البخل والشح وفضل الكرم والسخاء
جاء في ذم البخل والشح آيات عديدة وأحاديث كثيرة ، من ذلك :
قوله تعالى : (( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة وقوله سبحانه وتعالى " : وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "


وقوله عز وجل : " الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ "


وقوله تعالى : (هَا أَنْتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم).


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتقوا الظلم ؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة . واتقوا الشح ؛ فإنه أهلك من كان قبلكم ، حملهم على ان سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم بل أن البخل قد يصل إلى درجة الكبيرة من كبائر الذنوب ، فالكرم ليس مستحبا وإنما هو من الواجبات المحتمات على المسلم في كثير من الأحيان .


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – عن البخل والجبن - : " والبخل جنس تحته أنواع كبائر وغير كبائر .. وهذان داءان عظيمان ، الجبن والبخل ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " شر ما في رجل شح هالع ، وجبن خالع ، ولهذا قد يكونان من الكبائر الموجبة للنار ، كما دل عليه قوله تعالى (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (


وقال ابن القيم رحمه الله : " ولما كان البخيل محبوساً عن الإحسان ممنوعاً من البر والخير ، كان جزاؤه من جنس عمله ، فهو ضيق الصدر ، ممنوع من الانشراح ، ضيق العطن صغير النفس ، قليل الفرح ، كثير الهم والغم والحزن ، لا يكاد تقضي له حاجه ولا يعان على مطلوب ، فهو كرجل عليه جبة من حديد قد جمعت يداه إلى عنقه بحيث لا يتمكن من إخراجها ولا حركتها ، وكلما اراد إخراجها أو توسيع تلك الجبة لزمت كل حلقة من حلقها موضعها ، وهكذا البخيل كلما اراد أن يتصدق منعه بخله ، فبقي قلبه في سجنه كما هو .. والسخي قريب من الله تعالى ومن خلقه ومن أهله ومن أهله ، وقريب من الجنة ، وبعيد من النار . والبخيل بعيد من خلقه ، بعيد من الجنة ، قريب من النار ، فجود الرجل يحببه إلى أضداده ، وبخله ببغضه إلى أولاده ...


وقد روي في الأثر : عن الله عز وجل أقسم بعزته ألا يجاوره بخيل .. وفي الترمذي من كتاب البر .. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " السخي قريب من الله قريب من الجنة ، قريب من الناس ، بعيد عن النار ، والبخيل بعيد من الله ، بعيد من الجنة ، بعيد من الناس ، قريب من النار ، ولجاهل سخي أحب إلى الله عز وجل من عابد بخيل " .


قال ابن مفلح " قال أعرابي : عجباً للبخيل المتعجل للفقر الذي منه هرب ، والمؤخر للسعة التي إياها طلب ، ولعله يموت بين هربه وطلبه ، فيكون عيشه في الدنيا عيش الفقراء ، وحسابه في الآخرة حساب الأغنياء ، مع أنك لم تر بخيلاً إلا وغيره أسعد بماله منه ، لأنه في الدنيا مهتم بجمعه وفي الآخرة آثم بمنعه ، وغيره آمن في الدنيا من همه ، وناج في الآخرة من إثمه . ومن منثور كلام ابن المعتز : بشر مال البخيل بحادث أو وارث


قال الشاعر :


إذا جادت عليك الدنيا فجد بها على الناس طراً إنه تتقلب


فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب


وليعلم أن للكرم علامات وحدودا ، وللبخل كذلك دلائل وإشارات ، فالبعض يظن أنه من أكرم الكرماء ومن أهل الجود والسخاء لأنه يقوم بالواجبات الشرعية والحقوق العرفية ، ولا يعلم أن القيام بهذه الواجبات يخرجه من حد البخل فقط ، ولا تدخله في حدود الكرم والجود ، لأنه لو قصر في هذه الواجبات لعد بخيلاً فالكرم والجود فيما وراء ذلك .


فالكريم :


هو الذي يقوم بجميع الواجبات الشرعية والعرفية ، إضافة إلى كثير من المستحبات الشرعية والفضائل العرفية والمروءة ، ومن قام بواجب الشرع ولازم المروءة ، فقد تبرأ من البخل ولكن لا يتصف بصفة الجود ما لم يبذل زيادة على ذلك .


وقال الشيخ عبد الله البسام : - بعد أن ذكر كلام ابن قدامة السابق : " هنا ثلاثة أصناف إسراف ، وتقصير واقتصاد .


فالصنفان الأولان مذمومان ، والصنف الثالث محمود .


فالإسراف : هو مجاوزة الحد في النفقات المباحة أو النفقات المحرمة ، فهذا كله إسراف ممقوت .


الثاني: التقصير وهذا هو البخل ، وهو التقصير بالنفقات الواجبة أو النفقات المستحبة التي تقتضيها المروءة .


أما الصنف الثالث : المحمود : فهو الاقتصاد والتدبير ، وذلك هو القيام بالنفقات الواجبات من حقوق الله وحقوق خلقه ، من النفقات والديون الواجبات ، كما هو القيام بالنفقات المستحبة المرغوبة ما تقتضيه المروءة ، قال تعالى : " والذين إذا انفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً " فهذه من صفات عباد الرحمن والله الموفق.
انظر كتاب فضل البذل والعطاء للشيخ فالح بن جبر التليعة من 21 إلى 25 ومن 32 إلى 35