عينة لإجراء تحاليل طبية للتأكد من الحالة الصحية للزوجين وسلامتهما من الأمراض الوراثية.
    ويؤكد كثير من الأطباء ضرورة إجراء هذا الفحص؛ وذلك من أجل اكتشاف أمراض وراثية قد تؤثر على الأسرة فيما بعد، كمرض الأنيميا المنجلية، وأنيميا البحر المتوسط.
    ومن المصالح المترتبة على إجراء فحص المحتوى الوراثي قبل الزواج:
    1- الوقاية من الأمراض الوراثية المنتشرة في المجتمع، وذلك بتقليل حالات الزواج بين حاملي المورثات المعتلة نفسها، للحصول على ذرية سليمة من الأمراض الوراثية، فمثلاً في دولة قبرص بعد الإلزام بتطبيق الفحص الطبي لم يولد خلال عشرين عاماً أي طفل مصاب بمرض الأنيميا المنجلية الحادة بتوفيق من الله تعالى.
    2- التقليل بشكل كبير من التكاليف المالية الناتجة عن علاج المصابين بالأمراض الوراثية، والناتجة عن غلاء الأدوية، والتكلفة المالية العالية للعناية بهم، وعدم توصل الطب إلى علاج بعض تلك الأمراض، مما يستلزم معه استمرار العلاج والعناية طوال العمر، وكلفة الفحص الجيني قليلة جداً ولا تقارن بالمبالغ الخيالية التي تصرف في علاج الأمراض الوراثية.
    3- التقليل من الضغط على المستشفيات، وتخفيف الازدحام فيها، وكذا التخفيف على دُور الرعاية والعناية بالمصابين بمثل هذه الأمراض الوراثية.
    4- حماية الأسرة من القلق والمعاناة المالية والنفسية بسبب إصابة أحد أفراد الأسرة بالمرض الوراثي.
    لكن ذكر البعض مفاسد لفحص المحتوى الوراثي لمصلحة الإنجاب، ومنها:
    1- إيهام الناس أن إجراء فحص المحتوى الوراثي سيجنب ذريتهم الأمراض الوراثية, وهذا غير صحيح؛ لأن هذه الأمراض تزيد عن ثمانية آلاف مرضٍ، والفحص لا يكون شاملاً لجميعها، بل يكون لما هو منتشر في المجتمع، فإذا أثبت الفحص سلامة الراغبين في الزواج، فإن هذا يوهم إنجاب ذرية سليمة من الأمراض الوراثية، ثم يفاجأ الأبوان عند الإنجاب بذرية مصابة بأمراض وراثية أخرى.
    2- إذا أخبر الطبيب الخاطب أو المخطوبة بنتائج الفحص، وأن أحدهما مصاب بمرض وراثي، فقد يصاب الشخص - ولا سيما المرأة - بالضرر النفسي والاجتماعي إذا علم أن الآخرين قد اطّلعوا على نتيجة الفحص، وقد تنتشر نتيجة الفحص بين الناس، مما يتسبب في امتناع الناس من تزويج الشخص السليم إن كان رجلا ً، أو التزوج منها إن كانت امرأة.
    3- أن تكلفة فحص المحتوى الوراثي قد تكون على الراغبين في الزواج مما يسبب إرهاقهم مادياً، وقد يؤدي هذا إلى عزوف الشباب عن الزواج.
    4- سهولة الحصول على الشهادة الطبية التي تثبت سلامة الشخص من العيوب الوراثية دون إجرائه، وذلك برشوة تدفع لبعض القائمين عليه، وهذا يهدم الغرض من إجراء الفحص الجيني قبل الزواج.
    لكننا إذا تأملنا في المفاسد المذكورة وجدنا أنها لا ترجع إلى فحص المحتوى الوراثي نفسه، وإنما هي متعلقة بالفهم الخاطئ له، أو الإجراءات المتخذة عند تطبيقه، وأيضاً فإن من قواعد الشريعة قاعدة: " إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما " وبالنظر في فحص المحتوى الوراثي وما قد يترتب عليه من مفاسد كإفشاء نتائجه، أو إحجام الراغبين عن الزواج، أو تكلفته المادية، فإننا نجد أن مفسدة عدم إجرائه أعظم؛ وذلك لما قد يترتب عليها من إصابة النسل ببعض الأمراض الوراثية، وهذه المفسدة راجعة إلى النسل الذي يعد حفظه من مقاصد الشريعة الضرورية، ومن ثم فإن المتعين تقديم درء هذه المفسدة، وعدم النظر إلى ما قد يترتب على هذا التقديم من مفاسد.
    والفحص الاختياري للمحتوى الوراثي للمقبلين على الزواج جائز شرعاً، ولا أعلم في ذلك خلافاً، بل نص بعضهم على استحبابه، ومن الأدلة على ذلك:
    1- أن أنبياء الله وعباد الله الصالحين طلبوا من الله الذرية الطيبة، كما في قوله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء }(آل عمران38)، وقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }(الفرقان74)، والذرية لا تكون طيبة وقرة عين على الكمال إذا كانت مشوهة الخَلْق، ناقصة الأعضاء، متخلفة العقل فدل ذلك على مشروعية فحص المحتوى الوراثي قبل الزواج تحقيقا لكمال الذرية من جهة الصحة.
    2- حث الشارع على حسن اختيار المرأة التي يراد الزواج منها، فقال صلى الله عليه وسلم: " تخيروا لنطفكم، وَانْكِحُوا الأكْفَاء، وأَنْكِحُوا إليهم" ( رواه ابن ماجه ) ، وهذا يشمل الصفـات الخِلْقية والخُلُقية، وبعض هذه الصفات الخِلْقية لا تتبين إلا بإجراء فحص المحتوى الوراثي قبل الزواج.
    3- أحاديث النظر إلى المخطوبة كقوله صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه لما خطب امرأة: " انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤْدم بينكما" (رواه الترمذي والنسائي ) فيمكن الاستدلال بهذه الأحاديث على ضرورة معرفة العيوب في المخطوبة، ومن ذلك العيوب الوراثية.
    4- أن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء الأمة, ولكي يكون بناؤها قوياً فلابد أن يكون أفرادها أصحاء, و فحص المحتوى الوراثي قبل الزواج فيه حماية للأسرة من الأمراض الوراثية.
    5- أن الغرض المقصود من الزواج هو السكن والمـودة والرحمة وإيجـاد النسل السليم, ولا يتحقق هذا الأمر إذا كانت الذرية مصابة بأمراض يستعصي علاجها أو يستحيل, وفحص المحتوى الوراثي قبل الزواج هو طريق لتجنب الزواج الذي يؤدي إلى إيجاد نسل مريض، والوسائل تأخذ أحكام الغايات.
    6- أن فحص المحتوى الوراثي قبل الزواج يحقق مصالح شرعية راجحة، ويدفع مفاسد اجتماعية ومالية متوقعة، وهو من قضاء الله وقدره، ولا يضاده.
    7- أن عدم إجراء فحص المحتوى الوراثي فيه ضرر بالذرية في حالة كون الوالدين حاملين للجينات المعتلة؛ لأن ذلك يؤدي إلى احتمال انتقال هذه الجينات إلى الذرية، ومن ثم إصابة بعضها بهذا المرض الوراثي الذي يسببه هذا الجين المعتل، و فحص المحتوى الوراثي يحصل به معرفة سلامة الراغبين في الزواج من الأمراض الوراثية الشائعة، فيكون مشروعاً، درءاً لهذا الضرر، عملاً بالقاعدة الشرعية " الضرر يزال ".
    9- إن الأصل في الأشياء الإباحة، وفي هذا الفحص محافظة على صحة الأسرة المسلمة، وضمان لقوتها وعطائها، ومن ثم قوة المجتمع المسلم، كما أن فيه إعمالاً للقاعدة الشرعية " الدفع أولى من الرفع " فالغرض من فحص المحتوى الوراثي قبل الزواج هو الحد من الزواج بين حاملي المورثات المعتلة، وهذا يؤدي إلى تقليل المواليد المصابين بالأمراض الوراثية، وفي ذلك تحقيق لدفع الضرر قبل وقوعه الذي هو أسهل من رفعه بعد وقوعه.
    ويتأكد إجراء هذا الفحص في الحالات التي تقوى فيها مظنة إصابة الذرية بمرض وراثي: كما في حالة انتشار أمراض وراثية معينة في المجتمع، أو عند وجود صلة قرابة بين الخطيبين من العائلات التي لها تاريخ وراثي لبعض الأمراض.
    وقد، جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي ما يلي: " يوصي المجلس الحكومات والمؤسسات الإسلامية بنشر الوعي بأهمية الفحوص الطبية قبل الزواج والتشجيع على إجرائها، وتيسير تلك الفحوص للراغبين فيها، وجعلها سرية لا تفشى إلا لأصحابها المباشرين ".
    ويمكن للدول توعية وتشجيع المجتمع على فحص المحتوى الوراثي قبل الزواج بما يلي:
    1- نشر الوعي بأهمية فحص المحتوى الوراثي قبل الزواج عبر وسائل الإعلام، وعن طريق الندوات، والمحاضرات، والدعاية.
    2- تشجيع أبناء المجتمع على فحص المحتوى الوراثي قبل الزواج بتوفيره مجاناً.
    4- توعية الشباب في المرحلة الثانوية بأهمية فحص المحتوى الوراثي قبل الزواج لتكوين أسرة سليمة صحياً واجتماعياً، وحينئذ يتم إجراء هذا الفحص في المرحلة الثانوية أو بعدها أو قبلها بقليل، ويعطي الطالب شهادة طبية تبين حالته الصحية، ومن ثمّ يطالب بها مأذون النكاح أو القاضي عند عقد الزواج.
    وبعد بيان المصالح المترتبة على فحص المحتوى الوراثي لمصلحة الإنجاب، وبيان أن إجراءه جائز من حيث الأصل ، نأتي إلى بيان حكم الإلزام بهذا الفحص سواء عن طريق سلطة ولي الأمر، أو باشتراط المرأة أو وليها ذلك على الخاطب :
    أولاً: اختلف الفقهاء والباحثون المعاصرون في مدى جواز إجبار ولي الأمر (الحاكم أو السلطان) المقبلين على الزواج على فحص المحتوى الوراثي، فقد جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة 19-23/10/1424هـ الموافق 13-17/12/2003م بشأن موضوع: أمراض الدم الوراثية:
    أولاً: إن عقـد النكـاح مـن العقود التي تولى الشارع الحكيم وضـع شروطهـا، ورتب عليها آثارها الشرعية، وفَتْحُ الباب للزيادة على ما جاء به الشرع - كالإلــزام بالفحوص الطبية قبل الزواج، وربط توثيق العقد بها - أمر غير جائز.اهـ
    ومع احترامنا الشديد لقرار المجمع الفقهي إلا أن ما ذكر في القرار يمكن أن يناقش: بأن القول بجواز إلزام ولي الأمر بفحص المحتوى الوراثي لا يعني عدم صحة النكاح عند مخالفة أمره، بل النكاح صحيح لاستيفاء شروطه وأركانه، وإنما يجوز الإلزام نظرا للمصلحة الشرعية المترتبة على ذلك، ومن مهام ولي الأمر القيام على الرعية بما يصلح أمور دينهم ودنياهم، وقد يستدعي الأمر الإلزام بفحص المحتوى الوراثي في بعض الأحوال.
    فالصحيح أنه يجوز لولي الأمر إجبار المقبلين على الزواج على فحص المحتوى الوراثي إذا كان هناك حاجة لهذا الفحص ؛ كانتشار أمراض وراثية معينة ، وهذا يعد من باب السياسة الشرعية، فالسياسة الشرعية تقتضي الإلزام بهذا الفحص إذا دعت الحاجة إليه.
    وجواز هذا الإلزام تؤيده القواعد الفقهية التي تأمر بدفع الضرر، فقاعدة " الدفع أقوى من الرفع " تدل على أنه إذا أمكن دفع الضرر قبل وقوعه فهذا أولى وأسهل من رفعه بعد الوقوع، وقاعدة " لا ضرر ولا ضرار" و" الضرر يزال " و" الضرر يدفع بقدر الإمكان " تدل على منعِ كل ما يلحق الضرر بالناس ودفعه بما يمكن، وبفحص المحتوى الوراثي قبل الزواج يحصل دفع الضرر بإذن الله، ولو حصل بسبب إجراء الفحص ضرر فلا شك أنه أقل وأهون من الضرر المتحقق عند عدم الفحص وهو الإصابة بالمرض الذي لا علاج له، والمصالح المترتبة على الفحص أعظم من أي ضرر محتمل لإجرائه، فإجراء الفحص قبل الزواج لكلا الزوجين موافق لقواعد الشريعة.والمصال المترتبة على فحص المحتوى الوراثي قبل الزواج وما يشتمل عليه من المحافظة على الصحة والحد من انتشار الأمراض أعظم من المفاسد المذكورة، ومن المقرر أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، وأما عن التكاليف المادية، فإنه بالإمكان أن تتولى الدولة بنفسها قيمة تهيئة أماكن الفحص وتيسيرها لسائر الناس.
    لكن لابد من ضبط هذا الفحص ببعض الضوابط: كالتزام السرية في الكشف وعدم إخبار غير صاحب العلاقة بنتائج الفحص، واتصاف القائمين على تلك الفحوص في المستشفيات بالعدالة والأمانة والخبرة؛ وذلك كي يحقق هذا الفحص المصالح المرجوة منه.
    والذي يظهر لي - والله أعلم - أنه حتى في حالة الإلزام بإجراء فحص المحتوى الوراثي للمقبلين على الزواج، فإنه لا ينبغي الإلزام بنتيجة الفحص، بل يترك الخيار للخطيبين، فإما أن يقدما على هذا الزواج أو يتركانه، ولكنهما ينصحان في حال الرغبة في الإقدام على إتمام هذا الزواج أن يقوما - في حال الرغبة في الإنجاب - بعمل فحص المحتوى الوراثي على البويضة الملقحة؛ وذلك للتأكد من خلوها من المرض الوراثي قبل نقلها للرحم - كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى-.
    ونأتي الآن لبيان مسألة أخرى وهي : حكم اشتراط فحص المحتوى الوراثي على الخاطب:ولبيان ذلك أقول : إن ولي المرأة مؤتمن على موليته يختار لها الكفء الصالح، فهو راعٍ ومسؤول عن رعيته، فليس له أن يزوجها بشخص معيب بغير رضاها، كما أن لها ولوليها اشتراطَ ما لا يخالف مقتضى العقد، ومن تلك الشروط اشتراط فحص المحتوى الوراثي قبل الزواج، وذلك للأدلة الآتية:
    1- قوله صلى الله عليه وسلم: " المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً " (رواه الترمذي) ، واشتراط فحص المحتوى الوراثي على الخاطب لا يتضمن أحد الأمرين، فلا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً، بل فيه مصلحة ظاهرة للمرأة والرجل.
    2- قوله صلى الله عليه وسلم: " إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج "(رواه البخاري ومسلم ) ، ويدخل في هذا اشتراط فحص المحتوى الوراثي على الخاطب؛ وذلك لأنه لا ينافي عقد النكاح، ويحقق مصلحة للمخطوبة.
    3- أن الأب ومن في حكمه مسؤول عن موليته، وله اشتراط ما يضمن سلامتها وسعادتها، وقد قال صلى الله عليو وسلم: " ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم" (رواه البخاري ومسلم ).
    5- أن اشتراط فحص المحتوى الوراثي على الخاطب يحقق مصالح كثيرة ظاهرة، ويندفع بسببه - بإذن الله- مفاسد كثيرة، فهو من مصلحة المرأة، ولا ينافي مقتضى العقد.
    وقد جاء في فتوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في دورته الرابعة عشرة بدبلن في المدة من 14-18/1/1426هـ الموافق 23-27/2/2005م: " لا مانع من اشتراط أحد الخاطبين على الآخر إجراء الفحص الجيني قبل الزواج ".
    إلا أنه في حالة عدم وجود مظنة للإصابة بالمرض الوراثي فالأولى عدم الاشتراط وإحسان الظن بالله سبحانه وتعالى، وكذلك إحسان الظن بالناس ومشاعرهم؛ إذ الأصل السلامة.

    والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,798

    افتراضي رد: فحص المحتوى الوراثي (البصمة الوراثية )




    فحص المحتوى الوراثي بعد الزواج (3-3)
    د. محمد بن هائل المدحجي


    فحص المحتوى الوراثي بعد الزواج قد يكون قبل الحمل للبويضات الملقحة، أو بعد الحمل للأجنة في الأرحام، وبيان كلا النوعين كما يلي :
    أولاً : فحص المحتوى الوراثي قبل الحمل للبويضات الملقحة : ولتوضيح هذه المسألة أقول :
    أدى انتشار طريقة التلقيح الصناعي الخارجي إلى إمكانية تشخيص بعض الأمراض الوراثية في البويضة الملقحة إذا بدأت في الانقسام والتكاثر إلى خلايا، وذلك بأخذ خلية واحدة منها لفحصها، لمعرفة ما إذا كانت مصابة بالمرض الوراثي المطلوب فحصه أو لا، فإن كانت سليمة نقلت باقي الخلايا إلى الرحم، وإن كانت مصابة لم ينقل شيء منها، وهذه الطريقة تقلل من ولادة أطفال مصابين بأمراض وراثية، ولكن لها عيوب كثيرة أهمها ما يلي:
    1- أنها باهظة التكاليف.
    2- أنها لا تخلو من المحاذير الموجودة في التلقيح الصناعي الخارجي: كانكشاف عورة المرأة المغلظة.
    3- أن الخلية التي تنقل إلى الرحم على اعتبار أنها سليمة من المرض الوراثي قد تكون مصابة بمرض وراثي آخ؛ لأن الفحص الجيني لا يكون شاملاً لجميع الأمراض الوراثية، وإنما هو لأمراض معينة، فغايته سلامة الخلية من المرض الوراثي المفحوص فحسب.
    4- أن نسبة نجاح الحمل باستخدام طريقة التلقيح الخارجي لا تزال متدنية في أحسن المراكز العالمية، وهذا ما ينطبق على هذه الطريقة في الإنجاب، إلا أن النسبة سترتفع؛ نظراً لأن الزوجين لا يعانيان من العقم, ومن ثم تكون نسبة حدوث الحمل أكبر.
    5- إمكانية حدوث الحمل المتعدد بسبب التلقيح الصناعي.
    6- أن هذا الفحص لا يجري حتى الآن إلا في مراكز محدودة في العالم.
    وما تقدم من العيوب لا يؤثر في جواز إجراء فحص المحتوى الوراثي للبويضة الملقحة، لمعرفة وجود مرض وراثي فيها قبل نقلها إلى الرحم، إذا وجدت حاجة معتبرة: مثل وجود مرض وراثي في الزوجين أو أحدهما يمكن انتقاله إلى ذريتهما، وبهذا صدر قرار جمعية العلوم الطبية الإسلامية الأردنية،ويدل على الجواز :
    1- أن فحص المحتوى الوراثي للبويضة الملقحة لا يختلف عن التلقيح الصناعي خارج الجسد إلا في كون اللقائح يجرى لها الفحص قبل نقلها إلى الرحم, وما عدا ذلك فلا فرق بينهما, وقد ذهب جمهور أهل العلم المعاصرين إلى جواز التلقيح خارج الجسد؛ نظراً للحاجة إليه, وهذا المعنى موجود في فحص الخلايا, بل هو أولى, نظراً للمعاناة والمشقة الحاصلة بولادة طفل مشوه, وحينئذ يأخذ حكمه وهو الجواز.
    2- أن هناك مصالح مترتبة على إجراء فحص المحتوى الوراثي للبويضة الملقحة، وهي معرفة الأمراض الوراثية الموجودة فيها، وذلك لوقاية النسل منها، أما المفاسد المترتبة على هذا الفحص فتتمثل في أمرين:
    الأول: أنه يستلزم كشف العورة المغلظة: وهذا قد تقدم عند الحديث عن التلقيح الصناعي أنه لا حرج فيه عند قيام الحاجة.
    الثاني: ما يمكن أن يترتب على ذلك من إتلاف للبويضات الملقحة: وهذا لا حرج فيه أيضاً؛ وذلك لأن البويضة الملقحة لا تعد جنيناً، ولا حرمة لها قبل نقلها إلى الرحم على الصحيح.
    ومن قواعد الشريعة أنه "إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمها ضرراً بارتكاب أخفهما " وفي هذا الفحص تعارضت عندنا مفسدتان:
    الأولى: مفسدة عدم إجراء فحص المحتوى الوراثي للبويضة الملقحة.
    الثانية: المفسدة المترتبة على إجراء التلقيح خارج الجسد.
    فالواجب حينئذ النظر في كلتا المفسدتين، وتقديم أعظمهما ضرراً على أخفهما، وبالنظر نجد أن المفسدة الأولى أعظم؛ وذلك لما قد يترتب عليها من ولادة جنين مشوه, فيؤدي ذلك إلى معاناة أهله, وحصول آلام له ولوالديه, ثم إذا نظرنا إلى مفسدة إجراء التلقيح خارج الجسد نجد أنها أخف، لأنها تتعلق بكشف العورة المغلظة، فهي إذاً أخف من مفسدة عدم إجراء فحص المحتوى الوراثي للبويضة الملقحة، ومن ثَم فإن الواجب مراعاة المفسدة الأولى، وذلك بإجراء هذا الفحص.
    لكن لا بد من التنبه إلى أن القول بجواز الفحص قبل الحمل للبويضات الملقحة يجب أن يراعى فيه جميع الشروط التي اشترطها المجيزون للتلقيح الصناعي، والتي من أهمها :
    1- أن تدعو الحاجة لإجراء هذا الفحص، بأن يوجد مرض وراثي في الزوجين أو أحدهما يمكن انتقاله إلى ذريتهما.
    2- أن يتم مراعاة أحكام الفحص الطبي المتعلقة بكشف العورة، حيث يكون كشف العورة جائزاً عند الضرورة المقدرة بقدرها، وأن يكون المعالج امرأة مسلمة إن أمكن ذلك، وإلا فامرأةٌ غير مسلمة، وإلا فطبيب مسلم ثقة، وإلا فغير مسلم بهذا الترتيب، فإن كان الذي يجري عملية التلقيح رجلاً فيشترط انتفاء الخلوة.
    ونأتي الآن للحديث عن حكم الفحص الاختياري للمحتوى الوراثي بعد الحمل للأجنة في الأرحام ، فأقول وبالله التوفيق :
    ساعدت التقنيات الحديثة الخاصة بفحص المحتوى الوراثي على فحص الجنين أثناء الحمل، حيث تمكن الباحثون من تشخيص بعض الأمراض الوراثية التي يحملها الجنين، وذلك بأخذ عينة من خلايا الجنين ودراستها لتحليل الجينات، والغرض من هذا الفحص هو الاكتشاف المبكر للمرض الوراثي المصاب به الجنين، ومن ثم التمكن من التصرف والعلاج بما تتطلبه كل حالة، وإعطاء الاستشارة الوراثية للوالدين لاتخاذ القرار المناسب.
    وتوجد ثلاث وسائل رئيسة لفحص المحتوى الوراثي أثناء الحمل، وهي:
    الوسيلة الأولى: فحص السائل المحيط بالجنين (السائل الأمنيوسي):
    السائل الأمنيوسي هو السائل الذي يوجد فيه الجنين أثناء نموه في الرحم، ويوجد فيه أنواع من خلايا جسم الجنين؛ لأن الجنين أثناء نموه وتكوينه تذهب بعض خلاياه إلى هذا السائل، فيمكن معرفة التكوين الوراثي للجنين، وذلك بسحب عشرين ملليلتراً من هذا السائل بإبرة طويلة دقيقة تدخل في البطن فالرحم، ويتم ذلك بمساعدة جهاز الموجات فوق الصوتية الذي يحدد مكان الجنين والمشيمة والسائل، وذلك حتى يتفادى الطبيب إصابة الجنين أو المشيمة بأذى، ثم بعد ذلك يقوم الأخصائي بتحليل الخلايا الجينية الموجودة في السائل، وذلك بزراعتها في بيئة خاصة، ثم فحصها لمعرفة الأمراض الوراثية والتشوهات الموجودة فيها، وتتميز هذه الطريقة بسهولة إجرائها، وقلة مضاعفاتها، وتوفرها في معظم المراكز الطبية في دول العالم، وقلة تكلفتها المادية. أما أبرز عيوبها فهي:
    1- أن هذا الفحص يتم إجراؤه في وقت متأخر من الحمل، حيث يتم في الأسبوع الخامس عشر أو السادس عشر من الحمل, وتحتاج زراعة الخلايا عادة من عشرة أيام إلى أربعة عشر يوماً للحصول على النتائج، ومن ثم فلا تظهر نتائج الفحص إلا بعد مضي أربعة أشهر من الحمل، وحينئذ تنتفي الفائدة منها في إمكانية الإجهاض لمن تحمل جنيناً مشوهاً ؛ لكون الجنين قد نفخت فيه الروح.
    2- عملية سحب السائل من الحامل لا تخلو من مخاطر, فقد يتعرض الحمل للإسقاط، وقد يؤثر فقد جزء من السائل المحيط بالجنين على صحة الجنين واستمراره في الرحم، وقد وجد أن نسبة الإجهاض ترتفع بسبب استخدام هذه الوسيلة إلى (0.5%) وقد قدرت هذه النسبة في بعض المراجع الطبية بـ (1%).
    الوسيلة الثانية: أخذ عينة من المشيمة:
    حيث يوجد في المشيمة خلايا من الجنين، ويمكن أخذ عينة منها بإدخال قسطرة مرنة من عنق الرحم إذا كانت المشيمة منخفضة، كما يمكن أخذ عينة منها بإدخال إبرة في البطن إذا كانت المشيمة مرتفعة، وفي كلتا الطريقتين لابد من استخدام جهاز الموجات فوق الصوتية لتحديد مكان المشيمة، ثم تفحص خلايا المشيمة لمعرفة الإصابة بالمرض الوراثي، وتتميز هذه الطريقة بإمكانية عمل الفحص في مرحلة مبكرة من الحمل نسبياً، حيث يتم إجراء هذا الفحص في الأسبوع السابع أو الثامن من الحمل, وتحتاج زراعة الخلايا من عشرة أيام إلى أربعة عشرة يوماً للحصول على النتائج، مما يساعد على الحصول على النتائج قبل نفخ الروح في الجنين، أما عيوبها فهي أنها قد تسبب ارتفاعاً في نسبة الإجهاض تصل إلى (2% ) فوق المعدل الطبيعي.
    الوسيلة الثالثة: أخذ عينة دم من الحبل السري للجنين:
    يمكن أخذ عينة من دم الجنين من الحبل السري بواسطة إبرة رفيعة تدخل مباشرة في البطن فالرحم حتى تصل إلى الحبل السري الذي يمكن رؤيته بجهاز الموجات فوق الصوتية، وبعد سحب العينة تزرع الخلايا لتشخيص الجينات المعتلة الحاملة للأمراض الوراثية، ويكون إجراء هذا الفحص بعد الأسبوع الثامن عشر من الحمل، وذلك عند وجود قرائن على إصابة الجنين بمرض وراثي، وتتميز هذه الطريقة بأنها تتم بسهولة ويسر، كما أن نسبة حدوث المضاعفات فيها قليلة، أما عيوبها فتتمثل في أنه يتم إجراؤها بعد أن تكون الروح قد نفخت في الجنين، وبالتالي فلا فائدة منها في إتاحة فرصة الإجهاض لمن كانت تحمل جنيناً مشوهاً.
    وقد اختلف الباحثون المعاصرون في حكم فحص المحتوى الوراثي أثناء الحمل، والصحيح جواز إجراء فحص المحتوى الوراثي أثناء الحمل إذا تم إجراؤه والحصول على نتائجه قبل نفخ الروح في الجنين وإلا حرم، مع مراعاة شرطين للجواز هما :
    1- أن توجد الحاجة الداعية للتشخيص, وذلك بأن تكون هناك دلائل قوية على إصابة الحمل بمرض وراثي.

    2- انتفاء الضرر من هذا الفحص على الأم والجنين.
    ومن الأدلة على جواز هذا الفحص ما يلي :
    1- أن فحص المحتوى الوراثي أثناء الحمل هو وسيلة لمعرفة الأمراض الوراثية التي قد يصاب بها الجنين, والغرض من ذلك هو اتخاذ القرار الصحيح بإجهاضه, فحقيقة الفحص أنه وسيلة لتحقيق مقصود, وهو إجهاض الجنين المشوه أو المصاب بأمراض وراثية خطيرة, والقاعدة عند أهل العلم أن (الوسائل لها أحكام المقاصد), وإجهاض الجنين بعد نفخ الروح فيه أمر محرم باتفاق أهل العلم, فكذلك ما يؤدي إليه من طرق الفحص التي تكون بعد نفخ الروح, أما إجهاضه قبل نفخ الروح فيه فليس بممنوع, فكذلك ما يؤدي إليه من وسائل الفحص.
    2- أن الأصل هو تحريم كشف المرأة عورتها المغلظة, وبعض وسائل فحص المحتوى الوراثي أثناء الحمل فيها كشف للعورة المغلظة, وأخذ خلايا الجنين بعد نفخ الروح فيه لا يعد من مواطن الحاجات حتى يستثنى من الأصل الموجب للتحريم لعدم الفائدة, وهذا بخلاف أخذها قبل نفخ الروح فيه, فقد وجدت الحاجة الداعية لاستثنائه.
    3- أن طرق فحص المحتوى الوراثي أثناء الحمل إن كانت بعد نفخ الروح فهذا لا تترتب عليه أي مصلحة؛ نظرا لعدم تأتي حصول المقصود منه وهو إجهاض الجنين, كما أن علاجه متعذر, لأن الطب لم يتوصل بعد إلى مداواته وهو في الرحم بطرق آمنة من الضرر, بل المترتب عليه بعض المفاسد من كشف العورة المغلظة, وصرف الأموال, وما كـان بهذه المثابة فلا تأتي الشريعة بإباحته, بخلاف ما إذا تم الفحص قبل نفخ الروح في الجنين.

    والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •